المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِهِ فِي إِنْكَارِ الْوُجُودِ كَوْنُهَا مَرْهُونَةً، فَيُطَالَبُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٤

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْقَرْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِهِ فِي إِنْكَارِ الْوُجُودِ كَوْنُهَا مَرْهُونَةً، فَيُطَالَبُ

فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِهِ فِي إِنْكَارِ الْوُجُودِ كَوْنُهَا مَرْهُونَةً، فَيُطَالَبُ بِجَوَابِ دَعْوَى الرَّهْنِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إِنْكَارِ الْوُجُودِ، فَقَدْ جُعِلَ نَاكِلًا، وَرُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْوُجُودِ، وَأَنْكَرَ رَهْنَهَا، قَبِلْنَا إِنْكَارَهُ، وَحَلَفَ لِجَوَازِ صِدْقِهِ فِي نَفْيِ الرَّهْنِ. وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ يَوْمَ رَهْنِ الْأَرْضِ، وَالْحُدُوثَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. فَإِذَا حَلَفَ، فَهِيَ كَالشَّجَرَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ فِي الْقَلْعِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا. هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ مِنْهُ بِإِنْكَارِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا بُدَّ مِنْ إِنْكَارِ الرَّهْنِ صَرِيحًا. وَالْحُكْمُ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي رَهْنِ تَبَرُّعٍ. فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَهْنٍ مَشْرُوطٍ فِي بَيْعٍ، تَحَالَفَا كَسَائِرِ صِفَاتِ الْبَيْعِ إِذَا اخْتُلِفَ فِيهَا.

‌فَصْلٌ

لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبَدَهُمَا بِمِائَةٍ، وَأَقْبَضَاهُ، فَأَنْكَرَا الرَّهْنَ، أَوِ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، فَنُصِيبُهُ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَذِّبِ فِي نَصِيبِهِ مَعَ يَمِينِهِ. فَلَوْ شَهِدَ الْمُصَدِّقِ لِلْمُدَّعِي عَلَى شَرِيكِ الْمُكَذِّبِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ، وَحَلَفَ الْمُدَّعِي، ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ. وَلَوْ زَعَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا رَهَنَ نَصِيبَهُ، وَأَنَّ شَرِيكَهُ رَهَنَ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ كَاذِبٌ ظَالِمٌ بِالْجُحُودِ. وَطَعْنُ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي الشَّاهِدِ، يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ لَهُ. وَأَصَحُّهُمَا: تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَا. فَإِنْ تَعَمَّدَا، فَالْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ. وَلِهَذَا، لَوْ تَخَاصَمَ رَجُلَانِ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي ذَلِكَ التَّخَاصُمِ. فَعَلَى هَذَا، إِذَا حَلَفَ مَعَ

ص: 113

كُلِّ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ، ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الَّذِي شَهِدَ أَوَّلًا يُقْبَلُ، دُونَ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ انْتَهَضَ خَصْمًا مُنْتَقِمًا.

فَرْعٌ

ادَّعَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا وَأَقْبَضَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ. وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا، فَنِصْفُ الْعَبْدِ رَهْنٌ عِنْدِهِ، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ. وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَذِّبِ؟ قَالَ ابْنُ كَجٍّ: نَعَمْ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: لَا. وَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا ادَّعَيَا حَقًّا أَوْ مَلِكًا بِابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَصُدِّقَ أَحَدُهُمَا، هَلْ يَسْتَبِدُّ بِالنِّصْفِ، أَمْ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. إِنْ قُلْنَا: يَسْتَبِدُّ، قُبِلَتْ، وَإِلَّا، فَلَا ; لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ لَمْ يُنْكِرْ إِلَّا الرَّهْنَ، قُبِلَ. وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ، فَحِينَئِذٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ دَعْوَاهُمَا الْإِرْثُ وَغَيْرُهُ. وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ، الْقَبُولُ إِنْ كَانَتِ الْحَالُ لَا تَقْتَضِي الشَّرِكَةَ، وَالْمَنْعُ إِنِ اقْتَضَتْ ; لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ.

فَرْعٌ

مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ

ادَّعَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو عَلَى ابْنَيْ بَكْرٍ، أَنَّهُمَا رَهَنَا عِنْدَهُمَا عَبَدَهُمَا الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا بِمِائَةٍ، فَصَدَّقَا أَحَدَ الْمُدَّعِيَيْنِ، ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَكَانَ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الْمِائَةِ، وَنِصْفُ نَصِيبِ كَلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِهِ. وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ زَيْدًا، وَالْآخِرُ عَمْرًا، ثَبَتَ الرَّهْنُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي رُبُعِهِ بِرُبُعِ الْمِائَةِ. فَلَوْ شَهِدَ

ص: 114

أَحَدُ الِاثْنَيْنِ عَلَى أَخِيهِ، قُبِلَتْ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ لِلْآخَرِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

فَرْعٌ

مَنْصُوصٌ فِي الْمُخْتَصَرِ

ادَّعَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: رَهَنْتَنِي عَبْدَكَ هَذَا وَأَقْبَضْتَنِيهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا. وَإِنْ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا، وَصَدَّقَ الْآخَرَ، قُضِيَ بِالرَّهْنِ لِلْمُصَدَّقِ. وَفِي تَحْلِيفِهِ لِلْمُكَذِّبِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا. فَإِنْ قُلْنَا: يَحْلِفُ، فَنَكَلَ، فَحَلَفَ الْمُكَذِّبِ يَمِينَ الرَّدِّ، فَفِيمَا يَسْتَفِيدُ بِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْضَى لَهُ بِالرَّهْنِ وَيُنْزَعُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنَ الْمَالِكِ، لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ. وَإِنْ صَدَّقَهُمَا جَمِيعًا، نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا السَّبْقَ، أَوِ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ، وَصَدَّقَاهُ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ تَنَازَعَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَاعْتَرَفَ لَهُمَا، وَأَصَحُّهُمَا: يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ وَلِيَّانِ وَلَمْ يُعْرَفِ السَّابِقُ. وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ السَّبْقَ، وَأَنَّ الرَّاهِنَ عَالِمٌ بِصِدْقِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، قُضِيَ لَهُ. وَإِنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا، تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ السَّابِقِ، وَعَادَ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ صُدِّقَ أَحَدُهُمَا فِي السَّبْقِ، وَكُذِّبَ الْآخَرُ، قُضِيَ لِلْمُصَدَّقِ. وَهَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُكَذَّبُ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: مُقْتَضَى الصِّدْقِ، فَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُكَذَّبِ. فَإِنْ كَانَ، فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ. وَأَظْهَرُهُمَا: الْمُصَدَّقُ يُقَدَّمُ ; لِأَنَّ الْيَدَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الرَّهْنِ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا،

ص: 115

فَالْمُصَدَّقُ مُقَدَّمٌ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ، الْقَوْلَانِ. وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بِسَبْقِ الْقَبْضِ، لَا الْعَقْدِ. حَتَّى لَوْ صَدَقَ هَذَا فِي سَبْقِ الْعَقْدِ، وَهَذَا فِي سَبْقِ الْقَبْضِ، قُدِّمَ الثَّانِي.

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: رَهَنْتُهُ عِنْدَ أَحَدِكُمَا، وَنَسِيْتُ، حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. فَإِنْ نَكَلَ، رُدَّتْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا، انْفَسَخَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ فِي الطُّرُقِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَصْحَابِ. وَخَرَجَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ، بَلْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْوَسِيطِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، تَحَالَفَا عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ نَكَلَ. وَفِي وَجْهٍ: انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

دَفَعَ مَتَاعًا إِلَى رَجُلٍ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى غَيْرِهِ لِيَسْتَقْرِضَ مِنْهُ لِلدَّافِعِ وَيَرْهَنَ الْمَتَاعَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ: اسْتَقْرَضَ مِائَةً وَرَهْنَهُ بِهَا، وَقَالَ الْمُرْسِلُ: لَمْ آذَنْ إِلَّا فِي خَمْسِينَ، نُظِرَ، إِنْ صَدَّقَ الرَّسُولُ الْمُرْسِلَ، فَالْمُرْسَلُ إِلَيْهِ مُدَّعٍ عَلَى الْمُرْسِلِ بِالْإِذْنِ، وَعَلَى الرَّسُولِ بِالْأَخْذِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا فِي نَفْيِ دَعْوَاهُ. وَإِنْ صَدَّقَ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِ، فَالْقَوْلُ فِي نَفِي الزِّيَادَةِ قَوْلُ الْمُرْسَلِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ عَلَى الرَّسُولِ بِالزِّيَادَةِ إِنْ صَدَّقَهُ فِي الدَّفْعِ إِلَى الْمُرْسِلِ ; لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ. وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، رَجَعَ عَلَيْهِ. هَكَذَا ذَكَرَهُ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّسُولِ وَإِنْ صِدَّقَهُ فِي الدَّفْعِ إِلَى الْمُرْسِلِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: الْقَبْضُ. فَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَبْضِ الْمَرْهُونِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ النِّزَاعِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ:

ص: 116

قَبَضْتُهُ عَنِ الرَّهْنِ، وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فَقَالَ: بَلْ غَصَبْتَنِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ قَبْضَتَهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَأْذُونٍ فِيهَا، بِأَنْ قَالَ: أَوْدَعْتُكَهُ، أَوْ أَعَرْتُ، أَوْ أَكْرَيْتُ، أَوْ أَكْرَيْتُهُ لِفُلَانٍ فَأَكْرَاكَهُ، فَهَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَبْضٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، أَوْ قَوْلُ الرَّاهِنِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ، فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، حَيْثُ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ، وَصَادَفَنَا الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَعَارَهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا حُصُولُ الْقَبْضِ، لِقُوَّةِ يَدِهِ بِالْمِلْكِ. وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ. وَلَوْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ فِي إِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَلَى جِهَةِ الرَّهْنِ، وَلَكِنْ قَالَ: رَجَعْتُ قَبْلَ قَبْضِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ يَقْبِضْهُ بَعْدُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْتُهُ، فَمَنْ كَانَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ مِنْهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَعَلَيْهِ حَمَلُوا النَّصَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي «الْأُمِّ» .

فَرْعٌ

إِقْرَارُ الرَّاهِنِ بِإِقْبَاضِ الْمَرْهُونِ، مَقْبُولٌ مُلْزِمٌ، لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ. حَتَّى لَوْ قَالَ: رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي بِالشَّامِ، وَأَقْبَضْتُهُ إِيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ، فَهُوَ لَاغٍ. وَلَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْإِقْبَاضِ فِي مَوْضِعِ الْإِمْكَانِ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ إِقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ، فَحَلَّفُوهُ أَنَّهُ قَبَضَ، نُظِرَ، إِنْ ذَكَرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا، بِأَنْ قَالَ: كُنْتُ أَقَبَضْتُهُ بِالْقَوْلِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْفِي قَبْضًا، أَوْ وَقْعَ إِلَيَّ كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي بِأَنَّهُ أَقْبَضَ وَكَانَ مُزَوَّرًا، أَوْ قَالَ: أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ قَبْلَ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ، فَلَهُ تَحْلِيفُهُ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ: يُحَلِّفُهُ، وَبِهِ قَالَ:

ص: 117

ابْنُ خَيْرَانَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمَرَاوِزَةِ: لَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ.

قُلْتُ: طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَفْقَهُ وَأَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ حَكَى فِي «الْوَسِيطِ» وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا. وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى إِقْرَارِهِ، بَلْ أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يُحَلِّفُهُ وَإِنْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا ; لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي إِلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا فَرْقَ، لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ. وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْضِ، فَلَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِحَالٍ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِهِ، فَقَالَ: مَا أَقْرَرْتُ ; لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِيَ: أَقْبَضْتُ، ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ، فَلَا خِيَارَ لَكَ فِي الْبَيْعِ، وَأَقَامَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ حُجَّةً، فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ تَحْلِيفَهُ، فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي إِقْرَارِ الرَّهْنِ وَطَلَبِ الرَّاهِنِ يَمِينَ الْمُرْتَهِنِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا، مَا إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَقْرَرْتُ وَأَشْهَدْتُ لِيُقْرِضَنِي، ثُمَّ لَمْ يُقْرِضْنِي، وَكَذَا سَائِرُ نَظَائِرِهَا.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْجِنَايَةُ، وَهِيَ ضَرْبَانِ.

الْأَوَّلُ: جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، فَأَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ الْجَانِي، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُتَرَاهِنَانِ أَوْ كَذَّبَاهُ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ فَقَطْ، أَخَذَ الْأَرْشَ وَفَازَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهَنِ التَّوَثُّقُ بِهِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَطْ، أَخَذَ الْأَرْشَ وَكَانَ مَرْهُونًا.

ص: 118

فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَرُدُّ الْأَرْشَ إِلَى الْمُقِرِّ. وَالثَّانِي: يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: جِنَايَةُ الْمَرْهُونِ، وَالنِّزَاعُ فِي جِنَايَتِهِ، يَقَعُ تَارَةً بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ، وَتَارَةً قَبْلَهُ.

الْحَالُ الْأَوَّلُ: بَعْدَهُ، فَإِذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِأَنَّهُ جَنَى، وَوَافَقَهُ الْعَبْدُ أَمْ لَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِذَا بِيعَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إِلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ. وَلَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِجِنَايَتِهِ، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا: أَنَّهُ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الرَّاهِنِ، وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الْجِنَايَةِ، وَيُغَرَّمُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ.

الْحَالُ الثَّانِي: تَنَازَعَا فِي جِنَايَتِهِ قَبْلَ لُزُومِ الرَّهْنِ، فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَنَّهُ كَانَ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ، أَوْ عَيَّنَهُ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، أَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ، فَالرَّهْنُ مُسْتَمِرٌّ بِحَالِهِ. وَإِنْ عَيَّنَهُ وَادَّعَاهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، نُظِرَ، إِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ، بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ. وَإِنْ كَذَّبَهُ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: كُنْتُ غَصَبْتُهُ، أَوِ اشْتَرَيْتُهُ شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ بِعْتُهُ، أَوْ وَهَبْتُهُ وَأَقْبَضْتُهُ وَأَعْتَقْتُهُ. وَلَا حَاجَةَ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ إِلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ وَدَعْوَاهُ، بِخِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ فِي بَاقِي الصُّوَرِ. وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، نُفِّذَ، وَإِلَّا، فَلَا، كَالْإِعْتَاقِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ هَذَا الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الرَّاهِنِ، فَالْقَوْلُ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ. وَإِذَا حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الرَّهْنُ، فَهَلْ يَغْرَمُ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ. قَالَ الْأَئِمَّةُ أَظْهَرُهُمَا: يُغَرَّمُ كَمَا لَوْ قَبِلَهُ ; لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ، وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَقَرَّ بِالدَّارِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ لِعَمْرٍو،

ص: 119

هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو؟ وَيُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلَيِ الْغُرْمُ لِلْحَيْلُولَةِ ; لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ حَالَ بَيْنَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ ثَانِيًا وَبَيْنَ حَقِّهِ.

فَإِنْ قُلْنَا: يَغْرَمُ، طُولِبَ فِي الْحَالِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِذَا أَيْسَرَ. وَفِيمَا يَغْرَمُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ. وَثَانِيهِمَا: الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَغْرَمُ الْأَقَلُّ قَطْعًا، كَأُمِّ الْوَلَدِ، لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِنِّ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَغْرَمُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَوْ مَلَكَهُ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَكَذَا لَوِ انْفَكَّ رَهْنُهُ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ نَكَلَ، فَعَلَى مَنْ تُرَدُّ الْيَمِينُ؟ قَوْلَانِ. وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الرَّاهِنِ ; لِأَنَّهُ مَالِكُ الْعَبْدِ، وَالْخُصُومَةُ تَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ. وَأَظْهَرُهُمَا: عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَالرَّاهِنُ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا. فَإِذَا حَلَفَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، بِيعَ الْعَبْدُ فِي الْجِنَايَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهَنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ ; لِأَنَّ فَوَاتَهُ حَصَلَ بِنُكُولِهِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ الْوَاجِبُ قِيمَتَهُ، بِيعَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْأَرْشِ. وَهَلْ يَكُونُ الْبَاقِي رَهْنًا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا ; لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ، كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَإِذَا رَدَدْنَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَنَكَلَ، فَهَلْ يُرَدُّ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ. وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا ; لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُرَدُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. فَعَلَى هَذَا، نُكُولُ الرَّاهِنِ كَحَلِفِ الْمُرْتَهِنِ فِي تَقْرِيرِ الرَّهْنِ. وَهَلْ يَغْرَمُ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَإِنْ رَدَدْنَاهُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَنَكَلَ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَسْقُطُ دَعْوَاهُ، وَانْتَهَتِ الْخُصُومَةُ.

وَطَرَدَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الرَّدِّ مِنْهُ عَلَى الرَّاهِنِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي عَكْسِهِ. وَإِذَا لَمْ تُرَدَّ، لَا يَغْرَمُ لَهُ الرَّاهِنُ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَتُحَالُ الْحَيْلُولَةُ عَلَى نُكُولِهِ، هَذَا تَمَامُ التَّفْرِيعِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ. فَإِنْ قَبِلْنَاهُ، فَهَلْ يَحْلِفُ، أَمْ يَقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ؟ قَوْلَانِ، أَوْ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا:

ص: 120

لَا يَحْلِفُ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلزَّجْرِ لِيَرْجِعَ الْكَاذِبُ. وَهُنَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: يَحْلِفُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. وَسَوَاءٌ حَلَّفْنَاهُ، أَمْ لَا، فَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الْجِنَايَةِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَلِلْمُرْتَهَنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ. وَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ، لِأَنَّا إِنَّمَا حَلَّفْنَا الرَّاهِنَ لِحَقِّهِ. وَفِي فَائِدَةِ حَلِفِهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّ فَائِدَتَهُ: تَقْدِيرُ الرَّهْنِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَا هُوَ قِيَاسُ الْخُصُومَاتِ.

وَالثَّانِي: فَائِدَتُهُ: أَنْ يَغْرَمَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ، لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الْجِنَايَةِ بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَهَلْ يَغْرَمُ الرَّاهِنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِكَوْنِهِ حَالَ بِنُكُولِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَهَلْ لِلْمُرْتَهَنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِفَوَاتِ الْعَيْنِ الْمَشْرُوطَةِ. وَالثَّانِي: لَا، لِحُصُولِ الْوَثِيقَةِ بِالْقِيمَةِ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ، بِيعَ الْعَبْدُ فِي الْجِنَايَةِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، لَا غُرْمَ عَلَى الرَّاهِنِ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَبْنِيُّ عَلَى أَنَّ رَهْنَ الْجَانِي لَا يَصِحُّ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ قَطْعًا، فَيَغْرَمُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِرُّ الرَّهْنُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ يَحُلُّ بِلُزُومِ الرَّهْنِ ; لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ لَوْ عَجَزَ عَنْ تَغْرِيمِ الرَّاهِنِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ عَلَى الْعَبْدِ، فَلَوْ قَالَ، ثُمَّ عَفَا عَلَى مَالٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ.

فَرْعٌ

لَوْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ وَقُلْنَا: لَا يُقْبَلُ، فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُجْعَلُ كَإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ.

ص: 121

وَفِيهِ الْأَقْوَالُ ; لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إِنْشَاءَ أَمْرٍ، قُبِلَ إِقْرَارُهُ بِهِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي نُفُوذِهِ وَجْهَيْنِ، مَعَ قَوْلِنَا: يُنَفَّذُ الْإِنْشَاءُ.

فَرْعٌ

رَهْنُ الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ جَائِزٌ، وَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ، لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ. فَإِذَا رَهَنَ جَارِيَةً، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ الِانْفِصَالُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ إِلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، فَقَالَ الرَّاهِنُ: هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، وَكُنْتُ وَطِئْتُهَا قَبْلَ لُزُومِ الرَّهْنِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ، وَلِلْمُرْتَهَنِ فَسْخُ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ رَهْنُهَا. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَا بَيِّنَةَ، فَفِي قَبُولِ إِقْرَارِهِ لِثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، قَوْلَانِ، كَإِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ وَنَظَائِرِهِ، وَالتَّفْرِيعُ كَمَا سَبَقَ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ. وَلَوْ لَمْ يُصَادِفْ وَلَدًا فِي الْحَالِ، وَزَعْمَ الرَّاهِنُ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الرَّهْنِ، فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَالْخِلَافُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يَحْلِفُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، تَحْلِفُ الْمُسْتَوْلِدَةُ، فَإِنَّهَا فِي مَرْتَبَتِهِ، وَفِي الْعِتْقِ يَحْلِفُ الْعَبْدُ.

قُلْتُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يُنَفَّذِ اسْتِيلَادُهُ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ، وَإِلَّا، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي إِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ، أَصَحُّهُمَا: يُقْبَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ بَاعَ عَبْدًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ غَصَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ، أَوِ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ظَاهِرًا، وَيُخَالِفُ إِقْرَارَ الرَّاهِنِ،

ص: 122