الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الضَّمَانِ
هُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ بَابَانِ.
الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ.
الْأَوَّلُ: الْمَضْمُونُ عَنْهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْإِتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَائِزٌ، فَضَمَانُهُ أَوْلَى، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا سَوَاءٌ خَلَّفَ وَفَاءً أَمْ لَا، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حُرًّا، أَمْ عَبْدًا، أَمْ مُعْسِرًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمَضْمُونُ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ شَرَطْنَاهُ، لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ لَفْظًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ شَرَطْنَاهُ، فَلْيَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّمَانِ مَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ. وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْهُ، جَازَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الرِّضَى عَلَى الضَّمَانِ. فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، فَهُوَ إِجَارَةٌ إِنْ جَوَّزْنَا وَقْفَ الْعُقُودِ، قَالَهُ الْإِمَامُ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِنَا: لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، فَقَالَ: إِذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، نُظِرَ إِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَالْمَضْمُونُ لَهُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ طَالَبَ الضَّامِنَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، فَحَيْثُ قُلْنَا: يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، يُجْبَرُ الْمَضْمُونُ لَهُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَدِّ دَيْنِي وَلَمْ يَشْتَرِطِ الرُّجُوعَ، وَقُلْنَا: لَا يَرْجِعُ. وَهَلْ لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْقَبُولِ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى يَقَعُ فِدَاءً، أَمْ مَوْهُوبًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؟ إِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، فَحَصَلَ فِي مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ،
وَلَهُ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ لَهُ فَقَطْ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُمَا. وَالثَّالِثُ: لَا. وَرَابِعٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَقَطْ، وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.
قُلْتُ: وَإِذَا شَرَطْنَا قَبُولَ الْمَضْمُونِ لَهُ، فَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَنِ الضَّمَانِ قَبْلَ قَبُولِهِ، قَالَهُ فِي «الْحَاوِي» لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الضَّمَانُ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الضَّامِنُ. وَشَرْطُهُ: صِحَّةُ الْعِبَارَةِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ. أَمَّا صِحَّةُ الْعِبَارَةِ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُبَرْسَمُ الَّذِي يَهْذِي، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ. وَلَوْ ضَمِنَ إِنْسَانٌ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ صَبِيًّا يَوْمَ الضَّمَانِ، وَكَانَ مُحْتَمَلًا، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْتُ مَجْنُونًا وَقَدْ عُرِفَ لَهُ جُنُونٌ سَابِقٌ، أَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي ضَمَانِ السَّكْرَانِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ.
قُلْتُ: هَذَا فِي السَّكْرَانِ بِمَعْصِيَةٍ. فَأَمَّا السَّكْرَانُ بِمُبَاحٍ، فَكَالْمَجْنُونِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْأَخْرَسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، وَلَا كِتَابَةٌ، لَمْ نَعْرِفْ أَنَّهُ ضَمِنَ حَتَّى نُصَحِّحَ أَوْ نُبْطِلَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، صَحَّ ضَمَانُهُ بِهَا كَبَيْعِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، إِذْ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. وَلَوْ ضَمِنَ بِالْكِتَابَةِ، فَوَجْهَانِ، سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْإِشَارَةَ، أَمْ لَا. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي النَّاطِقِ وَفِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. كَذَا قَالَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَّالِيُّ: إِنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ. وَأَمَّا حَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ، فَهُوَ قَرْضٌ مَحْضٌ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، حُسِبَ مِنْ ثُلُثِهِ. وَإِنَ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا فَلَا يَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ. فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ، فَلْيَكُنْ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ، هُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إِنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا، فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ كَالْقَرْضِ، كَانَ الْقَرْضُ تَبَرُّعًا. وَقَوْلُهُ: إِذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ، كَانَ كَالْبَيْعِ، يَعْنِي فَيَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ، فَاسِدٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الْبَيْعَ، إِنَّمَا صَحَّ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْذَنُ إِلَّا فِيمَا فِيهِ رِبْحٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ، وَالضَّمَانُ غَرَرٌ كُلُّهُ بِلَا مَصْلَحَةٍ. وَأَمَّا ضَمَانُ الْمَرِيضِ، فَقَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : هُوَ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ. وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ مِنَ الثُّلُثِ، صَحَّ فِيهِ. فَلَوْ ضَمِنَ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرَقٍ، قُدِّمَ الدَّيْنُ وَلَا يُؤَثِّرُ تَأَخُّرُ الْإِقْرَارِ بِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، فَضَمَانُهُ كَشِرَائِهِ.
فَرْعٌ
ضَمَانُ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ، مُزَوَّجَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِ الزَّوْجِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا.
فَرْعٌ
فِي ضَمَانِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ
يُتْبَعُ بِهِ إِذَا عُتِقَ، إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَى سَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ. ثُمَّ إِنْ قَالَ: اقْضِهِ مِمَّا تَكْسِبُهُ، أَوْ قَالَ لِلْمَأْذُونِ: اقْضِهِ مِمَّا فِي يَدِكَ، قَضَى مِنْهُ. وَإِنْ عَيَّنَ مَالًا وَأَمَرَ بِالْقَضَاءِ مِنْهُ، فَكَمِثْلٍ. وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَالْمَهْرِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يُعْتَقَ لِأَنَّهُ أُذِنَ فِي الِالْتِزَامِ دُونَ الْأَدَاءِ. وَالثَّالِثُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ أَمْ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدُ؟ أَمْ بِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ مِنَ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ؟ أَمْ بِهِمَا وَبِرَأْسِ الْمَالِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: آخِرُهَا.
وَحَيْثُ قُلْنَا: يُؤَدِّي مِمَّا فِي يَدِهِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، أَحَدُهَا: يُشَارِكُ الْمَضْمُونُ لَهُ الْغُرَمَاءَ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِمَا فِي يَدِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِحُقُوقِ الْغُرَمَاءِ. وَالثَّالِثُ: يَتَعَلَّقُ بِمَا فَضَلَ عَنْ حُقُوقِهِمْ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهَا: الثَّالِثُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَحْجُرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ. فَإِنْ حَجَرَ بِاسْتِدْعَاءِ الْغُرَمَاءِ، لَمْ يَتَعَلَّقِ الضَّمَانُ بِمَا فِي يَدِهِ قَطْعًا. وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، أَوْ كَانَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ. فَإِنْ ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ، صَحَّ قَطْعًا. وَيَجُوزُ إِنْ ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ، أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُؤَنِ وَالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ، هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ وَالْمُكَاتَبُ بِلَا إِذْنٍ، كَالْقِنِّ، وَبِالْإِذْنِ، قَالُوا: هُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَبَرُّعَاتِهِ.
فَرْعٌ
ضَمِنَ عَبْدٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَدَّى فِي حَالِ رِقِّهِ، فَحَقَّ الرُّجُوعُ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ، فَالرُّجُوعُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ ضَمِنَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ لِأَجْنَبِيٍّ عَنْ سَيِّدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ السَّيِّدُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ. وَإِنْ أَذِنَ، صَحَّ. ثُمَّ إِنْ أَدَّى قَبْلَ عِتْقِهِ، فَلَا رُجُوعَ، وَبَعْدَهُ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي الْمُدَّةِ، هَلْ يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ؟
قُلْتُ: لَوْ ثَبَتَ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ بِالْمُعَامَلَةِ فَضَمِنَهُ سَيِّدُهُ، صَحَّ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ دَيْنًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مِنَ التِّجَارَةِ، فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، قَالَهُ فِي «الْحَاوِي» - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْحَقُّ الْمَضْمُونُ، وَشَرْطُهُ ثَلَاثُ صِفَاتٍ: كَوْنُهُ ثَابِتًا، لَازِمًا، مَعْلُومًا.
الصِّفَةُ الْأُولَى: الثُّبُوتُ، وَفِيهَا مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: إِذَا ضَمِنَ مَا لَمْ يَجِبْ، وَسَيَجِبُ بِقَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَشِبْهِهِمَا، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ، فَلَا تَسْبِقُ وُجُوبَ الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ. وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ. الْجَدِيدُ: الْبُطْلَانُ، وَالْقَدِيمُ: الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ، فُرُوعًا عَلَى الْقَدِيمِ. أَحَدُهَا: إِذَا قَالَ ضَمِنْتُ لَكَ ثَمَنَ مَا تَبِيعُ فُلَانًا، فَبَاعَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، كَانَ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ (مَا) مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، فَتَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: إِذَا بِعْتَ فُلَانًا، فَأَنَا ضَامِنٌ، لَا يَكُونُ ضَامِنًا إِلَّا ثَمَنَ مَا بَاعَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ (إِذَا) لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ. وَالثَّانِي: إِنْ شَرَطْنَا مَعْرِفَةَ الْمَضْمُونِ لَهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ. وَكَذَا مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ
عَنْهُ. وَالثَّالِثُ: لَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ مَا لَمْ يَجِبِ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ لُزُومِهِ. وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى اللُّزُومِ. وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَقَالَ: أَقْرِضْ فُلَانًا كَذَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَأَقْرَضَهُ، فَالصَّحِيحُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ضَمَانُ نَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ لِلزَّوْجَةِ، صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَتْ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ أَوِ الْمُعْسِرِينَ. وَكَذَا ضَمَانُ الْأُدُمِ، وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ، وَسَائِرُ الْمُؤَنِ. وَلَوْ ضَمِنَ نَفَقَةَ الْيَوْمِ، فَكَمِثْلٍ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَفِي ضَمَانِ نَفَقَةِ الْغَدِ وَالشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ أَمْ بِالتَّمْكِينِ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَدِيمُ، صَحَّ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَهُوَ الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ، فَلَا، هَكَذَا نَقَلَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعَ قَوْلِنَا: ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ نَاجِزٌ وَهُوَ النِّكَاحُ. فَإِنْ جَوَّزْنَا ضَمَانَ نَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَهُ شَرْطَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدِّرَ مُدَّةً. فَإِنْ أَطْلَقَ، لَمْ يَصِحَّ فِيمَا بَعْدَ الْغَدِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ قَالَ أَجَّرْتُكَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، هَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ؟
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مُوسِرًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَعْسَرَ. وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهٌ، أَنَّهُ يَجُوزُ ضَمَانُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ حَالِهِ.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ ضَمَانُ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. وَفِي نَفَقَةِ يَوْمِهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ. وَلِهَذَا، تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَبِضِيَافَةِ الْغَيْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: بَاعَ شَيْئًا فَخَرَجَ مُسْتَحِقًّا، لَزِمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى
شَرْطٍ وَالْتِزَامٍ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَمِنَ الْحَمَاقَةِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْقَبَالَاتِ. وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ ضَامِنٌ لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا، فَهَذَا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ، وَيُسَمَّى ضَمَانُ الدَّرْكِ. أَمَّا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ، فَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» إِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِالْتِزَامِهِ مَا فِي عُهْدَةِ الْبَائِعِ رَدَّهُ، وَالدَّرْكُ لِالْتِزَامِهِ الْغُرْمَ عِنْدَ إِدْرَاكِ الْمُسْتَحِقِّ عَيْنَ مَالِهِ. وَفِي صِحَّةِ هَذَا الضَّمَانِ، طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ قَطْعًا. وَأَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ. فَإِنْ صَحَّحْنَا، فَذَلِكَ إِذَا ضَمِنَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَأَمَّا قَبْلَهُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا. الْمَنْعُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَةٌ بِأَنْ لَا يُسَلِّمَ الثَّمَنَ إِلَّا بَعْدَهُ.
فَرْعٌ
كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِلْمُشْتَرِي، يَصِحُّ ضَمَانُ نَقْصِ الصَّنْجَةِ لِلْبَائِعِ بِأَنْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِصَنْجَةٍ وَوَزَنَ بِهَا الثَّمَنَ، فَاتَّهَمَهُ الْبَائِعُ فِيهَا، فَضَمِنَ ضَامِنٌ نَقْصَهَا إِنْ نَقَصَتْ. وَكَذَا ضَمَانُ رَدَاءَةِ الثَّمَنِ إِذَا شَكَّ الْبَائِعُ، هَلِ الْمَقْبُوضُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ؟ فَإِذَا خَرَجَ نَاقِصًا، أَوْ رَدِيئًا، طَالَبَ الْبَائِعُ الضَّامِنَ بِالنَّقْصِ وَبِالنَّوْعِ الْمُسْتَحَقِّ إِذَا رَدَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي نَقْصِ الصَّنْجَةِ، صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ. فَإِذَا حَلَفَ، طَالَبَ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ وَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتَهُ. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالضَّامِنُ فِي نَقْصِهَا، فَالْمُصَدَّقُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ مَشْغُولَةً.
فَرْعٌ
لَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ، إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا وَرَدَّهُ، أَوْ بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ بِغَيْرِ
الِاسْتِحْقَاقِ كَفَوَاتِ شَرْطٍ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيْعِ، أَوِ اقْتِرَانِ شَرْطٍ مُفْسِدٍ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ لِلْحَاجَةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِنُدُورِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْمَعِيبِ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ إِذَا ضَمِنَ صَرِيحًا، فَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَّالِيُّ وَجْهَيْنِ فِي انْدِرَاجِهِ تَحْتَ مُطْلَقِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ.
فَرْعٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِضَمَانِ الدَّرْكِ
إِحْدَاهَا: مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الضَّمَانِ، أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ لَكَ عُهْدَتَهُ، أَوْ دَرْكَهُ، أَوْ خَلَاصَكَ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ خَلَاصَ الْمَبِيعِ، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إِذَا اسْتَحَقَّ. وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا، لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُ الْخَلَاصِ. وَفِي الْعُهْدَةِ قَوْلَا الصَّفْقَةِ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ، بَطَلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ كَفِيلًا بِالثَّمَنِ.
الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا لِلضَّامِنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْرُ الثَّمَنِ فِي الْمُرَابَحَةِ مَعْلُومًا.
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ ضَمَانُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لَوْ خَرَجَ رَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلَمِ لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا، لَأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ، وَحِينَئِذٍ يُطَالِبُهُ الْمُسْلَمُ بِمِثْلِهِ لَا بِرَأْسِ الْمَالِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، فَالْمُشْتَرِي يُطَالِبُ مَنْ شَاءَ مِنَ الْبَائِعِ وَالضَّامِنِ. وَلَا فَرْقَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مُسْتَحِقًّا أَوْ كَانَ شِقْصًا ثَبَتَ فِيهِ شُفْعَةٌ بِبَيْعٍ سَابِقٍ، فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ الْبَيْعِ، وَلَوْ بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَفِي
مُطَالَبَتِهِ الضَّامِنَ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ كَالِاسْتِحْقَاقِ. وَالثَّانِي: لَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِإِمْكَانِ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ. وَلَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي، فَفِي مُطَالَبَتِهِ الضَّامِنَ بِالثَّمَنِ، وَجْهَانِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يُطَالِبَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ هُنَا بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ مَجْلِسٍ أَوْ تَقَايُلٍ، هَذَا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ. أَمَّا إِذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ بِالثَّمَنِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ رَدِّ الثَّمَنِ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَائِعِ تَفْرِيطٌ فِيهِ. وَفِي الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ، سَبَبُ الرَّدِّ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْبَائِعُ مُفَرِّطٌ بِالْإِخْفَاءِ، فَالْتَحَقَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى رَأْيِ.
قُلْتُ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لَا يُطَالِبُ. وَلَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، فَفِي رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّامِنِ، الْوَجْهَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ تَلَفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، هَلْ يُطَالِبُ الضَّامِنَ بِالثَّمَنِ؟ إِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ، فَهُوَ كَظُهُورِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ حِينِهِ، فَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحِقًّا، فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي قَوْلَا الصَّفْقَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قُلْنَا: يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، لَمْ يُطَالِبِ الضَّامِنَ بِشَيْءٍ. وَإِنْ قُلْنَا: بِالْقِسْطِ، طَالَبَهُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الثَّمَنِ. وَإِنْ فَسَخَ، طَالَبَهُ بِالْقِسْطِ، وَمُطَالَبَتُهُ بِحِصَّةِ الْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ، كَمُطَالَبَتِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ فَفِي مُطَالَبَتِهِ بِالثَّمَنِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَمَا لَوْ بَانَ فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ لِاسْتِنَادِ الْفَسَادِ إِلَى الِاسْتِحْقَاقِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتْ صِيغَةُ الضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أَمَّا إِذَا عَيَّنَ جِهَةَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ الثَّمَنَ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، فَلَا
يُطَالِبُ بِجِهَةٍ أُخْرَى. وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ جِهَةً غَيْرَ الِاسْتِحْقَاقِ، لَمْ يُطَالِبْ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ.
الْخَامِسَةُ: اشْتَرَى أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، فَقَلَعَ الْمُسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ، فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُ النَّقْصِ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، وُجُوبُهُ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ، نُظِرَ إِنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَلْعِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُمَا، إِنْ كَانَ قَدْرُهُ مَعْلُومًا. وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ عُهْدَةَ الْأَرْضِ وَأَرْشَ نَقْصِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَرْشِ، وَفِي الْعُهْدَةِ قَوْلَا الصَّفْقَةِ. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا بِهِمَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا فَاسِدًا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: ضَمَانُ نَقْصِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ، لَا يَصِحُّ مِنَ الْبَائِعِ، وَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَغْوٌ. كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْعُهْدَةَ لِوُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ، فَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِلَّا، فَهُوَ ذَهَابٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا أَرْشَ عَلَيْهِ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: اللُّزُومُ. وَالدُّيُونُ الثَّابِتَةُ، ضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَصِيرُ إِلَى اللُّزُومِ بِحَالٍ، وَهُوَ نُجُومُ الْكِتَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ عَنِ الْمُكَاتَبِ غَيْرَ النُّجُومِ، فَإِنْ ضَمِنَ لِأَجْنَبِيٍّ، صَحَّ. وَإِذَا غُرِّمَ، رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ إِنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ. وَإِنْ ضَمِنَهُ لِسَيِّدِهِ، نَبْنِي عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ، هَلْ يَسْقُطُ بِعَجْزِهِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَمْ يَصِحَّ كَضَمَانِ النُّجُومِ
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَالَهُ مَصِيرٌ إِلَى اللُّزُومِ. فَإِنْ كَانَ لَازِمًا فِي حَالِ الضَّمَانِ، صَحَّ ضَمَانُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِرًّا أَمْ لَا كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ،
وَلَا نَظَرَ إِلَى احْتِمَالِ سُقُوطِهِ، كَمَا لَا نَظَرَ إِلَى احْتِمَالِ سُقُوطِ الْمُسْتَقِرِّ بِالْإِبْرَاءِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَشِبْهِهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا حَالَ الضَّمَانِ، فَهُوَ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ، كَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» هَذَا الْخِلَافُ، إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا. أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْبَائِعِ، فَقَطْ، فَيَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَازِمٌ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ. وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ، مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إِذَا مَنَعَهُ، فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا الْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ الْجَوَازَ، كَالْجَعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّهْنِ بِهِ، وَمَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَقَبْلَ تَمَامِهِ، كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ. وَضَمَانُ مَالِ الْمُسَابَقَةِ، إِنْ جَعَلْنَاهَا إِجَارَةً صَحَّ، وَإِلَّا فَكَالْجَعْلِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: الْعِلْمُ، وَفِيهِ صُوَرٌ.
إِحْدَاهَا: ضَمَانُ الْمَجْهُولِ، فِيهِ طَرِيقَانِ، كَضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ. فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَشَرْطُهُ أَنْ يُمْكِنَ الْإِحَاطَةُ بِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَ مَا بِعْتَهُ فُلَانًا، وَهُوَ جَاهِلٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ. أَمَّا إِذَا قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ شَيْئًا مِمَّا لَكَ عَلَى فُلَانٍ، فَبَاطِلٌ قَطْعًا. وَالْقَوْلَانِ فِي صِحَّةِ ضَمَانِ الْمَجْهُولِ يَجْرِيَانِ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ. وَذَكَرُوا لِلْخِلَافِ فِي الْإِبْرَاءِ مَأْخَذَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ الْعُيُوبَ مَجْهُولَةُ الْأَنْوَاعِ وَالْأَقْدَارِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ هُوَ إِسْقَاطٌ كَالْإِعْتَاقِ؟ أَمْ تَمْلِيكُ الْمَدْيُونِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ إِذَا مَلَكَهُ سَقَطَ؟ وَفِيهِ رَأْيَانِ. إِنْ قُلْنَا: إِسْقَاطٌ، صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنِ الْمَجْهُولِ. وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ. مِنْهَا: لَوْ عَرَفَ الْمُبَرِّئُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُبَرَّأُ. إِنْ قُلْنَا: إِسْقَاطٌ، صَحَّ، وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ كَالْمُتَّهِبِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى هَذَا، وَدَيْنٌ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: أَبْرَأْتُ أَحَدَكُمَا. إِنْ قُلْنَا إِسْقَاطٌ، صَحَّ، وَأَخَذَ بِالْبَيَانِ. وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ كَانَ
لَهُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ، فَقَالَ: مَلَّكْتُ أَحَدَكُمَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لِأَبِيهِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَ الْأَبِ، إِنْ قُلْنَا: إِسْقَاطٌ صَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ أَبِيهِ: أُعْتِقُكَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَ الْأَبِ. إِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ إِنْ جَعَلْنَاهُ إِسْقَاطًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا، لَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. فَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْقَبُولَ، ارْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَرْتَدُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ، ذَكَرَهَا فِي «التَّتِمَّةِ» مَعَ أَخَوَاتٍ لَهَا. وَاحْتَجَّ لِلتَّمْلِيكِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ: مَلَّكْتُكَ مَا فِي ذِمَّتِكَ، صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَقَرِينَةٍ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، لَافْتَقَرَ إِلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، كَمَا إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَلَّكْتُكَ رَقَبَتَكَ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ: مَلَّكْتُكِ نَفْسَكِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ.
فَرْعٌ
لَوِ اغْتَابَهُ فَقَالَ اغْتَبْتُكَ، فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ فَفَعَلَ، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَا اغْتَابَهُ بِهِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَى بِالْمَجْهُولِ، وَيُخَالِفُ الْقِصَاصَ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ إِسْقَاطِ الْمَظَالِمِ.
[قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا] الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: ضَمَانُ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، صَحِيحٌ إِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. وَفِي ضَمَانِ إِبِلِ الدِّيَةِ، إِذَا لَمْ نُجَوِّزْ ضَمَانَ الْمَجْهُولِ، وَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا:
الصِّحَّةُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا كَمَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا. وَإِذَا دَفَعَ الْحَيَوَانَ وَكَانَ الضَّمَانُ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِالْحَيَوَانِ؟ أَمْ بِالْقِيمَةِ؟ قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي إِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ. وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنِ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا مَنَعْنَا ضَمَانَ الْمَجْهُولِ، فَقَالَ: ضَمِنْتُ مِمَّا لَكَ عَلَى فُلَانٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ، فَعَلَى هَذَا، يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. وَقِيلَ: تِسْعَةٌ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: تِسْعَةٌ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْإِقْرَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَإِنْ قَالَ ضَمِنْتُ لَكَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ دَيْنَهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ، صَحَّ وَكَانَ ضَامِنًا لِثَمَانِيَةٍ. وَإِلَّا، فَفِي صِحَّتِهِ فِي الثَّمَانِيَةِ الْقَوْلَانِ، أَوِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ ضَمِنْتُ لَكَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي لَكَ عَلَى فُلَانٍ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَبْلَغَهَا، فَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَانُ فِي ثَلَاثَةٍ لِدُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ كَمَا لَوْ أَجَّرَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، فَهَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ بِعَيْنِهَا جَارِيَةٌ فِي الْإِبْرَاءِ.
فَرْعٌ
يَصِحُّ ضَمَانُ الزَّكَاةِ عَمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَكَفَالَةِ بُدْنِ الشَّاهِدِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ. فَعَلَى الصَّحِيحِ، يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ ضَمَانُ الْمَنَافِعِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَمْوَالِ.