الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقَرْضِ
هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ. الْعَاقِدَانِ، وَالصِّيغَةُ، وَالشَّيْءُ الْمُقْرَضُ، فَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. وَأَمَّا الصِّيغَةُ، فَالْإِيجَابُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَقْرَضْتُكَ، أَوْ أَسَلَّفْتُكَ، أَوْ خُذْهُ هَذَا بِمِثْلِهِ، أَوْ خُذْ هَذَا وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ وَرَدَّ بَدَلَهُ، أَوْ مَلَّكْتُكَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى «مَلَّكْتُكَهُ» فَهُوَ هِبَةٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ.
قُلْتُ: وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهٌ: أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى «مَلَّكْتُكَهُ» قَرْضٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْقَبُولُ، فَشَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَادَّعَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ أَصَحُّ.
قُلْتُ: وَقَطَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ، وَلَا الْقَبُولُ، بَلْ إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي كَذَا، أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَالَ، صَحَّ الْقَرْضُ. وَكَذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، ثَبَتَ الْقَرْضُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمُقْرَضُ، فَالْمَالُ ضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، فَيَجُوزُ إِقْرَاضُهُ حَيَوَانًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ. لَكِنْ إِنْ كَانَ جَارِيَةً، نُظِرَ، إِنْ كَانَتْ مُحَرَّمًا لِلْمُسْتَقْرِضِ، بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ، جَازَ إِقْرَاضُهَا قَطْعًا. وَإِنْ كَانَتْ حَلَالًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَظْهَرِ الْمَنْصُوصِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي جُزِمَ بِهِ مِنْ جَوَازِ إِقْرَاضِ الْمُحَرَّمِ، هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ. وَقَالَ فِي «الْحَاوِي» ، إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَسْتَبِيحُهَا الْمُسْتَقْرِضُ، بِأَنِ اقْتَرَضَهَا مَحْرَمٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، فَوَجْهَانِ. قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: يَجُوزُ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: لَا يَجُوزُ وَيَصِرْنَ جِنْسًا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، فَجَوَازُ إِقْرَاضِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ رَدُّ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ، إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُجْزِ. وَبِالثَّانِي، جَازَ. وَفِي إِقْرَاضِ الْخُبْزِ، وَجْهَانِ، كَالسَّلَمِ فِيهِ. أَصَحُّهُمَا فِي «التَّهْذِيبِ» : لَا يَجُوزُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ: الْجَوَازَ. وَأَشَارَ فِي «الْبَيَانِ» إِلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ، إِنْ جَوَّزْنَا السَّلَمَ، جَازَ هُنَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. قَالَ: فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، رَدَّ مِثْلَهُ وَزْنًا إِنْ أَوْجَبْنَا فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ الْمِثْلَ. وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ، وَجَبَتْ هُنَا. فَإِنْ شَرَطَ الْمِثْلَ فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: قَطَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَالْمُسْتَظْهِرَيُّ، بِجَوَازِ قَرْضِهِ وَزْنًا. وَاحْتَجَّ صَاحِبَا «الشَّامِلِ» وَ «التَّتِمَّةِ» بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَعْصَارِ بِلَا إِنْكَارٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ رضي الله عنه، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَجْهَيْنِ فِي إِقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ. أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: لَا يَجُوزُ إِقْرَاضُ الرَّوْبَةِ ; لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالْحُمُوضَةِ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ إِقْرَاضُ الْمَنَافِعِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا، وَلَا إِقْرَاضُ مَاءِ الْقَنَاةِ ; لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرَضُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ، وَيَجُوزُ إِقْرَاضُ الْمِكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ