الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» أَظْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعْلَمَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا مُحْتَمَلَانِ، فَالْمَذْهَبُ: الصِّحَّةُ. وَلَوْ رَهَنَ مَا لَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، فَحَدَثَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ قَبْلَ الْأَجَلِ، بِأَنِ ابْتَلَّتِ الْحِنْطَةُ، وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِحَالٍ. وَلَوْ طَرَأَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ، فَفِي الِانْفِسَاخِ وَجْهَانِ، كَمَا فِي حُدُوثِ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ. وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخُ، بِيعَ وَجُعِلَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَهُ.
قُلْتُ: الْأَرْجَحُ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ، وَهَذَا الَّذِي قَطَعَ بِهِ، مِنْ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ يُبَاعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بَيْعُهُ. وَنَقَلَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» فِيهِ قَوْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهِ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ، كَمَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ.
وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهَنِ فِي حَبْسِهِ فَقَطْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُحَارِبِ، كَبَيْعِهِ. وَرَهْنُ الْمُرْتَدِّ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَبَيْعِهِ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رِدَّتَهُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ. وَإِنْ جَهِلَ، يُخَيِّرُ، فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ. وَإِنْ قُتِلَ بَعْدَهُ، فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَلِلْمُرْتَهَنِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ وَلَا أَرْشَ، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ.
قُلْتُ: وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا مَرِيضًا لَمْ يَعْلَمْ بِمَرَضِهِ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى مَاتَ فِي يَدِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، قَالَهُ فِي الْمُعَايَاةِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَوْتَ بِأَلَمٍ حَادِثٍ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْجَانِي إِنْ لَمْ نُصَحِّحْ بَيْعَهُ، فَرَهْنُهُ أَوْلَى، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الطَّارِئَةَ، يُقَدَّمُ صَاحِبُهَا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَالْمُتَقَدِّمَةُ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ رَهْنَهُ، فَفَدَاهُ السَّيِّدُ، أَوْ أَسْقَطَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِئْنَافِ رَهْنٍ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالْإِمَامُ: يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ بَاقٍ هُنَا، وَالْجِنَايَةُ لَا تُنَافِي الرَّهْنَ.
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ أَيْضًا: يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ. وَلَكِنِ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا كَقَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ. قَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ لِلْبَيْعِ فِي الْجِنَايَةِ. فَإِنْ فَدَاهُ، بَقِيَ الرَّهْنُ، وَإِلَّا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ إِنِ اسْتَغْرَقَهُ الْأَرْشُ، وَإِلَّا بِيعَ بِقَدْرِهِ، وَاسْتَقَرَّ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْجَانِي، فَسَوَاءٌ كَانَ الْأَرْشُ دِرْهَمًا، وَالْعَبْدُ يُسَاوِي الْوَفَاءَ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ. وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْخِيَارِ لِلْمُرْتَهَنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ رَهْنُهُ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي «الْحَاوِي» وَغَيْرِهِ. إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ، فَلَا خِيَارَ فِي الْحَالِ. فَإِنِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي طَرَفِهِ، بَقِيَ رَهْنًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ، لِعِلْمِهِ بِالْعَيْبِ. وَإِنْ قُتِلَ قِصَاصًا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ بَانَ مُسْتَحِقًّا، وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ عُلِمَ بِهِ، وَإِنْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ، بَقِيَ رَهْنًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ بِيعَ لِلْجِنَايَةِ، بَطَلَ الرَّهْنُ. وَفِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ. وَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، سَقَطَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا، يُخَيَّرُ. فَإِنْ فَسَخَ، وَإِلَّا فَيَصِيرُ عَالِمًا، وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا عَلَى قِصَاصِ طَرَفٍ لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ بِالْقِصَاصِ، لَكِنْ
لِلْمُرْتَهَنِ الْخِيَارُ. وَإِنْ كَانَ قِصَاصَ نَفْسٍ، بَطَلَ الرَّهْنُ. وَفِي الْخِيَارِ الْوَجْهَانِ. وَإِنِ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا عَلَى مَالٍ، فَإِنْ فَدَاهُ، كَانَ كَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ. وَإِنْ بِيعَ، بَطَلَ الرَّهْنُ. وَفِي الْخِيَارِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ عَفَا بِلَا مَالٍ، سَقَطَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَتُبِ الْعَبْدُ مِنَ الْجِنَايَةِ وَكَانَ مُصِرًّا، فَهَذَا عَيْبٌ، فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ. وَإِنْ تَابَ، فَهَلْ ذَلِكَ عَيْبٌ فِي الْحَالِ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: عَيْبٌ، فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَعْتَبِرُ الِابْتِدَاءَ فَيُثْبِتُهُ. وَالْآخَرُ: يَنْظُرُ فِي الْحَالِ، هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَفِيهِ نَفَائِسُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا: يَصِحُّ رَهْنُ الْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبِ الْقِصَاصَ، وَلَا يَصِحُّ إِذَا أَوْجَبَتْ مَالًا، فَرَهَنَ وَالْوَاجِبُ الْقِصَاصَ، فَعَفَا عَلَى مَالٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِ، أَمْ يَكُونُ كَجِنَايَةٍ تَصْدُرُ مِنَ الْمَرْهُونِ حَتَّى يَبْقَى الرَّهْنُ لَوْ لَمْ يُبَعْ فِي الْجِنَايَةِ؟ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوَّلَهُمَا. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ، فَمَاتَ فِيهَا بَعْدَمَا رُهِنَ إِنْسَانٌ، فَفِي تَبَيُّنِ الْفَسَادِ، وَجْهَانِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ رُهِنَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهُوَ جَانٍ.
فَرْعٌ
رَهْنُ الْمُدَبَّرِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ نَصُّهُ، وَرَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ. فَعَلَى هَذَا، التَّدْبِيرُ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ. وَإِنْ صَحَّحْنَا رَهْنَهُ، بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَصِيَّةٌ، فَقَدْ رَجَعَ عَنْهَا. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مَرْهُونًا. فَعَلَى هَذَا إِنْ قَضَى الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِهِ، فَذَاكَ، وَإِنْ رَجَعَ فِي التَّدْبِيرِ وَبَاعَهُ فِي الدَّيْنِ، بَطَلَ التَّدْبِيرُ. وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الرُّجُوعِ وَمِنْ بَيْعِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ، أُجْبِرَ عَلَى قَضَائِهِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. وَالثَّانِي: يُحْكَمُ بِفَسَادِ الرَّهْنِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَ حُكْمُ الْمَذْهَبِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِهِ فِي الْوَسِيطِ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إِلَى صِحَّةِ رَهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، لَهُ صُوَرٌ. إِحْدَاهَا: رَهَنُهُ بَدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ تَيَقَّنَ حُلُولَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، فَيَصِحُّ وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْعُهُ حَتَّى وُجِدَتِ الصِّفَةُ، بُنِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِحَالَةِ التَّعْلِيقِ، أَمْ بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، عُتِقَ، وَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْفَسْخِ لِلْمُرْتَهَنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ، وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ سُلِّمَ لَهُ ثُمَّ بَطَلَ فَصَارَ كَمَوْتِهِ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، وَأَقْيَسُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الثَّانِيَةُ: رَهْنُهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ تَيَقَّنَ وُجُودَ الصِّفَةِ قَبْلَ حُلُولِهِ، فَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُ الرَّهْنِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَعَلَى الصِّحَّةِ: يُبَاعُ إِذَا قَرُبَ أَوَانُ الصِّفَةِ. وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ تَقَدُّمَ الصِّفَةِ عَلَى الْحُلُولِ وَعَكْسُهُ، فَالْأَظْهَرُ: بُطْلَانُهُ. وَقِيلَ: بَاطِلٌ قَطْعًا.
فَرْعٌ
رَهْنُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ لَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْهَنَهُ مَعَ الشَّجَرِ. فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ مِمَّا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ بَدَا فِيهَا الصَّلَاحُ. أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، وَلَمْ نُصَحِّحْ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ الْفَسَادُ، فَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُ رَهْنِ الثَّمَرِ. وَفِي الشَّجَرِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِمَا قَطْعًا.
الثَّانِي: رَهْنُ الثَّمَرِ وَحْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ، فَهُوَ كَرَهْنِ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ، وَإِلَّا، فَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: يُرْهَنُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. فَإِنْ رَهَنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ وَشَرَطَ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، جَازَ. وَإِنْ أَطْلَقَ، جَازَ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَإِنْ رَهَنَ بِمُؤَجَّلٍ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ يَحُلُّ قَبْلَ بُلُوغِ الثَّمَرِ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ أَوْ بَعْدَهُ، فَهُوَ كَالْحَالِّ. وَإِنْ كَانَ يَحُلُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، فَإِنْ رَهَنَهَا مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَطْعًا كَالْبَيْعِ. وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ، فَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَجْهُ الْمَنْعِ: التَّشْبِيهُ بِمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ مُدَّةٍ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ فِيمَا إِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَرْهَنَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَمُطْلَقًا. إِنْ رَهَنَ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ، هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَإِنْ رَهَنَهُ بِمُؤَجَّلٍ يَحُلُّ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ. وَمَتَى صَحَّ رَهْنُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ، فَمُؤْنَةُ السَّقْيِ وَالْجِدَادِ وَالتَّجْفِيفِ عَلَى الرَّاهِنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، بَاعَ الْحَاكِمُ جُزْءًا مِنْهَا وَأَنْفَقَهُ عَلَيْهَا. وَلَوْ تَوَافَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى تَرْكِ السَّقْيِ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى عَلْفِ الْحَيَوَانِ. وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَلَوْ
أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَطْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ وَقْتِ الْجِدَادِ، فَلِلْآخَرِ الِامْتِنَاعُ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ بَعْدَ وَقْتِ الْجِدَادِ، بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إِنْ حَلَّ، وَإِلَّا، أَمْسَكَهُ رَهْنًا.
فَرْعٌ
الشَّجَرَةُ الَّتِي تُثْمِرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، يَجُوزُ رَهْنُ ثَمَرِهَا الْحَاصِلِ بِدَيْنٍ حَالٍّ. وَبِمُؤَجَّلٍ يَحُلُّ قَبْلَ اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى، وَإِلَّا، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُقْطَعَ عِنْدَ خُرُوجِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ شَرَطَ قَطْعَهُ، صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَقَوْلَانِ. فَإِنْ صَحَّحْنَا، أَوْ رَهَنَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَلَمْ يَقْطَعَ حَتَّى اخْتَلَطَ، فَفِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْبَيْعِ إِذَا عَرَضَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَالرَّهْنُ بَعْدَ الْقَبْضِ، كَالْبَيْعِ قَبْلَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَذَاكَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَبْطُلُ، فَلَوِ اتَّفَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ، فَإِنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ، يَكُونُ الْجَمِيعُ رَهْنًا أَوْ تَوَافَقَا عَلَى كَوْنِ النِّصْفِ - مِنَ الْجُمْلَةِ مَثَلًا - رَهْنًا، فَذَاكَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَرْهُونِ، هَلْ هُوَ نِصْفُ الْمُخْتَلِطِ، أَوْ ثُلُثُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: قَوْلُ الْمُرْتَهَنِ.
فَرْعٌ
رَهَنَ زَرْعًا بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ، فَكَبَيْعِهِ، إِنْ كَانَ تَرَى حَبَّاتِهِ فِي سُنْبُلِهِ، صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ رَهَنَهُ وَهُوَ بَقْلٌ، فِكَرَهْنِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَا يَجُوزُ قَطْعًا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُسَنْبَلًا. وَقَدْ يَقَعُ الْحُلُولُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلِأَنَ زِيَادَةَ الزَّرْعِ يُطَوِّلُهُ، فَهُوَ كَثَمَرَةٍ تَحْدُثُ وَتَخْتَلِطُ.