المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٤

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْقَرْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ

وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي الْحَالِ. فَإِنْ مَلَكَهَا، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا تَصِيرُ.

فَرْعٌ

زَعَمَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْوَطْءِ أَنَّ الرَّاهِنَ كَانَ بَاعَهُ إِيَّاهَا، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ، وَأَقْبَضَهُ، وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ حَلَفَ، فَهِيَ وَالْوَلَدُ رَقِيقَانِ لَهُ. فَإِنْ مَلَكَهَا الْمُرْتَهِنَ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِإِقْرَارِهِ. فَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ، فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ.

‌فَصْلٌ

فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ

وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ الْمَرْهُونِ قَطْعًا. وَأَمَّا غَيْرُ الْعَيْنِ، فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَدَلُ الْعَيْنِ فَلَوْ جَنَى عَلَى الْمَرْهُونِ، وَأَخَذَ الْأَرْشَ، وَانْتَقَلَ الرَّهْنُ إِلَيْهِ، كَمَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ. وَمَا دَامَ الْأَرْشُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي، هَلْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا ; لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا. فَإِذَا تَعَيَّنَ، صَارَ مَرْهُونًا، وَالْحَالَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ، كَتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ وَتَخَلُّلِهِ بَعْدُ. وَالثَّانِي: نَعَمْ ; لِأَنَّهُ مَالٌ بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَإِنَّمَا يُمْتَنَعُ رَهْنُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً.

قُلْتُ: الثَّانِي: أَرْجَحُ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْمُرَاوِزَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْخَصْمُ فِي بَدَلِ الْمَرْهُونِ، هُوَ الرَّاهِنُ. فَلَوْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ، فَهَلْ يُخَاصِمُ الْمُرْتَهِنُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا، كَذَا قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» .

ص: 100

قُلْتُ: وَقَطَعَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ، بِأَنَّهُ يُخَاصِمُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا خَاصَمَ الرَّاهِنُ، فَلِلْمُرْتَهَنِ حُضُورَ خُصُومَتِهِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْمَأْخُوذِ. ثُمَّ إِنْ أَقَرَّ الْجَانِي، أَوْ أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً، أَوْ حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثَبَتَتِ الْجِنَايَةُ. وَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ، فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ؟ قَوْلَانِ، كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ إِذَا نَكَلَ.

فَرْعٌ

إِذَا ثَبَتَتِ الْجِنَايَةُ، فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْبِضَ وَيُبْطِلَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ. وَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، ثَبَتَ الْمَالُ إِنْ قُلْنَا: مُطَلَقُ الْعَفْوِ يَقْتَضِي الْمَالَ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ. وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ، فَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ الْعُمَدُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: مُوجَبُهُ الْقَوْدُ، فَإِنْ قُلْنَا الْعَفْوُ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُهُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُجِبُ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِعَفْوِهِ، وَذَلِكَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ لِلْمُرْتَهَنِ. وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَلَمْ يَعْفُ، فَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: مُوجَبُهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، أُجْبِرَ، وَإِلَّا، فَلَا ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى بِأَنْ يُمَلِّكَهُ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنْ قُلْنَا: إِذَا عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ لَا يَصِحُّ، أُجْبِرَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، أَوْ عَفَا وَوَجَبَ الْمَالُ، فَعَفَا عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ. وَفِي قَوْلِ الْعَفْوِ مَوْقُوفٌ، وَيُؤْخَذُ الْمَالُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ،

ص: 101

فَإِنِ انْفَكَّ الرَّهْنُ، رُدَّ إِلَى الْجَانِي، وَبَانَ صِحَّةُ الْعَفْوِ، وَإِلَّا بَانَ بُطْلَانُهُ. وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ الْمُصَالَحَةَ عَنِ الْأَرْشِ الْوَاجِبِ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ. وَإِذَا أَذِنَ، صَحَّ وَكَانَ الْمَأْخُوذُ مَرْهُونًا، كَذَا نَقَلُوهُ.

وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الْجَانِي لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ، فَلَا يَصِحُّ مَا تَضَمَّنَهُ. كَمَا لَوْ وُهِبَ الْمَرْهُونُ لِرَجُلٍ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: زَوَائِدُهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً، كَسِمَنِ الْعَبْدِ، وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ، تَبِعَتِ الْأَصْلَ فِي الرَّهْنِ. وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً، كَالثَّمَرَةِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَالْبَيْضِ، وَالصُّوفِ لَمْ يَسْرِ إِلَيْهَا الرَّهْنُ، وَكَذَا الْأَكْسَابُ وَالْمَهْرُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْدُثُ بَعْدَ الرَّهْنِ. وَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا، وَاحْتِيجَ إِلَى بَيْعِهَا حَامِلًا، بِيعَتْ كَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْلَمُ، فَكَأَنَّهُ رَهْنَهُمَا، وَإِلَّا، فَقَدْ رَهَنَهَا وَالْحَمْلُ مَحْضُ صِفَةٍ. وَلَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَهَلِ الْوَلَدُ رَهْنٌ قَوْلَانِ. إِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَا يُعْلَمُ، فَلَا، وَإِلَّا فَنَعَمْ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، لِضَعْفِ الرَّهْنِ عَنِ الِاسْتِتْبَاعِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَقَالَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ: رَهَنْتُهَا مَعَ حَمْلِهَا، لَا يَكُونُ مَرْهُونًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ، لَجَازَ إِفْرَادُهُ بِالرَّهْنِ. أَمَّا إِذَا حَبِلَتْ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَكَانَتْ يَوْمَ الْبَيْعِ حَامِلًا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعْلَمُ، بِيعَتْ، وَهُوَ كَالسِّمَنِ، وَإِلَّا، فَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا، وَيَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا ; لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ مُتَعَذِّرٌ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى بَيْعِهَا حَامِلًا وَتَوْزِيعِ الثَّمَنِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ.

فَرْعٌ

لَوْ رَهَنَ نَخْلَةً، ثُمَّ أَطْلَعَتْ، فَطَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَيْعَهَا مَعَ الطَّلْعِ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّ الطَّلْعَ غَيْرُ مَرْهُونٍ. فَعَلَى هَذَا يُبَاعُ النَّخْلُ، وَيُسْتَثْنَى

ص: 102

الطَّلْعُ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ. وَلَوْ كَانَتْ مُطْلِعَةً وَقْتَ الرَّهْنِ، فَفِي دُخُولِ الطَّلْعِ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ أَدْخَلْنَاهُ، فَكَانَ وَقْتُ الْبَيْعِ طَلَعَا بَعْدُ، بِيعَ مَعَ النَّخْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أُبِّرَتْ، فَطَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الْحَامِلُ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِبَيْعِهِ مَعَ النَّخْلَةِ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَشَاهَدٌ وَقْتَ الرَّهْنِ.

فَرْعٌ

الِاعْتِبَارُ فِي مُقَارَنَةِ الْوَلَدِ الرَّهْنَ وَحُدُوثِهِ، وَسَائِرِ الزَّوَائِدِ، بِحَالَةِ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: بِحَالَةِ الْقَبْضِ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهِ يَلْزَمُ.

فَرْعٌ

أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَأَطْرَافِ الْعَبْدِ مَرْهُونٌ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الزَّوَائِدِ، بَلْ بَدَلُ جُزْءٍ.

فَرْعٌ

ضَرَبَ الرِّجْلُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، لَزِمَ الضَّارِبَ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ، وَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَلَدِ، فَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ لَمْ يَجِبْ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ قَدْرُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنَ الْعُشْرِ يَكُونُ رَهْنًا، فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيَّا وَمَاتَ، فَفِيمَا يَلْزَمُ الْجَانِي قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: قِيمَةُ الْجَنِينِ حَيًّا، وَأَرْشُ نُقْصَانِ الْأُمِّ إِنْ نَقَصَتْ. فَعَلَى هَذَا؛ الْقِيمَةُ لِلرَّاهِنِ، وَالْأَرْشُ مَرْهُونٌ. وَالثَّانِي: أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ، وَقِيمَةِ الْجَنِينِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ، فَالْمَأْخُوذُ رَهْنٌ كُلُّهُ. وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ

ص: 103

أَكْثَرَ، فَقَدْرُ الْأَرْشِ رَهْنٌ. وَأَمَّا الْبَهِيمَةُ الْمَرْهُونَةُ، إِذَا ضُرِبَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ سِوَى أَرْشُ النَّقْصِ إِنْ نَقَصَتْ، وَيَكُونُ رَهْنًا.

الثَّالِثُ: فِي فَكِّ الرَّهْنِ.

يَنْفَكُّ بِأَسْبَابٍ. أَحَدُهَا: فَسْخُ الْمُرْتَهِنِ. وَالثَّانِي: تَلَفُ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. إِذَا جَنَى الْمَرْهُونُ لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ بِمَجْرَدِهِ، بَلِ الْجِنَايَةُ ضَرْبَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِأَجْنَبِيٍّ، فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّقَبَةِ. وَحَقٌّ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ، بَطَلَ الرَّهْنُ. فَإِنْ وَجَبَ مَالٌ، فَبِيعَ فِيهِ، بَطَلَ أَيْضًا. حَتَّى لَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا. وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ قِيمَةِ الْعَبْدِ، بِيعَ بِقَدْرِهِ، وَالْبَاقِي رَهْنٌ. فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ، أَوْ نَقَصَ بِالتَّبْعِيضِ، بِيعَ كُلُّهُ، وَمَا فَضَلَ عَنِ الْأَرْشِ يَكُونُ رَهْنًا. وَلَوْ عَفَا عَنِ الْأَرْشِ، أَوْ فَدَاهُ الرَّاهِنُ، بَقِيَ رَهْنًا. وَكَذَا لَوْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ. ثُمَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الرَّاهِنِ مَا سَبَقَ فِي رَهْنِ أَرْضِ الْخَرَاجِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا جَنَى بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ.

فَإِنْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا، أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ، وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَالُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ، فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، لَزِمَ السَّيِّدُ أَنْ يَرْهَنَ قِيمَتَهُ مَكَانَهُ. وَإِذَا جَنَى مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَ السَّيِّدُ: أَنَا أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا، وَعَلَى السَّيِّدِ الْقِيمَةُ، لِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُمَيِّزًا يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يُطَاعُ السَّيِّدُ فِيهِ، بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنِ السَّيِّدُ إِلَّا أَنَّ السَّيِّدَ يَأْثَمُ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالسَّيِّدِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: إِذَا جَنَى عَلَى طَرَفِ سَيِّدِهِ عَمْدًا، فَلَهُ الْقِصَاصُ. فَإِنِ اقْتَصَّ، بَطَلَ الرَّهْنُ. وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ

ص: 104

لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، فَيَبْقَى الرَّهْنُ كَمَا كَانَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ الْمَالُ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى فَكِّ الرَّهْنِ.

الثَّانِيَةُ: جَنَى عَلَى نَفْسِ السَّيِّدِ عَمْدًا، فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ. فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْأَظْهَرِ.

الثَّالِثَةُ: جَنَى عَلَى طَرَفِ مَنْ يَرِثُهُ السَّيِّدُ، كَأَبِيهِ، فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ. وَلَوْ جَنَى خَطَأً، ثَبَتَ الْمَالُ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَوَرِثَهُ السَّيِّدُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ: يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ اسْتِدَامَةُ الدَّيْنِ، كَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ. وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَا يَسْقُطُ، وَلَهُ بَيْعُهُ فِيهِ كَمَا كَانَ لِلْمُورِثِ.

الرَّابِعَةُ: جَنَى عَلَى نَفْسِ الْمُورِثِ عَمْدًا، فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ. فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ خَطَأً، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً، أَمْ يَتَلَقَّاهَا عَنِ الْمُوَرِّثِ. إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِلَّا، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا جَنَى عَلَى طَرَفِهِ وَانْتَقَلَ إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ.

الْخَامِسَةُ: قُتِلَ عَبْدٌ آخَرُ لِلرَّاهِنِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مَرْهُونًا، فَهُوَ كَمَا

[لَوْ] جَنَى عَلَى السَّيِّدِ. وَحُكْمُ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَيْضًا، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنَانِ جَمِيعًا، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ قَتَلَ خَطَأً، وَجَبَ الْمَالُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ. وَإِنْ عَفَا بِلَا مَالٍ، فَإِنْ قُلْنَا: مُوجَبُ الْعَمْدِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَجَبَ الْمَالُ، وَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ إِلَّا بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ. وَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُهُ الْقَوْدُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْعَفْوُ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُهُ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْنَا: مُطْلَقُ الْعَفْوِ يُوجِبُ الْمَالَ، ثَبَتَ كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُوجِبُهُ، صَحَّ الْعَفْوُ، وَبَطَلَ رَهْنُ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، وَبَقِيَ الْقَاتِلُ رَهْنًا. وَعَفْوُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، كَعَفْوِ الرَّاهِنِ ; لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ وَالْمَرْهُونِ

ص: 105

سَوَاءٌ فِي الْحَجْرِ. ثُمَّ مَتَى وَجَبَ الْمَالُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ مِثْلَهَا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُنْقَلُ الْقَاتِلُ إِلَى يَدِ مُرْتَهَنِ الْقَتِيلِ، وَلَا يُبَاعُ ; لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَأَصَحُّهُمَا: يُبَاعُ وَيُجْعَلُ الثَّمَنُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ، لَا فِي عَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْقَاتِلِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَنْتَقِلُ مِنَ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ إِلَى مُرْتَهَنِ الْقَتِيلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي رَهْنًا. فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْبَعْضِ، أَوْ نَقَصَ بِالتَّبْعِيضِ، بِيعَ الْجَمِيعِ، وَجُعِلَ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ مُرْتَهَنِ الْقَاتِلِ.

وَإِنَّمَا يَجِيءُ الْوَجْهَانِ، إِذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ النَّقْلَ، وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ الْبَيْعَ، فَأَيُّهُمَا يُجَابُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. أَمَّا إِذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ الْبَيْعَ، وَمُرْتَهَنُ الْقَتِيلِ النَّقْلَ، فَالْمُجَابُ الرَّاهِنُ ; لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهَنِ الْمَذْكُورِ فِي عَيْنِهِ. وَلَوِ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنَانِ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ، فَهُوَ الْمَسْلُوكُ قَطْعًا. وَلَوِ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ عَلَى النَّقْلِ، قَالَ الْإِمَامُ: لَيْسَ لِمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ، وَطَلَبُ الْبَيْعِ. وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، يَتَوَقَّعُ رَاغِبٌ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ أَيْضًا. فَإِنْ كَانَ الْعَبْدَانِ مَرْهُونَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ نَقَصَتِ الْوَثِيقَةُ وَلَا جَابِرَ، كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ بَدَيْنَيْنِ، نُظِرَ فِي الدَّيْنَيْنِ، أَهُمَا مُخْتَلِفَانِ حُلُولًا وَتَأْجِيلًا، أَمْ لَا؟ فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَلَهُ التَّوَثُّقُ لِدَيْنِ الْقَتِيلِ بِالْقَاتِلِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَالُّ دَيْنُ الْمَقْتُولِ، فَفَائِدَتُهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ فِي الْحَالِّ. وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْقَاتِلِ، فَتَحْصُلُ الْوَثِيقَةُ بِالْمُؤَجَّلِ، وَيُطَالَبُ بِالْحَالِّ. وَكَذَا الْحُكْمُ، لَوْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ، وَأَحَدُ الْأَجَلَيْنِ أَطْوَلُ. وَإِنِ اتَّفَقَا فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ، نُظِرَ، هَلْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ قَدْرٍ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَعَشَرَةٍ وَعَشَرَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدَانِ مُخْتَلِفَيِ الْقِيمَةِ، وَقِيمَةُ الْقَتِيلِ أَكْثَرُ لَمْ تُنْقَلِ الْوَثِيقَةُ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ، نُقِلَ مِنْهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ إِلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ، وَبَقِيَ الْبَاقِي رَهْنًا بِمَا كَانَ. وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِي الْقِيمَةِ، بَقِيَ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِمَا كَانَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي

ص: 106

النَّقْلِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ قَدْرُ الدَّيْنَيْنِ، نُظِرَ، إِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ كَانَ الْقَتِيلُ أَكْثَرَ قِيمَةً، فَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِأَكْثَرِ الدَّيْنَيْنِ هُوَ الْقَتِيلُ، فَلَهُ تَوْثِيقُهُ بِالْقَاتِلِ. وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِأَقَلِّهِمَا هُوَ الْقَتِيلُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ. وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ أَقَلَّهُمَا قِيمَةً، فَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا بِأَقَلِّ الدَّيْنَيْنِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ. وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرِهِمَا، نُقِلَ مِنَ الْقَاتِلِ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ إِلَى الدَّيْنِ الْآخَرِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: تُنْقَلُ الْوَثِيقَةُ، فَهَلْ يُبَاعُ وَيُقَامُ ثَمَنُهُ مَقَامَ الْقَتِيلِ، أَمْ يُقَامُ عَيْنُهُ مَقَامَهُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ.

فَرْعٌ

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَقْسَامِ اخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ، هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَقَطْ، كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ. فَلَوِ اخْتَلَفَ الدَّيْنَانِ فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدِمَهُ، بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِوَضَ مَا يُتَوَقَّعُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ، أَوْ صَدَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا أَثَرَ لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَحَكَى فِي «الشَّامِلِ» عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَرْهُونًا بِالْمُسْتَقِرِّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّفْلِ. وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا بِالْآخَرِ، فَوَجْهَانِ وَكَذَا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي «الْوَسِيطِ» : اخْتِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ، كَاخْتِلَافِ الْقَدْرِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَّجِهًا فِي الْمَعْنَى، فَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ: أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.

قُلْتُ: الْمُرَادُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ، وَالْآخِرُ دَرَاهِمَ، وَاسْتَوَيَا فِي الْمَالِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ تَسَاوَى الدَّيْنَانِ فِي الْأَوْصَافِ، وَقُلْنَا: الْوَثِيقَةُ لَا تُنْقَلُ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَدْ جَنَى فَلَا آمَنُهُ، فَبِيعُوهُ وَضَعُوا ثَمَنَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، هَلْ يُجَابُ؟ وَجْهَانِ.

ص: 107

فَرْعٌ

لَوْ جُنِيَ عَلَى مَكَاتَبِ السَّيِّدِ، فَانْتَقَلَ الْحَقُّ إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ أَوْ عَجْزِهِ، فَهُوَ كَالْمُنْتَقِلِ مِنَ الْمُورِثِ. السَّبَبُ الثَّالِثُ لِانْفِكَاكِ الرَّهْنِ: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ عَنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ بِالْقَضَاءِ، أَوِ الْإِبْرَاءِ، أَوِ الْحَوَالَةِ، أَوِ الْإِقَالَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلثَّمَنِ الْمَرْهُونِ بِهِ، أَوِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ الْمَرْهُونِ بِهِ. وَلَوِ اعْتَاضَ عَنِ الدَّيْنِ عَيْنًا، انْفَكَّ الرَّهْنُ، لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنَ الذِّمَّةِ إِلَى الْعَيْنِ. ثُمَّ لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، بَطَلَ الِاعْتِيَاضُ، وَيَعُودُ الرَّهْنُ كَمَا عَادَ الدَّيْنُ، وَلَا يَنْفَكُّ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ بَعْضُ الرَّهْنِ، كَمَا أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَبْقَى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنَ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ. وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا، كَانَ الْمُسَلَّمُ مَرْهُونًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ.

فَرْعٌ

إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ بَعْضِ الْمَرْهُونِ بِأَحَدِ أُمُورٍ.

أَحَدُهَا: تَعَدُّدُ الْعَقْدِ، بِأَنْ رَهَنَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِعَشَرَةٍ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى.

الثَّانِي: أَنْ يَتَعَدَّدَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ، بِأَنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ بَرِئَ مِنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، انْفَكَّ الرَّهْنُ بِقِسْطِ دَيْنِهِ. وَفِي وَجْهٍ: إِنِ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا، بِأَنْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمَا مَالًا، أَوِ ابْتَاعَ مِنْهُمَا لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفَكُّ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْجِهَةُ. وَالصَّحِيحُ: الِانْفِكَاكُ مُطْلَقًا.

الثَّالِثُ: أَنْ يَتَعَدَّدَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، بِأَنْ رَهَنَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ، فَإِذَا بَرِئَ أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ نَصِيبُهُ.

ص: 108

الرَّابِعُ: إِذَا وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا يَرْهَنُ عَبْدَهُمَا عِنْدَ زَيْدٍ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ قَضَى أَحَدُ الْمُوَكِّلَيْنِ دَيْنَهُ، فَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَالْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِانْفِكَاكِ نَصِيبِهِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى اتِّحَادِ الْوَكِيلِ وَتَعَدُّدِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ مَدَارَ الْبَابِ عَلَى اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَتَعَدُّدِهِ، وَمَتَى تَعَدَّدَ الْمُسْتَحِقُّ أَوِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، تَعَدَّدَ الدَّيْنُ. وَيُخَالِفُ هَذَا، الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، حَيْثُ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا بِالْمُتَبَايِعَيْنِ، أَمْ بِالْوَكِيلِ؟ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ عَقْدَ ضَمَانٍ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ إِلَى الْمُبَاشِرِ.

الْخَامِسُ: إِذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا مِنْ مَالِكِيهِ لِيَرْهَنَهُ، فَرَهَنَهُ، ثُمَّ أَدَّى نِصْفَ الدَّيْنِ، وَقَصَدَ بِهِ الشُّيُوعَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِحِصَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ شَيْءٌ. وَإِنْ قَصَدَ أَدَاءً عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِيَنْفَكَّ نَصِيبُهُ، فَفِي انْفِكَاكِهِ أَقْوَالٌ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ لِمَالِكَيْنِ، انْفَكَّ، وَإِلَّا، فَلَا، حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا وَجْهًا ; لِأَنَّ عَدَمَ الِانْفِكَاكِ لِاتِّحَادِ الدَّيْنِ وَالْعَاقِدَيْنِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ الْجَهْلُ إِثْبَاتَ الْخِيَارِ. ثُمَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ الِانْفِكَاكُ.

قُلْتُ: صَرَّحَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ الِانْفِكَاكَ أَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ مُتَمَاثِلَا الْقِيمَةِ، فَاسْتَعَارَهُمَا لِلرَّهْنِ، فَرَهَنَهُمَا، ثُمَّ قَضَى نِصْفَ الدَّيْنِ لِيَنْفَكَّ أَحَدُهُمَا، فَالْأَصَحُّ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: يَنْفَكُّ قَطْعًا. وَإِذَا قُلْنَا بِالِانْفِكَاكِ، وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ، فَلِلْمُرْتَهَنِ الْخِيَارُ إِذَا جَهِلَ بِأَنَّهُ لِمَالِكَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ. وَلَوِ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَرَهَنَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ، كَانَ نَصِيبُ كَلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالِكَيْنِ مَرْهُونًا عِنْدَ الرَّجُلَيْنِ. فَلَوْ أَرَادَ فَكَّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ نِصْفِ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُرْتَهِنَيْنِ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ فَكَّ نِصْفِ الْعَبْدِ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا، فَلَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوِ اسْتَعَارَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ، وَرُهِنَا

ص: 109

عِنْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَضَى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ، انْفَكَّ النِّصْفُ لِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ، هَكَذَا نَقَلُوهُ.

فَرْعٌ

قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : لَوِ اسْتَعَارَ لِيَرْهَنَ عِنْدَ وَاحِدٍ، فَرَهَنَ عِنْدَ اثْنَيْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَجُزْ. أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَلِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَأَمَّا الْعَكْسُ، فَلِأَنَّهُ إِذَا رَهَنَ عِنْدَ اثْنَيْنِ، يَنْفَكُّ بَعْضُ الرَّهْنِ بِأَدَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا رَهَنَ عِنْدَ وَاحِدٍ، لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ إِلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُ الْجَوَازَ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

السَّادِسُ: لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ مَاتَ عَنِ اثْنَيْنِ، فَقَضَى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَفِي انْفِكَاكِ نَصِيبِهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَنْفَكُّ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ أَوَّلًا مِنْ وَاحِدٍ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِتَرِكَتِهِ، فَقَضَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ، قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْرُجَ انْفِكَاكُ نَصِيبِهِ مِنَ التَّرِكَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، وَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ، هَلْ عَلَى الْمُقِرِّ أَدَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ التَّرِكَةِ؟ وَعَلَى هَذَا الْبِنَاءِ، فَالْأَصَحُّ الِانْفِكَاكُ ; لِأَنَّ الْجَدِيدَ: أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ أَدَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ التَّرِكَةِ ثُمَّ الْحُكْمُ بِانْفِكَاكِ نَصِيبِهِ، إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّعَلُّقِ مَعَ ابْتِدَاءِ تَعَدُّدِ الْمُلَّاكِ. فَلَوْ كَانَ الْمَوْتُ مَسْبُوقًا بِالْمَرَضِ، كَانَ التَّعَلُّقُ سَابِقًا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ لِلدَّيْنِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ. فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي انْفِكَاكِ نَصِيبِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، ثَابِتًا بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَقَدْ قَيَّدَهَا الْغَزَالِيُّ، بِمَا إِذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ غَنِيَّةٌ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

ص: 110

قُلْتُ: قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ: الْحُكْمُ بِالِانْفِكَاكِ، إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّعَلُّقِ. . . إِلَى آخِرِهِ. هَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى إِطْلَاقِهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنَ الْأُولَى فِي شَيْءٍ ; لِأَنَّ الْأُولَى: فِي انْفِكَاكِ نَصِيبِ الِابْنِ مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَهَا الْمَيِّتُ. وَالثَّانِيَةُ: فِي فَكِّ نَصِيبِهِ مِنْ تَعَلُّقِ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لِلرَّهْنِ فِي الثَّانِيَةِ وُجُودٌ، فَفِي قَوْلٍ: يَنْفَكُّ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِنَصِيبِهِ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَنْفَكُّ التَّعَلُّقُ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِهِ إِذَا مَنَعْنَا تَصَرُّفَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

إِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ لِمَالِكَيْنِ، وَانْفَكَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، فَأَرَادَ الْقِسْمَةَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْمُرْتَهِنَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَا يُجَابُ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ أَرْضًا مُخْتَلِفَةَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ، قَالُوا: لَزِمَ الشَّرِيكُ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَفِي الْمُرْتَهِنِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَهُ الِامْتِنَاعُ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنَ التَّبْعِيضِ وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ فِي طُرُقِهِمْ. وَزَادَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْقَفَّالِ، فَقَالُوا: تَجْوِيزُ الْقِسْمَةِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ، مَبْنِيُّ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إِفْرَازُ حَقٍّ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا، فَهُوَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَالْجُمْهُورُ أَطْبَقُوا عَلَى تَجْوِيزِ الْقِسْمَةِ هُنَا، وَجَعَلُوا تَأْثِيرَ كَوْنِهَا بَيْعًا افْتِقَارَهَا إِلَى إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ. ثُمَّ إِذَا جَوَّزْنَا الْقِسْمَةَ، فَطَرِيقُ الطَّالِبِ أَنْ يُرَاجِعَ الشَّرِيكَ، فَإِنْ سَاعَدَ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَيَرْفَعُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيُقَسِّمَ. وَفِي وَجْهٍ: لَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِ الشَّرِيكِ فِي الْمُتَمَاثِلَاتِ ; لِأَنَّ قِسْمَتَهَا إِجْبَارٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ قَاسَمَ الْمُرْتَهِنَ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، أَوِ الْحَاكِمِ عِنْدَ امْتِنَاعِ

ص: 111

الْمَالِكِ، جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَإِذَا مَنَعْنَاهَا فَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ، فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ صِحَّتُهَا. قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَصِحُّ وَإِنْ رَضِيَ ; لِأَنَّ رِضَاهُ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي فَكِّ الرَّهْنِ. فَأَمَّا فِي بَيْعِهِ بِمَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لِيَصِيرَ رَهْنًا، فَلَا. وَهَذَا إِشْكَالٌ قَوِيٌّ.

قُلْتُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَلَا يُسَلَّمُ الْحُكْمُ الَّذِي ادَّعَاهُ، فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنَانِ الْقِسْمَةَ قَبْلَ انْفِكَاكِ شَيْءٍ مِنَ الرَّهْنِ، فَعَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي بَيَّنَاهُ. وَلَوْ رَهَنَ وَاحِدٌ عِنْدَ اثْنَيْنِ، وَقَضَى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لِيَمْتَازَ مَا بَقِيَ رَهْنًا، فَفِي اشْتِرَاطِ رِضَى الَّذِي بَقِيَ رَهْنُهُ مَا ذَكَرْنَا.

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الِاخْتِلَافِ

التَّنَازُعُ فِي الرَّهْنِ يُفْرَضُ فِي أُمُورٍ.

الْأَوَّلُ: أَصْلُ الْعَقْدِ. فَإِذَا قَالَ: رَهَنْتَنِي، فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، أَوْ رَهَنْتَنِي ثَوْبَكَ، فَقَالَ: بَلْ عَبْدِي. أَوْ بِأَلْفَيْنِ، فَقَالَ: بَلْ بِأَلْفٍ. أَوْ رَهَنْتَنِي الْأَرْضَ بِأَشْجَارِهَا، فَقَالَ: بَلْ وَحْدَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: رَهَنْتَنِي الْأَشْجَارَ مَعَ الْأَرْضِ يَوْمَ رَهْنِ الْأَرْضِ، فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ أَوْ بَعْضُهَا يَوْمَ رَهْنِ الْأَرْضِ، بَلْ أَحْدَثْتُهَا بَعْدُ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتِ الْأَشْجَارُ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا يَوْمَ الرَّهْنِ، فَالْمُرْتَهِنُ كَاذِبٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِلَا يَمِينٍ. وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا بَعْدَهُ، فَالرَّاهِنُ كَاذِبٌ، فَإِنِ اعْتَرَفَ فِي مُفَاوَضَتِهَا أَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا، كَانَتِ الْأَشْجَارُ مَرْهُونَةً، وَلَا حَاجَةَ إِلَى يَمِينِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ زَعَمَ رَهْنَ الْأَرْضِ وَحْدَهَا، أَوْ مَا سِوَى الْأَشْجَارِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْوُجُودِ،

ص: 112