الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثَةُ: اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ، لِأَحَدِهِمْ بَيْتُ رَحَى، وَلِآخَرَ حَجَرُ الرَّحَى، وَلِآخَرَ بَغْلٌ يُدِيرُهُ، وَالرَّابِعُ يَعْمَلُ فِي الرَّحَى، عَلَى أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ أُجْرَةِ الطَّحْنِ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ فَاسِدٌ. ثُمَّ إِنِ اسْتَأْجَرَ مَالِكُ الْحِنْطَةِ الْعَامِلَ وَالْآلَاتِ مِنْ مَالِكِيهَا، وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ، لَزِمَهُ مَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ جَمَعَهُمْ فِي عَقْدٍ، فَإِنْ لَزِمَ ذِمَمَهُمُ الطَّحْنُ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَكَانَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا، وَيَتَرَاجَعُونَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدِ اسْتَوْفَى رُبُعَهَا، حَيْثُ أَخَذَ رُبُعَ الْمُسَمَّى، وَانْصَرَفَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَإِنِ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ الْعَامِلِ وَأَعْيَانَ الْآلَاتِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ. فَإِنْ أَفْسَدْنَا الْإِجَارَةَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِنْ أَلْزَمَ مَالِكُ الْحِنْطَةِ ذِمَّةَ الْعَامِلِ الطَّحْنَ، لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ إِذَا اسْتَعْمَلَ مَا لِأَصْحَابِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُمْ إِجَارَةً صَحِيحَةً، فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى.
الرَّابِعَةُ: لِوَاحِدٍ بَذْرٌ، وَلِآخَرَ أَرْضٌ، وَلِآخَرَ آلَةُ الْحَرْثِ، اشْتَرَكُوا مَعَ رَابِعٍ لِيَعْمَلَ، وَتَكُونُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ، فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : فَلَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَصِّلُوا لَهُ شَيْئًا. وَلَا يَخْفَى عُدُولُ هَذَا عَنِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» هُوَ الصَّوَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ
فِي حُكْمِ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ
لَهَا أَحْكَامٌ. أَحُدُهَا: إِذَا وَجَدَ الْإِذْنَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، تَسَلَّطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ.
وَتَصَرُّفُ الشَّرِيكِ كَتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، لَا بِبَيْعِ نَسِيئَةٍ، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إِلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ. فَإِنْ بَاعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، لَمْ يَصِحَّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَفِي نَصِيبِهِ، قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ لَمْ نُفَرِّقْهَا، بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِمَا وَالشَّرِكَةُ بِحَالِهَا. وَإِنْ فَرَّقْنَاهَا، انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ فِي الْمَبِيعِ، وَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ. وَإِنِ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ، نُظِرَ، إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ. وَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَقَعْ لِلشَّرِيكِ، وَعَلَيْهِ وَزْنُ الثَّمَنِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ.
فَرْعٌ
لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَلَا أَنْ يُبَعِّضَهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ فَعَلَ، ضَمِنَ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: لِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُ الشَّرِكَةِ مَتَى شَاءَ، كَالْوَكَالَةِ. فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرَ: عَزَلْتُكَ عَنِ التَّصَرُّفِ، أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي، انْعَزَلَ الْمُخَاطَبُ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْعَازِلُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ. وَلَوْ قَالَ: فَسَخْتُ الشَّرِكَةَ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ قَطْعًا. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا يَنْعَزِلَانِ عَنِ التَّصَرُّفِ. وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : فِي بَقَاءِ تَصَرُّفِهِمَا، وَجْهَانِ إِنْ كَانَا صَرَّحَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْإِذْنِ. وَوَجْهُ الْبَقَاءِ: اسْتِمْرَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَرِيحِ الْعَزْلِ.
فَرْعٌ
تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ إِغْمَائِهِ، كَالْوَكَالَةِ. ثُمَّ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ، فَلِلْوَارِثِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَتَقْرِيرِ الشَّرِكَةِ
إِنْ كَانَ رَشِيدًا، فَإِنْ كَانَ مُوَلَّيًا عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ، فَعَلَ وَلِيُّهُ مَا فِيهِ حَظُّهُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ. وَإِنَّمَا تَتَقَرَّرُ الشَّرِكَةُ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ تَقْرِيرُ الشَّرِكَةِ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ، لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُ الشَّرِكَةِ حَتَّى تَخْرُجَ الْوَصِيَّةُ. ثُمَّ هُوَ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، شَرْطُ ذَلِكَ أَمْ لَا، تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَمْ تَفَاوَتَا. فَإِنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْمَالِ، أَوِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ، فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، وَيُوَزَّعُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى الِاصْطِلَاحِ، فَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ لَفْظَ الْفَسَادِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ لِبَقَاءِ أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. فَلَوِ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ عَمَلٍ، وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةَ رِبْحٍ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى حِصَّةِ مِلْكِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَيَتَرَكَّبُ الْعَقْدُ مِنْ شَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّفَاوُتَ فِي الْخُسْرَانِ، فَإِنَّهُ يَلْغُو وَيُوَزَّعُ الْخُسْرَانُ عَلَى الْمَالِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قِرَاضًا، فَإِنَّ هُنَاكَ يَقَعُ الْعَمَلُ مُخْتَصًّا بِمَالِ الْمَالِكِ، وَهُنَا بِمِلْكَيْهِمَا. وَمَتَى فَسَدَ الشَّرْطُ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ التَّصَرُّفِ، لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ. فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ، فَنِصْفُ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ مَالِهِ، فَلَا أُجْرَةَ فِيهِ، وَنِصْفُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ مِثْلَ بَدَلِهِ عَلَيْهِ، فَيَقَعُ فِي التَّقَاصِّ. وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَالِ، فَسَاوَى عَمَلُ أَحَدِهِمَا مِائَتَيْنِ، وَالْآخَرُ مِائَةً. فَإِنْ كَانَ عَمَلُ مَنْ شُرِطَ لَهُ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ، فَنِصْفُ عَمَلِهِ مِائَةٌ، وَنِصْفُ عَمَلِ صَاحِبِهِ خَمْسُونَ، فَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ التَّقَاصِّ خَمْسُونَ. وَإِنْ كَانَ عَمَلُ صَاحِبِهِ أَكْثَرَ، فَفِي رُجُوعِهِ بِخَمْسِينَ عَلَى مَنْ شُرِطَ لَهُ الزِّيَادَةُ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ فَسَدَ الْقِرَاضُ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، فِيمَا لَوْ فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ، وَاخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ وَالْعَمَلِ، هَلْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ عَلَى الْآخَرِ؟ أَمَّا إِذَا تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ، فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ، وَتَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ، فَعَمِلُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ أَكْثَرَ، بِأَنْ سَاوَى عَمَلُهُ مِائَتَيْنِ، وَعَمَلُ الْآخَرِ مِائَةً، فَثُلُثَا عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَثُلُثُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَعَمَلُ صَاحِبِهِ بِالْعَكْسِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلِصَاحِبِ الْأَقَلِّ ثُلُثَا الْمِائَةِ عَلَى صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَقَدْرُهُمَا مُتَّفَقٌ، فَيَقَعُ فِي التَّقَاصِّ. وَإِنْ كَانَ عَمَلُ صَاحِبِ الْأَقَلِّ أَكْثَرَ، وَالتَّفَاوُتُ كَمَا صَوَّرْنَا، فَثُلُثُ عَمَلِ صَاحِبِ الْأَقَلِّ فِي مَالِهِ وَثُلُثَاهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَثُلُثَا عَمَلِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ فِي مَالِهِ، وَثُلُثُهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ، فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ مِائَةٌ بَعْدَ التَّقَاصِّ. وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ، فَلِصَاحِبِ الْأَقَلِّ ثُلُثَا الْمِائَةِ عَلَى صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَلِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ ثُلُثُ الْمِائَةِ عَلَيْهِ، فَثُلُثٌ تَقَاصٌّ، وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ ثُلُثُ الْمِائَةِ.
فَرْعٌ
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْفَسَادِ عِنْدَ تَغْيِيرِ نِسْبَةِ الرِّبْحِ، يَجْرِي فِي سَائِرِ أَسْبَابِ فَسَادِ الشَّرِكَةِ. لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَالَيْنِ شُيُوعٌ، وَخَلْطٌ، فَلَا شَرِكَةَ هُنَا عَلَى التَّحْقِيقِ، بَلْ ثَمَنُ كُلِّ مَالٍ يَخْتَصُّ بِمَالِكِهِ، وَلَا يَقَعُ مُشْتَرَكًا. وَالْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حُصُولِ نَفْسِ الشَّرِكَةِ. وَإِنْ جَرَى تَوْكِيلٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ.
فَرْعٌ
إِذَا جَوَّزْنَا شَرْطَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِمَنِ اخْتُصَّ بِزِيَادَةِ عَمَلٍ، فَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ، وَلَا اشْتَرَطَا
تَوْزِيعَ الرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، بَلْ أَطْلَقَا، فَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، خِلَافًا فِي أَنَّ الرِّبْحَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمَالَيْنِ، وَتَكُونُ زِيَادُ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا، أَمْ تَثْبُتُ لِلزِّيَادَةِ أُجْرَةٌ تَخْرِيجًا مِمَّا إِذَا اسْتَعْمَلَ صَانِعًا وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً. ثُمَّ إِذَا شَرَطَا زِيَادَةَ رِبْحٍ لِمَنْ زَادَ عَمَلُهُ، هَلْ يُشْتَرَطُ اسْتِقْلَالُهُ بِالْيَدِ كَالْقِرَاضِ؟ أَمْ كَسَائِرِ الشِّرْكِ؟ وَجْهَانِ. وَكَذَا لَوِ اشْتَرَطَا انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ. وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ الرِّبْحِ لِمَنْ زَادَ عَمَلُهُ، جَارٍ فِيمَا إِذَا شَرَطَ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ وَجَعَلَ لَهُ زِيَادَةَ رِبْحٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ هُنَا، وَلَا يَجُوزُ إِذَا اشْتَرَكَا فِي أَصْلِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الرِّبْحَ بِأَيِّ عَمَلٍ حَصَلَ.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: أَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُودَعِ. فَإِذَا ادَّعَى رَدَّ الْمَالِ إِلَى شَرِيكِهِ، أَوْ تَلَفًا، أَوْ خُسْرَانًا، صُدِّقَ. فَإِنْ أَسْنَدَ التَّلَفَ إِلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ. فَإِذَا أَقَامَهَا، صُدِّقَ فِي الْهَلَاكِ بِهِ. وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا خِيَانَةَ صَاحِبِهِ، لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَ مَا خَانَ بِهِ. فَإِذَا بَيَّنَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَالٌ، فَقَالَ: هُوَ لِي، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ لِلشَّرِكَةِ، أَوْ عَكْسِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ. وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: اقْتَسَمْنَا، وَهَذَا نَصِيبِي، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي. وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَالٌ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: هَذَا نَصِيبِي مِنَ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْتَ أَخَذْتَ نَصِيبَكَ، حَلَفَا، وَجُعِلَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، قُضِيَ لِلْحَالِفِ.
فَرْعٌ
بَيْنَهُمَا عَبْدٌ، بَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ قُلْنَا:
لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ قَبْضُ الثَّمَنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّرِيكَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ الشَّرِيكُ لِلْبَائِعِ: قَبَضْتَ كُلَّ الثَّمَنِ، فَسَلِّمْ إِلَيَّ نَصِيبِي، وَيُوَافِقُهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ قَبَضَ، وَيُنْكِرُ الْبَائِعُ، فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ. ثُمَّ هُنَا خُصُومَةٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَخُصُومَةٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَرُبَّمَا تَأَخَّرَتْ. فَإِنْ تَقَدَّمَتْ، نُظِرَ، إِنْ قَامَتْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْأَدَاءِ، انْدَفَعَتْ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ. فَإِنْ شَهِدَ لَهُ الشَّرِيكُ، لَمْ يُقْبَلْ فِي نَصِيبِهِ. وَفِي نَصِيبِ الْبَائِعِ الْقَوْلَانِ فِي تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ. فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُشَارِكُهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْآنَ ظُلْمٌ. وَإِنْ نَكَلَ، وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي، انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، فَوَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَلْزَمُهُ نَصِيبُ الْبَائِعِ، لِأَنَّا لَا نَقْضِي بِالنُّكُولِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ، بَلْ مُؤَاخَذَةً بِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِ الْمَالِ بِالشِّرَاءِ. فَإِذَا انْقَضَتْ خُصُومَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَطَلَبَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنَ الْبَائِعِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إِلَّا نَصِيبَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ. فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ، حَلَفَ الشَّرِيكُ وَأَخَذَ مِنْهُ نَصِيبَهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنَ الْحَلِفِ نُكُولُهُ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْخُصُومَةِ مَعَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا خُصُومَةٌ أُخْرَى مَعَ آخَرَ. أَمَّا إِذَا تَقَدَّمَتْ خُصُومَةُ الشَّرِيكَيْنِ، فَادَّعَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ عَلَى الْبَائِعِ قَبْضَ الثَّمَنِ، وَطَلَبَ حَقَّهُ، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُشْتَرِي لَهُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ نَصِيبَهُ مِنَ الْبَائِعِ. فَإِذَا انْقَضَتْ خُصُومَةُ الشَّرِيكَيْنِ، فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِحَقِّهِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَبَرِئَ. وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنَ الْحَلِفِ وَطَلَبِ حَقِّهِ مِنَ الْمُشْتَرِي نُكُولُهُ فِي الْخُصُومَةِ الْأُولَى مَعَ شَرِيكِهِ. وَفِي وَجْهٍ:
يَمْنَعُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. وَعَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: الْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِيمَا إِذَا تَقَدَّمَتْ خُصُومَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَنَكَلَ الْبَائِعُ، وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي. حَتَّى يُقَالَ: تَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ خُصُومَةٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلشَّرِيكِ: قَبَضْتُ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَصِيبِ الْبَائِعِ، لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ وَكِيلَهُ قَبَضَهُ. ثُمَّ تُتَصَوَّرُ خُصُومَتَانِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ تَخَاصَمَ الشَّرِيكُ وَالْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ، فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ، وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذَ. وَإِنْ تَخَاصَمَ الْبَائِعُ وَالشَّرِيكُ، حَلَفَ الشَّرِيكُ. فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَكُلُّ هَذَا، كَمَا سَبَقَ فِي النِّزَاعِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ شَهِدَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ، فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي عَنْ شَيْءٍ مِنَ الثَّمَنِ. ثُمَّ يَكُونُ الْبَائِعُ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ، وَتَارَةً لَا. فَإِنْ كَانَ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِنَصِيبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ الشَّرِيكِ نَصِيبَ نَفْسِهِ، صَارَ مَعْزُولًا. ثُمَّ إِذَا تَخَاصَمَ الشَّرِيكُ وَالْمُشْتَرِي، فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ بِالْقَبْضِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ. فَإِذَا حَلَفَ، فَفِيمَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ الْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ تَمَامَ حَقِّهِ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْبَائِعَ فِي الْمَأْخُوذِ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ مِنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ شَائِعٌ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا شَارَكَ، لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ إِلَّا رُبُعُ الثَّمَنِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأَخْذُ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُشَارِكُ الْبَائِعَ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ انْعَزَلَ عَنِ الْوَكَالَةِ بِإِقْرَارِ أَنَّ
الشَّرِيكَ أَخَذَ حَقَّهُ، فَمَا يَأْخُذُهُ بَعْدَ الِانْعِزَالِ، يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. وَهَذَا الْوَجْهُ اسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخَانِ: أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ. وَلَوْ شَهِدَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّرِيكِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا شَرِكَةَ صَاحِبِهِ فِيمَا أَخَذَهُ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: تُقْبَلُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْبَائِعُ مَأْذُونًا فِي الْقَبْضِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِحَقِّهِ، وَمَا يَأْخُذُهُ يُسَلَّمُ لَهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّرِيكِ. وَيَجِيءُ وَجْهٌ: فِي مُشَارَكَةِ صَاحِبِهِ، وَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا: أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ، لَوْ قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَدْيُونُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَجِدُ مَالًا سِوَاهُ. وَالصَّحِيحُ: الْمُشَارَكَةُ مُطْلَقًا. وَلَوْ مَلَكَا عَبْدًا، فَبَاعَاهُ صَفْقَةً، فَهَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ حِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا. فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا، شَارَكَهُ الْآخَرُ كَالْمِيرَاثِ. وَأَرْجَحُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ.
فَرْعٌ
بَيْنَهُمَا عَبْدٌ، فَغَصَبَ غَاصِبٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، بِأَنْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَتَهُ، فَأَزَالَ يَدَهُ، وَلَمْ يُزِلْ يَدَ صَاحِبِهِ، يَصِحُّ مِنَ الَّذِي لَمْ يُغْصَبْ نَصِيبُهُ بَيْعُهُ، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْآخَرِ بَيْعُ نَصِيبِهِ إِلَّا لِلْغَاصِبِ، أَوْ لِقَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنَ الْغَاصِبِ. فَلَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ وَالَّذِي لَمْ يُغْصَبْ نَصِيبُهُ جَمِيعَ الْعَبْدِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بَطَلَ فِي نَصِيبِ الْغَاصِبِ، وَصَحَّ فِي نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ. وَقِيلَ: يُبْنَى نَصِيبُ الْمَالِكِ، عَلَى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا بَاعَ نِصْفَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، يَنْصَرِفُ إِلَى نَصِيبِهِ. أَمْ يَشِيعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. فَإِنْ قُلْنَا:
يَنْصَرِفُ إِلَى نَصِيبِهِ، صَحَّ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ. وَفِي رُبُعِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَا يُنْظَرُ إِلَى هَذَا الْبِنَاءِ إِذَا بَاعَ الْمَالِكَانِ مَعًا، وَأَطْلَقَا. وَلَا يُجْعَلُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْعَ نِصْفِ الْعَبْدِ، لَأَنَّ هُنَاكَ تَنَاوَلَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ جَمِيعَ الْعَبْدِ. وَهَذَانَ الْفَرْعَانِ غَيْرُ مُخْتَصَّيْنِ بِبَابِ الشَّرِكَةِ، لَكِنْ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ هُنَا.
قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ. إِحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ اشْتِرَاكُ الْمُسَافِرِينَ فِي الزَّادِ مَجْلِسًا مَجْلِسًا، نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَصَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -. وَتَرَكَ بَيَاضًا فِي الْأَصْلِ.