المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٤

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْقَرْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الضَّمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ

‌فَصْلٌ

يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَتَصَرُّفِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ يُحْكَمْ بِهِ فِي الْحَالِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَعْوَى أَوْ شَهَادَةً، وَلَا تَلْغِيَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ لَوْ حَصَلَ الْمُقَرُّ بِهِ يَوْمًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: الْعَبْدُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ مَرْهُونٌ عِنْدَ عَمْرٍو بِكَذَا، ثُمَّ حَصَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ، يُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ فِي دَيْنِ عَمْرٍو. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، أَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّتِهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ، تَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ الْبَائِعُ، وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْهُ ثُمَّ لِإِقْرَارِهِ صِيغَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُولَ: إِنَّكَ أَعْتَقْتَهُ وَتَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا، قَالَ الْأَصْحَابُ: فَيَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بَيْعًا قَطْعًا، وَفِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: شِرَاءٌ. وَأَصَحُّهُمَا: افْتِدَاءٌ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: بَيْعٌ مِنَ الْبَائِعِ، وَافْتِدَاءٌ مِنَ الْمُقِرِّ.

وَالثَّانِي: بَيْعٌ مِنْهُمَا.

وَالثَّالِثُ: فِدَاءٌ مِنْهُمَا. وَهَذَا الثَّالِثُ فَاسِدٌ فِي جِهَةِ الْبَائِعِ. وَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذُهُ الْمَالَ لِيَفْدِيَ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ؟ ! وَلَوْ قِيلَ: فِيهِ الْمَعْنَيَانِ، وَأَيُّهُمَا أَغْلَبُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ، لَكَانَ قَرِيبًا، وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرْنَا عَنِ الْأَصْحَابِ. وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ جَانِبِهِ. وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَخَرَجَ مَعِيبًا وَرَدَّهُ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَعِيبًا وَرَدَّهُ، حَيْثُ لَا يَسْتَرِدُّ الْعَبْدَ، بَلْ يَعْدِلُ إِلَى الْقِيمَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعِتْقِ هُنَاكَ. وَأَمَّا الْمُقِرُّ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ شِرَاءً فِي حَقِّهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ قُلْنَا: فِدَاءٌ فَلَا. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: لَا رَدَّ لَهُ لَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا، لَكِنْ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَلَى قَوْلِنَا: شِرَاءٌ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الِافْتِدَاءِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَفِي ثُبُوتِهِ لِلْبَائِعِ

ص: 362

وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَكَادُ يَتَبَعَّضُ.

وَالْمَذْهَبُ عَلَى الْجُمْلَةِ: ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا وَلَاؤُهُ، فَمَوْقُوفٌ. فَإِنْ مَاتَ وَخَلَفَ مَالًا، وَلَا وَارِثَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، نُظِرَ، إِنْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَهُ وَرَدَّ الثَّمَنَ. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَأَصَرَّ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ، فَظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّ الْمِيرَاثَ يُوقَفُ كَمَا وُقِفَ الْوَلَاءُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِمَّا تَرَكَهُ. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، كَانَ الْفَاضِلُ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِمَّا كَاذِبٌ فَالْمَيِّتُ رَقِيقٌ لَهُ وَجَمِيعُ أَكْسَابِهِ لَهُ، وَإِمَّا صَادِقٌ، فَالْإِكْسَابُ لِلْبَائِعِ إِرْثًا بِالْوَلَاءِ، وَقَدْ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الثَّمَنِ، وَتَعَذُّرِ اسْتِرْدَادِهِ، فَإِذَا ظَفِرَ بِمَالِهِ، كَانَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى ظَاهِرِ النَّصِّ، وَتَخْطِئَةِ الْمُزَنِيِّ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ كَسْبُ مَمْلُوكِهِ، فَقَدْ نَفَاهُ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ بِجِهَةِ الظَّفَرِ بِمَالِ ظَالِمِهِ، فَقَدْ بَذَلَهُ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاسْتِنْقَاذِ حُرٍّ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ كَالصَّدَقَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ جِهَةٍ يَأْخُذُهُ، فَيُوقِفُ إِلَى ظُهُورِ جِهَتِهِ. وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالْجُمْهُورُ: إِلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَحَمَلُوا مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ بِجِهَةِ الْوَلَاءِ يَكُونُ مَوْقُوفًا وَقْفَ الْوَلَاءِ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ. فَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا مَعْنَى لِلْوَقْفِ فِيهِ. قَالُوا: وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْمَبْذُولِ فِدْيَةً وَقُرْبَةً، كَمَنْ فَدَى أَسِيرًا ثُمَّ اسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْكُفَّارِ وَوَجَدَ الْفَادِي عَيْنَ مَالِهِ أَخَذَهُ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْجِهَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ.

الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ: يَقُولُ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ، فَهُوَ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَخَلَّفَ مَالًا، وَلَا وَارِثَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَهُ عِوَضًا عَنِ الثَّمَنِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي

ص: 363

لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِي زَعْمِهِ، وَقَدْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ، وَلِلْمُكْرِي مُطَالَبَتُهُ بِالْأُجْرَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ جَارِيَةٍ لِزَيْدٍ، ثُمَّ قَبِلَ نِكَاحَهَا مِنْهُ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلِزَيْدٍ مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرِهَا.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَقَرَّ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُصْبَةٌ، صَحَّ تَزْوِيجُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مَالِكٌ، وَإِمَّا مَوْلَى حُرَّةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي فِي يَدِكَ غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ.

وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ هُنَاكَ لِلِافْتِدَاءِ وَالْإِنْقَاذِ مِنَ الرِّقِّ، وَلَا يَتَّجِهُ مِثْلُهُ فِي تَخْلِيصِ عَبْدِ الْغَيْرِ.

فَرْعٌ

أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ، فَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ أَنَا مِلْكُ عَمْرٍو، يُسَلَّمُ إِلَى زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ، لَا فِي نَفْسِهِ. فَلَوْ أَعْتَقَهُ زَيْدٌ، لَمْ يَكُنْ لِعَمْرٍو تَسَلُّمُ رَقَبَتِهِ، وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ وَلَاءِ زَيْدٍ. وَهَلْ لَهُ أَخْذُ أَكْسَابِهِ؟ وَجْهَانِ.

وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّ الْإِكْسَابَ فَرْعُ الرِّقِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ.

ص: 364

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: قَوْلُ الْقَائِلِ: لِفُلَانٍ كَذَا، صِيغَةُ إِقْرَارٍ. وَقَوْلُهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ، أَوْ فِي ذِمَّتِي، إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ ظَاهِرًا. وَقَوْلُهُ: عِنْدِي أَوْ مَعِي، إِقْرَارٌ بِالْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ: لَهُ قِبَلِي كَذَا، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : هُوَ دَيْنٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا.

قُلْتُ: قَوْلُهُ: إِقْرَارٌ بِالْعَيْنِ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْمِلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ مُودَعَةٌ لَهُ عِنْدَهُ، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. قَالَ: حَتَّى لَوِ ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً تَلِفَتْ، أَوْ رَدَدْتُهَا، قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَّرَهُ بِالْوَدِيعَةِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِذَا ادَّعَى التَّلَفَ، لَمْ يَنْفَعْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَقَالَ فِي جَوَابِهِ: زِنْ، أَوْ خُذْ، أَوِ اسْتَوْفِ، أَوِ اتَّزِنْ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ. وَفِي وَجْهٍ: اتَّزِنْ، إِقْرَارٌ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ، أَوْ زِنْهُ، أَوِ اخْتِمْ عَلَيْهِ، أَوْ شُدَّهُ فِي هَمَيَانِكَ، أَوِ اجْعَلْهُ فِي كِيسِكَ، أَوِ اخْتِمْ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: إِقْرَارٌ.

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: وَهِيَ صِحَاحٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: زِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: بَلَى، أَوْ نَعَمْ، أَوْ أَجَلْ، أَوْ صَدَقْتَ، فَهُوَ إِقْرَارٌ. قَالُوا: وَلَوْ قَالَ: لَعَمْرِي فَإِقْرَارٌ. وَلَعَلَّ الْعُرْفَ يَخْتَلِفُ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ

ص: 365

بِمَا تَدَّعِيهِ، أَوْ لَسْتُ مُنْكِرًا لَهُ فَهُوَ إِقْرَارٌ لَهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، وَلَمْ يَقُلْ: بِهِ، أَوْ لَسْتُ مُنْكِرًا، أَوْ أَنَا أُقِرُّ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُقِرُّ لَكَ بِهِ، فَوَجْهَانِ.

نَسَبَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ إِقْرَارًا إِلَى الْأَكْثَرِينَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْقَاضِيَ حُسَيْنًا وَالرُّويَانِيَّ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَا يُحْكَى الْوَجْهُ الْآخَرُ إِلَّا نَادِرًا. وَيَتَأَيَّدُ كَوْنُهُ إِقْرَارًا بِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ، كَانَ إِقْرَارًا، وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ فِي شَيْءٍ آخَرَ. فَلَوْ قَالَ: فِيمَا يَدَّعِيهِ، فَهُوَ إِقْرَارٌ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُقِرُّ بِهِ وَلَا أُنْكِرُهُ، فَهُوَ كَسُكُوتِهِ، فَيُجْعَلُ مُنْكِرًا، وَتُعْرَضُ عَلَيهِ الْيَمِينُ. وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ، أَوْ قَضَيْتُهُ، فَإِقْرَارٌ، وَعَلَيهِ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ. وَفِي وَجْهٍ: أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ، لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَرْتُ بِأَنَّكَ أَبْرَأْتَنِي وَاسْتَوْفَيْتَ مِنِّي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ.

وَلَوْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: لَعَلَّ، أَوْ عَسَى، أَوْ أَظُنُّ، أَوْ أَحْسَبُ، أَوْ أُقَدِّرُ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ.

فَرْعٌ

اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي التَّصْدِيقِ، فَقَدْ تَنْضَمُّ إِلَيهِ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إِلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ. وَمِنْ جُمْلَتِهَا: الْأَدَاءُ، وَالْإِبْرَاءُ، وَتَحْرِيكُ الرَّأْسِ الدَّالُّ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إِنْ صَدَقْتَ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ. فَأَمَّا إِذَا اجْتَمَعَتِ الْقَرَائِنُ، فَلَا تُجْعَلُ إِقْرَارًا. وَيُقَالُ: فِيهِ خِلَافٌ، لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ،

ص: 366

فَقَالَ فَالْجَوَابُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ؟ فَقَالَ: بَلَى، كَانَ إِقْرَارًا. وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَوَجْهَانِ.

وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ. وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ إِقْرَارٌ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى مَفْهُومِ أَهْلِ الْعُرْفِ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ.

قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَ: هَلْ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِقْرَارٌ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي عَبْدِي هَذَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَهُوَ إِقْرَارٌ مِنْهُ لِلْقَائِلِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا، فَقَالَ: نَعَمْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافٌ مِمَّا سَبَقَ فِي الصُّلْحِ، كَقَوْلِهِ: بِعْنِيهِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ، وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدِي، فَالتَّصْدِيقُ بِـ «نَعَمْ» يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ، لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ. وَلَوِ ادَّعَى عَلَيهِ عَبْدًا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ وَكِيلِكَ فُلَانٍ، فَهُوَ إِقْرَارٌ لَهُ، وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا وَكَّلَ فُلَانًا فِي بَيْعٍ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِي، أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ أَشْهَدُ، فَهِيَ إِقْرَارٌ.

السَّادِسَةُ: قَالَ: كَانَ عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لَهُ، فَهَلْ هُوَ إِقْرَارٌ فِي الْحَالِ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ فِي الْحَالِ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا الثَّانِيَ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى تَصْحِيحِهِ الْجُرْجَانِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْخِلَافُ، فِيمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ دَارِي أَسْكَنْتُ فِيهَا فُلَانًا، ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ

ص: 367

مِنْهَا، فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْيَدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا وَادَّعَى زَوَالَهَا. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيُّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِيَدِ فُلَانٍ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَلَوْ قَالَ: مَلَكْتُهَا مِنْ زِيدٍ، فَهُوَ إِقْرَارٌ، بِمِلْكِهَا لِزَيْدٍ، وَدَعْوَى انْتِقَالِهَا مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ زَيْدٌ، لَزِمَهُ رَدُّهَا إِلَيهِ.

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: مَلَكْتُهَا عَلَى يَدِ زَيْدٍ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: كَانَ زَيْدٌ وَكِيلًا، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّابِعَةُ: قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِقْرَارٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وَإِنْ قَالَ: أَعْطِي غَدًا، أَوِ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ، أَوِ اقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ، أَوْ لَا تُدِمِ الْمُطَالَبَةَ، أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى، أَوْ وَاللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ إِقْرَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَمُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَالْمَيْلُ إِلَى مُوَافَقَتِهِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ. وَمِثْلُهُ: أَسْرِجْ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ مَتَى تَقْضِي حَقِّي؟ فَقَالَ: غَدًا.

الثَّامِنَةُ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: غَصَبْتَ ثَوْبِي. فَقَالَ: مَا غَصَبْتُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَكَ وَلَا بَعْدَكَ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ: مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: تَلْزَمُ الْمِائَةُ. وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى مَالًا، فَقِيلَ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِلتَّعْلِيقِ، وَقِيلَ: إِقْرَارٌ، وَذَلِكَ بَيَانٌ لِوَقْتِ الْأَدَاءِ.

وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُسْتَفْسَرُ، فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ، صَحَّ، وَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّعْلِيقِ لَغَا.

ص: 368

قُلْتُ: وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ قَالَ فِي «الْعُدَّةِ» : الْأَصَحُّ أَنَّهُ إِقْرَارٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

التَّاسِعَةُ: شَهِدَ عَلَيهِ شَاهِدٌ، فَقَالَ: هُوَ صَادِقٌ، أَوْ عَدْلٌ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَإِنْ قَالَ: صَادِقٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ، أَوْ عَدْلٌ فِيهِ، كَانَ إِقْرَارًا، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» .

قُلْتُ: فِي لُزُومِهِ بِقَوْلِهِ: عَدْلٌ، نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ شَهِدَ عَلَيَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، أَوْ شَاهِدَانِ بِكَذَا، فَهُمَا صَادِقَانِ، فَهُوَ إِقْرَارٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا. وَإِنْ قَالَ: إِنْ شَهِدَا صَدَّقْتُهُمَا، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَطْعًا.

قُلْتُ: فِي «الْبَيَانِ» : أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ، لَا شَيْءَ عَلَيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِنْ دَعْوَاكَ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ أَقْرَضْتُكَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا اقْتَرَضْتُ مِنْكَ غَيْرَهُ، أَوْ كَمْ تَمُنُّ بِهِ، قَالَ الصُّمَيْرِيُّ: هُوَ إِقْرَارٌ. وَإِنْ قَالَ: مَا أَعْجَبَ هَذَا، أَوْ نَتَحَاسَبُ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَإِنْ كُتِبَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، كَمَا لَوْ كَتَبَ عَلَيهِ غَيْرُهُ، فَقَالَ: اشْهَدُوا بِمَا كَتَبَ. وَقَدْ وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. وَوَافَقَ أَيْضًا عَلَى مَا لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ مُتُّ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «الْعُدَّةِ» وَ «الْبَيَانِ» ، وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ: أَنَّهُ إِقْرَارٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 369

الْعَاشِرَةُ: إِقْرَارُ أَهْلِ كُلِّ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ وَغَيْرِ لُغَتِهِمْ إِذَا عَرَفُوهَا صَحِيحٌ. وَلَوْ أَقَرَّ عَجَمِيٌّ بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، بَلْ لُقِّنْتُ فَتَلَقَّنْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ أَقَرَّ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْإِقْرَارِ صَغِيرًا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْتُ مَجْنُونًا وَقَدْ عُهِدَ لَهُ جُنُونٌ. وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا، وَهُنَاكَ أَمَارَةُ الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ، أَوْ مُوَكَّلٍ عَلَيهِ فَكَذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَالْأَمَارَةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الْحَبْسُ وَالتَّوْكِيلُ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي حَبْسِ زَيْدٍ، فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ لِعَمْرٍو.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ، وَتَعَرَّضُوا لِبُلُوغِهِ، وَصِحَّةِ عَقْلِهِ، وَاخْتِيَارِهِ، فَادَّعَى الْمُقِرُّ خِلَافَهُ لَمْ يُقْبَلْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الشُّهُودِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّعَرُّضُ لِلْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَالطَّوَاعِيَةِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرُّشْدِ. وَيُكْتَفَى بِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ. وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِحُرِّيَّةِ مَجْهُولِ الْحُرِّيَّةِ. وَخَرَجَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ التَّعَرُّضِ لِسَائِرِ الشُّرُوطِ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَا يُكْتَبُ فِي الْوَثَائِقِ أَنَّهُ أَقَرَّ طَائِعًا فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَبُلُوغِهِ احْتِيَاطٌ. وَلَوْ تَقَيَّدَتْ شَهَادَةُ الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ طَائِعًا، وَأَقَامَ الشُّهُودُ عَلَيهِ بَيِّنَةً بِكَوْنِهِ كَانَ مُكْرَهًا، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ.

ص: 370

الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ

يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمُجْمَلِ، وَهُوَ الْمَجْهُولُ لِلْحَاجَةِ. وَسَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً، أَوْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى مَعْلُومَةٍ، بِأَنْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ. وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْجَهَالَةُ لَا تَنْحَصِرُ. وَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رضي الله عنهم مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ، لِيُعْرَفَ وَيُقَاسَ عَلَيهِ غَيْرُهُ، وَأَلْفَاظُ الْبَابِ سَبْعَةُ أَضْرُبٍ.

الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: شَيْءٌ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، طَلَبْنَا تَفْسِيرَهُ. فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يُتَمَوَّلُ، قُبِلَ، كَثُرَ أَمْ قَلَّ، كَرَغِيفٍ، وَفِلْسٍ، وَتَمْرَةٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ، لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ قُمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ، فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ، كَمَا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ عَلَى آخِذِهِ رَدُّهُ، وَقَوْلُهُمْ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ، مَمْنُوعٌ. وَالتَّمْرَةُ أَوِ الزَّبِيبَةُ حَيْثُ لَا قِيمَةَ لَهَا، عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَطْعًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ اقْتِنَاؤُهُ لِمَنْفَعَتِهِ، وَإِمَّا لَا. فَالْأَوَّلُ: كَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالسَّرْجَيْنِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْقَابِلِ لِلدِّبَاغِ، وَالْكَلْبِ الْقَابِلِ لِلتَّعْلِيمِ، وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَيُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَالْخِنْزِيرِ، وَجِلْدِ الْكَلْبِ، وَالْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ، وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ فَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ، قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ عَلَيهِ رَدَّهَا عِنْدَ الطَّلَبِ، وَقَدْ يَتَعَدَّى فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ،

ص: 371