الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَحَقَّ آخِرُ حَبْسَهُ، جَعْلَهُ الْقَاضِي مَحْبُوسًا لِلِاثْنَيْنِ، فَلَا يَخْرُجُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا. قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ، أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْغَرِيمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
إِذَا حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُفْلِسِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُبَادِرَ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ، لِئَلَّا يَطُولَ زَمَنُ الْحَجْرِ، وَلَا يُفَرِّطَ فِي الِاسْتِعْجَالِ، لِئَلَّا يُبَاعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبِيعَ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ، أَوْ وَكِيلِهِ، وَكَذَا يَفْعَلُ إِذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا إِحْضَارُ الْغُرَمَاءِ، وَيُقَدَّمُ بَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي، لِيَتَعَجَّلَ حَقُّ مُسْتَحِقِّيهِمَا. فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمَا شَيْءٌ ضُمَّ إِلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ، ضَارَبَ بِهِ.
قُلْتُ: وَيُقَدَّمُ أَيْضًا الْمَالُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَامِلِ الْقِرَاضِ، وَيُقَدَّمُ بِالرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ، صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَبِيعُ أَوَّلًا مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ سَائِرَ الْمَنْقُولَاتِ، ثُمَّ الْعَقَارَ، وَيُبَاعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ.
قُلْتُ: بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ، مُسْتَحَبٌّ. فَلَوْ بَاعَ فِي غَيْرِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، صَحَّ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ تَقْدِيمِ بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي، وَهُوَ إِذَا لَمْ يَخَفْ تَلَفَ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ. فَإِنْ خِيفَ، قُدِّمَ بَيْعُهُ عَلَيْهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَإِنْ كَانَتِ الدُّيُونُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّقْدِ، وَلَمْ يَرْضَ الْمُسْتَحِقُّونَ إِلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِمْ، صَرَفَهُ إِلَيْهِ. وَإِلَّا فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَلَمًا.
فَرْعٌ
لَا يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه. وَقَدْ سَبَقَ أَقْوَالُهُ، فِيمَا إِذَا تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: نَصُّهُ هُنَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا يُبْدَأُ بِالْمُشْتَرِي، وَيَجِيءُ عِنْدَ النِّزَاعِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ مَعًا، وَلَا يَجِيءُ قَوْلُنَا لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، وَلَا قَوْلُنَا: الْبُدَاءَةُ بِالْبَائِعِ ; لِأَنَّ مِنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ، لَزِمَهُ الِاحْتِيَاطُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ هُنَا بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ لَوْ خَالَفَ الْوَاجِبَ وَسَلَّمَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، ضَمِنَ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ الضَّمَانِ.
فَرْعٌ
مَا يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ مِنْ أَثْمَانِ أَمْوَالِهِ عَلَى التَّدْرِيجِ إِنْ كَانَ يَسْهُلُ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِمْ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَخَّرَ. وَإِنْ كَانَ يَعْسُرُ لِقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الدُّيُونِ. فَلَهُ التَّأْخِيرُ لِتَجْتَمِعَ، فَإِنْ أَبَوُا التَّأْخِيرَ، فَفِي «الِنِهَايَةِ» إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ. وَالظَّاهِرُ، خِلَافُهُ وَإِذَا تَأَخَّرَتِ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ إِيَّاهُ، فَعَلَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ وَالْيَسَارُ. وَلْيُودَعْ عِنْدَ مَنْ يَرْضَاهُ الْغُرَمَاءُ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ عَدْلٍ، فَالرَّأْيُ لِلْحَاكِمِ، وَلَا يُقْنَعُ بِغَيْرِ عَدْلٍ. وَلَوْ تَلِفَ شَيْءٌ فِي يَدِ الْعَدْلِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاةِ الْمُفْلِسِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ.
فَرْعٌ
لَا يُكَلَّفُ الْغُرَمَاءُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ، وَيَكْفِي بِأَنَّ الْحَجْرَ قَدِ اسْتَفَاضَ. فَلَوْ كَانَ غَرِيمٌ، لَظَهَرَ وَطَلَبَ حَقَّهُ، هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ. فَإِذَا قُلْنَا: فِي الْوَرَثَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ بِأَنْ لَا وَارِثَ غَيْرَهُمْ، فَكَذَا الْغُرَمَاءُ. وَالْفَارِقُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَضْبَطُ مِنَ الْغُرَمَاءِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: قَوْلُ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ. وَيُفَرَّقُ أَيْضًا، بِأَنِ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ، تَيَقَّنَا اسْتِحْقَاقَهُ لِمَا يَخُصُّهُ، وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمٍ. ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ مُزَاحِمٌ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا عَنْ كَوْنِهِ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْقَدْرَ فِي الذِّمَّةِ، وَلَيْسَتْ مُزَاحَمَةُ الْغَرِيمِ مُتَحَتِّمَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ، سَلَّمْنَا الْجَمِيعَ إِلَى الْآخَرِ، وَالْوَارِثُ يُخَالِفُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا جَرَتِ الْقِسْمَةُ، ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُنْقَضُ، وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ بِالْحِصَّةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَفِي وَجْهٍ، يُنْقَضُ فَيُسْتَأْنَفُ. فَعَلَى الصَّحِيحِ، لَوْ قَسَّمَ مَالَهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ، لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ، وَلِلْآخَرِ عَشْرَةٌ، فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشْرَةً، وَالْآخَرُ خَمْسَةً، فَظَهْرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثِينَ، اسْتَرَدَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ. وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُمَا عَشْرَةً وَعَشْرَةً، فَقَسَّمَ الْمَالَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ بِعَشَرَةٍ، رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِثُلْثِ مَا أَخَذَهُ. فَإِنْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا، مَا أَخَذَ وَكَانَ مُعْسِرًا لَا يُحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَأْخُذُ الْغَرِيمُ الثَّالِثُ مِنَ الْآخَرِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ، وَكَأَنَّهُ كُلُّ مَالٍ ثُمَّ إِذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَّمَاهُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّانِي: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إِلَّا ثُلُثَ مَا أَخَذَهُ، وَلَهُ