المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته

‌باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته

قوله: "يوجب الوضوء شيئان":

شرح: قد يفهم من هذه الترجمة ما لا يحصل عنده الترادف والتكرار، وذلك باطل، وإنما قصد القاضي الكلام على حالين: أحدهما الحدث بالأصل، الثاني من طرأ عليه الناقض بعد وجوب الطهارة، هما صورتان متباينتان بالشخص، متساويتان في الحكم، وذكر أن الوضوء يجب بشيئين أحداث وأسباب الأحداث، وترتيب حكم الوضوء عنهما واحد وربما اختلف.

والفرق بين الحدث والسبب أن الحدث يقتضي الوضوء قليله وكثيره بخلاف السبب، لأنه مظنة، فينتقض الوضوء بما يتحقق فيه مظنة دون ما ينظر فيه غالبًا.

قوله: "هو (خارج) من أحد السبيلين من المعتاد دون النادر": تكلم

ص: 206

على قاعدة المذهب. وقد تقرر أن الوضوء ينتقض بالخارج المعتاد على وجه الصحة والاعتياد. وقيدنا في صفة الخارج المعتاد تحرزًا من النادر كالحصا والدم والدود، هل ينتقض بذلك الوضوء أم لا؟ اختلف المذهب فيه على ثلاثة أقوال، فقيل: إنه ينقض الوضوء إجراء له مجرى المعتاد، قاله: محمد بن عبد الحكم، وهو قول: أبي حنيفة والشافعي، وقيل: إنه لا ينقض، إعطاء له حكم نفسه، وهو المشهور من المذهب، والقول الثالث إن كان معه بلل ينقض الوضوء وإلا فلا، وهذا لأنه يشبه المعتاد إذا قارنه البلل والله أعلم.

وقوله: "فإن كان البول والمذي خارجين على وجه السلس والاستنكاح فلا وضوء فيهما واجب":

قلت: لا يخلو صاحب السلس إما أن يقدر على التداوي أولاً، فإن قدر على رفع ذلك بالتداوي فنصوص المتقدمين على أنه معفو عنه، ولعل ذلك بناء على أن النجح مشكوك فيه، ومنهم من أوجب عليه الوضوء لكل صلاة بناء على غالب الظن النجح عند التداوي، وإن لم يقدر على

ص: 207

رفع دائه، فقد اختلف الفقهاء فيه، فقال الشافعي وأبو حنيفة أن السلس ينقض الطهارة على حال، وقال مالك: لا ينقضها كدم الاستحاضة. وفصل المتأخرون ذلك فقالوا: إما أن تكون الملازمة أكثر، أو المفارقة أكثر، أو يتساوى الأمر فيه، ففي الصورة الأولى قولان إيجاب الوضوء واستحبابه، والمشهور الاستحباب والشاذ إيجاب الوضوء. وفي الصورة الثانية قولان أيضًا المشهور إيجاب الوضوء، والشاذ استحبابه. وفي الصورة الثالثة قولان الإيجاب والاستحباب، ومبنى ذلك على تحقيق المناط في المشقة هل هي حاصلة أم لا؟ فإن كان السلس لا ينقطع أصلاً، وهذه الصورة نادرة فلا معنى لإيجاب الوضوء ولا استحبابه.

واتفقوا على إيجاب الوضوء على صاحب السلس والخارج المعتاد، وكذلك إذا لاعب قاصدًا اللذة، ووجد اللذة، فالوضوء واجب في هذه الصورة لأنها خارجة عن باب السلس.

واختلف أهل العلم في السلس يجده المرء في صلاته، فذهب حذيفة

ص: 208

وزيد بن أسلم وثابت والحسن وعطاء وقتادة إلى أن البلل لا ينقض الوضوء، ولا يمنع صحة الصلاة حتى يقطر أو يسيل، وكان سعيد بن المسيب يقول: لا يبطل الوضوء ولا الصلاة وإن قطر وسال. وقال مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: "أنه سئل عن الرجل يجد البلل وهو في الصلاة فقال سعيد: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي"، وترجح عليه الرخصة في ترك الوضوء من المذي، ولعله إن ما حمله على ذلك فهو من قرائن الحال، وإلا فظاهر لفظه عام في البلل علة، مذيًا كان أو غيره. وروى ابن نافع عن مالك إن وجد بللاً في الصلاة فلا ينصرف حتى يستيقن، إلا أن يكون مستنكحًا. وحكى القاضي أبو الحسن في المرأة خرج منها دم الاستحاضة المرة بعد المرة عليها [

] (وأنكر ذلك

ص: 209

[

] واستحب (له) الوضوء)، وسئل مالك عمن اعتراه [المذي] المرة بعد المرة، فقال: عليه الوضوء إلا أن يستنكحه ذلك.

فرع: إذا قرن صاحب السلس، أو المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد، فقطع ذلك عنه في بقية من الوقت الثانية، فروى أشهب عن مالك في المستحاضة الإعادة عليها لأنها اجتهدت وصلت. وروى ابن المواز عنه أنها تعيد الثانية، ويتخرج في مثله في صاحب السلس لاشتراكهما في أنه علة تعرض.

قال القاضي رحمه الله: "ويفسد الوضوء الردة" إلى قوله: "وأما مس الذكر".

شرح: اختلف العلماء في الردة هل تبطل الطهارة أم لا؟ وفي المذهب في ذلك قولان، والمشهور أنها تنقضها كما ذكره القاضي اعتمادًا على

ص: 210

قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الرمز: 65] الآية. والطهارة عمل، قال كثير من العلماء: لا تبطل أعمال المرتد بنفس الردة، بل بالوفاة عليها لقوله تعالى:{ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} [البقرة: 217] فشرط الوفاة في (الاحتباط) الاحتجاج بهذه الآية الثانية، لأنها عاملة، والأولى مخصوصة للنبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: "ولا يوجب الوضوء بشيء خارج من غير السبيلين": تنبيهًا على مذهب المخالف، ولهم في ذلك تفصيل. وكذلك اختلفوا في ذبح البهيمة، وغسل الميت هل ينقض الوضوء أم لا؟ على ما أشار إليه القاضي بعد، والجمهور على أن ذلك غير موجب للوضوء.

فرع: إذا انفتق مخرج الحدث من غير السبيلين فلا يخلو إما أن ينسد المخرجان المعلومان أم لا؟ فإن انسد وكان المنفتق تحت المعدة فهو كالمخرج المعتاد، وإن لم ينسد فهل يجري مكان المنفتق مجرى المخرج المعتاد؟ فيه قولان في المذهب، وكذلك إذا كان فوق المعدة، وهذه خاصة بالحدث.

قوله: "وأما أسباب الأحداث فهي ما أدت إلى خروج الأحداث غالبًا (وهي) نوعان: زوال العقل، واللمس": وذكر أن زوال العقل يكون بأسباب النوم والجنون والإغماء والسكر، أما النوم فشبهة زوال العقل وإلحاقه بالجنون، والإغماء، فيه نظر عندي، بل النائم عاقل بأنه يشهد في حال نومه، بمعنى أن شرط التكليف حاصل له، ويتأكد هذا في خفيف النوم. وقد قال

ص: 211

كثير من الصحابة ومن بعدهم: أن الأمر كان منها فكيف يتصور أن يكون النائم غير عاقل إلا أن يدعي في ذلك خصوصية الأنبياء ولو كان النوم زوالاً للعقل حقيقة لتعطل إحساس النفس باللذات والآلام. وكل إنسان ينام، ولا يصدق إطلاق القول بأن كل إنسان يزول عقله كل ليلة، وقد أمر الله سبحانه به على الحيوانات وجعله راحة للنفس -وستأتي الأحكام -وذلك يدل على أنه نعمة، ولو كان فيه زوال العقل لكان نقمة، وإنما سماه الله سبحانه وفاة، لأن النفس لا تتعطل عن كثير من أفعاله البائنة، وأما النفس الحية المدركة، فلا يتعطل فيه البتة في يقظة ولا منام. ويتعلق بمعقودها الكلام في انتقاض الوضوء به، وقد قال كثير من السلف: إنه لا مدخل له في نقض الوضوء البتات بدليل أن الصحابة كانوا ينامون حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون، ولا يتوضأون، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اعتم ليلة بصلاة العتمة فبادر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -حتى نام النساء والصبيان)، ولم يأمرهم عليه السلام -بتجديد الوضوء، وصح عن أبي موسى الأشعري وغيره أنه إذا كان نائمًا يجعل حارسًا، والجمهور على أن له مدخلاً في نقض الوضوء.

ص: 212

واختلف قول مالك هل هو حدث بنفسه، أو سبب الحدث، وهو المشهور، وإذ قلنا إنه حدث، نقض قليله وكثيره، وهو قول المزني وغيره، ووقع في سماع ابن القاسم. وجمهور المالكية في تفصيله فقسمه بعضهم بحسب حال النائم، وقسمه بعضهم بحسب حال النوم، فقال الأولون: إما أن ينام المرء قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا، أو محتبيًا، أو مضطجعًا.

أما القائم فلا وضوء عليه، لأنها حالة لا يثبت فيها النائم، وفي الراكع والساجد قولان في إيجاب الوضوء وإسقاطه، والمشهور إيجاب الوضوء على النائم ساجدًا دون الراكع، لأن الساجد حصل له سببان ينقضان الوضوء، والراكع لم يحصل له إلا سبب واحد، فناقص على مرتبة الساجد.

واختلفوا في المستند، والصحيح إيجاب الوضوء عليه، وعلى المضطجع. وأما المحتبي فلا يخلو أن يستيقظ قبل انحلال حبوته أو بعد انحلالها أو مع ذلك، فإن استيقظ قبل انحلال حبوته فلا وضوء عليه، وإن استيقظ عند انحلال حبوته، ففي إيجاب الوضوء عليه خلاف، الأحوط الإيجاب.

ص: 213

وأما من قسمه بحسب صفة النوم في نفسه فقال: لا يخلو (إما) أن يكون ثقيلاً طويلاً، أو خفيفًا قصيرًا، أو خفيفًا طويلاً، أو ثقيلاً قصيرًا.

فالصورة الأولى: توجب الوضوء، ولا وضوء عليه في الثانية. وفي الثالثة والرابعة قولان إيجاب الوضوء واستحبابه. وأما زوال العقل بالجنون والإغماء فيوجب الوضوء لأنه مظنة للحدث لا يشعر كالنوم، بل أحرى وأولى، وهل يوجب الغسل أم لا؟ فيه قولان في المذهب، المشهور أنه لا يوجب وقال ابن حبيب: من جن أو أغمي عليه (وجب عليه) الغسل لاحتمال أن ينزل وهو لا يشعر، وهذا فيه نظر، إذ لا يخفى إنزال الماء، فإن قدرناه خفي فهو عار عن اللذة فلا يوجب الغسل على الأصح.

وأما اللمس فقد اختلف الفقهاء فيه هل يوجب الوضوء أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا يجب به الوضوء مطلقًا، وفسر اللمس في قوله:{أو لمستم النساء} [المائدة: 6] بأنه الجماع، وهو قول (ابن عبدوس) صح عنه أنه قال:"ربنا حي كريم كنى لكم باللمس عن الجماع". وقال ابن

ص: 214

عمر وابن مسعود المراد به في الآية اللمس باليد. وقال زيد بن أسلم والأوزاعي والشافعي اللمس يوجب الوضوء مطلقًا. واختلف قول الشافعي في لمس ذوات المحارم.

وتحصيل مذهب (مالك) أنه لا يوجب الوضوء على حال دون حال، وقسمه المتأخرون أقسامًا إما أن يقصد اللمس ويجد اللذة، أو يقصد ولا يجد، أو لا يجد ولا يقصد.

فإن قصد ووجد، وجب عليه الوضوء اتفاقًا عن المذهب، وإن لم يقصد ولم يجد فلا وضوء عليه، وإن وجد ولم يقصد وجب عليه الوضوء، وحكى بعض الشيوخ في هذه الصورة قولين، والصحيح ما ذكرناه. وإن قصد ولم يجد فيه قولان: إيجاب الوضوء وإسقاطه، وأجرأه بعض الشيوخ

ص: 215

على الخلاف في رفض الوضوء هل يؤثر أم لا؟ قال القاضي أبو الوليد: والذي يتحقق من مذهب مالك وأصحابه أن الوضوء يلزم التذ بذلك أم لم يلتذ.

قال المصنف رحمه الله: "إنما يجب بقصد اللذة دون وجودها" فيه مناقشة، لأن ظاهره حصر الموجب في القصد، وبقي كون الوجود موجبًا، ومقصده خلاف ذلك، وهو أن الوجود ليس بشرط في الوجوب، بل يجري في حصول الوجوب مجرى القصد وإن لم يقاربه وجود اللذة، فمقتضى كلامه ومقصده تقدير الوجوب على القصد المفرد وإن لم يجد اللذة.

وأما اللمس فإن التذ توضأ، وإلا فلا وضوء عليه. وفرق القاضي بين أن يكون الحائل خفيفًا، أو كثيفًا، بناء على ما أشار إليه القاضي من حصول اللذة مع الخفيف الكثيف، والمعتمد لنا في اللمس على حديث عائشة وفيه:(فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها) الحديث.

قوله: "ولا فرق بين اللمس باليد أو بالفم (بغير القبلة) ": وقد اختلف المذهب في القبلة على ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنها تنقض الوضوء مطلقًا، وبه قال كثير من السلف منهم ابن عمر وابن مسعود.

ص: 216

والثاني: اعتبار اللذة أنها إن كانت في الفم وجب الوضوء مطلقًا، وإن كانت في غيره اعتبرت اللذة، وفي المجموعة في قوله ليس على أحد الزوجين [

] بغير شهوة من مرض أو غيره وضوء.

قوله: "ولا (فرق) بين الزوجة والأجنبية وذات محرم": يريد مع وجود اللذة والله أعلم.

قال القاضي رحمه الله: "وأما مس الذكر فالمراعاة فيه اللذة عند أصحابنا البغداديين كلمس النساء وعند المغاربة وبعض البغداديين ببطن الكف أو الأصابع فقط".

شرح: اختلف المذهب في مس الذكر هل هو من نواقض الوضوء أم لا؟ على أربعة أقوال:

الأول: أنه ناقض للوضوء مطلقًا اعتمادًا على ما رواه عمر بن الخطاب وأبو هريرة، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وسعد بن أبي

ص: 217

وقاص وحفصة، ويزيد بن خالد الجهني وبسرة وأم حبيبة وأبو أيوب وابن عمر وغيرهم. عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه أمر بالوضوء من مس الذكر. وألفاظهم مختلفة ومعناها واحد.

الثاني: أنه لا ينقض الوضوء أصلاً اعتمادًا على قوله عليه السلام: (وهل هو إلا بضعة منك) وقد قيل: إنه منسوخ، لأنه كان في أول الإسلام، وحديث

ص: 218

أبي هريرة كان عام خيبر.

والقول الثالث: أنه إن مس الذكر عامدًا وجب عليه الوضوء، وإن مسه ناسيًا فلا وضوء عليه، لأن حكم النسيان مرفوع في الشريعة مع أن الغالب عدم (اللذة).

والقول الرابع: اعتبار باطن الكف، فإن مسه بباطن الكف وجب عليه الوضوء، لأن الغالب اللذة لما فيه من اللطافة، فالوضوء به. وإن مسه بظاهر كفه فلا وضوء عليه إلا أن يلتذ، واختلفوا في باطن الأصابع هل تنزل منزلة الكف أم لا؟ وفيه قولان في المذهب.

وقدم جمهور العلماء حديث أبي هريرة وبسرة وغيرهما على حديث طلق لما ذكرناه من التاريخ.

تفريع: إذا أمرناه بالوضوء ولم يتوضأ، فقد اختلف فيه المذهب، فروى ابن القاسم، وابن نافع عن مالك أنه يعيد الصلاة في الوقت، وروى ابن القاسم نفي الإعادة مطلقًا، وذهب العراقيون من أصحابنا إلى وجوب الإعادة في الوقت وبعده وبه قال ابن نافع، وابن دينار، وقد روى مالك

ص: 219

عن عبد الله بن عمر أنه أعاد الصبح بعد ما طلعت الشمس، وكان مس ذكره وصلى ولم يتوضأ، وروى الزهري (و) سالم بن عبد الله بن عمر: أن الصلاة التي أعاد عبد الله بن عمر هو العصر.

فرع: إذا مسه من فوق حائل، فقد اختلف المذهب فيه فقيل: بإيجاب الوضوء مطلقًا، ولو مسه من فوق الحائل بدعة، وقيل: إن كان خفيفًا توضأ، وإن كان كثيفًا فلا وضوء عليه، إلا أن يلتذ.

فرع: إذا مسه بإصبع زائدة فهل يجب عليه الوضوء أم لا؟ فيه قولان في المذهب: إيجاب الوضوء وإسقاطه.

فرع: إذا مس غيره من جنسه أو من غير جنسه أو ذكرًا مقطوعًا أو ذكر صبي، أو فرج بهيمة فهل يجب عليه الوضوء أم لا؟ قولان في المذهب.

قوله: "ومس المرأة فرجها مختلف فيه": قلت: اختلف المذهب على أربعة أقوال: إيجاب الوضوء، واستحبابه وإسقاطه وإيجابه إن لطفته أو قبضته وإلا فلا. قال إسماعيل بن أبي أويس: سألت خالي مالك بن أنس،

ص: 220

فقلت له: ما ألطفت؟ قال: أن تدخل إصبعها بين شفرتيه، قلت: وقبضت قال: أن تشد عليه يدها وتقبضه، وذلك مظنة اللذة غالبًا، والصحيح إن مسته أن الوضوء ينقض عليها لقوله عليه السلام:(من مس فرجه فليتوضأ).

واختلف المذهب في الإنعاظ بمجرده، فروى ابن نافع عن مالك أنه لا يوجب الوضوء ولا غسل الذكر.

قال الشيخ أبو إسحاق: من نعظ إنعاظًا قويًا انتقض وضوئه وهو قول مالك، وفرق شيوخنا إن كانت عادته لا يباشر إلا عن لذة، توضأ، وإلا فلا وضوء عليه.

قوله: "ولا وضوء من مس الأنثيين": قلت الوضوء من مس الأنثيين

ص: 221

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -حين سئل عن الماء يكون بعد الماء فقال: (ذلك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة) يريد من المذي.

واتفق جمهور العلماء على أن مس الأنثيين لا يوجب الوضوء، وأوجبه عروة ومن اتبعه (فمن شاء)، وكذلك إذا مس ما بين أليتيه فلا وضوء عليه عند جمهور أهل العلم. وقال الليث: عليه الوضوء.

وأما مس الدبر فالمشهور من المذهب أنه لا وضوء عليه بناء على لفظ الفرج والذكر لا يصدقان عليه. وروى حمديس القفصي عن مالك

ص: 222

وجوب الوضوء منه، وبه قال الزهري والشافعي وجماعة من العلماء.

وأما أكل ما مسته النار فالخلاف في إيجاب الوضوء منه، مشهور بين الصحابة، واستقر جمهورهم على ترك الوضوء من ذلك حملاً على الأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك اختلفوا في القهقهة، وفيمن مس صبيًا يحمل منيًا هل يجب الوضوء بذلك، والجمهور على إسقاط الوضوء من ذلك، إذ لم تثبت سنة تقتضي إيجاب الوضوء والله أعلم.

وأما من ذبح الماشية فلا أعلم أن أحدًا أوجب الوضوء به، ولعل القاضي إنما نبه على خلاف اطلع عليه.

فرع: يتعلق بهذا إيجاب الوضوء الأول، إذا تعين أنه أحدث قبل (الوضوء) أو بعده بخلاف في إيعاب الوضوء وهذا من باب تعيين الحدث، والشاك في الطهارة، وروى القاضي أبو الحسن عن مالك أن شك في الحدث في نفس الصلاة فلا وضوء عليه، وإن شك خارج الصلاة فلا وضوء عليه وهو قول العلماء.

ص: 223