المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة الفطر - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب زكاة الفطر

‌باب زكاة الفطر

قال القاضي رحمه الله: (((وزكاة الفطر) تلزم الرجل عن نفسه)) إلى آخر الباب.

شرح: اختلف العلماء هل مأخذ زكاة الفطر من الكتاب والسنة، أو من السنة فقط، فقال بعضهم: إن الكتاب دال عليهما عمومًا وخصوصًا. أما من جهة العموم فلدخولها تحت عموم قوله سبحانه: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة] [البقرة: 43]. وأما من جهة الخصوص فلقوله تعالى: {قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى} الآيات [الأعلى: 14 - 15]. والمراد زكاة الفطر، وصلاة العيد، وقيل: إن وجوبها (من السنة) ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حرًا، أو عبدًا، رجلًا، أو امرأة، صغيرًا أو كبيرًا صاعًا من تمر، وصاعًا من شعير) هذا خرجه مسلم، ومن العلماء من ذهب إلى أنها منسوخة بالزكاة المفروضة، وعن قيس بن سعد قال: أمرنا

ص: 485

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهانا، ونحن نفعلها وكنا نصوم عاشوراء فلما قرض شهر رمضان لم يأمر ولم ينه). وأمر الله سبحانه (بها) لحكمتين:

الأولى: أن تكون طهرة تقرب للصوم.

الثانية: إغناء الفقراء عن سؤال يوم العيد، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) وفي مذهب مالك رحمه الله في حكم هذه الزكاة قولان فقيل: هب واجبة، وقيل: هي مسنونة، وروى عن مالك أنها فرض بالقرآن لدخولها تحت عموما قوله في الآية المقتضية وجوب الزكاة، وتأول بعض المالكية ((فرض)) في حديث ابن عمر بمعنى ((قدر)) لا بمعنى ((وجب)).

قوله: ((تلزم الرجل عن نفسه)): هذا كما ذكره سواء كان (مالكًا لنصاب) أم لا. عندنا إذا كان له فضل عن قوت يومه، وإن لم يجد إلا قوت يومه لم يلزمه إخراجها. هذا أصل المذهب. وقد اختلفت الروايات عندنا، فوقع في المذهب إن كان من يجوز له أخذ زكاة الفطر لا يجب عليه إخراجها، وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط من حلت له سقطت عنه، وفي

ص: 486

كتاب محمد: قيل: من له عشرة دراهم، فأخرج زكاة الفكر أيأخذ منها؟ فقال: يخرج، ويأخذ إذا كان هكذا فلا يأخذ منها. قال القاضي أبو محمد يخرجها الفقير ما لم يلحقه ضرر بإخراجها، وإفساد (معاشه) وجوعه وجوع عياله. وقيل: تجب على من يحجف به إخراجها، وقيل: من قدر على أن يتسلفها ويخرجها وجب عليه إخراجها، هذه رواية وقعت في المذهب ولعلها تكون على حسب الأحوال، والأصل ما ذكرنا، ولا خلاف عندنا أنه يؤمر بإخراجها عمن تلزمه نفقته من الآباء والأبناء والفقراء، وهل يخرجها عن زوجة أبيه أم لا؟ فيه قولان مبنيان على وجوب الإنفاق عليه في ذلك، والصحيح أنه ينفق على زوجة أخيه، ويخرج عنها زكاة الفطر كما يجب عليه أن يزوجه إذا خاف العنت. واختلف المذهب إذا كان للأب الفقير زوجتان هل يلزم الولد الإنفاق عليهما، وإخراج زكاة الفطر عنهما أم لا؟ فيه قولان مبنيان على تحقيق المناط. ويخرج زكاة الفطر على ولده الصغار الفقراء بلا خلاف. وأما الكبير الزمن الفقير فهل يجب إخراجها عنه كما يجب عليه الإنفاق لعجزه عن الكسب أم لا؟. فيه قولان عندنا. وأما الزوجة فإن كانت مدخولًا بها فالمشهور أنه يخرج عنها زكاة الفطر تبعًا للنفقة، وروى ابن أشرس عن مالك أنه لا يخرج عنها إن أبى ذلك، لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع فهي كالأجير، وإن كانت (مدخولًا) بها وجبت عليه زكاة الفطر

ص: 487

حيث تجب عليه النفقة، وذلك بالتمكين والدعاء إلى الدخول، وبلوغ الزوج، وكون الزوجة ممن يستمتع بمثلها. واختلف المذهب في اليتيمة على قولين، فقيل: النفقة وزكاة الفطر واجبتان على الزوج بالعقد، وقيل: هي كغير اليتمية، وكذلك يلزمه إخراجها على خادمها إن كانت ممكن يليق بها ذلك، ولو احتاجت إلى خادمين (لمنصبها وشرفها) هل يقضى عليه بنفقتها، وصدقة الفطر عنهما أم لا؟ فيه قولان مبنيان على العادة.

واختلف المذهب في العبد المعتق بعضه على ثلاث روايات، فقيل: صدقة فطره على سيده وقيل: عليه بقدر حصته، وعلى العبد بقية ما ينوبه، وقيل: على السيد بقدر حصته، ولا شيء على العبد والمدبر والمعتق إلى أجل وأم ولد كالعبد المعتق.

واختلف المذهب في المكاتب فقيل: على سيده مراعاة للملك، وقيل: على نفسه مراعاة للنفقة، وكذلك اختلف المذهب أيضًا في المخدم، فقال في المدونة زكاة فطره على المالك، وفي كتاب محمد على من له الخدمة. وقال ابن الماجشون إن قلت الخدمة فعلى المالك وإن كثرت فعلى المخدم وكذلك (العبد يشترى بمال) القراض فقيلك صدقة فطرهم من رأس المال كنفقتهم، وقال ابن القاسم: صدقة فطرهم على رب المال من ماله لا من مال القراض ونفقتهم من مال القراض وقيل: إن كان في القراض ربح فزكاة فطرهم منه، فإن كان فيه ثلث فعلى المالك سدس

ص: 488

زكاتهم وإن كان الربع فعلا العامل الثمن إن قارضه على النصف.

واختلف المذهب أيضًا في العبد المشترك بين جماعة، والمشهور أن على كل واحد نصيبه، فروى عن مالك أن لكل واحد بقدر نصيبه، وروى عن مالك أن على كل واحد من الشركاء الفطر كاملة، وأنكر سحنون هذه الرواية لما فيها من الحيف على الشركاء.

قوله: ((وقدرها صاع (من غالب قوت) والبلد وقوت المزكي نفسه))، وقد روى عن مالك أنه يخرجها من الحنطة نصف صاع لورود ذلك في مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب، والأصح التعويل على حديث ابن عمر، ونبه القاضي بقوله:((ولا ينقص من صاع من أيها أخرجت)) على هذه الرواية الشاذة.

قوله: ((وتجب بغروب الشمس)) قلت: اختلف في وقت وجوبها، فقيل: إنها تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، لأنها زكاة فطر، فتجب عند انقضاء زمن الصوم، ودخول زمن الفطر ووجوب الصوم ينتفي بمغيب الشمس، ولأنها مطهرة للصوم فتجب بختامه، وقيل: بطلوع الفجر من يوم الفطر وهي رواية ابن القاسم لأن الفطر إنما يعتبر في محل الصوم، والليل ليس بمحله، فيتعلق الوجوب بطلوع الفجر الذي هو عار من الصوم شرعًا، ولأنها مضافة إلى اليوم، فتجب بافتتاحه، وهي رواية أشهب عن مالك، وقيل: بطلوع الشمس من يوم الفطر لأنه وقت إرفاق المساكين وقيل: وقت وجوبها موسع إلى غروب الشمس من يوم الفطر توسعًا خفيفًا.

ص: 489

وتظهر فائدة هذا الخلاف إذا ولد مولود في أثناء هذه الأوقات، أو باع العبد أو ابتاعه، أو مات فيما بين هذه الأوقات هل تخرج عنه هذه الزكاة أم لا؟ ولو قدم إخراجها قبل وجوبها فقال مالك: إن أخرجها بيوم أو بيومين فلا بأس به، وهو اعتماد على عمل ابن عمر يتحقق فيه التوسع على الفقراء بطحن القمح وتيسره والانتفاع به. وقال ابن مسلمة وابن الماجشون: لا تجزئه فإن فاتت بيد آخذها وجبت عليه تكريرها، وإن كانت قائمة استرجعت من يده، وقد تقدم الكلام فيمن تجب عليه بما فيه كفاية.

ص: 490