الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في التيمم
قال القاضي رحمه الله: "وفصوله خمسة" إلى قوله: "وأما جوازه لتعذر الاستعمال".
شرح: التيمم يقال: تيممتك أي قصدتك مخففًا ومشددًا إذا قصدك وهو في الشريعة طهارة ترابية توجب مع الإضرار دون الاختيار، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة. كما قال الله تعالى:{فتيمموا صعيدًا طيبًا} [النساء: 43] أي اقصدوا. وحديث العقد ثابت، وبسببه أنزل الله آية التيمم، وقد قال عليه السلام:(إنما يكفيك ضربة لوجهك ويديك).
قوله: "فأما من يجوز له التيمم فكل محدث حدثًا أعلى أو أدنى": هذا مذهب الجمهور، وقد نقل عن ابن مسعود وغيره أن الجنب لا يتيمم، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب والجمهور على خلافه والقائلون بأنه تيمم اختلفوا إذا وجد الماء هل يلزمه استعمالها أم لا؟ فقال الجمهور: إن وجود الماء ناقض لهذه الطهارة. وقال أبو سلمة عبد الرحمن بن عوف لا يلزمه استعمال الماء، والدليل على خلاف ما ذهب إليه قوله عليه السلام:(فأمسسه جلدك).
قوله: "فإن وجد دون الكفاية لم يلزمه استعماله": وهذا كما ذكره، وحكمه أن يزيل به إذا كان عليه، فأما إن لم يكن عليه، إذا لم يلزمه استعماله وعدمه لشربه هذا عند الجمهور إلا من شذ (تعولاً) من الشواذ، لقوله تعالى:{فلم تجدوا ماءً فتيمموا} وهذا واجد الماء، وهو ضعيف في النظر. والمعنى: فإن لم تجدوا ماء كافيًا، فعليه يدل السياق.
قوله: "وذلك بأن يدخل الوقت": بيان أنه لا يتيمم قبل الوقت وبه قال الجمهور: بناء على أنه لا يرفع الحدث.
قوله: "وأما ما يخص فهو عادم الماء لا يجوز له التيمم إلا بعد طلب الماء وإعوازه": وهو مذهب الجمهور لقوله تعالى: {فلم تجدوا} واشترط في استعمال التيمم نفي الوجود، وليس يتحقق ذلك إلا بعد طلب الماء، وقد شذ قوم من أهل العلم فلم يوجبوا الطلب واستعمال (الأسباب) وهذا باطل، ولزمه الشراء بقدر ما لا يحجف به، وليس فيه حد محصور.
قال ابن الجلاب: ويمكن أن يحد بالثلث بناء على أنه يسير، أو ذلك مختلف بحسب الأحوال. وذكر في تعذر الاستعمال وجوهًا، منها: متفق عليه في المذهب، وهو لخوف التلف، ومنها مختلف فيه، وهو ما دون ذلك، وشد الحسن بن جبير، فقال: يجب عليه استعمال الماء ولو خاف التلف. ونص الكتاب والسنة يرد عليه: قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] وقال: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] وفي حدي أبي داود: (ما لهم قتلوه قتلهم الله، ألا تسألوا، إذ لم يعلموا) وخوفه على نفسه من لصوص أو سباع مبيح الانتقال إلى التيمم، فإن خاف تلف ماله فهل يبيح له التيمم أم لا؟ فيه قولان في المذهب، المشهور الإباحة لأن دين الله يسر، وأما إذا خاف إن تشاغل به فوات الوقت، فهل يبيح له التيمم أم لا؟ فيه قولان في المذهب، فروى البغداديون عن المذهب أنه يتيمم محافظة على الوقت، وقيل: لا يتيمم، ويلزمه استعمال الماء لقوله تعالى:{فلم تجدوا}
واختلفوا إذا خاف فوات الجمعة بذهابه إلى النيل، والجمهور على أنه يجب عليه طلب الماء. وقال: أهل الظاهر يبيح له الانتقال إلى التراب. والخلاف مبني على وجوبه أو نفيه.
قوله: "أو أن يخاف على نفسه أو إنسان يراه التلف": أطلق ولم يفرق، ولا خلاف أن المسلم مقدم، وأن خوفه تلفه مبيح لانتقاله إلى التيمم، وهل يقدم الكافر، أم تقدم الصلاة عليه؟ لم أر فيه نصًا. قال بعض الشيوخ: يحتمل الخلاف.
قوله: "بل يجوز للحاضر والمسافر": أما المريض والمسافر فالإجماع على أنهم من أهل التيمم، واختلفوا في المرض هل هو عام في كل مريض أو مخصوص، والظاهر أنه للمريض المانع من استعمال الماء لخوف شديد. واختلفوا أيضًا في السفر المبيح للتيمم، فقيل: السفر المبيح لقصر الصلاة، وقيل: هو عام في كل سفر. واختلفوا في الحاضر الصحيح، هل يباح له التيمم عند الماء أم لا؟ وفيه قولان في المذهب جاريان على الخلاف في المفهوم هل هو حجة أم لا؟.
قوله: "فأما صفة التيمم فهي أن يضع يديه على الأرض": قال بعض الشيوخ: مضموم الأصابع في الضربة للوجه، (ومفترقهما) في الضربة الثانية لليدين، لأنه لو فتح أصابعه في شربة الوجه لتعلق به التراب، فمسح حينئذ بتراب قصد به مسح الوجه، فيكون كالماء المستعمل، وزاد بعض الشيوخ: ويجعل أطراف الأنامل على الصعيد، ويمسح وجهه كله كما
يفعل في الوضوء فشذ قوم من أهل العلم فقالوا: يقدم اليدين على الوجه، وهو قول الأوزاعي. قال أبو حنيفة: هو بالخيار إن شاء قدم الوجه، وإن شاء قدم اليدين. ومبنى المسألة على الخلاف في "الواو" هل ترتب، أم لا؟.
ومنتهى اليدين في المسح المرفقان قياسًا على الوضوء، وهذا مذهب الجمهور من أهل العلم، وقال علي بن أبي طالب وابن المسيب والأعمش والأوزاعي وعطاء وأحمد وإسحاق: يمسحهما. وقال الزهري: يبلغ بالتيمم إلى الآباط والمناكب، وهو قول محمد بن مسلمة، ولا دليل عليه. واختلفوا إذا اقتصر على الكوعين، وقلنا: إنه يقتصر، أو اقتصر على ضربة واحدة، وقلنا: إنه لا يقتصر، فقيل: لا إعادة عليه، وقيل: يعيد أبدًا، وقيل: يعيد في الوقت.
فرع: هل ينفض يديه من التراب أم لا؟ اختلف الفقهاء فيه فقال مالك: ينفضهما نفضًا خفيفًا، وقال الشافعي: لا بأس به، وقال أحمد: لا يبالي
نفض أو لم ينفض، وصح النفخ فيهما من حديث عمار بن يسار وهو أصل في الباب.
قوله: "فأما ما يتيمم به فالأرض نفسها وما تصاعد عليها": وهذا يجوز بكل ما هو على وجه الأرض. قال الله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} . واختلف العلماء في الصعيد، فقيل: وجه الأرض ترابًا كان أو غيره قاله ابن الأعرابي. وقال: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات، وقال غيره: الصعيد المستوي من الأرض، وقال الشافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب الأرض ذي غبار، وقال: الصعيد الأرض نفسها. واختلفوا في الطيب، فقيل: الطاهر، وفيل:(المذهب)، وعلى هذا اختلفوا، هل يجوز التيمم على السباخ أم لا؟ والجمهور على جوازه خلافًا
لمجاهد، بناء على أن الطيب المنبت. واختلفوا في غير التراب هل ينزل منزلة التراب أم لا؟ وفيه قولان في المذهب والجمهور على أنه ينزل منزلته مع وجود التراب وعدمه تعلقًا بلفظ الصعيد، وقيل: لا ينزل مع وجوده لقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) وعموم قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} وقال عليه السلام: (الصعيد الطيب كافيك) وفي رواية: (التراب كافيك). واختلفوا في المصنوعات، والمشهور من المذهب المنع لأنه (تغيرته) الصنعة، واختلفوا فيما لا يلصق باليد من التراب المنقول، والرمل الذي تسفيه الرياح هل يتيمم عليه أم لا؟ وفي المذهب فيه قولان، واختلف في الملح على قولين: أحدهما: جواز التيمم لدخوله تحت الصعيد. الثاني: في ذلك لأنه بناء على منفعة. الثالث: جوازه في المعدن دون السبخ، لأن السبخ منفعته حقيقة، بخلاف التيمم.
قال القاضي رحمه الله: "ولا يجوز الجمع بالتيمم بين صلوات فروض" إلى قوله: "ففيه روايتان".
شرح: اختلف المذهب هل يجوز الجمع بين فرضين بتيمم واحد م لا؟ والمشهور المنع، بناء على وجوب الطلب، وقيل: إنه جائز مطلقًا، وقيل: إنه
جائز في المشتركة الوقت خاصة، لأنها كصلاة واحدة، وقيل: إنه جائز في الفوائت دون الحواضر، واختلف إذا تيمم للنوافل هل يصلي به الفرائض، والمشهور المنع. وقال (إسحاق): إذا تيمم للفجر جاز أن يصلي به الصبح. وروى عن مالك وبعض أصحابنا أنه يصلي الضحى بتيمم الصبح، والمشهور منعه، وأجاز سحنون: أن يصلي الوتر من أول الليل بتيمم العتمة، وأجاز غيره أن يصلي الصبح بتيمم الوتر آخر الليل، ومنعه الجمهور. واختلف القائلون بأنه يعيد التيمم للفريضة، هل الإعادة إيجاب أم استحباب، فيه قولان بين المتأخرين، والصحيح الإيجاب، وحكى قولين في الجنب ينوي الحدث الأصغر ناسيًا للحدث الأكبر. أحدهما: الإجزاء، والثاني: نفيه لاختلاف الواجب.
قوله: "فكل قربة لزم التطهر لها بالماء": قيد المسألة: بالقربة، ولم يقل: كل حكم لزم التطهر له بالماء، أو أمر، وذلك تحرزًا من أن يدخل عليه تيمم الحائض للوطء، وليس في المذهب حتى تطهر بالماء، ولا يلزم ذلك في القربة لكون الوطء لا يتناوله اسمها، ولا يقتضيه نظمها.
قال القاضي رحمه الله: "ولا يخلو مريد التيمم من ثلاثة أحوال" إلى آخر الباب.
شرح: وقد ذكرنا أن التيمم قبل الوقت لا يجوز بناء على وجوب الطلب، ولا تجوز إلا بعد دخول الوقت. وإذ جاز التيمم بعد دخول الوقت، فله التيمم أول الوقت، ووسطه، وآخره على حكم الوضوء، إلا أن شيوخ المذهب فصلوه تفصيلاً. الراجي يتيمم (أول) الوقت بناء على غالب ظنه
أيضًا، أنه لا يصله في الوقت، واختلفوا في الراجي اليائس يجمع الأمرين، فقيل: يتيمم أول الوقت، وقيل: يتيمم وسطه، وهو الأظهر، وهذا خلاف في حال (لم يحكم) على واجد الماء.
وتحصيل مذهب مالك عليه السلام: أنه لا يخلو أن يجد الماء قبل التلبس بالصلاة، أو في أثناء الصلاة، أو بعد الفراغ منها، فإن وجد بعد التيمم، وقبل الصلاة فالجمهور على أنه عليه استعماله، لأنه إنما أبيح له الاستفتاح بالصلاة من فقد الماء، لا مع وجوده، وشذ قوم وقالوا: ليس له استعماله، فإن وجده في أثناء الصلاة هل يقطع أم لا؟ وفي المذهب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يقطع، لأن اشتراط الطهارة في آخر صلاته على (حد) اشتراطه في جميعها فبوجود الماء يبطل التراب، فهو باعتبار ما بقي منها، كمن وجد الماء قبل الصلاة.
والثاني: أنه يتمادى، ولا يقطع، لأنه دخل في الصلاة بوجه جائز، فلا يجوز إبطاله لقوله تعالى:{ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33].
والثالث: أنه يقطع، إذا ذكر الماء في رحله، ولا يقطع إن طلع به عليه إنسان، لأن الأول معه ضرب من التفريط بخلاف من طلع به عليه. والقائلون بأنه لا يقطع اختلفوا في الإعادة، فقيل: لا إعادة عليه، بناء على أن الفرض قد أدى وجوبه، وقيل: يعيد في الوقت لتحصيل فضيلة الماء، وقيل: يعيد أبدًا بناء على ما ذكرناه أولاً من اعتبار الإجزاء، وإذا بطل الجزء بطل الكل. وإن وجد بعد الصلاة فالمشهور أنه لا يعيد، وقيل: يعيد في الوقت.
قوله: "والتيمم لا يرفع الحدث": هذه عبارة (تترك) الطاهر لا يفعل (الاجتماع) على أن التيمم باختيار الصلاة إلى (الصلاة) ومقصودهم في إطلاق هذه العبارة.