المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الخوف - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب صلاة الخوف

‌باب صلاة الخوف

الأصل في صلاة الخوف قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض} [النساء: 158] الآية وسبب نزول الآية أن المشركين استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة، فنزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الظهر والعصر. وأجمع العلماء على أن هذه الصلاة مشروعة في حياته عليه السلام وأنه صلاها مرارًا كثيرة، فقيل: عشر مرات، وقيل: ثلاث مرات، وقيل: أكثر من ذلك. واختلف هل هي باقية بعد موته أم لا؟ فذهب الجمهور على أنها باقية بعد موته اعتمادًا على عمل الصحابة وصلاتهم على هذه أدعية بعد موته صلى الله عليه وسلم وشذ (محمد بن الحسن)

ص: 409

وغيره فرأوها غير مشروعة تعلقًا بمقتضى خطاب الواحد المفهوم من قوله: {وإذا كنت فيهم} [النساء: 102] الآية، وإذا ثبت أنها مشروعة، فقد ورد لها هيئات مختلفة عنه صلى الله عليه وسلم تبلغ خمسة عشر هيئة ذكرناها في المطولات.

واختلف الفقهاء في المختار منها، والذي عول عليه الجمهور من المالكية هو العمل على حديث صالح بن خوات وهو الذي ذكره القاضي رحمه الله وهو ان يقسم العسكر فريقين فيصلي بالفرقة الأولى شطر الصلاة إن كانت رباعية أو ثنائية، وإن كانت ثلاثية صلى بالطائف الأولى ركعتين، وبالثانية ركعة واحدة، فإذا صلى بالأولى فهل يتمون لأنفسهم فينصرفون قبل الإمام بعد تكميلهم لأنفسهم، أم ينصرفون قبل التكميل فيستقبل العدو وهم في حكم الصلاة، ثم تجيء الطائفة الثانية، فتدرك مع الإمام الركعة الثانية فما فوقها فيه قولان في المذهب مبنيان على اختلاف الأحاديث. فروى ابن عمر أن الطائفة الأولى لم يكملوا. واختار ذلك أشهب من حيث لا يكون

ص: 410

إلا بعد سلام الإمام، وفي حديث صالح بن خوات أنهم اكملوا لأنفسهم، وهو المختار عند المالكية فرارًا من العمل في الصلاة، وقال تعالى:{فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} [النساء: 102] فهل المقصود لأنفسهم أو سجودهم.

قوله: ((فإذا فرغ من تشهده قام إلى الثانية)): وهذا الفرع فيه خلاف، وذلك إذا صلى الإمام بالطائفة الأولى، وقامت للقضاء لأنفسهم على ما هو المختار من المذهب، وانتظر الإمام قضاءهم، وإتيان الطائفة الثانية، فهل ينتظرهم قائمًا او جالسًا، لا يخلو أن يكون موضع جلوس أم لا، فإن كان موضع جلوس فإنه ينتظرهم جالسًا، وإن لم يكن موضع جلوس فهل ينتظرهم جالسًا أو قائمًا، فيه قولان في المذهب منيان على تقابل المكروهين، فينظر في تغليب أحدهما، وذلك أن زيادة القيام مستغن عنها ومكروه، وزيادة جلوس مستغن عنها كذلك، ويقع النظر في ترجيح أحدهما، وإذا قلنا إنه ينتظرهم قائمًا، فهل يسكت، أو يقرأ، أو يسبح فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه يسكت، لأن القيام ليس هو للقراءة، بل للانتظار، وقيل: يقرأ، لأن الصلاة محل القراءة، وقيل: يسبح، لأن الصلاة محل الذكر. وإذا فرغ من (الصلاة) بالطائفة الثانية، فهل يسلم، ثم تسلم الطائفة بعد تكميلها أو ينتظر تكملتهم، ثم يسلم بعد ذلك، فيه قولان في المذهب الأشهر: أنه يبادر بالسلام بعد كمال صلاة نفسه، ثم يسلم المأمون بعده، لأن ذلك حكم المأموم، وقد جاء أنه عليه السلام انتظر إكمالهم ثم سلم.

قوله: ((فأما إن اشتد خوفهم)): إلى آخره وهذه الصلاة سائفة، وللسائف

ص: 411

أن يصلي كيف امكنهم مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها راكبًا أو ماشيًا أو مطاعنًا، لأن دين الله يسر، وتأخير الصلاة عن وقتها لا سبيل إليه وإنما أخر عليه السلام الصلاة يوم الخندق حتى غربت الشمس نسيانًا، والناسي غير مؤاخذ.

فرع: لو قسم الإمام في المغرب ثلاثة طوائف، فصلى بكب طائفة ركعة، أو قسم من معه في الظهر، وسائر الرباعيات أربع طوائف، فصلى بكل طائفة ركعة، ففيه نظر تفصيله: أما في المغرب ففي صلاة الإمام، والطائفة الثانية والثالثة قولان أحدهما: أنها باطلة لأنهم زادوا في صلاتهم جهلاً، وأخرجوها من الصفة الشرعية. والثاني: أنها صحيحة بناء على أن هذه الصلاة مشتملة على التوسعة والتخفيف. وأما الطائفة الأولى فصلاتهم باطلة باتفاق، وكذلك الرباعية تبطل فيه صلاة الأولى والثانية لأنهم فارقوا إمامهم من غير موضع المفارقة.

واختلف المذهب في صلاة الإمام والثالثة والرابعة على قولين أحدهما: أن صلاتهم صحيحة، والثاني: إنها باطلة بناء على ما ذكرناه.

ص: 412