المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الأذان والإقامة - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب في الأذان والإقامة

‌باب في الأذان والإقامة

قال القاضي رحمه الله: "وهما سنتان غير واجبتين".

شرح: الأذان في اللغة هو: الإعلام وفي الشريعة: الإعلام بدخول (أوقات) الصلاة.

وقد اختلف العلماء في طريق ثبوته، فقيل: الوحي في اليقظة، وقيل: في المنام، وقيل: الاجتهاد، وقد قيل: في قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا} [المائدة: 58] أن يهوديًا كان سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله يقول: أحرق الله الكاذب فدخلت جاريته بنار فطارت منها شرارة فاحترق البيت بجميع من فيه.

وقد جاء في الصحيح أن المسلمين لما كثروا أرادوا أن يجعلوا علمًا على أوقات الصلاة، وذكر أشياء يفعلونها فقال بعضهم: تتخذ ناقوسًا وقال

ص: 315

بعضهم: نورم نارًا، وقال بعضهم: كذا.

واختلفت آراؤهم فرأى عبد الله (بن) زيد الأذان في صورة طويلة معلومة، وذكر البزار وغيره من علماء الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم (سمع الأذان ليلية الإسراء) واختلف العلماء في حكمه، والجمهور أنه ليس بواجب في مساجد الجماعات، وأما إقامته في مصر الإسلام، فاتفق العلماء على وجوبه، وقسمه آخرون من المالكية أقسامًا فقالوا: منه واجب، ومسنون، ومختلف فيه، ومندوب، ومكروه، ومباح.

فالواجب الأذان في المصر في موضع واحد، والمسنون الأذان في مساجد الجماعات على الأشهر من المذهب قال مالك:"يجب النداء في مساجد العشائر والجماعات" واختلف الأشياخ في مفهومه فقال

ص: 316

بعضهم: هو وجوب السنن، وقال بعضهم: وجوب الفرائض، (والمختلف فيه) الأذان في مساجد المحلة ولمندوب الأذان في البادية اعتمادًا على حديث مالك بن الحويرث وعلى حديث أبي سعيد الخدري، ويحمل عندنا على الندب خلافًا لمن حمله على الإيجاب تمسكًا بظاهره. واختلفوا في المكروه فقيل: هو أذان المرأة، وقيل: إنه مباح، وقيل: إنه مندوب إليه كأذان الرجل، وقد صح أن عائشة كانت تأذن وتقيم ذكره ابن

ص: 317

المنذر وذلك بناء على أنها تؤم وقد قال [به] كثير من أهل العلم، وكذلك رأى إسحاق أن على النساء الأذان والإقامة، وقال الشافعي عليهن الإقامة، فإن أذن فحسن، وقال مالك: لا أذان عليهن فإن أقمن فحسن وذكر أبو بكر بن فورك أن أم ورقة الأنصارية كانت تؤم أهل دارها في الفرائض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقول: (انطلقوا بنا إلى الشهيدة نزورها وأمر أن يؤذن لها ويقام) وإنما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم -شهيدة لأنها قتلت في أيام عمر، قتلها غلام وجارية لها، فأتى عمر بن الخطاب فصلبهما، فكانا أول مصلوبين بالمدينة. قال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكان يقول: (انطلقوا بنا إلى هذه الشهيدة نزورها) فكان ذلك كما قال، فهو من معجزاته الإخبارية، ذكره ابن فورك في كتاب الفصول وذكرناه في تأليفنا المنقول من معجزات الرسول. والمباح أذان الرجل في داره لا ينتظر جماعة، واختلفوا في أذان يوم الجمعة هل هو واجب وجوب الفرائض أو وجوب السنن المؤكدة، فأصل

ص: 318

مذهب مالك الأذان فيه فرض كفاية لا فرض على الأعيان.

قوله: ((والأذان في الصبح تسع عشرة كلمة)): كما ذكره. وقد اختلف العلماء في ذلك، وأصل مذهب مالك، وأهل المدينة أن الأذان كله مثنى إلا الشهادتين فإنهما مربعة، اعتمادًا على العمل الجاري بالمدينة، واختلف أصحاب مالك هل المستحب في الشهادة أن يبدأ بها منخفض الصوت، ثم يرفع، أو لا يرفع الصوت الأول، قاله جمهورهم، اعتمادًا على حديث أبي محذورة العمى، (واختار) المكيون والشافعي تربيع التكبير والشهادتين فقط وباقية مثنى، واختار البصريون تربيع التكبير وتثنية الشهادتين وما بعدها ثلاث مرات إلى قوله: حي على الفلاح جملة واحدة ثلاث مرات نسقًا من غير فصل فتقول: الله أكبر أربع مرات، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح،

ص: 319

ثم ذكر مرة ثانية ثم ثالثة وبه قال الحسن وابن سيرين.

واختار الكوفيون تربيع التكبير وتثنية باقي الأذان، وكل هذا الاختلاف مسند الأحاديث المختلفة والعمل.

قوله: (((ويزيد في النداء الصبح) الصلاة خير من النوم)): وهذا مذهب مالك وأصحابه، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يزيدها في الصبح. وهو باطل لثبوتها عن السلف من الصحابة، ولم يكونوا ليتفقوا على الخطأ، وقد قيل: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأشهر أنها قيلت في عهد عمر بن الخطاب بأمره. وأما الإقامة فمفردة كلها إلا التكبير

ص: 320

فإنها مثنى. واختلف المذهب في قوله: ((قد قامت الصلاة)) هل تثنى أو تفرد فيه قولان في المذهب مبنيان على اختلاف الأحاديث.

قوله: ((ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح)): وهذا كما ذكره، وإنما أجاز مالك النداء لها قبل الصبح لقوله عليه السلام:(إن بلالاً ينادي بليل) ولأنها صلاة تأتي في وقت غفلة، وإذا قلنا بذلك فمتى يؤذن؟ فقيل: ثلث الليل وقيل: سدسه، وقيل: شطره، وقيل: بإثر صلاة العتمة إذا صليت في الوقت المختار، وهي رواية أبي بكر الوقار عن مالك وهي ضعيفة (ولا)(كان) المؤذن مأمورًا بها، وقد اختلف العلماء هل هي واجبة أو مستحبة، وهو المشهور عن مالك وهل يحكيه المصلي فيه ثلاثة

ص: 321

أقوال، فقيل: إنه يحكيه في الفريضة والنافلة [وقيل: لا يحكيه لا في فرضها ولا في نفلها] وقيل: يحكيه في النافلة دون الفريضة ومنتهى الحكاية عندنا الحيعلة فقط، ويقول عند ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله وفيه خلاف بين العلماء، مذهب مالك ما ذكرناه.

ص: 322