المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في قسم الصدقات - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب في قسم الصدقات

‌باب في قسم الصدقات

قال القاضي رحمه الله: ((ومصرفها في الأصناف الثمانية)) إلى آخر الفصل.

شرح: الأصل في مصرف الصدقات قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية [التوبة: 60] فبدأ سبحانه بكلمة الحصر التي هي لتحقيق المتصل، وتحقيق المنفصل (أبدانا) وإعلانًا بأنها لا تخرج في غير هذه الوجوه. وقد اختلف أهل اللغة في الفقير والمسكين هل هما اسمان على مسمى واحد أو على معنيين مختلفين؟، فقيل: هما بمعنى واحد، وقيل: هما مختلفان، وعلى هذا أيضًا اختلفوا أيهما أسوأ حالًا فقيل: الفقير، وقيل: المسكين (والاحتجاجات) على ذلك من اللغة معلومة في موضعها. وقد اختلف العلماء هل هذه اللام في قوله سبحانه: {للفقراء} لام الملك أو لام المصرف، فمن رأى أنها للملك، رآى أن كل واحد من هذه الثمانية مالك لحظة من الصدقة، فلا يخص به أحد من الأصناف دون أحد فمن رآى أنها لازم المصرف جعل للإمام النظر (في ذلك) بحسب المصلحة، فإن أراد أن يخص أحد الأصناف الثمانية لمقتضى المصلحة جاز. والعاملون عليها جباتها وسعاتها، ومعناها: ويأخذون بقدر عملهم إن كانوا فقراء، وإن كانوا

ص: 491

أغنياء فهل يأخذون منها قولان، المشهور أنهم يأخذون بحكم الإجارة، وروى ابن القاسم أن الغني لا يأخذ عائلًا أو معالًا، وكذلك إن كان العامل عبدًا، أو نصرانيًا، فمنع ابن المواز من ذلك فقال: لا يعطون شيئًا. وأجاز (محمد) بن نصر الداودي فقال: يعطون أجرتهم منها.

واختلف العلماء في {والمؤلفة قلوبهم} فقيل: حكمهم (منسوخ الآن لقوة الإسلام وهو قول القاضي. وقيل: حكمهم) باق إلى الآن وهم قوم استجلبوا ولم يتمكن الإسلام في قلوبهم فكان عليه السلام (يستلفهم) بالعطاء، وقيل: بل هم كفار كان عليه السلام يطعمهم رجاء إسلامهم وإسلام قومهم.

واختلف العلماء في تفسير: {وفي الرقاب} فقيل: إعانة المكاتبين في آخر نجومهم لتخليص رقابهم، وقيل: ابتداء العتق وهو الذي حكاه القاضي. وأجاز ابن عبد الحكم أن تفك من الصدقة الأسارى، وأدخله تحت قوله:{وفي الرقاب} والمشهور أنه لا يجوز، وكذلك اختلف المذهب هل يجوز أن يعتق من الزكاة بعض عبد أم لا؟ وفيه قولان عندنا،

ص: 492

وكذلك عبد العبد. {والغارمين} هم المديانون في غير سفه، فإن أقلعوا عن السفه والفساد بعد أن أدركتهم الديون في ذلك فهل يعطون من الزكاة تجليبًا للطاعة إلى قلوبهم أم لا؟ لأن أصل الدين إنما ركبوه عن معصية، فيه قولان عندنا، فإن كانوا مستمرين على الفساد غير مقلعين عنه لم يعطوا الزكاة إجماعًا، واختلف المذهب فيمن مات وعليه دين لا يجب قضاءه هل يؤدي عنه دينه من الزكاة أم لا؟ فيه قولان في المذهب وقال:(فدين الله أحق أن يقضى) واختلفوا فيمن بيده من المال ما يؤدي منه دينه إلا أنه يعفى بأدائه فلا يسأل الناس، هل يعطى من الزكاة إبقاء للتعفيف من المسألة أم لا؟ فيه قولان عندنا. ((وسبيل الله)): هو الجهاد والرباط، وقيل: هو الحج والعمرة، والأول قول مالك قال ابن عبد الحكم: يجعل منها نصيب في السلاح والمساح والقسي لحفر الخنادق والجبال لعمل المنجنيقات.

ص: 493

وإنشاء المراكب للغزو ويدفع منها كراء النوانية ويعطى منها جواسيس المسلمين على الكفار، مسلمين كان الجواسيس أو نصارى وهذا كله من سبيل الله. {وابن السبيل} هو الغريب المنقطع به لفقره إذا كان سفره غير معصية، واختلف المذهب إذا كان غنيًا ببلده، ووجد من يسلفه هل يكلف بالسلف فيكون بذلك غنيًا، قاله مالك في كتاب ابن سحنون أو لا يكلف (سعاية) السلق قاله ابن عبد الحكم، ولما يخاف من تلف ماله، وبقاء الدين في ذمته.

قوله: ((ولا يجوز نقلها عن موضع وجوبها)): فهذا كما ذكره لقوله عليه السلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) فإن كانت الحاجة أشد نقلت إليهم على الأشهر رعيًا للمصلحة.

قوله: ((كره، وجاز)): يعني كره ابتداء، وجاز وقوعًا، ولو قال: وأجاز كان من جاز.

قوله: ((ولا يجوز صرفها إلا للمسلمين)): تنبيهًا على مذهب المخالف، وقد أجاز بعض العلماء أن يعطى فقراء الكفار من الزكاة لعموم قوله:{للفقراء} وكذلك اختلفوا هل يشترط مع الفقر الحرية والجمهور على

ص: 494

اشتراطه، لأن العبيد أغنياء لسادتهم.

قوله: ((ولا في غير الأصناف المذكورة)): اعتبارًا بنص الآية. قال مطرف رأيت مالكًا يعطي لقرابته من زكاته. وفي المدونة لا يعجبني أن يلي ذلك بنفسه. وقال مالك وابن أبي ذئب والثوري، والنعمان وأبو يوسف أفضل من أعطيته زكاتك أهل رحمك الذين لا تعول، قال ابن حبيب: وله أن يوسع عليهم إذا كان فيهم التعفيف والصلاح.

قال القاضي رحمه الله: ((يكره دفع جميع الزكاة إليهم))، فإن فعل أجزأته. وكره (مالك) له تفريق زكاته بنفسه لقرابته أو لغيرهم خوف المحمدة.

قال القاضي رحمه الله: ((ويعشر أهل الذمة)) إلى آخر الفصل.

شرح: الأصل في تعشير أهل الذمة إذا اتجروا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر الحصابة ولا مخالف له في ذلك. واختلف المذهب

ص: 495

هل يؤخذ منهم هذا العشر لحق وصولهم إلى غير (بلدهم)، أو لحق انتفاعهم بالتجارة وفيه قولان عندنا، وينبني على ذلك إذا دخلوا ببضاعة فأرادوا الرجوع قبل أن يبيعوا ويشتروا. قال ابن القاسم: لا عشر عليهم إلا بالانتفاع. وقال ابن حبيب: عليهم العشر، وإن رجعوا به على حاله لحق وصولهم إلى القطر، وعلى قول ابن القاسم عول القاضي حيث قال:((بعد أن (يحصل) لهم غرضهم)) ولا خلاف أن العشر يتكرر عليهم بتكرير الرجوع في السنة الواحدة، ولو ألف مرة. واختلف المذهب في فروع (تتعلق بذلك).

الأول: هل المسلمون شركاء لأهل الذمة في الأعيان، أو في الأثمان فيه قولان عندنا. وتظهر فائدة ذلك إذا قدم تجار بإماء. قال ابن حبيب: يمنعون من وطئهن واستخدامهن، ويحول بينهم وبينهن بناء على أن الشركة في الأعيان. وابن القاسم لا يرى المنع.

فرع: إذا قدم تجار بخمر أو خنزير أو نحو ذلك مما لا يجوز للمسلمين تمليكه، فإن أرادوا بيعه من أهل الإسلام منعوا من ذلك بلا خلاف، وإن أرادوا بيعه من أهل الكفر، فهل يمكنوا من ذلك أم لا؟ فيه قولان. المشهور أنهم يمكنون فإذا باعوا أخذ منهم عشر الثمن. وإن خاف الإمام خيانتهم جعل عليهم أمينًا، وقيل: لا يمكنون من بيع ذلك بحكم الإسلام.

فرع: قال سحنون: إذا اشترى الذمي فأخذ منه العشر، ثم استحق ما بيده أورده بعيب رجع بالعشر.

فرع: إذا ثبت أن على الذمي دينًا لمسلم، فباع له وقاصه في دينه فهل

ص: 496

يؤخذ منه العشر أم لا؟ ففيه قولان لأصحاب مال، والصحيح الأخذ لأنه انتفاع، وقال أشهب: لا عشر عليه في هذه الصورة.

فرع: أخذ العشر عام في كل الأشياء، وفي كل قطر إذا وصلوا به إلى المدينة، فقيل: يؤخذ منه العشر، وقيل: نصف العشر ليكثر الحمل إلى المدنية، وهو الذين فعله عمر بن الخطاب.

فرع: الحربيون إلى الإمام فإن شاء صالحهم على العشر أو على أكثر منه، وقيل: هم كتجار أهل الذمة والأول أصح.

ص: 497