المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز الجنائز جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها، ينطلق على الميت - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائز الجنائز جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها، ينطلق على الميت

‌كتاب الجنائز

الجنائز جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها، ينطلق على الميت بنفسه وعلى السرير الذي يحمل عليه، وبدأ بغسل الميت.

قوله: ((وغسل الميت المسلم واجب)): وهذا كما ذكره، وقد اختلف المذهب في حكم غسل الميت على قولين، فقيل: هو واجب على من حضره من المسلمين، فيلتحق بفروض الكفاية، فمن قام به من الناس سقط على (البعض)، وقيل: هو سنة، والقولان في المذهب.

ومبنى الخلاف على اختلاف في أوامره عليه السلام هل تحمل على الوجوب أو على الندب، وقد قال عليه السلام لما ماتت ابنته (اغسلوها بماء وسدر) الحديث. ويدخل تحت عموم لفظ القاضي الصغير من الأطفال المسلمين، لأنه له بحكم الإسلام.

ص: 425

قوله: ((ويستحب (فيه) الوتر)): وهذا كما ذكره لقوله عليه السلام: (اغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك) ويحمل هذا الأمر عندنا على الاستحباب.

قوله: ((وتنزع ثيابه)): وهذا قد اختلف فيه، فقالت طائفة: ينزع عنه القميص، وقال الجمهور لا تنزع ثيابه. وسبب الخلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص، وسمع من جانب بيته صلى الله عليه وسلم:(لا تنزعوا عنه القميص) فهل ذلك خاص به أو عام فيه الخلاف المذكور.

قوله: ((وتستر عورته)): وهذا كما ذكره، لأن ستر العورة فرض، وقد ذكرنا تفصيل العورة.

واختلف المذهب هل تستحب خرقة على صدره أم لا؟ فيه قولان في المذهب، الجواز والاستحباب لأن ذلك كان الميت يكره كشفه، ومن أهل العلم من استحسن ذلك في ما أنهكته العلة والمرض. واختلف في هذا الغسل

ص: 426

هل هو عبادة فلا يجزئ إلا بالماء المطلق، أو مشروع للنظافة فيغسل الميت حينئذ بماء الورد وماء الريحان ونحو ذلك فيه قولان في المذهب، وعلى هذا اختلف المذهب هل يستحب تقديم الوضوء قبله أم لا؟ وفيه قولان: والمشهور أنه يتوضأ، لأن ذلك أبلغ في النظافة، وقد صح أنهم وضؤوه عليه السلام حين غسلوه، وذلك حجة، واختلفوا هل يتكرر الوضوء بتكرير الغسلات أم لا؟ فيه قولان في المذهب.

قوله: ((وإن (اضطر) إلى مباشرتها فبخرقة)): وهذا كما ذكره وقال ابن حبيب: ((لا يباشر عورة بيده وإن احتيج إلى ذلك)). قال بعض الأشياخ: يريد إلا بخرقة. واختلف المذهب هل يكره غسله بماء زمزم أم لا؟ وفيه قولان عندنا، المشهور جوازه، لدخوله تحت عموم المياه، والشاذ الكراهية تعظيمًا، ولما يزعم أهل مكة أن من استنجى به يحدث به الباسور.

قوله: ((ويعصر بطنه)): وهذا فيه خلاف بين أهل العلم والمشهور ما ذكره القاضي، وقيل: لا يعصر قياسًا على الحي، وإذا خرج بالعصر حدث، فهل يعاد الغسل أم لا؟ فيه قولان في المذهب، وإذا قلنا: بإعادة الغسل فهل واحدة، أم ثلاثًا، أم سبعة، فيه خلاف بين أهل العلم.

قوله: ((ولا يزال عنه شيء من خلقته من ظفر أو شعر)): وهذا هو

ص: 427

المشهور من أقوال أهم العلم وقيل: يقلم ظفره، ويؤخذ من شعره، وليس فيه أثر، وإنما هو من باب القياس على الحي.

قال القاضي رحمه الله: ((ويغسل كل واحد من الزوجين صاحبه)) إلى آخر الفصل.

شرح: أصل مذهب مالك جواز غسل أحد الزوجين صاحبه، هل يقضى بذلك أم لا؟ فقيل: إن ذلك حق يقضى به لكل واحد منهما عند موت صاحبه، لأن حق الزوجية باق، وقيل: لا يقضى به وحكى في الرجعية قولان: بناء على الخلاف في جواز الخلوة بالمطلقة طلاقًا رجعية. وفي هذا الأصل خلاف في المذهب.

واختلف المذهب في ذوي المحارم من الرجل هل يغسل نساؤهم من ذوي المحارم أو ينتقل إلى التيمم فيه قولان في المذهب. واختلف المذهب في الصغيرة التي لا تشتهي هل تعطى حكم الذكر أو حكم الأنثى فيه قولان في المذهب.

قوله: ((ويستحب الاغتسال من غسل)): وهذا لقوله عليه السلام: (من حمل ميتًا فليتوضأ، ومن غسله فليغسل) وفي هذا الحديث مقال من جهة

ص: 428

الإسناد. والميت الكافر يلف ويوارى، ولا يحل للمسلم موالاته، وقيل: له أن يغسله، والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حيث مات أبو طالب ((فواراه)).

قال القاضي رحمه الله: ((والكفن والحنوط من رأس المال)) وهذا كما ذكره، إلا أن يوصي الميت في كفنه سرف فيه قولان، فقيل: ترد وصيته في ذلك، وقيل: تمضي من الثلث، واختلف إن كفن ثم سرق كفنه هل يلزم الورثة إعادة كفنه أم لا؟ فقيل: يعاد، وقيل: لا يلزمهم ذلك مطلقًا، وقيل: يلزمهم إن لم تقسم التركة ولا يلزمهم إن اقتسموا، والثلاثة الأقوال في المذهب، وهل يجوز الكفن في الحرير أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: جوازه مطلقًا، ومنعه مطلقًا، وجوازه للنساء فقط. وجه الأول أن التحريم قد سقط بالموت، ووجه المنع أن ذلك من السرف، وهو منهي عنه. ووجه التفريق أن

ص: 429

ذلك مباح للنساء في حال الحياة. وإنما استحب في الكفن الوتر والبياض، لأنه كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح أنه كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة واختلف الشيوخ في معناه فقيل: ليس بمعدود، وقيل: ليس بمحدود.

قال القاضي رحمه الله: ((الصلاة على الميت واجبة)) إلى آخر الفصل.

شرح: اختلف المذهب في حكم الصلاة (على) موتى المسلمين، وفي المذهب في ذلك قولان: فقيل: إنها فرض كفاية، وهو قول سحنون وابن أبي زيد، وقيل: إنه سنة وهو قول أصبغ، والدليل على ذلك قوله تعالى:{ولا تصل على أحد منهم} [التوبة: 84] الآية، نهاه عن الصلاة على المنافقين، فيقتضي الأمر بالصلاة على موتى المسلمين.

قوله: ((ولا تجوز إلا بطهارة)): تنبيهًا على مذهب المخالف حيث لم

ص: 430

يشترطوا فيه الطهارة، ولأنها صلاة لغوية لا شرعية. والجمهور على أنها صلاة شرعية لا سيما أنها على التكبير والدعاء والتسليم.

واختلف المذهب على قولين هل فيها قراءة أم القرآن أم لا؟ فيه قولان في المذهب المشهور أنها ليس فيها قراءة، وقال أشهب يقرأ فيها أم القرآن اعتمادًا على قوله عليه السلام:(كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) وكذلك فعل ابن عباس لتعلموا أنها سنة. قال سحنون: قلت لابن القاسم هل وقت مالك في الصلاة على الجنائز دعاء؟ فقال: لا أعلمه إلا الدعاء فقط.

ص: 431

قال المؤلف: هذه الفتوى المشهور، واستحب في القول الشاذ أن يفتح بالحمد وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عوف ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم:(صلى على جنازة فقال: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه وأكرم نزله [ووسع مدخله] واغسله بماء وثلج وبرد ونقله من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وقه من فتنة القبر، ومن عذاب الناس، قال عوف: فتمنيت أن أكون ذلك الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال مالك: وهذا أحسن ما يدعى به للميت لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم.

قوله: ((يكبر فيها أربعًا)): وهو قول جمهور أهل العلم اعتمادًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعًا. واختلف المذهب إذا زاد الإمام تكبيرة خامسة هل ينتظره المأموم حتى يسلم ويسلمون، وعندنا فيه قولان:

ص: 432

أحدهما: الانتظار لأن جنس التكبير مشروع في الصلاة، وقطع المأموم قبل إمامه مخالفة. والثاني: أنهم لا ينتظرونه حماية للذرائع. ولو سلم الإمام من ثلاث تكبيرات رجع إلى الصلاة ما لم يطل، فإن طال أعاد الصلاة، إن كان الميت لم يدفن، فإن دفن هل تعاد الصلاة على قبره أم لا؟ فيه قولان مبنيان على الخلاف في مشروعية الصلاة على القبر، واختلف في مسائل:

الأولى: هل يرفع اليدين في تكبيرة الجنائز أم لا؟ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: الرفع، والثاني: ترك الرفع في الجميع، والثالث: الرفع في الأولى فقط وهو مبني على الرفع في الصلاة.

الثانية: هل يعدو بعد التكبيرة الرابعة أو يسلم عقيبها فيه قولان في المذهب قياسًا على سائر التكبيرات ونفيه، لأنه لو دعا بعد الرابعة لافتقر إلى تكبيرة يختم بها الدعاء بعدها.

الثالثة: هل يجهر بالسلام من صلاة الجنازة أو يسر فيها، فيه قولان في المذهب، فقيل: إنه يجهر بالسلام كسائر الصلوات، وقيل: يسر، ويعلم المأمومين كمال الصلاة.

قوله: ((وهي جائزة في كل (الأوقات))): وهذا كما ذكره، لأنها نافلة، فتفعل في أوقات النوافل.

قوله: ((إلا أن يخاف تغييرها)): يشير إلى حال الضرورة، وهو مبني على القول بأن لا يصلي على القبر، وهو أحد أقوال المذهب. قال أحمد بن حنبل: رويت الصلاة على القبر على النبي صلى الله عليه وسلم من (طريق حسان

)

ص: 433

وقال غيره: رويت من تسع طرق فرواها الشيخان البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة وذكر ذلك مالك من مراسيل أبي أمامة وهو قول الشافعي ورواية (أشهب)، وتأول الجمهور من أصحابنا حديث السوداء على أنه مخصوص، لأنه كان وعدها عليه السلام أن يصلي عليها، وأنه عليه السلام صح أيضًا عنه أنه صلى على قبر أبي بشر بن البراء الذي أكل معه الشاة المسمومة، وإنما استحب ذلك اقتداء بحديث السوداء، وحمله على عمومه وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على أهل البدع، وأصل المذهب ما ذكره. واختلفت الآثار هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما عز. ولا خلاف في المذهب أن الجنين يحكم له بحكم الحياة باستهلاله صراخًا فيغسل ويصلي عليه، وكذلك يصلي على الأطفال عندنا، وروي أنه عليه السلام قال:(الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل صارخًا). وروى عنه أنه عليه السلام صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة وقيل: إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم مات

ص: 434

وهو ابن ثمانية أشهر ولم يصل عليه. وقال أبو حنيفة إذا كان الجنين في البطن أربعة أشهر صلى عليه، لأنه حينئذ فيه الروح كما جاء في حديث ابن مسعود، قال حدثنا الصادق المصدق:(إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين صباحًا) الحديث.

قوله: ((ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه)): وهذه المسألة مشهورة بالخلاف بين العلماء، ومذهب مالك رحمه الله ما ذكره القاضي، والدليل عليه قوله عليه السلام في شهداء أحد:(زملوهم بكلومهم) الحديث وإن حمل من المعترك حي غير منفوذ المقاتل، ثم مات بعد ذلك صلى عليه، وإن

ص: 435

حمل منفوذ المقاتل فحكمه حكم الشهيد.

واختلف المذهب إذا كان الشهيد جنبًا هل يغسل أم لا؟ وفيه قولان أحدهما: أنه يغسل حملًا على حديث حنظلة بن سعد الذي غسلته الملائكة حين استشهد، وكان بنوه يعرفون ببني غسيل الملائكة. والثاني: أنه لا يغسل لعموم قوله عليه السلام في الشهيد، ثم تكلم على من استحق التقديم في الصلاة على الجنازة، وجعله أولًا إلى الأئمة، ثم إلى العصبة وهو المشهور.

ص: 436