المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الذكاة قال القاضي رحمه الله: «يتعلق بالذكاة خمسة أشياء» إلى - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌كتاب الذكاة قال القاضي رحمه الله: «يتعلق بالذكاة خمسة أشياء» إلى

‌كتاب الذكاة

قال القاضي رحمه الله: «يتعلق بالذكاة خمسة أشياء» إلى قوله: «وقيل: كراهية» .

شرح: الأصل في التذكية قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} [المائدة: 3] وذلك في المقدور عليه، كما ذكره، ثم بين أن العقر في المتوحش طبعًا وسيجيء ذلك في كتاب الصيد. وأما المقدور عليه فتذكيته بالذبح أو النحر.

واختلف المذهب فيما استوحش من بهية الأنعام وغيرها، أو المستأنس من الوحش هل يعتبر حكم أصله، أو حكم مآله، كما سنذكره في كتاب الصيد.

قوله: «ولا تبيح الضرورة فيما ذكاته النحر والذبح أن يذكي بالعقر» : وهذا هو المشهور. وقال ابن حبيب: إذا تردت في هواة، ولم يمكن ذبحها ولا نحرها طعنت في جنبها، أو ما أمكن من جسدها، ورآه ضرورة فصار بمنزلة المقدور عليه.

ص: 693

قوله: «وأما شروط الذكاة فشرط الذبح هو استيفاء قطع الحلقوم والودجين في قطع واحد» : وهذا كما ذكره وهو المشهور من المذهب، ولم يذكر المرى، ولا خلاف في المذهب أن الذابح إذا قطع الودجين، والحلقوم والمريء فإنها تؤكل، فإن لم يقطع الودجين والحلقوم فقولان. المشهور أنها تؤكل وهو قول الجمهور من أهل العلم. وقد اختلف الناس في ذلك. أما مالك فالمشهور عنه ما ذكره، وقال أبو حنيفة: الواجب قطع ثلاثة غير معينة من الأربعة التي هي الودجين والحلقوم والمريء. وقال الشافعي: الواجب قطع الحلقوم والمريء فقط. وقال محمد بن الحسن: الواجب قطع أكثر واحد من الأربعة، وقال بعض أهل العلم: الواجب قطع ما وقع الإجماع على جواز الأكل بعد قطعه، وهي الأعضاء الأربع. وقال ابن أبي زمنين: المريء عرق أحمر تحت الحلقوم عليه مدخل الطعام والشراب، ومشهور قول مالك: أن قطع المريء ليس بشرط لما رواه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أفرى الأوداج

ص: 694

فكلوا) الحديث، وإذا قلنا باشتراط الودجين والحلقوم فقط فلا يخلو من ثلاث صور إما أن يقطعها الذابح كلها، أو أكثرها، أو لا يقطع منها شيئًا، فإن قطع جميعها فلا خلاف في المذهب أنها تؤكل، فإن لم يقطع منها شيئًا، أو قطع أقلها فلا خلاف أنها لا تؤكل، فإن قطع أكثرها أو نصفها فهل يؤكل أم لا؟ فيه قولان في المذهب والمشهور أن قطع الكل غير مشترط، بل يكفي في ذلك قطع النصف فأكثر، وإذا قطع الحلقوم وحصلت الغلصمة إلى الرأس فهي تذكية صحيحة، وإن حصلت إلى البدن، فهل تؤكل أم لا؟ اختلفت الروايات فيه، والمشهور أنها لا تؤكل، وهو الذي رواه الجمهور من الرواة عن مالك. وقال أشهب في أحد قوليه، وابن عبد الحكم، وابن وهب وابن مصعب، وموسى بن معاوية وغيرهم تؤكل، وفي المذهب قول ثالث الكراهية.

وسبب الخلاف في ذلك: هل قطع الحلقوم شرط في الذكاة أم لا؟ فمن قال: إنه شرط أوجب قطع الغلصمة، لأنه إذا كان القطع فوقها لم يقطع الحلقوم، ومن لم ير قطع الحلقوم شرطًا في التذكية أجاز القطع فوقها، وهو قول شاذ في المذهب.

قوله: «في قطع واحد» : تحرزًا من أن يرفع يده، ثم يعيدها إلى الذبح،

ص: 695

وهكذا نص القاضي أبو الحسن بن القصار وغيره من أئمتنا أن من شرط الذكاة أن تكون في فور واحد، فإن رفع يده قبل الإجهاز، ثم أعادها فإن طال الأمر لم تؤكل بلا خلاف، وإن لم يطل ففي المذهب فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: منع الأكل. قال سحنون وإن رجع مكانه.

والثاني: جواز الأكل بناء على أن ما قرب الشيء هل له حكمه، وهو قول ابن حبيب قال: فإن رجع في فور الذبح قبل أن يذهب جاز.

والثالث: أنه إن رفع مختبرًا أكلت، وإن رفعه ظنًا أنه قد أكمل الذكاة لم تؤكل، وتأوله بعض الشيوخ على سحنون، وفيه قول رابع اختاره الشيخ أبو بكر ابن الشيخ بن عبد الرحمن وهو أنه إن رفع يده مجتهدًا، ثم تبين له أنه أخطأ أكلت إذا عاد في الفور، وإن كان مختبرًا لم تؤكل، وهو عكس ما تأوله بعض الشيوخ على سحنون، وصوب الشيخ أبو الحسن القابسي قول أبي بكر بن عبد الرحمن لأن المختبر غير معذور، والمجتهد معذور بالاجتهاد، وحمل المختبر على المسلم على الشك فصلاته فاسدة، والمجتهد كالمسلم ظانًا أنه قد أكمل صلاته ويسجد. واختلف الفقهاء في مسألتين تتعلقان بما ذكرناه.

المسألة الأولى: إذا تمادى بالذبح حتى انقطع النخاع. وتحصيل المذهب فيه أنه إن فعل ذلك ناسيًا، أو متأولًا، أو جاهلًا، فإنها تؤكل، فإن فعل ذلك عمدًا. فقال ابن الماجشون: لا تؤكل، والمشهور أنه أساء، والذبيحة جائزة، وروي عن مالك أنها تؤكل ما لم يتعمد ذلك، وهو قول

ص: 696

مطرف، وابن الماجشون.

المسألة الثانية: إذا ذبح من القفا، ولا خلاف في المذهب أنها لا تؤكل لأنها لا تؤكل لأنها منفوذة المقاتل وهو قول ابن المسيب وابن شهاب وغيرهم. وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وبه قال ابن عمر وعلي بن أبي طالب وعمران بن الحصين وهو مستقرأ من المذهب.

ومبنى المسألة على المنفوذ المقاتل: هل تعمل فيها الذكاة أم لا؟

قوله: «والنحر سنة ذكاة الإبل ويجوز ذبحها» : وهذا كما ذكره. والغنم مذبوحة، والبقر يجوز فيه الأمران، والذبح أفضل، وكذلك النعام عندنا، وقد قال الله تعالى:{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67] ويجوز مع الضرورة نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر.

واختلف المذهب في ذلك مع عدم الضرورة على ثلاثة أقوال: منع الأكل وهو المشهور وجوازه وهو الشاذ. والثالث أنه يؤكل الإبل إذا ذبحت، ولا تؤكل الغنم ونحوها إذا نحرت وهو قول ابن بكير، لأن النحر في غير الإبل نفاذ المقاتل قبل خروج النفس، ومخالفة الشرع.

ص: 697

قال القاضي رحمه الله: «وأما سننه ومندوباته فأربعة إحداد الآلة» إلى قوله: «فإن تكن غير» .

شرح: أما إحداد الآلة فلما في ذلك من الإجهاد على الذبيحة وهو مأمور به، وقد قال عليه السلام:(إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وهذا عموم. وقال عليه السلام: (اعف عن الناس قتلة أهل الأيمان) وظاهره العموم. وأما التسمية فمأمور بها، فإن تركها متهاونًا فقولان المشهور أنها لا تؤكل، وكذلك إن تركها عمدًا غير متهاون فيه قولان، وفي الناسي قولان المشهور جواز الأكل، والخلاف فيه بين السلف قائم. فقال ابن عمر، والشافعي، وابن سيرين: التسمية على الذبيحة فرض على الإطلاق لقوله تعالى: {ولا تأكلوا ما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]. وقال أبو حنيفة، والثوري: هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان لقوله عليه السلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) وقيل: سنة، وهو قول ابن عباس، وأبي هريرة، والشافعي، وأصحابه لما رواه هشام بن عروة عن أبيه قال:(سئل رسول الله فقيل له: يا رسول الله إن ناسًا من أهل البادية يأتوننا بلحم ولا ندري أسموا الله عليها أم لا؟ فقال عليه السلام: سموا الله ثم كلوا)

ص: 698

وتأول هؤلاء قوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] على أن المقصود ما ذبح للأصنام، وقيل: إن حديث هشام بن عروة هذا كان في أول الإسلام، وقيل: إن الآية ناسخة له.

وأما استقبال القبلة بالذبيحة، فقد اختلف الناس فيه، فمنهم من أوجبه، ومنهم من استحبه، ومنهم من أباحه.

وتحصيل مذهب مالك فيه أنها مأمور بها، فإن ترك ذلك سهوًا، أو تعذرًا أكلت وإن ترك ذلك عمدًا فقولان المشهور جواز الأكل، والشاذ أنها لا تؤكل، لأن ذلك مخالف للسنة، ومندوب لها أن يضطجعها برفق على الجانب الأيسر، ويأخذ بصوفها، أو شعرها لينظر موضع الذبح.

قوله: «فأما صفة الذابح فأن يكون مسلمًا أو كتابيًا عاقلًا عارفًا بالذبح قاصدًا به التذكية» : وهذا كما ذكره، أما الكافر غير الكتابي فلا تصح ذكاته.

واختلف المذهب في تذكية تارك الصلاة، هل هي مجزئة، أو غير مجزئة. وبناه على الخلاف هل يكفر تارك الصلاة مطلقًا أم لا؟ وأما الكافر الكتابي فإن العلماء قد اختلفوا في جواز ذبيحته، والجمهور على جوازه.

وتحصيل مذهب مالك في ذلك: أن الكتابي إما أن يذبح لنفسه، أو لمسلم على وجه الاستتابة، فإن ذبح لنفسه، فإما أن يكون مما يستحله، أو مما لا يستحله، فإن كان مما لا يستحله إما أن يكون محرمًا عليهم في شريعتنا أو مما أخروا عن تحريمه. فإن كان مما حرم عليهم في شريعتنا كذي

ص: 699

الظفر، ففي صحة ذكاتهم ثلاثة أقوال في المذهب التحريم، وهو المشهور، والكراهية، والإباحة. فالتحريم بناء على أنه إذا كان محرمًا عليهم فكأنهم لم يقصدوا ذكاته، والإباحة بناء على أن شريعتنا ناسخة. والكراهية مراعاة للخلاف وفيما اختاروا عن تحريمه وأحرموه على أنفسهم قولان: الإباحة، والمنع كراهية، أو حظرًا مبنيان على الذكاة هل تتبعض أم لا؟ وإذا ذبح لمسلم باستنابة فهل يستباح أم لا؟ فيه قولان في المذهب الإباحة و «المنع» لصحة ذكاتهم ومنع، لأن المستباح وطعامهم وهذا ليس منهم، واختلف في ذبائح نصارى العرب فقال ابن عباس: والجمهور هم أهل الكتاب في جواز أكل ذبائحهم، وقال علي بن أبي طالب، وغيره: ذبائحهم محرمة، وهو أحد قولي الشافعي. وسبب الخلاف: هل يتناولهم الاسم أم لا؟ وكذلك اختلفوا في جواز ذبيحة المرتد، والجمهور على أن ذبيحته لا تؤكل، لأنه غير داخل تحت الإطلاق، وقال إسحاق: ذبيحته جائزة، وقال الثوري: مكروهة، وأجاز أهل المذهب ذبائح السامرية وهم صنف من اليهود ينكرون بعث الأجساد، ومنعوا ذبائح الصابئين، لأنهم بين النصرانية والمجوسية. وقد اختلف العلماء في ذبائحهم، وفي ذبائح المجوس، والصحيح أنها ممنوعة، وبه قال الجمهور.

واختلف المذهب فيما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم ولعبادهم، وفي المذهب فيه عندنا قولان الكراهية، والمنع، وعن ابن حبيب ما يقتضي الجواز، وقال ابن القاسم: كان مالكًا يكرهه كراهية شديدة من غير أن يحرم.

قوله: «عاقلًا» : احترازًا من المجنون، وقد اختلف العلماء في ذبيحة

ص: 700

المجنون والسكران يمنع من تذكيتهما، وأجاز ذلك الشافعي. ومبنى المسألة على اشتراط النية في الذكاة، وقول القاضي:«عارفًا بالذبح» احترازًا من غير العارف إذ لا يؤمن معه أن يذبح في غير موضع الذبح.

قوله: «قاصدًا به التذكية» : نص على اشتراط النية في الذكاة إجراء لها على مجرى القربات، والعبادات، ولا خلاف في اشتراط ذلك عندنا.

قوله: «وليس من شرطه الذكورية ولا البلوغ» : تنبيهًا على مذهب المخالف، وقد اختلف العلماء في جواز تذكية الصبي، والمرأة إذا أطاق الذبح، والجمهور على جوازها، ومنهم من أجازها في موضع الضرورة، ومنعها في غير الضرورة، وقال أبو مصعب عن مالك: لا أحب ذبحها لا في حال الضرورة، ولا في غيرها، ومذهب مالك أن يؤكل ما ذبحت المرأة من غير ضرورة، وهي أولى من النصراني في الذبح، وذكر ذلك محمد في حال السعة، فإن ذبحها أكلت الذبيحة. وفي الصحيح:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذبيحة المرأة فقال: لا بأس). وكذلك اختلف الناس في تذكية السارق والغاصب آلات المذبوح بها، أو الشيء المذبوح، والجمهور على الجواز، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن شاة ذبحت بغير إذن ربها فقال: أطعموها للأسارى) الحديث.

ص: 701

قال القاضي رحمه الله: «فأما صفة المذكى فأن يكون حيًا غير مايوس» إلى آخره.

شرح: وهذا هو مشهور المذهب كما ذكره أن منفوذ المقاتل والميؤوس منه لا تعمل فيه الذكاة، وقال قوم: إن الذكاة فيها عاملة، وهو قول ابن عباس والزهري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأحد قولي مالك.

ومبنى الخلاف على الاستثناء المذكور في قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} هل هو متصل أو منقطع.

قوله: «وأما الآلة المذكى بها فأن تكون ممن ينهر الدم» إلى آخره. وهذا كما ذكره أن المقصود في ذلك إمرار إزهاق النفس من غير تعذيب رفقًا بالبهيمة، فبأي شيء حصل ذلك أجزى، وفي السن والظفر أقوال في المذهب: أحدها: جواز أكل ما ذبح بهما، وعمدتهم قوله عليه السلام:(ما أنهر الدم فكل). الثاني: المنع لقوله عليه السلام: (ليس السن والظفر). والثالث: جواز ذلك في المنفصل دون المتصل، ولذلك نبه عليه القاضي. والقول الرابع: جواز أكل ما ذبح بالظفر، ولا يؤكل ما ذبح السن، وكره مالك غير الحديد -مع وجوده في المبسوط- كل شيء يصنع من فخار أو عظم أو قرن فهو جائز.

ص: 702