الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحيض والنفاس وما يتصل بهما
قال القاضي رحمه الله: "الدماء التي ترخيها الرحم ثلاثة" إلى قوله: "وأقل الحيض والنفاس لا حد له".
شرح: الحيض مأخوذ من قولهم: (حاضت السماء ماء أحمر)(وهو) شيء كتبه الله على بنات آدم، وقيل: إن أول من حاض [أمنا حواء] وقيل: (إنها بنت علي بن أبابل) وقع في صحيح البخاري والأول لقوله عليه السلام: (إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم). قوله: الدماء التي ترخيها الرحم ثلاثة" فيه روايتان: "تزجيها" بالزاي المعجمة والجيم، فمعناه يدفعها. قال الله تعالى:{ألم تر أن الله يزجى سحابًا} [النور: 43] أي يدفع
بسوقه. والرواية الثانية: "ترخيها" والرواية الأولى أصح، وهكذا قرأناه على الشيوخ. وحصرها في الثلاثة حكم (استقرار)، والأحكام الشرعية معلقة على (الاستقراء) وعرف كل واحد منهما.
"فأما دم الحيض: فهو الخارج من الفرج على الصحة بغير ولادة، والنفاس: ما كان عقيب الولادة" كما ذكره القاضي. وأما الاستحاضة فقد سماه الفقهاء دم علة وفساد، لأنه مرض للمعنى. واتفق العلماء على أن دم الحيض والنفاس يمنعان فعل العبادات والعادات. ودم الاستحاضة غير معتبر بذلك، وقد قال عليه السلام:(إنما ذلك عرق وليس بحيضة) الحديث. وذكر ما يمنع دم الحيض والنفاس، وفرق بين الصلاة، والصوم، وجعلهما مانع وجوب صحة فعلهما، وفعل الصوم دون وجوبه، وذكر فائدة الفرق، وذلك بناء على أنها غير مكلفة بالصلاة، ومكلفة بالصوم بدليل وجوب القضاء عليها، وإن تعذر فعله منها لمانع طرأ عليها وفي ذلك نظر، وللقائل أن يدعي أن
الحيض مانع من التكليف لها، من المعلوم أن المانع من الوجوب أولى واختار القاضي أنه غير مانع وإيجابـ (ـه) في حال حيضتها، إن كانت ممنوعة من الفعل، ولا معنى للإيجاب حينئذ بتقدير عموم المنع من الفعل، وذلك مانع من الفعل، ممكن شرعًا، وكذلك إلحاق العدة في جملة من الممنوعات كالصلاة، والصوم، وفيه تأويل.
قوله: "والعدة": يريد إذا طلقها وهي حائض بأن يمنع العدة لكونها مأمور برجعتها، واللفظ مجرد، إذ ليس كل الطرق في الحيض يؤمر فيه بالرجعة، ألا ترى أنه إذا كان قبل البناء لا يصح فيه رجعة، فهذا قد أطلق ما من شرطه أن يقيد فكان من حقه أن يقول: (والعدة المأمور فيه بالرجعة" فهو في المراجعة في الطلاق، والذي ليس ببائن، فإن كانت مباراة وخلعا، لم تصح فيه الرجعة، والذي يطلق عليهم في الحيض لعارض من جذام، أو برص، أو جنون، أو عنة، أو إعسار بالنفقة، فإن لهم الرجعة ما خلا العنين فلا رجعة له لكونه مطلقًا قبل البناء هذا ممن كتاب البخوري.
وأما الجماع في الفرج فلا خلاف بين أهل الأدلة أنه يمنع في أيام الحيض. واختلفوا هل تجب الكفارة على فاعله أم لا؟ مذهب مالك ألا كفارة عليه، لأن ذنبه أشد من الكفارة، وقد قال كثير من أهل العلم: الكفارة في ذلك اعتمادًا على أخبار ضعيفة لم تثبت عند أهل
الإسناد.
واتفق الجمهور على جواز مباشرتها والاستمتاع بها في أعلاها. واختلفوا في جواز وطئها بين الفخذين، وفيه قولان في المذهب، المشهور المنع، مخافة الشبهة. وقد قال عليه السلام:(كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) وقد صح عن ابن عباس منع مباشرة الحائض جملة، والسنة الصحيحة (حجته عليه السلام).
ولا خلاف في هذه الجملة التي ذكر أن الحيض والنفاس مانعان للمرأة قراءة القرآن إلا قراءة طاهرة وفيه قولان في المذهب، والصحيح أن الطهارة مطلقًا على مشترطه في قراءة القرآن على الأصح، وفي حديث عائشة قالت:(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم -يذكر الله على (كل أحيانه) وقد اشترط قوم
الطهارة في قراءة القرآن اعتمادًا على قول علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -لا يحجبه عن قراءة القرآن (إلا الجنابة) وقال النبي عليه السلام: (إن المؤمن لا ينجس) وقد كتب ببعضه هرقل بعض حكم القضاء، وفي مذهب مالك في قراءة القرآن طاهر ثلاثة أقوال: المنع مطلقًا، والجواز مطلقًا، وجوازه في اليسير للتعوذ دون الكثير.
قال القاضي رحمه الله: "وأقل الحيض والنفاس لا حد له" إلى قوله: "وجب التلفيق".
شرح: اتفق الفقهاء على أن أقل الحيض في باب العبادات لا حد له، واختلفوا في تحديد أقله في العدة بالأشهر، فقيل: ثلاثة أيام بلياليهن، وقيل: أربعة أيام. فأما أقل النفاس فلا حد له. وقال أبو يوسف: أقله أحد عشر يومًا، واختلفوا في أكثر الحيض فقيل: خمسة عشر يومًا، وقيل: ثمانية عشر يومًا بالاستظهار، واختلف في أكثر النفاس فقيل: معتبر بعادة
النساء وقيل: أقصاه ستون يومًا، وهو المشهورد في المذهب، وروى ابن الماجشون أنها تصبر إلى سبعين يومًا. وأكثر الطهر لا حد له. واختلفوا في أقله على خمس روايات، فقيل: خمسة أيام، وقيل: ثمانية أيام، واستقرأه ابن أبي زيد من المدونة، وقيل: عشرة أيام، وقيل: خمسة عشرة يومًا، وقيل: هو معتبر بالعادة، وهذه التحديدات لم تثبت فيها سنة إلا قوله عليه السلام:(تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي ولا تصوم) والشطر لفظ مشترك وإنما هي تحديدات مبنية على عوائد، وأمور غالبة. وذكر في المبتدأة روايتين إحداهما أنها تعتبر أيام لداتها وهن الأقران من القرابة وغيرهن، ثانيها: أنها ترجع إلى أكثر الحيض واختلفوا هل تستظهر على خمسة عشر يومًا، وسواء في ذلك المعتادة والمبتدأة.
وذكر في المعتادة أيضًا روايتين إحداهما البناء على العادة، ثم الاستظهار بعد، والثانية الجلوس إلى آخر الحيض، ثم تعمل على التمييز.
قال القاضي رحمه الله: "وإذا انقطعت أيام الحيض والنفاس" إلى آخره.
شرح: مشهور المذهب في حكم المنقطعة التلفيق إلى أن تكمل أيام
الحيض، وقد قيل: إنها حائض في يوم دمها، طاهر في يوم طهرها وهو تكلف رفعته الشريعة، وذكر أن الصفرة والكدرة حيض وهو مشهور المذهب، اعتمادًا على حديث عائشة الذي روى مالك في موطئه، وقد قيل: إنها لغو، اعتمادًا على قول أم عطية:(كنا لا نعد الصفرة والكدرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -شيئًا)، وقد قيل: إن كانت في أيام الحيضة فهي حيض، وإلا فليست بحيضة جمعا بين الأحاديث.
قوله: "والحامل تحيض": هو كما ذكره، وهو قاعدة المذهب عند مالك رحمه الله، وقال أبو حنيفة: حكم الدم الذي تراه الحامل حكم الاستحاضة وهو الأصح من طريق القياس، نظرًا إلى أن العادة بالأقراء إنما شرعت علمًا لبراءة الرحم، فلو كان دم الحامل حيضًا لانخرمت قاعدة العدة، وإذا قلنا بمذهب مالك أنه حيض، فروى ابن القاسم عن مالك أن أول الحمل ليس كآخره فتصبر في آخر الحمل خمسة عشر يومًا، وبعد ستة أشهر عشرون يومًا. وروى أبو زيد في ثمانيته أنها تجلس في آخر الحمل ثلاثين يومًا، وقال ابن وهب تضاعف الحامل أيام عدتها وقال ابن الماجشون: تجلس
خمسة عشر يومًا كالحامل قال: ولا أنظر إلى أول الحمل ولا إلى آخره، وقال مطرف: "تجلس في أول الحمل وعادتها أربع مرات حتى تبلغ ستين يومًا، حكاها ابن حبيب في الواضحة وفرق أشهب بين أن تستراب أم لا، فإن استرابت احتاطت، وإلا فهي كالحامل، وهذه الأقوال مبنية على (عادات واستحبابات).
قوله: "ولا تمنع الاستحاضة شيئًا يمنعه الحيض": وهذا كما ذكره، يعنى من العبادات، وقد اختلف العلماء في جواز وطئها على ثلاثة أقوال، فمنهم من منعه، ومنهم من أجازه، ومنهم من منعه إن طال بها وإلا فلا، والصحيح أنها طاهر في أحكام العبادات والعادات، واختلفوا في استحباب الوضوء لها لكل صلاة، أو إيجابه، واختلفوا في غسلها، وأصل المذهب أنه لا غسل عليه إلا الغسل المعتاد الواجب عند انقطاع دم الحيض، ولو انقطع دم الاستحاضة، فهل يستحب لها الغسل أم لا؟ فيه قولان في المذهب الظاهر الاستحباب، والأحاديث في حكم الاستحاضة تختلف. واستحب مالك الغسل اعتمادًا على حديث هشام بن عروة عن أبيه في شأن فاطمة بنت [أبي] حبيش لأنه أصح ما ورد في الباب، ففيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم -قال لها: إنما ذلك عرق وليست بحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عند الدم، وصل ويحتمل أن يريد ما رواه أيضًا عن هشام عروة عن أبيه أنه قال:(ليس على المستحاضة إلا أن تغسل غسلاً واحدًا، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة).
قوله: "وللطهر علامتان الجفوف والقصة البيضاء": فالجفوف: هو أن تدخل الخرقة تخبر بها نفسها فتخرجها جافة وذلك دليل انقطاع الدم. والقصة: ماء أبيض يخرج من الفرج، وروى علي بن زياد عن مالك أنه يشبه المني وروى ابن القاسم أنه يشبه البول، وقيل: ماء أبيض يشبه العجين، وقيل؛ القصة شيء يكون كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم، وقيل: إنه يشبه ماء الجير.
واختلف المذهب أيهما أبلغ، فروى ابن حبيب عن ابن عبد الحكم أن الجفوف أبلغ، وقال ابن القاسم: القصة أبلغ، وهذا في المعتادة، وأما المبتدأة، فاتفقوا على أنها لا تطهر إلا بالجفوف وقال أبو الوليد: وهذا نزوع إلى قول ابن عبد الحكم، فإذا قلنا تنتظر الأبلغ، فذلك ما لم تخف فوات الوقت، وهل المقصود الوقت الاختيار، أو الاضطرار، فيه قولان في المذهب.
قوله: "وإذا طهرت الحائض (أو النفساء) لم توطأ إلا بعد الغسل": وهذا كما ذكره القاضي وبه قال الجمهور، واعتمادًا على قوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] الآية. المعنى: ولا تقربوهن حتى يطهرن من دمهن بانقطاعه، فإذا تطهرن بالماء، فاتوهن من حيث أمركم الله، وسواء انقطع (دمها) لأكثر دم الحيض أم لا؟ وبه قال جمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: إن انقطع دمها قبل عشرة أيام لم يجيز له أن يطأها حتى تغتسل، أو يجيء آخر وقت الصلاة، وإن انقطع الدم لأكثر أمد الحيض جاز وطؤها قبل أن تغتسل، والدليل قوله تعالى:{إن الله يححب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] مدحهم بالتطهير، فدل على أن المراد به الغسل لانقطاع الدم، لأن ذلك ليس من فعلهن، ولو وطئت لم يجز وطؤها بالتيمم على مشهور المذهب، وقال الشيخ أبو إسحاق: ويجوز وطؤها، وقال ابن بكير: إذا انقطع دمها، فالإمساك عنها استحبابًا لا إيجابًا بناء على أن المقصود زوال الأذى، وهو مرتفع بانقطاع الدم والله أعلم.