المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزكاة قال القاضي رحمه الله: ((الزكاة من فروض)) إلى آخر - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌كتاب الزكاة قال القاضي رحمه الله: ((الزكاة من فروض)) إلى آخر

‌كتاب الزكاة

قال القاضي رحمه الله: ((الزكاة من فروض)) إلى آخر الفصل.

شرح: الزكاة في اللغة هي: النماء، من قولهم: زكا الزرع إذا نما، ومنه تزكية القاضي الشهود، لأنها تنمية لحالهم، وهي في الشريعة: نقصان محسوس، فسميت بذلك لأنها تنمو عند الله تعالى، وقيل: لأنها تؤخذ من الأموال النامية، وقيل: لأن صاحبها ينمو حاله عند الحق.

واجتمعت الأمة على أنها ركن من أركان الإسلام. قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43]، وقال تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم} [التوبة: 103]، وقال عليه السلام:(بني الإسلام على خمس) فذكر الزكاة. وانعقد الإجماع على ذلك، فمن جحد وجوبها فهو كافر، ومن امتنع منها مقرًا بها أخذت من ماله فهو آثم، هل تجزئه أم لا؟ فيه قولان مبنيان على الخلاف في الزكاة هل تفتقر إلى نية أم لا؟ وبدأ القاضي بصفة المالك وهو المسلم، لأن الكافر لا يقبل التطهير.

ص: 437

قوله: ((كبارًا كانوا أو صغارًا)): تنبيهًا على خلاف أبي حنيفة. وقد اختلف الفقهاء، هل تجب الزكاة على اليتامى أم لا؟ ومذهب مالك وجوبها عليهم لعموم قوله تعالى:{خذ من أموالهم} ولقول عائشة: {اتجروا في أموال اليتامى ليلا تأكلها الزكاة} . وأجرى اللخمي الخلاف في مال اليتامى إذا كانوا أغنياء ولم يتجر لهم فيه وليهم على الخلاف في مال المعجوز عن تنميته.

قوله: ((وصفة الملك أن يكون تامًا غير ناقص)): احترازًا من العبد والمديان، لأن ملكهما غير تام.

قوله: ((وأما المملوك فكل عين جاز بيعه جاز تعلق الزكاة به)) قلت: لا (معنى) للذكر هاهنا، لأن الحكم الواقع المقدر خلافه، ومقتضى الفقه معرفة الأحكام الواقعة إلا ما لا يجوز أن يضعه الشرع حكمًا. وقد انعقد الإجماع على أن متعلق البيع أعم من متعلق الزكاة لاختصاصها بالعين، والحرث، والماشية، وذلك بعض المبيعات، فالقضية لا تطرد إلا من جهة الجواز الذي لا مدخل في هذه المحل، فهي غير صادقة، وانظر هل ينعكس أم لا؟ ثم عد العروض التي لا زكاة فيها، وخالف أبو حنيفة في نوعين منها الخيل والعسل، فأوجب الزكاة في العسل في كل عشرة (أزق) واعتمد

ص: 438

على حديث ورد في ذلك، وأوجب الزكاة في الخيل إذا كانت كلها إناثًا أو ذكروا وإناثًا، فإن كانت كلها ذكورًا فلا زكاة فيها، إذ هي غير نامية بالنتاج.

قوله: ((وأما زكاة العين التي (هي) الذهب)): ففيه ثلاثة أقوال في المذهب: أحدها: أن حكمه حكم العرض، فلا زكاة فيه حتى يبيعه، فيزكي عن ذهب وعرضه زكاة واحدة. والثاني: أنه يزكي وزنه تحريًا وهو قول ابن القاسم. والثالث: مراعاة الأكثر فيعطى الحكم له، فإن كان قيمة الجوهر أكثر زكى الجميع زكاة العرض، وإن كان الذهب أو الفضة أكثر، زكى ذلك وزنًا. وكان العرض حكمه، هذا حكم غير (المدير) وأما المدير فيزكي وزن الذهب وقيمة التجارة بلا خلاف.

المسألة الثانية: أن يتخذ الحلى ليصدقه (امرأته) ففي كتاب ابن المواز

ص: 439

عن مالك أنه يزكيه، وقال أشهب: لا زكاة فيه، وأنكره محمد بن المواز.

الثالثة: أن يتخذه كراء، فقال ابن القاسم: الزكاة فيه واجبة، وقال أشهب: لا زكاة فيه.

الرابعة: أن يتخذه ينتظر به امرأة يتزوجها تلبسه أو جارية يشتريها، ففيه قولان: وجوب الزكاة وإسقاطها، وكذلك إذا اتخذه ليرصد به ابنة صغيرة تكبر له فتلبسه، ففيه قولان أيضًا مبنيان على تغليب الموجب أم المسقط.

وقوله: ((ويجمع بين الذهب والفضة)): وهذا لا خلاف فيه عندنا قياسًا على المعز والضأن والبقر، والجواميس، والبخت، والعراب

ص: 440

لتقاربه غالبًا.

قوله: ((وله أن يخرج من أحد الجنسين عن الآخر بالقيمة)): وهذا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: جواز إخراج أحدهما عن الآخر لتساوي المقصود. والثاني: المنع، لأن الزكاة متعلقة بالعين. والثالث: جواز أنفقهما عن أكسدهما. وإذ قلت بجواز الإخراج بالقيمة فهل المرعى صرف دينار الزكاة: الدينار بعشرة دراهم، أو صرف الوقت، فيه ثلاثة أقوال: أحدها: التعويل على صرف دينار الزكاة، الثاني: التعويل على صرف الوقت. الثالث: اعتبار الأكثر منهما تغليبًا لحق الله عز وجل على حق الآدمي.

قوله: ((ولا يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها)): وهذا هو المعول عليه، جرى لها مجرى العبادات المنوطة بأوقات معينة، فلا يجوز تقديمها عليها، ولا خلاف في المذهب أنه إن أخرجها قبل الحول بالزمان الكثير أنه لا تجزئه، وهل يجوز تقديمها بالزمان اليسير أم لا؟ فيه قولان مبنيان على أن ما قارب الشيء هل له حكمه أم لا؟ وتغليب حكم العبادات تقتضي المنع، وملاحظة معنى الإباحة تقتضي الجواز واختلفوا في حد اليسير على أربعة أقوال، فقيل: اليومين والثلاثة، وثيل: نصف الشهر، وقيل: خمسة أيام وقيل: الشهر ونحوه.

قال القاضي رحمه الله: ((والفوائد نوعان)) إلى آخر الفصل.

ص: 441

ظاهر كلام القاضي أن الفائدة تطلق على الأرباح وأولاد الماشية ونحو ذلك مما كان أصله مملوكًا، وعلى ما لم يتقدم عليه ملك، وذلك كالميراث والهبة وغير ذلك، والمعول من اصطلاح أصحابنا أن الفائدة هي: كل ما لم يتقدم ملك على أصله وعلى هذا لا يسمى الربح فائدة والخلاف في ربح المال في ثلاثة مسائل:

الأولى: هل يضم إلى الأصل أم لا؟ وتحصيل القول فيه أنه إذا اشترى سلعة فربح فيها فلا يجوز أن يكون الأصل ملكًا (له) أو لغيره، فإن كان ملكًا له فلا يخلو أن يكون الربح قبل النقد أو بعده، فإن اشترى ونقد الثمن، ثم باع فربحه مضموم إلى رأس المال فلا خلاف في هذه الصورة، فإن ربح قبل أن ينقد ففي هذه الصورة قولان، فالمشهور أن الربح فيها مضمون إلى الأصل، فتزكى على حول الأصل، وهي رواية ابن القاسم عن مالك، وروى أشهب عن مالك أن يتأنف بالربح حولًا، وهل يضاف إلى المال يوم ملك المال، أو يوم التحريك، أو يوم الحصول فيه ثلاثة أقوال في المذهب.

وفائدة هذا الخلاف يظهر فيما إذا كانت عنده عشرة دنانير حال عليها الحول فأنفق منها خمسة، ثم اشترى بالخمسة سلعة فباعها بخمسة عشر، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: وجوب الزكاة مطلقًا، وسواء اشترى قبل الإنفاق، أو بعده، بناء على أن الربح مضاف إلى الأصل يوم ملك الأصل، وثانيهما: إسقاط الزكاة مطلقًا لنقصان النصاب بالاتفاق. والقول الثالث:

ص: 442

أنه إن كان الإنفاق بعد الشراء وجبت الزكاة لاستكمال النصاب بالتحريك، وإن كان الإنفاق قبل الشراء سقطت الزكاة لنقصان النصاب.

المسألة الثانية: إذا كان الأصل لغيره مقل: أن يستلف عشرين دينارًا فيبيع بأربعين فقيل: يستقبل بالربح حولًا، ولا يضمه، لأن الأصل ليس له، وقيل: يبني على حول الأصل، وكذلك إذا اشترى بدين فريح فقيل: يضاف الربح إلى الأصل يوم ملك الأصل، وقيل: يوم الشراء، وقيل: يستقبل الحول، والثلاثة الأقوال في المذهب.

المسألة الثالثة: إذا اشترى سلعة بثمن استقرض نصفه فباع فربح هل يقضي الربح، فيزكي منه ما يقابل المنقود من ماله أو يزكي جميعه (فيه) قولان: فقال مطرف: لم يختلف قول مالك في زكاة الربح كله، وروى ابن نافع عن مالك أنه يزكي ربح ما دفع من ماله.

قوله: ((وما سوى النماء كالميراث والهبة لا يضم إلى النصاب)): وهذا كما ذكره، وهي المسماة حقيقة فائدة، ولا خلاف أن يستقبل بها حولًا لقوله عليه السلام:(لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). وهو الواجب في الأرباح لولا شبهها بولادة الماشية من حيث إن النماء من جنس المال متولد عنه، فكان حكمه. ثم تكلم على الفوائد المختلفة الأحوال، وتحصيل القول فيها: إذا أفاد مالين في وقتين أنه لا يخلو من أربعة أقسام:

الأول: أن يكون في كل واحد منهما نصاب، أو يكون معًا دون

ص: 443

نصاب، وفي مجموعهما النصاب، أو يكون الاول دون النصاب، والثاني نصابًا، أو الأول نصابًا والثاني دون النصاب.

فإن كان كل واحد منهما نصابًا مثل: أن يستفيد عشرين، ثم يستفيد بعدها بستة أشهر عشرين أخرى، فإنه يزكي كل واحد منهما بحولها، (ويعتبرها) بنفسها، فإن كانت الفائدة الأولى دون النصاب، والثانية نصاب ضم الأولى إلى الثانية، وكان الحول من يوم الفائدة الثانية بلا خلاف، فإن كان الأولى نصابًا، والثاني دون النصاب فإنه يزكي الأولى بحولها ولا يضمها ولا يضم إليها. واختلف المذهب في مسائل هذا الباب.

المسألة الأولى: زكاة الوديعة، وفي المذهب فيها قولان، فقيل: تزكي لكل عام وهو اختيار الشيخ أبي القاسم، وروى ابن نافع أنها تزكى لعام واحد.

(المسألة) الثانية: المال الملتقط إذا (أداه) الملتقط إلى صاحبه هل يستقبل به صاحبه حولًا، أو يزكيه لعام واحد، أو لكل عام، فيه ثلاثة أقوال في المذهب، وكذلك اختلفوا في المال يدفنه صاحبه ثم يجده بعد أعوام فقيل: يزكيه لما مضى من السنين، لأنه مفرط، وقيل: يزكيه لعام واحد تشبيهًا بالدين، وقيل: عكسه إذا دفنه في موضع محفوظ فهو قادر على استخراجه بالهدم والبحث. واختلفوا في المال المغصوب، فقيل: يزكيه لما مضى، وقيل: لعام واحد وقيل: لا يزكيه حتى يحول عليه الحول من يوم رجوعه إلى يديه، لأنه غير قادر على قبضه.

ص: 444

المسألة الثالثة: اختلفوا في المال الموروث إذا قبضه وكيل الوارث وحبسه عنده بغير أمر الوارث، فقيل: يزكيه لكل عام من يوم قبضه، لأن يده كيد الموكل، وفيه يزكيه لعام واحد وإن أقام في يد الوكيل أعوامًا كثيرة تشبيهًا بالدين، ولو أوقفه الحاكم لمستحقه كان قبضه عنده كقبض مستحقه على أحد القولين عندنا، وقيل: لا يكون كذلك.

قوله: ((وإذا وجبت الزكاة فلم يخرجها حتى تلف المال لم يضمن)): قلت: ضياع مال الزكاة على نوعين:

أحدهما: أن يضيع قبل زمان الوجوب، وهذا لا خلاف في سقوط الزكاة فيه، إلا أن يبقى ما تجب الزكاة فيه فتعتبر بنفسه.

والثاني: أن يضيع بعد زمان الوجوب، فإما أن يقع التلف في قدر الزكاة خاصة، أو في جميع المال، فإن تلف جميع المال بعد وجوب الزكاة فيه، فإما أن يكون بتفريط، أو بغير تفريط، فإن فرط في ذلك بتأخير إخراجها مع الإمكان فهو ضامن. وإلا فلا ضمان عليه وكذلك لو عزل زكاته حتى يفرقها فهلكت بأمر من الله سبحانه بغير تفريط فلا ضمان عليه، هذا هو أصل المذهب، والقول الشاذ أنه يضمن بالتأخير بعد إمكان الأداء من غير تفصيل. ومبنى هذا الخلاف على أصلين:

الأول: هل إمكان الأداء شرط في الوجوب أم لا؟.

الثاني: هل الفقراء شركاء الأغنياء في عين المال أم لا؟.

قوله: ((والدين مسقط للزكاة على قدر ما يقابله من العين)) إلى آخره. وهذا كما ذكره وهو أصل مذهب مالك رحمه الله. وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أن الدين مسقط للزكاة مطلقًا، والثاني: أنه لا يسقطها مطلقًا،

ص: 445

والثالث: هو قول مالك رحمه الله فيسقط زكاة العين دون زكاة الحرث والمعدن والحاشية، والدليل لها من طريق النص والمعنى. أما النص فما روى نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان للرجل ألف درهم [وعليه ألف درهم] فلا زكاة عليه) وقال عليه السلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) والمديان (ليس بغني) لأن رب الدين قادر على انتزاع ماله من يده شرعًا، وصح أن عثمان بن عفان رضي الله عنه[كان] يأمر بأداء الديون عند الحول، لم ينظر هل بقي بعد أدائه ما تجب فيه الزكاة وذلك بمحضر الصحابة وأما المعنى فقد اعتبر فيها أصحابنا وجوهًا:

ص: 446

الأول: الدين مرتب عن عوض، والزكاة عن غير عوض فكان ما رتّب عن عوض أولى، وقابله آخرون بأنه إذا تقابل حقان: حق الله، وحق الآدمي، فترجيح حق الله أولى.

الوجه الثاني: أنه لما قدم الدين على الوصية والميراث، وجب تقديمه على الزكاة لاشتراكهما في اللزوم، ومقتضى هذه الأدلة التسوية بين العين وغيرها من الحبوب والمواشي، إلا أن المشهور التفريق بينهما.

واختلف الأشياخ في تعليل الفرق على المشهور، لأن العين خفي، والحبوب والمواشي على خلاف ذلك، فلو أسقط الدين زكاة الحرث والماشية مع ظهور الأمن في ذلك لتطرقت التهمة لأرباب المال أن يظهروا الديون لإسقاط حقوق الزكاة، وقال بعضهم: العمدة في ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا (يفتون) المال على الزكاة من غير تنبيه على اعتبار الديون.

واختلف المذهب في مسائل تتعلق بذلك:

المسألة الأولى: اختلفوا في جنس الديون المسقطة للزكاة، والقول الكلي فيه: إن كان ما ثبت في الذمة عن عوض، فهو مسقط للزكاة، فأما ما سواه ففيه تفصيل ونظر، من ذلك دين الزكاة، إذا فرط فيها، وفيها قولان في المذهب، ففي المدونة: إن دين الزكاة مسقط للزكاة، وقيل: لا يسقطها، فمن لحقه بسائر الديون أسقط الزكاة به لاشتراكهما في الوجوب،

ص: 447

والمعنى من رأى أنه يخرج بعد الموت من الثلث ضعف درجته عن درجة الديون الثابتة عن عوض.

المسألة الثالثة: اختلفوا في مهور النساء ونفقة الأقارب، هل هي من جملة الديون المسقطة للزكاة أم لا؟ وفيه قولان في المذهب. والمشهور أن المهور غير مسقطة اعتبارًا بالعادة من حيث إنها لا تطلب غالبًا إلا وقت المشاحنة والقول الثاني كسائر اليون لثبوتها في الذمة عن عوض وكذلك اختلفوا في نفقة الأقارب كالأبناء والآباء، وفيه ثلاثة أقوال في المذهب:

الأول: إنها مسقطة، والثاني: إنها لا تسقط، لأنها من باب المواساة. الثالث: إن قضى بها فوجبت سقطت الزكاة وإلا فلا. وفيه قول رابع: أن نفقة الأبناء تسقط مطلقًا، قضى بها أم لا؟ ونفقة الآباء لا تسقط إلا أن يقضي بها الحاكم، لأن نفقة الأبناء واجبة بالأصل، ونفقة الآباء بخلاف ذلك.

قوله: ((إلا أن تكون هنا عروض تباع فتجعل بإزائه)): وهذا هو المشهور كما ذكرناه، وهو عام في كل الديون، فتجعل في العروض على الأشهر، وقد قيل: إن دين الزكاة لا يجعل في العروض، والأول أصح وأحوط للفقراء، وقال ابن عبد الحكم: لا تجعل الديون إلا في العين. وإذا قلنا: إن الديون تجعل في العروض، هل في عروض القنية والتجارة، أو في عروض التجارة خاصة ففيه قولان، فقيل: تجعل في جميعها، وهو المشهور لأنه تباع عليه فيه، وقيل: لا تجعل إلا في عروض التجارة فقط. والصحيح أن تجعل في كل ما يباع عليه، ولا تجعل فيما ستره، واختلف في

ص: 448

خاتمه. قال أشهب: لا يجعل دينه فيه، وكذلك اختلفوا في ثياب جمعته هل يجعل دينه فيه أم لا؟ بناء على الاختلاف هل تباع عليه في دينه أم لا؟

قال القاضي رحمه الله: ((وأما زكاة القيمة فهي (في كل) عرض ابتيع)) إلى آخر الفصل.

شرح: اختلف العلماء في العروض هل تجب فيها الزكاة أم لا؟ وفي مذهب مالك أنها واجبة فيما كان منها للتجارة دون ما يراد للقنية، والدليل على صحته قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة) وإذا بنينا على مذهب مالك بما تخلص من العروض لأحد أمرين القنية أو التجارة، فحكمه ظاهر، فتسقط زكاة المخلص للقنية، وتجب الزكاة في المخلص للتجارة، وفي المشتري للتجارة والقنية قولان، كممن اشترى جارية للوطء والتجارة معًا فقيل: يغلب باب التجارة ترجيحًا لحق الله عز وجل، وقيل: تلحق بعروض القنية، ومبناه على اجتماع موجب ومسقط، فيقع النظر أيهما يغلب، فكذلك اختلفوا إذا اشتراه للغلة، فقيل: يزكي ثمنه ساعة يبيعه والمشهور أنه يستقبل بثمنه الحول لأنه من باب الفوائد.

قوله: ((فما ابتيع من ذلك بنية القنية أو بغير نية التجارة فلا شيء فيه ولا في ثمنه)): وهذا كما ذكره لما تخلص فيه النية للقنية فحكمه ما ذكره لما ذكرناه من الحجة، وأما ما عرى عن النية حين الشراء فمحمول على أصل العروض، وهو القنية، فلذلك سقطت الزكاة، كما لو نوى به القنية.

قوله: ((وإذا بيع (ثمنه) زكى لسنة واحدة)): وهذا كما ذكره، لأن

ص: 449

ذلك وقت نضوض المال الذي تعلقت بعينه. واختلف فيما اشترى من العروض للقنية فنوى به التجارة، والمشهور أنها لا تنقل إلى فرعها، إلا بالنية والعمل، وينتقل إلى أصلها بالنية فقط، وهذا كما ذكرناه.

قال القاضي رحمه الله: ((والديون على ثلاثة أضرب)) إلى آخره.

شرح: قال الإمام: الدين كل ما خرج عن يد المالك إلى ذمة فاستقر فيها. ثم هو بعد ذلك على ضربين: فيه ما يثبت في الذمة على ألا زكاة فيه البتة، ثم لا يخلو مالكه أن يكون مديرًا أو غير مدير، فإن كان مديرًا فسنذكره بعده. وإن كان غير مدير فقبضه بعد حول فأكثر لسنة واحدة إذا كان عن أصل يتعلق الزكاة به.

واختلف المذهب في أصل وهو: هل الزكاة واجبة في الدين قبل قبضه، وإنما لم يخاطب بتعجيلها خيفة ألا يقبضها، أو هو كعرض التجارة لا تجب الزكاة ولا تتعلق به إلا بعد قبضه كما لا تجب في عرض التجارة إلا بعد بيعها وقبض ثمنها، وفي هذا الأصل قولان في المذهب وثمرة هذا الخلاف تظهر في مسائل:

المسألة الأولى: إذا قبضه متفرقًا فقد قبض عشرة لا يملك غيرها، وقبض بعد ذلك عشرة أخرى هل يكون حولها من يوم وقت قبض الأخيرة أو يجعل حول كل واحد من يوم قبضها فيه قولان مبنيان على الاختلاف في الأصل المذكور.

والثانية: إذا قبض عشرة فضاعت، ثم قبض أخرى هل تجب عليه الزكاة فيها بناء على اعتبار كل واحد بحولها، أو لا تجب بناء على أن المعتبر حول

ص: 450

الثانية، فيه قولان في المذهب، وقد قال سحنون: إن ضاعت بسببه فعليه الزكاة، وإن ضاعت بأمر من الله سبحانه فلا زكاة عليه، وهو جار على ضياع مال الزكاة، وقيل: يزكي الثانية بحصتها ولا زكاة عليه في (الثالثة) وله وجه.

وله اقتضى عشرة فأنفقها، ثم اقتضى عشرة بعد ذلك وجبت الزكاة فيهما بلا خلاف لأنه نصاب واحد جمعه (المالك) في الحول، أنفق بعضه مختارًا، وإن كان الدين ثابتًا في الذمة عن أصل لا تتعلق الزكاة به مثل أن يكون ثمن سلعة قنية المراد بها التجارة، فلا يخلو أن تباع بدين أو بنقد. فإن بيعت بثمن نقدًا فحول ثمنه من يوم قبضها. وإن بيعت بثمن إلى أجل فاختلف المذهب متى يكون حولها على قولين: أحدهما: أن الحول من يوم قبضها، وهو المشهور كسائر الديون. والثاني: أن الحول من يوم البيع، لأن زيادة الأجل يوجب الزكاة في الثمن، فهو من نوع التجارة سيما إذا تبينت الزكاة فصار بمنزلة ما لو باعها بنقد، ثم اشترى بالثمن بعد قبضه، فالزكاة واجبة عليه بالقبض. وإن قبض الدين متفرقًا، فلا يخلو أن يكون قبض أولًا نصابًا فما فوقه، أو أقل من ذلك.

فإن اقتضى أولًا نصابًا بنى عليه، وزكى ما اقتضى بعده من قليل أو كثير، وإن اقتضى أقل من نصاب، فلا زكاة عليه، إلا أن يكون عنده مال غيره قد حال عليه الحول، فيزكي حينئذ ما اقتضاه (من قليل)، أو كثير، ويضم ما قبض منه إلى ما عنده من مال غيره.

واختلف المذهب في فروع من هذا النمط:

الأولى: لو اقتضى من دينه عشرين دينارًا فزكاها، ثم اقتضى بعدها عشرة فزكاها فهل يبقى حول كل واحد على يوم زكاها، وأن يكون حول

ص: 451

الجميع من الثانية، فيه قولان، فقال ابن مسلمة: يكون الحول فيهما بعد حول الثانية، والمشهور كل واحدة على حولها، إذ هو الأصل. فلو اقتضى عشرة، ثم عشرة. فقال ابن القاسم: يكون حول الأولى يوم اقتضى ثانية، وحول الثانية يوم اقتضيت. وقال أشهب: حول كل واحدة يوم اقتضيت. قال ابن مسلمة: حول الجميع يوم اقتضيت (الثانية) ولو اختلطت أحوال الاقتضاء، فالمعول عليه أنه يضيف الأخرى منها إلى الأول تغليبًا لحق الفقراء ومراعاة لاختلاف العلماء، لأن أكثرهم يوجبون الزكاة في الدين وإن لم يقبض. والضمير في قوله:((وابتياعه)) عائد على الدين، وصورة ذلك أن يشتري دينًا بعرض قنية، فيستقبل الحول بالدين بعد قبضه.

قوله: ((أو (يكون معدنًا))): يريد لأن الحول لا يشترط في المعادن، فإذا اقتضى من دينه دون النصاب، وكان عنده ما يكمل النصاب به من مال حال عليه الحول أو من المعدن الذي لا حول فيه، كمل النصاب بذلك، وزكاه، ثم بنى عليه فزكى بعد ذلك ما يقتضيه من قليل أو كثير، وكان النصاب أصلًا يبنى عليه.

قال القاضي رحمه الله: (((والمدير) ضربان: عارف بحول (ماله))) وقد ذكرناه حكمه.

شرح: التجار على قسمين: محتكر ومدير، فالمحتكر لا زكاة عليه حتى يبيع، والمدير قسمان: مدير لا يبيع بالعين، ومدير يبيع بالعين والعروض معًا، ففي المدبر الذي لا يبيع بالعين البتة، قولان: أحدهما: أن حكمه حكم

ص: 452

المحتكر فلا زيادة عليه حتى يبيع بالعين، والثاني: أنه يقوم كما يقوم المدير، وأما المدير الذي يبيع بالعين والعروض معًا فحكمه التقويم، ويجعل لنفسه من السنة شهرًا فيقوم عروضه كلها المرادة للتجارة. واختلف الأشياخ في علة ذلك، فقيل: لأن حوله غير محصل ولا مظنون، وقيل: لأنه كما كثرت إدارة العروض في يده صارت بمنزلة العين.

واختلف المذهب في الآلات التي انقطعت لعمله كانوا له، وزبرة الجداد ونحو ذلك، هل يقومه أولًا، بل يجعل عروض القنية، وكذلك اختلف المذهب فيما استغله أيضًا من الثمار والحب.

وتحصيل القول فيه: أن ما استغله من ذلك إن كان مما يجتمع في زرعه وثمره نصاب زكاة الحبوب لم يقومه، إذا لا تجمع في زكاة عين، وزكاة قيمة، وأما ما لا تجب فيه الزكاة من ذلك، اختلف هل يقومه مع جملة عروضه أن لا؟ وفيه قولان في المذهب المشهور تقديم ذلك: إن كان مرادًا للتجار لا للاستغلال، وإن كان مرادًا لتفكه فلا يقوم البتة، إذ هو كالأغذية.

وأما المرجو من ديونه الحالة فلا يخلو أن يكون من بيع أو سلف، فإن كانت من بيع، فقولان: المشهور احتسابها، لأنه من جملة النماء الذي هو علة في وجوب الزكاة في محلها المخصص، والشاذ أنه لا يحتسب ديونه لاحتمال التلف، وهو جار على مراعاة الطوارئ، وإن كانت من قرض فهل يحسبها أم لا؟، فيه قولان، المشهور أنه يحسبها كالوديعة وغيرها من مال المملوك الذي لا مقابل له، والشاذ أنه لا يحسبها بناء على ما ذكرناه.

واختلف المذهب في فروع تتعلق بذلك:

الأول: إذا قلنا: إنه لا يقوم إلا أن ينض له شيء من العين، فاختلف في قدره على قولين: المشهور أنه إذا نض له درهم واحد قوم، إذ به يحصل له اسم العين. القول الثاني: لا يقوم حتى ينض له مقدار نصاب الزكاة فما فوقة وهو أصح في النظر لأن ما دونه من العين لا تجب فيه الزكاة.

ص: 453

الفرع الثاني: إذ اعتبرنا حصول العين فهل يراعى حصوله في أي وقت كان أو في آخر الحول، لأنه وقت إخراج الزكاة، فيه قولان.

الفرع الثالث: إذا قلنا: إن من يبيع العرض بالعرض من غير أن يتخلل بيعه عين، له حكم المدير فهل يخرج عرضًا بقيمته، أو يلزمه أن يخرج عينًا، فيه قولان، ولعله مبني على الاختلاف في جواز إخراج القيمة عن الزكاة.

الفرع الرابع: إذا بارت عروض المدير فهل يعطى حكم المحتكر أو حكم المدير فيه قولان في المذهب، وفصل اللخمي فقال: إن بار جميع عروضه، أو أكثره فله حكم المحتكر بلا خلاف، وإن بار أقلها فهو محل الخلاف، وأجرى غيره فيه الخلاف مطلقًا.

الفرع الخامس: اختلف الأشياخ في مدة البوار، فقيل: العامات فأكثر، وقيل: يحمل على العادة.

الفرع السادس: إذا كان بعض عروضه بائرًا، وبعضها غير بائر، فإن تساوت أعطى كل واحد حكم نفسه وإن كان أحدهما تبعًا فثلاثة أقوال: أحدها: أن يعطى كل واحد حكم نفسه، الثاني: أن الأقل تبع للأكثر والثالث: التفصيل، فإن كان البائع هو المبار روعيت القيمة وعكسه تغليبًا لحق الفقراء.

الفرع السابع: هل يقوم المدير من دينه ما كان طعامًا من بيع أو لا؟ فيه قولان، فقيل: يقوم ذلك، وقيل: لا يقوم، لأن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز.

ص: 454

قال القاضي رحمه الله: ((وتجب الزكاة في معادن الذهب)).

شرح: الأصل في وجوب زكاة المعدن قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أوراق من الفضة الزكاة) الحديث، فدخل في ذلك المعدن وغيره، وفيه دليل على اشتراط النصاب فيه، وإنما لم يشترط فيه الحول قياسًا على الزرع والحبوب. ومن العلماء من اشترط ذلك فيه. وأقاويل العلماء فيه ثلاثة، فاشتراط الشافعي في المعدن الحول والنصاب، ولم يشترطها أبو حنيفة فرآى أنه يخمس. واشترط مالك النصاب دون الحول.

قوله: ((ويبنى فيها (على) ما خرج من النيل الواحد)): تحصيل القول في هذه المسألة أن النيلين إما أن يكونا في معدن أو في معدنين، فإن كانا في معدنين قال ابن مسلمة وغيره: يضم النيل الثاني إلى الأول إذا اتصلا، فإن بلغا النصاب زكاها وإلا فلا زكاة عليه، وقال سحنون: لا يضم وإن كان في معدن واحد، واتصل أحد النيلين بالآخر أيضًا. وجب ضم

ص: 455

أحدهما إلى الآخر. واختلف المذهب في النذرة على ثلاثة أقوال: المشهور فيها الخمس وهو مذهب المدونة. وفي كتاب ابن سحنون تزكى، وقيل: إن كثرت ففيه الخمس، وإن قلت ففيه الزكاة. وحكى بعض المتأخرين من شيوخ عصرنا عن المذهب أنها إن احتاجت إلى تصفية زكيت، وإن لم تحتج إليها خمست وهذا فيه نظر لأنها إذا احتاجت إلى التصفية فليست بندرة.

قوله: ((ولا زكاة في الركاز)): والركاز في اللغة هو من قولهم: ((ركزت الخشبة في الأرض إذا أثبتها))، كما أن المعدن مركز بالمكان الذي فيه. واختلف المذهب في حقيقة الركاز بناء على اختلاف أهل اللغة فيه. قال الخليل الركاز: اسم لما يوضع في الأرض، وإنما هو فيها من أصل خلقتها، وقال بعضهم: هو (مال دفنه دافن) وأما ما خلقه الله فيها من الذهب والفضة يوم خلق الله السماوات والأرض فهو معدن وليس بركاز، وقيل: دفن الجاهلية فقط. وفي المذهب ثلاثة أقوال، فقيل: كل ما دفنه

ص: 456

دافن في الأرض أي دافن كان، وقيل: إنه مختص بالذهب والفضة من دفن الجاهلية، وقيل: إنه مختص بدفن الجاهلية فقط عينًا كان أو عرضًا.

واختلف المذهب فيه في مسائل:

الأولى: إذا وجده من لا تجب عليه الزكاة كالكافر هل يخمس أم لا، بناء على أنه من باب الزكاة، أو من باب الأحكام المالية.

الثانية: هل يشترط فيه النصاب أو يزكى قليله وكثيره على ما ذكره.

الثالثة: ما يوجد من ذلك عرضًا هل يخمس أم لا؟ وفيه قولان في المذهب.

ص: 457