الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العمل في الصلاة
قال القاضي رحمه الله: ((الصلاة مشتملة على فروض وسنن وفضائل)).
شرح: ذكر القاضي في هذا الباب جملة كلية، وحصر في ذلك ضابط المذهب، وتبين مقصوده بالاتصال والانفصال حيث قال:((ونريد بالانفصال جواز تقديم فعلها، وأنها مكتفية بنفسها، وذلك يتم في الطهارة)) يعني (أن) كل واحد منهما مطلوب لغير الصلاة. وأما الطهارة فتطلب لمس المصحف وغير ذلك، وأما ستر العورة فمطلوب على أعين الخلق، ولا تزيده الصلاة فريضة. ثم قسم الفروض إلى قسمين مطلق ومقيد، فالأول كالطهارة، وقد أجمع العلماء على أنها واجبة للصلاة. قال تعالى:{ياأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغتسلوا} الآية، وثبت عنه عليه السلام أنه قال:(لا يقبل الله صلاة بغير طهور). وقد انعقد الإجماع على وجوبها، لكن اختلفوا هل هي شرط في الوجوب أو في الأداء، على ذلك نشأ الخلاف في حكم من فقد الماء والصعيد، وفي المذهب فيه خلاف أشار إليه القاضي، تحصيله هل تجب عليه الصلاة أولاً فيه قولان: أحدهما: ليست بواجبة، لأن وجوبها موقوف على شرط متعذر بتعذر الوجوب. الثاني: أنها واجبة بناء على أن الوجوب محقق بشرط وجوب العقل، والطهارة المشترطة في الأداء، وإن تعذرت، فلم يتعذر الإيماء إليها. وإذا قلنا إنه يومئ إلى الماء أو إلى التراب فيه قولان أحدهما: إنه إلى الماء إيجابًا، لأنه الأصل. الثاني: أن له الإيماء إلى الماء، وإلى الصعيد، إذ هو بعدم الماء من أهل الإباحة، وإذ قلنا: إنه يصلي فهل يعيد إذا وجد الماء أو الصعيد أم لا؟ فيه قولان: في المذهب: أحدهما:
الإعادة إيجابًا، لأن الفعل الأول غير واقع بشرطه. الثاني: إسقاط الإعادة، لأنه فعل أولاً جهد مقدوره، وإذا قلنا إنه لا يصلي فهل يقضي أم لا؟ فيه قولان: إيجاب القضاء ونفيه، والصحيح أن الإيماء بعد ذهاب الوقت مفتقر إلى دليل.
قوله: ((والنية فرض مطلق)): وهذا كما ذكره، ويكتفي من النية اعتقاد التقرب، وقال الجوهري يلزمه أن يستحضر عند تكبيرة الإحرام دلائل التوحيد، وأصل العقائد، وهو سبيل إلزام في حق آنس بالبرهان.
قوله: ((ولا تصح الصلاة مع تركها على وجه)): تحقيق معنى الفريضة، لكن اختلفوا هل يفتقر كل جزء من أجزائها، وعدد من اعداد ركعاتها إلى نية، أو تستحب النية في جميع أركانها، وفيه قولان في المذهب.
قوله: ((وأما إزالة النجاسة فاختلف هل هي من شرط الصحة أو ليس من شرطها)):
قلت: اختلف العلماء في حكم إزالة النجاسة بعد اتفاقهم على أنها مطلوبة شرعًا، فقال الشافعي وأبو حنيفة: إزالة النجاسة من الثوب والجسد والبقعة واجبة للصلاة على الإطلاق، وقال قوم: إنها ليست بواجبة، واضطراب المذهب في ذلك، فروى ابن وهب عن مالك أنها فرض على الإطلاق، ومن صلى بها أعاد أبدًا على كل حال، وقال قوم من أهل العلم
سنة على الإطلاق وهي رواية أشهب عن مالك، زمن صلى بها عامدًا أو ناسيًا أعاد في الوقت (وروى ابن القاسم عن مالك أن إزالتها واجبة مع الذكر ساقط مع النسيان فمن صلى بها عامدًا أعاد في الوقت) وبعده، ومن صلى بها ناسيًا أعاد في الوقت فقط وهو المشهور في المذهب وذكر القاضي أبو محمد في شرح الرسالة أن المذهب كله متفق على أنها فرض، وإنما الخلاف في الإعادة هل هي شرط في صحة الصلاة أم لا؟ واحتج القائلون بالوجوب مطلقًا بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:{وثيابك فطهر} الأصل بقاؤه على ظاهره، أما السنة فحديث [القبرين] وفيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما كان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله) الحديث، وانفصل الأولون عن الاحتجاج بالآية بأن المراد بالثياب القلب، والمراد خطاب الأمة، فتوجه إلى النبي عليه السلام، والمعنى أمته، وإنما رجحوه وإن كان مجازًا من حيث إن هذه السورة أول ما أنزل من القرآن ولم تجب الصلاة حينئذ، وإذا لم يكن المشروط مفروضًا فكيف يتوجه فرضية الشرط، وفيه نظر وأما حديث القبرين فأسقطوا الاحتجاج به بناء على اختلاف رواياته، لأن بعضها (فكان لا يستبرئ من بوله) وكان في بعضها (((لا يستبرئ))) ولا تقوم الحجة
بالمحتمل، وإنما من أسقط الوجوب حمل الأمر على وجه الندب، وتبقى الثياب على ظاهرها، وأثبت الندبية بصيغة الطلب الذي مقتضاها ترجيح المطلق معتمدًا على حديث (سلا جزور) روى أن المشركين وضعوه على ظهر النبي عليه السلام فلم يقطع صلاته ولم يعد، والغالب أنه لا بنفك من دم، وأما ابن القاسم فاعتمد على حديث على حديث النعلين، (وأنه عليه السلام خلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم فسألهم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: أخبرني جبريل أنه فيها قذرًا) الحديث خرجه أبو داود وغيره.
قوله: ((فأما ما كان على الثوب فلا يتوجه عليه فرض إلا في ترك محله)): يعني الثوب الحامل للنجاسة.
قوله: ((إن اختار المحل)): يعني إن اختار المصلي الثوب الحامل للنجاسة، فيجب عليه غسلها منه، ثم يصلي فيه بعد، وذلك عندما يكون واجدًا لغيره من الثياب، فهل له أن يتركه جملة، وينتقل عنه إلى غيره من الثياب الطاهرة.
قوله: ((أو وجب)): يعني إذا لم يجد ساترًا لعورته فيتعين عليه غسله، ثم الصلاة فيه، إذ لا تجوز الصلاة عريانًا مع القدرة على السترة.
قوله: ((وحكم ستر العورة حكم إزالة النجاسة، إلا أنه لا يتصور فيه الترك)): يعني أنه قادر على رفض الثوب النجس، وليس بقادر على رفع حكم العورة فلا يتصور فيها المحل إلا فعل السترة لا ترك على حكم المستور، بخلاف إزالة النجاسة من الثوب، فإنه يتصور فيه رفض الثوب مطلقًا، أو فعل الإزالة منه، وسيجئ الكلام في تفصيل العورة المأمور بسترها إن شاء الله.
قال القاضي رحمه الله: ((وأما استقبال القبلة ففرض)) إلى قوله: ((والواجب من التسليم)).
شرح: الأصل في استقبال القبلة قوله تعالى {قد نرى تقلب وجهك في
السماء} [البقرة: 144] الآية وسبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الكعبة، ثم لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس بضعة عشر شهرًا، ثم حولت القبلة إلى الكعبة فقال قريش: قد حار محمد في أمره فأنزل الله هذه الآية.
وأما السنة فقد ثبت أنه عليه السلام (قال): (ما بين المشرق والمغرب قبلة) إذ لا يستقبل نحو البيت وقال عليه السلام: (من استقبل قبلتنا وأكل دبيحتنا فذلك المسلم) وأجمعت الأمة على أن التوجه نحو البيت فرض على المصلين مع القدرة.
قوله: ((وهو في (حال) المسايفة)): تنبيهًا على حال الضرورة، ومن المعلوم إن حال محل الضرورة فيسقط فيه المعجوز عنه من استقبال القبلة، والركوع والسجود وغير ذلك. وفرق القاضي بين المعاين والغائب عن القبلة، أما المعاين فالفرض عليه عين القبلة، وأما الغائب فهل الواجب عليه عين
القبلة أم يجتهد، اختلف العلماء فيه، وفي المذهب فيه قولان، وكذلك اختلفوا هل الفرض على الغائب الاجتهاد والإصابة وفيها أيضًا قولان، وعليهما ينشأ الخلاف في وجوب الإعادة على من صلى إلى غير القبلة.
قوله: ((وكذلك المتنفل على دابته في سفر القصر)): معناه أن المتنفل إلى غير القبلة جائز لأن النبي يفعل ذلك. واختلف المذهب هل يجوز ذلك في كل سفر أو في السفر تقصر فيه الصلاة فقط فيه قولان في المذهب.
قوله: ((وإذا اجتهد مع القدرة فصلى ثم بان له غلطه فالإجزاء حاصل)): تحصيل القول في المصلى إلى غير القبلة أنه إما أن يفعل ذلك عامدًا أو مجتهدًا أو ناسيًا أو جاهلاً، فالعامد يعيد أبدًا. واختلف المذهب في الجاهل هل حكمه حكم العامد أو حكم الناسي أم لا؟ فيه قولان أحدهما: أنه يعيد أبدًا، وهو المشهور من المذهب. والثاني: أنه يعيد في الوقت، لأن النسيان غير مؤاخذ به في الشريعة. وإن فعل ذلك مجتهدًا، ثم تبين له الغلط فلا يخلو أن يرجع إلى يقين أو إلى ظن فإن رجع إلى يقين ففي المذهب قولان: أحدهما الإعادة أبدًا، وهو قول أصبغ. والثاني: الإعادة في الوقت، ومبناهما على الخلاف في تصويب المجتهد، وظاهر الكتاب الإعادة في الوقت فقط، وإن رجع إلى ظن ففي افعادة في الوقت قولان أحدهما أنه يصلي إلى الجهات الأربع. الثاني: أنه يتحرى ويجتهد ويصلي إلى الجهة الواحدة لا غير، وعلى هذا تتخرج مسألة الأواني المختلطة.
قوله: ((فأما أركان الصلاة التي هي منها فتسعة)): وهذا كما ذكره، وقد ضبط ابن أبي زيد وغيره أحكام الصلاة فقال:((أفعالها كلها فرائض إلا ثلاثة: رفع اليدين والجلسة الأولى، والتيامن في السلام، وأقوالها كلها سنن إلا ثلاثة: تكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن والسلام)).
ثم ذكر أن النية المعتبرة هي المقارنة أو المتقدمة المستصحبة لا المتأخرة، وقد تقدم في كتاب الطهارة حكم النية تتقدم الفعل.
قوله: ((ولفظ التكبير متعين)): وهذا هو حقيقة مذهب مالك رحمه الله لقوله عليه السلام: (وتحريمها التكبير) وقصره مالك على هذا اللفظ، واشتق الشافعي من لفظ الله أكبر كل ما في معناه بشرط حروفه. وأجاز أبو حنيفة كل ما فيه تعظيم من فظ ((الله أكبر)) وغيره وقيد القاضي على مذهب إمامه.
قوله: ((وهو فاتحة الكتاب لا يجزئ غيرها في كل ركعة)): وفي هذا الكلام تنبيه على خلاف عام وخلاف مذهبي. قوله: ((لا يجزئ غيرها)): تنبيه على مذهب أبي حنيفة لأنه أجاز القراءة بما تيسر اعتمادًا على قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20]. قوله: ((في كل ركعة)) تنبيه على خلاف مذهبي، وذلك أن المذهب اختلف هل القراءة فرض في كل ركعة، أو في جل
الصلاة، أو في ركعة واحدة فقط، وعلى ذلك اختلف المذهب فيمن تركها من ركعة أو من ركعتين. وقد روى عن ابن زياد أن القراءة في الصلاة غير مشترطة اعتمادًا على قول عمر بن الخطاب حين صلى ولم يقرأ قال:(كيف كان الركوع والسجود قالوا: لا بأس به قال فلا إذًا) وقد ضعف هذا الحديث، وتأوله على أنه ترك الجهر بقراءة أم القرآن، ولم يترك القراءة. وقد روى أنه أعاد هذه الصلاة. وحكى ابن الجلاب وغيره فيمن ترك أم القرآن في ركعة (ثلاث) روايات، وذلك في حق الإمام والمنفرد دون المأموم. وقال أبو بكر من تركها في ثلاث ركعات قرأها مرارًا في الرابعة.
قوله: ((والاعتدال في الركوع والسجود واجب)): تنبيهًا على وجوب الطمأنينة وهو مذهب الجمهور اعتمادًا على حديث الأعرابي وفيه: (اركع
حتى تطمئن راكعًا).
قوله: ((ولم نعده فرضًا زائدًا على الركوع)): الضمير في ((نعده)) عائدًا على اعتدال، ومعنى الكلام أنه داخل في قسم الركوع والسجود فوجوبهما يعني عن تخصيصه بالوجوب.
قوله: ((ويسجد على جبهته وأنفه)): هو كما ذكره، والأصل فيه قوله عليه السلام:(أمرت أن أسجد على سبعة آراب) الحديث وأشار إلى جبهته وأنفه، فإن كان سجوده عليهما معًا فلا خلاف في إجازته، وإن سجد على أحدهما فقط، ففيه ثلاثة أقوال في المذهب: الأول: الإجزاء مطلقًا على أيهما سجد، والثاني: نفي الإجزاء مطلقًا بناء على أنهما مشترطان بالنص، والقول الثالث: وهو المشهور أنه إن اقتصر على الجبهة أجزأه،
وإن اقتصر على الأنف لم يجزه.
قوله: ((والاعتدال في القيام للفصل بينهما مختلف فيه)): عائد على الركعتين المتجاورتين كالسجدتين، والفصل بين الركوع والرفع منه، والإهواء إلى السجود ونحو ذلك.
قال القاضي رحمه الله: ((والواجب من التسليم مرة ولفظه متعين)) إلى قوله: ((وفضائلها سبع)).
شرح: السلام واجب لأنه محلل مما وقع التحريم له بالتكبير لقوله عليه السلام: (تحليلها التسليم)، واختلف الفقهاء هل مقتضاه (الحصر) أم لا؟ وإنما كان الواجب مرة واحدة، لأنه فاصل يقع به التحليل المقصود منه.
قوله: ((ولفظه متعين)): تنبيهًا على مذهب المخالف لأنه أجاز التحليل بكل مناقض من قول أو فعل حتى الضرطة وشنع عليه بعض الشافعية، ويرى الخروج من الصلاة بضرطة البتة. ولو أتي به منكرًا فقال:((سلام عليكم)) فهل يجزئه أم لا؟ فيه قولان بين المتأخرين، ولا يخلو
المصلي أن يكون إمامًا أو مأمومًا أو فذًا، فالفذ يقتصر على تسليمة واحدة، وفي الإمام قولان: أحدهما جواز الاقتصار على تسليمة واحدة، ولا يسلم غيرها، وقيل: يسلم تسليمتين واحدة عن يمينه حتى يرى بياض خده، وتسليمة عن يساره حتى يرى بياض خده من ههنا، وأما المأموم فلا يخلو أن يكون على يساره أحد أو لا يكون، فإن كان على يساره أحد سلم ثلاث تسليمات ينوي بها الخروج عن الصلاة يشير بها إلى يمينه، وتسليمة يرد بها على إمامه، والأول أصح، وإن لم يكن على يساره أحد سلم تسليمتين، والواجب من ذلك عندنا تسليمة التحليل، وأما تسليمة إمامه، وعلى من على يساره، فمن باب رد السلام، وفي ذلك قولان: أحدهام أنه واجب، والثاني: أنه سنة.
وقوله: (((ومن الجلوس قدر ما يعتدل ويسلم))): وفي الكلام حذف، ويريد:((ومن الجلوس قدر ما يسلم))، وحصر سنن الصلاة في اثنتي عشرة منها: قراءة السورة مع أم القرآن. وقد استقرئ من المذهب وجوبها بناء على ما وقع من بطلان الصلاة من تركها عمدًا، ولا حجة فيه لاحتمال أن يبني على الخلاف في ترك السنن عمدًا، وكذلك الجهر فيما يجهر فيه، والسر فيما يسر فيه، اختلف المذهب هل هما من سنن الصلاة أو هيئاتها فقيل: من السنن وهو المشهور، وقد قيل: إنهما من الهيئات الواجبة، ومن تركها عامدًا على هذا بطلت صلاته، فلو جهر فيما يسر فيه كان عليه السجود بعد السلام، لأن الجهر هو القول وزيادة، ولو أسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام، لأنه نقص، إلا أن يكون ذلك في الآية والآيتين فلا حكم فيه لسجود. وروى قوم من أهل العلم أن السر فيما يسر فيه والجهر فيما يجهر فيه
من واجبات الصلاة، ومن ترك ذلك عامدًا أبطل صلاته.
قوله: (((والاعتدال في الفصل بين الأركان))): عده من السنن، والصحيح عند أهل العلم أنه من الواجبات لأنه داخل في باب الطمأنينة الواجبة بمقتضى حديث الأعرابي وفيه:(ثم ارفع حتى تطمئن رافعًا) الحديث. وروى الأبهري وغيره من المذهب أن التشهدين سنتان، وفي المذهب أنهما فضيلتان، وقيل: الأول سنة، والثاني: فريضة، وكذلك الجلوس الثاني. اختلف المذهب فيه هل هو فريضة حكاهما القاضي مبنيان على المتصل بالواجب حسًا الذي يتعذر فيه الانفصال، هل يجعل متصلًا به حكمًا أم لا؟ والخلاف مشهور بين الأصوليين ذكره الغزالي في المستصفى.
وكلام القاضي يقتضي أن الجلوس الثاني مخالف لحكم الجلوس الأول وهو مشهور المذهب كما ذكرنا، ثم ذكر التشهد المختار، وقد ثبت التشهد من طرق عديدة، من طريق عمر بن الخطاب ومن عبد الله بن العباس وابن
مسعود إلا أن مالكًا اختار تشهد عمر بن الخطاب من حيث كان هو المشهور الرافع الذي علمه الناس على المنبر بحضور الصحابة والتابعين، ولم يخالف فيه أحد، وقد زاد فيه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد دعاء محفوظًا استخرجه من الآثار، والصحيح ما ثبت في الصحيح.
قوله: ((وكذلك القيام الذي يقرأ فيه الزيادة على أم القرآن مسنون غير مفروض)): وهذا أيضًا مختلف فيه كما ذكرناه في الجلوس ففي المذهب قولان: أحدهما: أن القيام جميعه فرض، والثاني: أن الفرض فيه مقدار ما يقرأ فيه أم القرآن. ومبناه على أصلين، أحدهما ما ذكرناه قبل في الجلوس، الثاني هل القيام مراد لنفسه أو للقراءة، فإن قلنا: إنه مراد لنفسه كانا واجبًا مطلقًا في حق من وجبت عليه القراءة كالإمام والفذ، وفي حق من لم تحب كالمأموم، وإن كان واجبًا للقراءة ومرادًا لها لزم أن يسقط
وجوبه عمن تسقط عنه القراءة، وهذا لا قائل له مع القدرة عليه.
قوله: ((والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)): اختلف المذهب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل هي فرض في الصلاة أم لا؟ وتحصيل القول فيه أنها فرض غير محدود بوقت، ولا مقدر بزمان لقوله تعالى:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56] أمر بالصلاة عليه، ولم يقيد بزمان، فيكتفي من ذلك المرة الواحدة من العمر.
وقد اختلف العلماء في صيغة قوله: {صلوا عليه} هل هي محمولة على الوجوب أو على الندب، فحكى الإمام أبو جعفر الطبري الإجماع على أن الأمر في الآية محمول على الندب إشارة إلى تكرير الصلاة عليه في غالب الأزمان لا إلى المرة الأولى التي لا يصح كونه مسلمًا إلا بها.
قال الخطابي: ((وليست الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بواجبة في الصلاة وهو قول جماعة من الفقهاء إلا الشافعي ولا علم فيها قدوة)). والدليل على أنها ليست من فرض الصلاة عمل السلف الصالح. قال الشافعي وإجماعهم
عليه، وقد شنع الناس هذه المسألة جدًا، وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كل من روى التشهد عن النبي صلى الله عليه وسلم كأبي هريرة، وابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، لم يذكر فيه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو الحسن القصار المشهور من أصحابنا أن ذلك واجب على الجملة ولو مرة من دهر مع القدرة على ذلك. قال القاضي أبو بكر: فرض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليمًا، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم، فالواجب أن يكثر المرء منها، ولا يغفل عنه، وحكى الطبري والطحاوي إجماع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة.
قال بعض الشافعية لا خلاف أنها ليست بغرض في غير الصلاة، وإنما الخلاف هل هي فرض الصلاة أم لا؟ فأوجبها الشافعي ورأى أن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير وقبل الصلاة فصلاته فاسدة والإعادة عليه واجبة، وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزه، والمعول عليه من مذهب أهل المدينة، وأهل الكوفة وأصحاب الرأي أن من تشهد ولم يصل على
النبي عليه السلام-فصلاته تامة وقال محمد بن المواز ومحمد بن عبد الحكم هي فرض في الصلاة كقول الشافعي، وقال إسحاق بن راهويه من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عامدًا أعاد الصلاة أبدًا وإن تركها ناسيًا فلا إعادة عليه، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا صلاة لمن لم يصل على نبيه) قال ابن القصار: معناه لا صلاة كاملة. وفي حديث ابن عمر: (كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب).
فروى الدارقطني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم يقبل منه). قال الدارقطني الصلوات إنها من قول أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: لو صليت لم أصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم.
قال القاضي رحمه الله: ((وفضائله سبع)) إلى قوله: ((والمصلون ثلاثة)).
شرح: اختلف العلماء في رفع اليدين، والجمهور على أنه مشروع، فقد أنكره بعض أهل العلم، ووقع في مختصر ابن شعبان لا يرفع عند تكبيرة الإحرام ولا غيرها. وفي المدونة: وكان رفع اليدين عن مالك ضعيفًا إشارة إلى ضعف حكمه لا إلى إنكار مشروعيته، وقد أوجبه بعض أهل العلم وروى عن ابن عمر أنه قال لكل شيء زينة، وزينة الصلاة الرفع عند التكبيرة الأولى والصحيح أنه من الفضائل.
قوله: ((إلى المنكبين)): بيان منتهى الرفع. وقد اختلفت الأحاديث في منتهاه، فقيل: إلى الصدر، وقيل: إلى الأذنين، وقيل: إلى الأذنين، وقيل: إلى المنكبين، والثلاثة أقوال في المذهب، ومبناها على اختلاف روايات الأحاديث، وقد جمع بعض المتأخرين بين الروايات المختلفة فقيل: الكوع عند الصدر وطرف الكف حذو الأذنين، وأصح الروايات حديث ابن عمر أنه جعلها حذو منكبيه،
وحديث مالك بن الحويرث وفيه: (أنه رفعهما حتى حاد بهما أذنيه).
واختلف في صفة الرفع، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يرفعهما وبطونها مما يلي الأرض وهي حال الراغب، ثم يعكس ذلك إذا أهم بالإحرام، وهي حالة الراهب وقد قال سبحانه:{ويدعوننا رغبًا ورهبًا} [الأنبياء: 90] إشارة إلى حالتي الرفع، وقد قيل: ليس في ذلك حد وذكر بعض أهل العلم أن المنافقين كانوا يأتون الصلاة تحت أباطهم أصنام، فأمر المسلمون بالرفع لتسقط الأصنام التي اتخذها المنافقون، وقيل: إنما شرع الرفع إشارة إلى رفض الدنيا، والوقوف بين يدي المولى. وإذا قلنا بأن هذا الرفع مشروع، فاختلف الفقهاء في محله، فالجمهور من المذهب أنه لا تحل له إلا عند تكبيرة فقط، لأنه الثابت الذي مضى عليه العمل، وقيل: بالرفع عند الافتتاح، وعند الرفع عند الركوع فقط، وقيل: بالرفع فيهما وعند القيام إلى الثالثة، لأن أصل الفرض كان ركعتين فكأنه ابتداء إحرام، وقيل: يرفع في ذلك، وفي الانخفاض إلى الركوع، وكل هذه الأقوال واقعة في المذهب.
قال المصنف عفا الله عنه: ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح (الصلاة) فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلها حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل
مثله، وقال: ربنا ولك الحمد ولا يفعل ذلك حين سجد ولا حين رفع رأسه من السجود) زاد في آخر: (وإذا قام من الركعتين رفع يديه) ورواه مالك بن الحويرث وقال: (حتى يحاذي بهما أذنيه) ولم يذكر السجود. خرجه مسلم، وروى وائل بن حجر قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث قال فيه: (وإذا رفع رأسه من السجود رفع يديه) فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ من صلاته).
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: ((عارض هذا الحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع بين السجدتين)) ووائل صحب النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا قلائل، ولبن عمر صحبه حتى توفي، فحديث اولى أن يؤخذ به ويتبع. وقول القاضي:((لا إلى الأذنين)) تنبيهًا على ما ذكرناه من الخلاف. وأما لإطالة القراءة فمن المستحبات.
قوله: ((والتأمين بعد أم الكتاب)): معنى التأمين هو قول المصلي: ((آمين)) وفيه لغات المد، والقصر، والتخفيف مع كل لغة والتشديد. فقد اختلف أهل العلم في معناه، فقال بعض السلف: هو كترخيص من تحت العرش لا يعلم تأويله إلا الله، وقال بعضهم: هو أربعة أحرف يخلق الله بكل حرف ملكًا يقول: اللهم اغفر لمن قال: آمين، وقيل معناه: لا تخيب رجاءنا،
وقيل: هو من أسماء الله تعالى، وقيل معناه: اللهم أمينا بخير.
وأجمع العلماء على أن الفذ والمأموم مخاطبون بها فيقولان: أمين. واختلف الفقهاء في الإمام هل يؤمن أم لا؟ وفي المذهب فيه اضطراب، فحكى بعض شيوخنا عن المذهب روايتين إحداهما أنه يؤمن مطلقًا في السر والجهر، والثاني: أنه لا يؤمن مطلقًا.
وتحصيل المذهب أنه يقولها في السر بخلاف الجهر، إذ لا يؤمن بدعائه في أم القرآن، وأما في الجهر ففيه قولان: رواية المصريين المنع، وبه قال أبو حنيفة، ورواية مطرف وابن الماجشون أنه يقولها، وبه قال الشافعي هكذا نقل القاضيان أبو الوليد بن رشد وأبو الوليد الباجي عن المذهب.
وسبب الخلاف في تأمين الإمام اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام ولا الضالين فقالوا آمين). وظاهره أن الإمام يؤمن. وقال عليه السلام: (إذا أمن الإمام فأمنوا).
واختلف العلماء في تأويله فقال بعضهم: هو على ظاهره، وتأوله بعضهم، وقال المعنى: إذا بلغ موضع التأمين، والأول: أصح لقول ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين.
قوله: ((والتسبيح في الركوع والسجود)): فضيلة عند جمهور أهل العلم، وليس له حد محدود عندنا.
قوله: ((والقنوت في (الفجر))): القنوت في اللغة هو الخضوع، والتذلل، ويراد به الدعاء والقيام وغير ذلك، وعد القاضي القنوت من الفضائل جريًا على المشهور من المذهب، وقال يحيى ليس بمشروع لنا وهو قول أبي حنيفة، لأنه عليه السلام كان يدعو على قبائل من العرب، فنزل عليه جبريل فقال له: إن الله لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا) الحديث فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت ولم يقنت حتى لقى الله. وذكر أن
مسجد يحيى بن يحيى (بقرطبة) لم يكن يقنت فيه في صلاة الصبح عملاً على هذا المذهب الذي حكيناه عنه، واستقرئ من كلام [ابن] سحنون أنه سنة حيث قال: إنه يسجد لسهوه، والمشهور أنه لا يسجد، واستقرئ من رواية علي بن زياد أنه فرض حيث قال: إن من تركه عامدًا بطلت صلاته، وهذا لا حجة فيه، لأن مبناه على أحد القولين فيمن ترك السنة متعمدًا، في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع وبعده. واستحب مالك القنوت (قبله) واستحب الشافعي القنوت قبل الركوع ليدرك المسبوق الركعة.
واختلف الفقهاء في محله من الصلاة، والجمهور أنه لا يقنت إلا في الصبح، وهل يقنت في الوثر، وفي النصف الآخر من رمضان فيه قولان في المذهب المشهور ترك ذلك إذا لم يكن معلومًا. الثاني: القنوت فيه لما صح عن السلف أنهم كانوا يلعنون الكفرة في رمضان.
قوله: (((ويقول المأموم ربنا ولك الحمد))): خص المأموم تنبيهًا على
أن حكم الإمام يخالف ذلك، وهل يقولها الإمام أم لا؟ وإذا قالها المصلي فهل يقولها بالواو أو بغيره، سنذكره.
قوله: ((وسجود التلاوة)): يعني إذا أمر بسجدة في صلاة، وهل (يسجدها) يوم الجمعة فيه قولان في المذهب، فمنهم من اجاز ذلك اقتداء بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المستمر الدائم، ومنهم من كرهه، ومنهم من أجازه إذا كانت الجماعة قليلة، ومنعه إذا كانت الجماعة كثيرة خوف التشويش والتخليط.
قوله: ((وصفة الجلوس كلها صفة واحدة)) تنبيهًا على مذهب المخالف.
قوله: ((يشير بسبابتيه منها)): هو المشهور، وقيل: لا يشير إلا عند التوحيد، واختلفوا في علة الإشارة، فقيل: مقمعة للشيطان، وقيل: إنها إشارة إلى الوحدانية.
قوله: ((والمختار له عند تكبيرة الإحرام أن يعقبها بقراءة أم القرآن)): قلت المشهور من مذهب مالك رحمه الله كراهية الدعاء وغير ذلك من الأذكار بعد تكبيرة الإحرام، وقبل القراءة، وكذلك لا يقرأ:{ربنا لا تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8] الآية ولا يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ولا غير ذلك من الأدعية والأذكار، وقد جاء في الصحيح (أنه عليه السلام كان يسكت بين التكبيرة والقراءة
سكتة) يقول فيها بعض هذه الأذكار، وإنما كره ذلك مالك خوفًا أن يعتقد وجوب ذلك فيزاد في الصلاة ما ليس منها، وكذلك لا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم سرًا ولا جهرًا، فإن قال ذلك، وجهر فيها، فلا شيء عليه، لأنه ذكر، والصلاة على الأذكار، هذا نص إسماعيل في المبسوط وأجاز ذلك في التراويح في رمضان، قال مالك: ولم يزل القراء يتعوذون في قيام رمضان.
قوله: ((والمختار من قرأ القراءة في الصلاة مختلف باختلاف أعيانها)): وهذا كما ذكره، وأطولها قراءة الصبح، ثم الظهر، واختلف أيهما أطول، العصر، أم العتمة، وفيه روايتان في المذهب، والمشهور أن العتمة أطول. واختلف أهل العلم في المفصل، فقيل: القرآن كله مفصل، لأنه فصل سورًا وآيات، وقيل: المفضل من حم الجاثية، وقيل: من الحجرات، لانفصال سوره بعضها عن بعض لقصرها، وقيل: لأنها مفصل محكم لا نسخ نصًا أو تعليلاً.
قوله: ((والمصلون ثلاثة إمام ومأموم ومنفرد)) إلى قوله: ((ودعاء القنوت)).
شرح: قسم المصلين هذه الأقسام ليتبين ما اشترك فيه الجميع، وما وقع (فيه) الاختصاص.
قوله: ((إلا في مواضع لا يتصور مقصودها في الانفراد على ما بينه)):
ثم ذكر أن النية، والإحرام، والركوع، والسجود، والفصل بينهما والجلوس والتسليم المفروضة وجميع الهيئات مما يقع الاشتراك فيه، ويخاطب الجميع بفعلها، والهيئات راجعة إلى صفة الأفعال والأقوال، فمن صفة الأفعال توفيه هيئاتها، وهو المعبر عنه بالطمأنينة، وصفة الجلوس. من صفة الأقوال السر والجهر وحصر ما ينفرد (به) الإمام، والمنفرد في أشياء بعينها، وجوب القراءة، والجهر بها، وسجود السهو، والتسليم واحدة، وإنما سقطت القراءة على المأموم لقوله عليه السلام: (
…
ما لي أنازع القرآن) وفي حديث ابن عمر: (
…
وراء إمام فحسبه قراءة الإمام).
قوله: ((والتسليم (واحد))): هو كما ذكره باتفاق في المنفرد، وفي المذهب قولان في الإمام، هي يقتصر على الواحدة، أو لا بد من التسليمتين وهو الشاذ ومبنى الخلاف على اختلاف الروايات كما سنذكره.
وذكر أن الذي ينفرد به المأموم ثلاثة أشياء: سقوط فرض القراءة، وسجود السهو يعني أنه ساقط عنه، لأن سهو المأموم غير معتبر عند الجمهور، فإن الإمام يحمله عنه، وبه قال أهل العلم، سوى من شذ كداود وغيره، فإنه رأى أن الخطاب بسجود السهو متوجه على كل من سهى من أنواع المصلين.
قوله: ((وينفرد المأموم باعتقاد)): وهذا كما ذكره، لأن قاعدة المذهب أن
صلاة المأموم (مرتبطة بصلاة الإمام) فلا يجوز الاختلاف في النيات، وأجاز ذلك الشافعي بناء على أن كل مصل يصلي لنفسه ولهذا لا يجوز أن يصلي ظهرًا خلف من يصلي عصرًا ولا ظهرًا خلف من يصلي الجمعة، خلف من نوى ظهرًا، ولا فريضة خلف متنفل، ولا نافلة خلف نافلة مخالفة في الهيئة، والعدد كالمتنفل بركعتين خلف المصلي الكسوف، لأن ذلك اختلاف.
وضابط القول في المتنفل والمفترض أن صلاة المفترض خلف المتنفل تختلف في جوازها على روايتين عندنا، المشهور ما ذكرناه والشاذ الجواز بناء على أن كل مصل يصلي بنفسه.
وأما صلاة المتنفل خلف المفترض جائزة، وكذلك المفترض خلف المفترض، والمتنفل خلف المتنفل إذا اتفق العدد والهيئة. ولو دخل يوم الخميس يظنه يوم الجمعة أو بالعكس فهل يجزئه أم لا؟ (فيه ثلاث) روايات في المذهب. الإجزاء مطلقًا، ونفيه مطلقًا، والإجزاء إن دخل يوم الخميس يظنه يوم الجمعة بخلاف العكس، وفيه رواية رابعة عكس هذا الذي قدمناه.
قوله: ((والمأموم سنته بعد التكبير الإنصات والاستماع)): وهو مذهب مالك رحمه الله سواء كان بحيث يسمع قراءة الإمام عندنا أم لا. وأجاز أن
يصلي الأمي خلف المي. ومنع من ائتمام الإقراء بالأمي، والواجب ائتمام الأمي بالقارئ إن أمكن، ومن تعذرت منه القراءة فحكمه أن يسبح.
قوله: ((والاختيار إخفاء التأمين)): وهذا قد اختلف العلماء فيه، فمن أهل العلم من رأى الجهر به، وفي الحديث: (كانت تسمع ضجة أداء من الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختار مالك إخفاءه، ولعله اتبع في ذلك العمل الأحدث، وقد ذكرنا الخلاف هل يقول الإمام:((ربنا ولك الحمد)) أم لا؟ ومبناه على اختلاف الأحاديث، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك. واختلف الأحاديث ففي بعضها:((ولك الحمد)) بإثبات الواو، وعلى حذف المعطوف. والمعنى استجب لنا ولك الحمد على استجابتك، وفي بعضها بإسقاط الواو وهو المشهور من المذهب، وكذلك لا يقول المأموم:((سمع الله لمن حمده)) على الأشهر من المذهب اتباعًا للعمل. وأجاز أن يضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه إذا هوى إلى السجود، والأول أحسن، لأنه أقرب إلى الوقار والخضوع كما جاء في الحديث.
قوله: ((وينهض من السجود قائمًا)): تنبيهًا على مذهب المخالف، لأن الفقهاء اختلفوا هل يقوم من سجود أم جلوس، والمشهور أنه يقوم من سجود إلا من ضرورة وبذلك جاءت الأحاديث.
قال القاضي رحمه الله: ((ودعاء القنوت)) إلى آخر الباب.
شرح: يقال خنعت لفلان إذا خضعت.
قوله: ((ونجهد)): أي نجتهد. وقد ذكرنا أن السلام من مفروضات أقوال الصلاة، وذكرنا أن اعتماد للإمام والمأموم والمنفرد. وفيما قدمناه كفاية، وذكرنا الخلاف أيضًا هل يبدأ بمن على يمينه أو بمن على يساره، وفيه قولان عندنا، وإنما كان تكبيرة القيام من اثنين بعد الاعتدال قائمًا تنبيهًا على أصل الفرض أنه كان ركعتين بخلاف غيره من التكبيرين.
قوله: فالسنة قراءة السورة مع أم القرآن)): أجمع جمهور أهل العلم على أن قراءة السورة مع أم القرآن سنة. وفي المذهب في ذلك ثلاثة أقوال. أحدها: أنها سنة كما ذكرناه، وهو نص المذهب، الثاني: مستحبة واستقرأه الشيخ أبو الحسن من المذهب. الثالث: فريضة، واستقرأه أيضًا من المذهب، لأنه تارة أسقط السجود للسهو بتركها، ويراه إبطال الصلاة
بتركها عمدًا، فيقتضي الأول كونها فضيلة، ويقتضي الثاني كونها واجبة، إلا أن يخرج على بطلان ترك الصلاة لمن ترك السنة عمدًا.
وقد اختلف المذهب في من تركها عمدًا على ثلاثة أقوال. فقيل: يستغفر الله ولا شيء عليه، وهو يقتضي أنها فضيلة، وقيل: يسجد قبل السلام، وهذا يقتضي أنها سنة، وقيل: يعيد أبدًا، وهذا يقتضي أنها واجبة، ولو ترك قراءتها سهوًا، فالمشهور أنه يسجد قبل الإسلام. وفي مختصر أبي إسحاق بن شعبان لا سجود عليه، واستقرئ منه استحبابًا، وهل يقرأ في الركعتين الآخرتين بالسورة مع أم القرآن أم لا؟ فيه روايتان، واستحبه محمد بن عبد الحكم وهو قول الشافعي من حيث كانت الصلاة محل الإدراك، وصح هذا عن ابن عمر وغيره. والمشهور أنه لا يستحب. ولو قرأ بالسورة فعل يسجد أم لا؟ فيه قولان، فقيل: هي زيادة يسجد لها والمشهور ألا سجود عليه.
قوله: ((وعورة الرجل المخاطب بسترها (في الصلاة) من ستره إلى ركبته)): وهذا هو المشهور من المذهب، وهما داخلان في ذلك، وقيل: لا عورة منه السوأتان فقط، وقيل: من السرة إلى الركبة، وهما غير داخلتان في ذلك، والأصل في ذلك حديث ابن جرهد وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(غط فرجك فإن الفخذ عورة) ويعارضه أنه عليه السلام كشف فخذه بمحضر
أصحابه ولو كان عورة ما فعل ذلك. واختلف المذهب في عورة الأمة، فقيل: هي كعورة الرجل، وقيل: كعورة الحرة والقولان في المذهب.
قوله: ((وتجزئ الصلاة في ثوب واحد)): وهكذا كما ذكره، لأن المقصود ستر العورة، والإجزاء حاصل بالثوب الواحد، وإنما كره أنه يعري كتفيه لقوله تعالى:{يا بني ءادم خذوا زينتكم} [الأعراف: 31].
قوله: ((وليس له كفت ثوبه ولا شعره)): هذا كما ذكره لثبوت النهي عن ذلك خرجه مسلم في صحيحه. وإنما كره التلثم لأنه من زي المخادعين، وقد يكون للمتكبرين. واختلف المذهب في تغطية الذقن على قولين الكراهية والجواز، وقد قيل: إنه زينة بالليل ومذلة بالنهار.