المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب السهو وما يفسد الصلاة وما يتصل بذلك - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌باب السهو وما يفسد الصلاة وما يتصل بذلك

‌باب السهو وما يفسد الصلاة وما يتصل بذلك

قال القاضي رحمه الله: ((السهو يقع على وجهين بنقصان وبزيادة)) إلى آخر الفصل. السهو والذهول، والنسيان، والغفلة، ألفاظ مترادفة على معنى واحد. وقد يطرق الإنسان عند شعبة الخواطر، وقد يلحقه فجأة من غير سبب، وذكر أنه بزيادة أو نقصان، ومراده به [لا ينضبط] فقد يجتمع الزيادة والنقصان في صورة واحدة، فلو رأى ذلك لقال: يكون السهو بزيادة أو نقصان، وبالزيادة والنقصان معًا.

والأصل في السهو قوله عليه السلام: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) وفي حديث ذي اليدين: (أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله قال: كل ذلك لم يكن) الحديث.

ص: 353

قوله: ((وله سجدتان كثر أم قل)): يريد أن السجود لا يتكرر عليه بتكرير السهو في الصلاة الواحدة.

قوله: ((فيؤتى به في النقصان قبل السلام)): إلى آخره. اختلف الناس في حكم سجود السهو، ومذهب طائفة أنه يسجد قبل السلام، ومذهب طائفة أنه يسجد بعد السلام، وبالأول: قال الشافعي، وبالثاني: قال أبو حنيفة، وفرق مالك بين الزيادة والنقصان جعل السهو للزيادة بعد السلام، وللنقصان قبله. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم سجود قبل السلام وبعده، وجمع مالك بين الأحاديث وبنى على بعض، ولو اجتمعت الزيادة والنقصان لغلب النقصان على المشهور من المذهب.

قوله: ((ويكبر لهما في ابتدائهما والرفع منهما)) إلى آخره.

شرح اختلف العلماء في التكبير لهما (والتشهد) لهما والسلام منهما على أربعة أقوال، قيل يكبر لهما، ويتشهد لهما، ويسلم منهما، وقال قوم من أهل العلم: لا يكبر، ولا يسجد لهما، ولا يسلم منهما. والقول الثالث: يكبر

ص: 354

لهما ولا يسلم منهما، والقول الرابع: عكسه.

وتحصيل مذهب مالك في ذلك (تفصيل) أما اللتان بعد السلام فيكبر لهما ويتشهد ويسلم منهما بلا خلاف عندنا، لأنهما مستقلتان بحكمهما، وليستا من صلب الصلاة. وحكى الأشياخ عن المذهب رواية ثانية أنه لا يحرم لهما قياسًا على سجود التلاوة. وأما اللتان قبل السلام فيكبر لهما ولا يسلم منهما للاكتفاء بسلام الصلاة، وفي التشهد لهما روايتان حكاهما القاضي، أحدهما التشهد، إذ لا يكون السلام إلا عقب التشهد. والثاني: نفيه إذ لا يجتمع تشهدان في جلوس واحد. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اكبر فيهما أربع تكبيرات، وأنه سلم في ثبوت تشهده نظر قاله الإمام أبو بكر بن المنذر. وفي صفة السلام منهما روايتان فقيل كالسلام من الصلاة، وقيل: هي قياس على السلام من الجنائز على ما فيه من خلال.

قوله: ((وإن سهى عنهما)): تحصيل القول في تركهما لا يخلو أن يسهو عن السجود اللتين بعد السلام أو قبله، فإن سهى عن اللتين بعد السلام فلا يخلو أن يطول الأمر أم لا فإن لم يطل سجدهما وصحت صلاته، لأن المتصل بالشيء كحكمه وإن طال فالمشهور صحة صلاته، وحكمه أن يسجد متى ما ذكر. وأما اللتان قبل السلام فهل تبطل الصلاة بتركها إذا طال الأمر أم لا؟ فيه خمسة أقوال في المذهب المشهور أنها تفسد، والثاني: أنها لا تبطل مطلقًا، والثالث: انها تبطل غن كان السجود واجبًا على ترك فعل، ولا

ص: 355

تبطل إن كان على ترك قول، والرابع: أنها تبطل بنقص الجلوس الوسطى، وأم القرآن من ركعة، ولا تبطل من ترك غير ذلك، والخامس: أنها تبطل كان النقص في القول أو في الفعل إلا أن يكون المتروك تكبيرتين أو في معناها مثل سمع الله لمن حمده.

سبب الخلاف هل يعطي البدل حكم (المبدول) منه أم لا؟ فإنهما مشروعتان بدلاً من ترك سنة، فإن كان (المبدول) من غير واجب فالبدل مثله، ومن جعلهما من صلب الصلاة أبطل الصلاة بتركهما. والتفريق استحسان. ولو قدم سجدتين بعد السلام أو أخر اللتين قبل السلام فلا يخلو أن يفعل ذلك عامدًا أو ناسيًا أو متأولاً، فإن ذلك ناسيًا أو متأولاً صحت صلاته، وإن فعل ذلك عامدًا، ففي بطلان الصلاة قولان مبنيان على مراعات الخلاف.

قوله: ((والمتروك بالسهو أربعة أنواع: فريضة، وسنة، وفضيلة، وهيئة)): قلت: عد القاضي الهيئة قسمًا رابعًا، وهي راجعة إلى أحد الأقسام الأول قطعًا، ثم لما تكلم في أحكام ذلك أعاد الهيئة عن حكم يحصلها، إشارة إلى ما ذكرناه من إدراجها تحت ما قبلها إلا أنه شخصها في العدد وإن تساوت في الأحكام تنبيهًا على أن الصلاة مطلوبة بأقوالها وأفعالها وهيئاتها كالجلوس في مواضعه والإسرار والجهر ونحو ذلك. وأشار الشيخ أبو الوليد الباجي في المنتقى إلا [أن] الإسرار والجهر من الهيئات في الصلاة وجعله قسمًا مستبدًا بنفسه.

ص: 356

قوله: ((ومن لم يدر كم صلى بنى على يقينه)): الأصل في هذه المسألة ما رواه أبو سعيد الخدري قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثًا، أم أربعًا فليصل ركعتين، ويسجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتين ترغيمًا للشيطان) وهذا الحديث حجة على المذهب لأن فيه السجود قبل السلام للزيادة لإمكان أن تكون خامسة.

وتحصيل القول في من شك في صلاته أنه لا يخلو أن يكون مستنكحًا أو غير مستنكح. فالمستنكح يبني على غالب ظنه وأول (خاطريه)، وهل يؤمر بالسجود له أم لا؟ فيه قولان، أحدهما: أنه يؤمر به، إذ لا مشقة فيه، والثاني: أنه لا يؤمر به، ومتى يؤمر بالسجود هل قبل السلام أو بعد السلام فيه قولان أحدهما: أنه يسجد قبل السلام، لأنه يجوز النقص. الثاني: يسجد

ص: 357

بعد السلام، لأن هذا السجود ترغيمًا للشيطان. وإن كان غير مستنكح طرح الشك وبنى على اليقين، وهل يسجد قبل السلام اعتمادًا على حديث أبي سعيد الخدري، أو بعده لأنه إنما شك في الزيادة أو عدمها فلا يطرق للنقصان بوجه.

قوله: ((ولا يسجد المأموم لسهوه والإمام يحمله (عنه))): وهذا مذهب جمهور أهل العلم وشذ مكحول فرأى على المأموم سجود السهو اعتبارًا بحكم نفسه. واختلف المذهب في القاضي بعد سلام الإمام هل يجب عليه حكم الإمام أم لا؟ فيه قولان.

قوله: ((ويسجد هو مع الإمام في سهو الإمام)): تحصيل القول فيه أن المأموم يتبع إمامه في سهو سواء أدركه المأموم أو كان مسبوقًا، وحكمه أن يسجد معه، يتبعه إن كان السجود قبل السلام، وإن كان سجود الإمام بعد السلام فهل يتبعه فيه المأموم أم لا؟ فيه قولان فقيل: يسجد معه كي لا تقع المخالفة، وقيل: لا يسجد، لأن حكم الصلاة قد انفصل لسلامه. وإذا قلنا: إنه يسجد معه سجود الزيادة فما حكمه فيه؟ فمالك خيره بين أن يجلس أو يقوم عند سلامه من الصلاة، واستحب ابن القاسم أن يقوم، لأن السلام فاصل.

قوله: ((ومن قام من اثنتين قبل الجلوس رجع ما لم يعتدل قائمًا)): تحصيل القول فيمن نسي الجلوس للوسطى أنه لا يخلو أن يتذكر بعد القيام، أو هو جالس، أو يتذكر بين الجلوس والقيام فإن تذكر بعد أن اعتدل قائمًا فإنه لا يرجع بلا خلاف في المذهب. فإن تذكر بعد أن ينهض ولم يفارق الأرض فإنه يرجع وهل يسجد أم لا؟ فيه قولان في المذهب، أحدهما: أنه

ص: 358

يسجد لعلة الفعل، والثاني: أنه لا يسجد وإن تذكر وهو بين الجلوس والقيام فهل يرجع إلى الجلوس أو يتمادى إلى القيام فيه قولان في المذهب، أحدهما: أنه يرجع إلى الجلوس من حيث إنه لم يلبس بالفرض إلا بتقدير اعتداله قائمًا. الثاني: أنه يتمادى على القيام، لأن الحركة إليه مقصودة، وإذا اعتدل قائمًا وأمرنا ألا يرجع فلا يخلو أن يرجع عامدًا، أو جاهلًا، أو ناسيًا، أو متأولاً، فإن رجع ناسيًا فهل تبطل صلاته أم لا؟ فيه قولان، البطلان لكونه زاد في صلاته عمدًا، وعدمه مراعاة الخلاف لأن من العلماء من قال: إنه يرجع. فإن رجع ناسيًا لم تبطل صلاته بلا خوف، وكذلك المتأول. وفي الجاهل قولان فقيل: هو كالعامد وقيل: كالناسي. وإذا قلنا: إن صلاته صحيحة إذا رجع إلى الجلوس بعد اعتداله قائمًا فهل يؤمر بالسجود أم لا؟ فيه قولان. ومتى يكون سجوده هل بعد السلام أو قبله، فيه قولان، أحدهما: أنه يسجد قبل السلام، لأنه نقص وزيادة فغلبه نقصان. الثاني: أنه يسجد بعد السلام، لأن الرجوع إلى الجلوس ناب منابة الأول، فتحققت الزيادة بالنهوض.

قال القاضي رحمه الله: ((ويفسد الصلاة اثنتا عشرة خصلة)) إلى آخره.

شرح: ضابط القول في ذلك أن الصلاة تفسد بترك واجب من واجباتها أو سنة عمدًا على خلاف فيه. وابتداء القاضي ((بقطع النية عنها جملة))، ويتصور ذلك على وجهين إما بأن يعي عنه النية للذهول (

ئها)، وإما بأن يكون مستحضرًا للصلاة قاصدًا لهزل والاستخفاف والعبث، لا أداء العبادات على وجهها.

ص: 359

قوله: ((فأما تغييرها ونقلها فله تفصيل)): إشارة إلى ما تقرر في المذهب فالتغيير كالمسافر يحرم بنية القصر ثم يحدث له القصر في الإتمام أو بالعكس. والنفل مثل أن يدخل بنية النافلة، ثم يعتقد الفريضة، أو بنية الفريضة، ثم يعتقد النافلة أو بنية الطهر، ثم يتذكر أنه صلاها، فلينتقل بنيته إلى العصر أو بنية الجمعة، ثم ينتقل بنيته إلى يوم الخميس، وبعض هذه المسائل مختلف فيها. وإلى ذلك أشار القاضي والله أعلم.

ثم ذكر الردة، ومن المعلوم أن الردة مبطلة لحكم الإسلام ناقضة لمسماه. فإذا أبطلت أصل الإسلام اتبعه الفروع، فيصدق أن يقول القائل الردة أبطلت الصلاة وأعم منه أن يقول الردة أبطلت حكم الإسلام مطلقًا. ولعل القاضي إنما تكلم على الردة في حال الصلاة فهي مفسدة لها من حيث كان عند إحرامه مسلمًا مستهلًا بوجه صحيح. وطرء الحديث ناقض مطلقًا، لأنه مضاد لشرط الصحة، والجمهور من أهل العلم لا شيء مع الحديث الغالب، وقال أبو حنيفة ما بيناه. وفي المذهب فيه خلاف شاذ. وقيد عمد الكلام المفسد تقييدًا حسنًا.

قوله: ((وذكر صلاة يجب عليه ترتيبها)): تقييد جار على المذهب، وهو المشهور، وذلك في صلاة اليوم فما دونه.

ص: 360

قوله: ((وفساد صلاة الإمام)): إشارة إلى أصل المذهب في الارتباط.

قوله: (((بغير سهو))) إشارة إلى أن الإمام إذا صلى محدثًا ناسيًا لم تبطل صلاة من وراءه، وهو مشهور المذهب في نسيان الإمام دون عمده.

قوله: ((وإن كان قدرًا مختلفًا فيه، سهل الأمر)): إشارة إلى أن الدم اليسير يعفي عنه بعد التلبس، وتجزئ الصلاة مع وجوده، وكذلك العورة المختلف فيها، وهي ما عدا السوأتين، وقد تقدم أن العورة على قسمين (متفقة) وهي السوأتان (ومختلفة) وهي ما عداهما.

ص: 361