الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في المياه وأحكامها
قال القاضي: "الأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير" لقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماًء طهورًا} [الفرقان: 48] ثم قد يخرج عن أصله بما يعرض له، والخارج عن أصله نوعان: نجس ومضاف. وكلاهما لا يستعمل في الطهارتين، وذكر ماء البحر في التفصيل، وبطهارته، وتطهيره قال جمهور العلماء إلا القليل اعتمادًا على قوله عليه السلام:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وفي إسناده متكلم.
وقد أنكر القاضي أبو الحسن الخلاف فيه، ولا معنى لإنكاره لثبوت الخلاف عن عمر وابنه وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة.
قوله: "إلا ما تغيرت أوصافه": وهذا ما ذكره، ولا خلاف فيه إلا التغيير بالريح، فقد قيل: إنه غير معتبر مطلقًا. حكاه القاضي أبو الوليد عن ابن الماجشون: لا اعتبار بتغير الرائحة، وحكى عن ابن الماجشون أنه لم
يعتبر تغيير الريح في بعض الصور دون بعض. قال: في الهرة تقع في البئر ميتة (لا يحل) ذلك الماء، وإن تغيرت رائحته حتى تغير لونه أو طعمه، وقال:"إن وقعت حية فغيرت رائحته فهو نجس" والذي قيل لا يتغير هو ما تغير بالمجاورة لا بالحلول كالشاة تموت حول الغدير، فيحمل الريح نتنها إلى الماء، فإنه لا ينجس، إذ هو مجاورة غير حال، واتفقوا على أن ما تغير بأصله وما هو قرار له ولا يخرج لذلك عن أصله، واختلفوا فيما تغير بأحمال حمأة وبأوراق الشجر، والحشيش، ونحوه، وهل هو مطهر، لأنه غالب، وهو قول العراقيين من المالكية أو مضافًا فلا تجوز الطهارة منه قاله الأبياني وروى ابن غانم في المجموعة عن مالك في غدير ترده الماشية، فتبول فيه وتروث، وتغير طعم الماء منها أنه لا يعجبني الوضوء به ولا أحرمه.
وكذلك اختلفوا في المحل يذوب في الماء هل يضيفه أم لا؟ وهو الذي
اختاره القاضي أبو الحسن، لأن الملح من جنس الأرض، وقد اختلف في ذلك ابن أبي زيد (وابن القاسم) وكذلك اختلفوا في اليسير من طاهر المائعات يخالط الماء هل يضيفه أم لا؟ قال القاضي أبو الوليد عن خلاف بين الفقهاء: لعله إنه مطهر إلا ما روي عن (ابن القاسم) لأنه لا يتطهر به.
قوله: "سوى أنه يكره استعمال القليل منه": هذا أحد الأقاويل. وقد اختلف المذهب في الماء اليسير تحله النجاسة اليسيرة، ولم تغيره، على أربعة أقوال.
الأول: أنه نجس وهو قائم من المدونة.
والثاني: مكروه ولا يستعمل مع وجود غيره كماء ولغ فيه الكلب.
والثالث: أنه طاهر مطلقًا لعدم تغيره.
والرابع: أنه مشكوك فيه، فيجمع بينه وبين التيمم، واختلف المذهب هل يبدأ به أو بالتيمم فيه قولان، وهل يصلي به صلاة واحدة أو صلاتين فيه قولان أيضًا.
أما الماء الكثير إذا خالطته النجاسة ولم تغيره، فالمحققون على أنه طاهر مطهر، لأن مناط النجاسة التغيير، ومناط الطهارة عدمه. وقد روى عن مالك أنه لا يستعمل إذا وقعت فيه النجاسة غيرته أو لم تغيره. ورواية أهل
المدينة عن مالك أن النجاسة إذا خالطت الماء القليل ولم تغيره فهو طاهر مطهر.
فرع: في العتبية من رواية موسى عن ابن القاسم "في ماء وقعت فيه قطرة من دم أو من بول إن كان مثل الجرار لم تفسده، وإن كان مثل إناء الوضوء أفسدته القطرة، وروى أبو زيد في ثمانيته عن ابن القاسم أن ذلك لا يفسده"، ومن رواية موسى في العتبية عن ابن القاسم أيضًا تفسده روث الدواب، إلا أن تجده طافيًا في الإناء فإنه لا يفسده، ولا بأس به للاختلاف فيه، وروى عن مالك في الإناء يوجد فيه الروث طافيًا أو يابسًا لا خير فيه، ولعله مبني على القول بنجاسة أرواثها، وبذلك قال: من لا يجوز مسح الخف منه.
فرع: إذا وجد الماء متغيرًا أو أشكل سبب تغيره نظر إلى ظاهر أمره. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية في بئر دار تغيرت ولم يدروا من أي شيء تغيرت قال: "تترك يومين أو ثلاثة، فإن طابت، وإلا لم يتوضأ بها، وقال في موضع آخر: أخاف أن تغسل القذرات، ولو علم أنه ليس منه لم ير به بأسًا.
وروى عن علي بن زياد: رب بئر في الصفا والحجر لا يصل إليها شيء، ورب أرض رخوة يصل إليها، فروى ابن وهب عن مالك في البئر تملأ من النيل إذا زاد، ثم يقيم بعد زواله، لا يسقى منه، فتتغير رائحته بغير شيء أنه لا بأس بالوضوء منها. وفي العتبية عن أشهب في خليج
الإسكندرية لا يعجبني الوضوء به إذا تغير ماؤه، (وخرجت النعل) قال: وقال المغيرة: يسقى بهذا الماء المراحيض وقال: "اجعل بينك وبين الحرام سترة من الحلال" وظاهره الكراهية لا التحريم. وما رواه علي بن زياد عن مالك فيمن توضأ بماء وقعت فيه النجاسة ولم تغيره، وصلى أنه يعيد في الوقت. قال ابن حبيب: إن توضأ به عامدًا أو جاهلاً أعاد أبدًا، وإن توضأ به غير عالم أعاد في الوقت. وقال يحيى بن يحيى هو كمن لم يتوضأ ويعيد أبدًا، لأنه نجس كالمتغير.
فرع: وروى أِهب عن مالك في العجين، أو الحنطة يبتل في الماء الذي وقعت فيه النجاسة ولم تغيره أنه لا يؤكل ذلك الخبز ولا الحنطة.
واختلف شيوخنا هل المنع من أكل ذلك على وجه الكراهية، وهو قول أبي بكر الأبهري بناء على أنه ليس بنجس، أو على وجه التحريم، تأويله القاضي عن أشهب، وهو مقتضى روايته، وسئل مالك عن ذلك فقال: لا يؤكل ونهى أن يطرح ويعلف للدواب، وإن كان خبزًا. وحكى ابن
حبيب إذا عجن بالماء النجس المتغير لا يطعم للدجاج، وهو كالميتة، وحكى ابن القاسم عن مالك في المدونة أن الغسل النجس يعلف للنحل. وقال المغيرة: يسقى بهذا الدواب، وبنجس اللبن والأشجار والثمار وقال على، وابن عمر: يسقى الحيوان، ولا ينجس لبنها ولا ثمرة الشجر. وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أن ما عجن من الخبز بماء لم يتغير أحد أوصافه فلا بأس أن يطعم (رغيفه) من (اليهودي دون النصراني) وحكى ابن سحنون عن أبيه أنه لا يطعم إياه ولا يمنعهم.
قوله: "فالطاهر يسلبه التطهير فقط": ظاهره الإطلاق سواء كان الخلط يسيرًا أو كثيرًا وقد ذكرنا أن اليسير الطاهر لا يضيف الماء على مذهب الجماعة، خلافًا لظاهر كلام القاضي.
قوله: "كماء الحب": وهو بالحاء المهملة وهو: الإناء الصغير.
قوله: "ويدخل فيه الماء المستعمل على كراهية مناله": قلت: الماء المستعمل لا يخلو مستعمله أن يكون طاهر الأعضاء أو نجس الأعضاء، فإن كان نجس الأعضاء فقد تقدم، وإن كان وسخًا طاهرًا وهو مورد الخلاف، قال ابن القاسم: كره استعماله مع وجود غيره، فإن لم يجد غيره، وتوضأ به أجزأه، وهو يقتضي أنه ظاهر مطهر، وهو المشهور من المذهب. وقال أصبغ: هو طاهر غير مطهر وهو أحد قولي الشافعي، وحكى عن ابن القاسم أنه مشكوك فيه، وتجمع بينه وبين التيمم، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه نجس احتجاجًا بأنه عليه الإثم، لأنه سماه: ماء الخطايا، والدليل على مذهبنا قوله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماًء طهورًا} وذلك يقتضي تكرار الطهارة بالماء. قاله القاضي أبو الوليد.
قوله: "وما تغير بزعفران أو عصفر أو كافور أو بغير ذلك من الطيب" إلى آخره. هذا كله داخل في القسم المضاف بالطاهر، لم يختلف العلماء أنه طاهر غير مطهر. وقال أبو حنيفة: في ماء الزعفران، والورد،
ونحو إنه ظاهر مطهر، والدليل فيه قوله تعالى:{فلم تجدوا ماًء فتيمموا} [المائدة: 6] فشرط التيمم بعد الماء المطلق في استعمال التيمم، ولم يجعل سبحانه بين الماء المطلق واسطة. أبو حنيفة جعل ماء الزعفران ونحو واسطة بينهما، وفيه نظر.
فصل
قال القاضي رحمه الله: "والحيوان كله طاهر العين طاهر السؤر" إلى قوله: "ويغسل الإناء من ولوغ الكلب (في الماء) سبعًا".
شرح: اتفق العلماء على طهارة عين الآدمي إلا المشترك والمميت ففيهما خلاف شاذ، واتفقوا على طهارة عين جميع الحيوان غير الآدمي إلا سباع الوحش، والكلب، والخنزير، والهرة، وسائر سباع الطير المفترسة، فالجمهور على أن ذلك كله طاهر العين، بناء على أن الحياة علة الطهارة، فكل حي طاهر. وقال أبو حنيفة: إنها نجسة العين حتى الهرة إلا أن ينتزع عفا عن سؤرها لما لم يكن الاحتراز منها، وعلى ذلك نشأ الخلاف بين العلماء في أسآر الحيوانات، وأصل المعنى أنها طاهرة، إلا ما لا يتوقى النجاسة غالبًا كالكلب، والخنزير، والمشركين. وقال الشافعي: أسآر الحيوانات كلها طاهرة إلا الكلب، والخنزير، وقال أبو حنيفة: آسارها كلها نجسة كلها نجسة إلا سباع الطير وسؤر الهوام، والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك قوله عليه السلام في الهرة:
(إنها ليست بنجس، وإنما هي من الطوافين عليكم والطوافات). وقال عمر بن الخطاب لصاحب الحوض: "لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا، ووافقه على ذلك أهل الركب من الصحابة فكان كالإجماع. وقال الشافعي: قال عليه السلام: (يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا) وذلك يقتضي النجاسة.
فرع: في المجموعة عن علي بن زياد عن مالك: الكلاب كالسباع لا يتوضأ بسؤرها إذا كان في أفواهها وقت شربها النجاسة. واختلف في الكلاب هل تنزل منزلة الهر أم لا؟ فيه قولان، وفي المدونة:
لا بأس بسؤر البرذون والبغال والحمير. وفي المختصر: لا بأس بفضل جميع الدواب والطير إلا أن يكون (موضعًا) تصيب فيه الأذى. وروى أبو زيد عن مالك: لا بأس بالوضوء والشرب من أحياض الدواب، وإن ولغت فيه للكلاب، فإن ولغت فيه الخنازير، فلا يتوضأ بها ولا يشرب منها".
قال القاضي رحمه الله: "ويغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا" إلى قوله: "في غسل الإناء من ولوغ الخنزير" واختلف الفقهاء في غسل الإناء من ولوغ الكلب في مسائل:
الأولى: هل الأمر بغسله إيجابًا، أو ندبًا، أو استحبابًا، وفيه قولان جاريان على الاختلاف في الأمر المطلق.
الثانية: هل الغسل للعبادة وهو المشهور، أو النجاسة وهو قول
الشافعي وابن الماجشون وسحنون.
الثالثة: هل ذلك عام في الكلاب كلهم، أو مخصوص بالكلب المنهي عن اتخاذه فيه قولان مبنيان على الألف واللام، هل هي جنسية، أو عهدية.
الرابعة: هل يغسل أوان الطعام كأوان الماء أم لا؟ قولان جاريان على الخلاف فيما خرج على الغالب، هل له ذلك أم لا؟.
الخامسة: هل يغسل بذلك الماء، وبماء آخر فيه قولان جاريان على القول بنجاسته أو بطهارته.
السادسة: إذا ولغت كلاب شتى في إناء واحد هل يغسل لكل واحد سبعًا، أو تجزي سبعة على الجميع فيه قولان.
السابعة: هل يغسل من ولوغ الخنزير أم لا؟ فيه قولان.
الثامنة: هل يعفر بالتراب أم لا؟ والخلاف فيه قائم بين السلف.
التاسعة: إذا قلنا بالتعفير هل يجعل أول المرة أو آخرها فيه خلاف مبني على اختلاف طرق الأحاديث.
العاشرة: هل العرك شرط أم لا؟ فأسقطه أبو حنيفة، ورآى أنه كسائر النجاسات والجمهور على غسل ذلك.
الحادية عشر: هل يؤمر بغسله إذا أراد استعماله (مطلقًا) فيه قولان.
الثانية عشر: الغسل من ولوغ الهرة، وقد جاء فيه اختلاف بسطناه في شرح الأحكام.
قال القاضي رحمه الله: "ثم الحيوان بعد ذلك على ضريبين بري وبحري".
شرح: فالبحري نوعان نوع تطول حياته في البر كالسلحفاة والسرطان. وذلك مختلف فيه هل يلحق بحيوان البر، أو بحيوان البحر، أن البحر أصله، أو بحيوان البر اعتبارًا بطول حياته فيه، وهو عند مالك طاهر حلال لا يحتاج إلى ذكاة"، وقال ابن نافع: هو حرام نجس إن مات حتف أنفه. ونوع
لا تطول حياته كالحوت ونحوه وهو ظاهر حي وميت، خلاف ما قال أبو حنيفة في ميته (وهو) معتمدنا على قوله عليه السلام:(هو الطهارة ماؤه الحل ميتته). وتبع أبو حنيفة عموم الكتاب قال الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3].
وذكر البري أيضًا على ضربين: منه ما له نفس سائلة، ولا خلاف أنه نجس بالموت ومنه ما لا نفس له سائلة، وهل ينجس بالموت أو لا؟ اختلف العلماء فيه فقال مالك: لا ينجس بالموت كبنات وردان والخنفساء ونحوه. قال الشافعي: نجس بالموت. والدليل لنا قوله عليه السلام: (إذ (وقع) الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء). (قال): فمات (من ذلك) نجس، ونجس ما مات فيه من مائع غيره، أو لم يغيره، ولا ينجس الماء إلا بإذن يغيره"، وفيه
تفصيل، أما غير الماء من المائعات كالسمن، ونحوه هل ينجس جميعًا جامدًا، أو مائعًا، أو لا ينجس إلا موضع النجاسة وما جاورها إن كان جامدًا، فيه قولان في المذهب، والأصل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال:(إن كان مائعًا فاطرحه، وإن كان جامدًا فاطرحه وما حوله)، وبمقتضاه قال الجمهور؛ وهو المشهور عند مالك.
وأما الماء فلا يخلو أن يتغير أم لا، فإن تغير نجس، وفي العتبية من رواية أشهب، وابن نافع عن مالك في البئر تقع فيه الهرة فتموت، فإنه ينزح منها مقدار كبر الدابة وصغرها، وقلة الماء وكثرته، وكذلك الفأرة. وفي المجموعة إن ما وقع في البئر من الفرث والدم فإنه ينزعه إلا أن يغلبه، وإن لم ينزع منها شيء، وفرق ابن الماجشون بين أن يقع حيًا أو ميتًا، فإن وقعت ميتة لم يضر ذلك الماء، وإن تغيرت فيه رائحته حتى تغير لونه أو طعمه، ولم يؤمر أهل البئر أن ينزحوا منها شيئًا، وإن وقعت حية، وماتت نزح منها قدر ما يطيبها، وإن لم يتغير، حكى ذلك أبو زيد في الثمانية، وقال أصبغ:(كل) الوجهين يفسد الماء (ويوجب إباحته) وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أن الآبار الصغار كآبار الدور يفسدها ما مات فيها من شاة، أو دابة، أو دجاجة، وإن لم تتغير، ولا تفسد بما وقع فيها ميتة حتى تتغير.
وأما آبار السواني فلا تفسد، ولو مات فيها شاة إلا أن تتغير. وأما البرك العظام فإنه يفسدها ما مات فيها، وإن لم يتغير، إلا أن تكون عظيمة جدًا. قال ابن وهب: الدابة تموت في الجب يكون فيها ماء السماء، ولم يتغير الماء لكثرته إلا ما قرب منها قال: تخرج الدابة وينزع منها ما يذهب الرائحة واللون، فتطيب بذلك إن كان الماء كثيرًا وأنكره ابن القاسم وقال: لا خير فيه. وفرق ابن وهبب في هذه المسألة بين الماء المشكوك الذي له مادة، والدائم الذي لا مادة له، وأصل ابن القاسم أن الماء الدائم بخلاف الماء المتحرك الذي لا مادة له، والمشهور ألا تحديد فيه، وإنما ذلك لكثرته، وقلته، وكبر الدابة، وصغرها. وكان ابن الماجشون إذا سئل عن ذلك يقول ما نستقي أربعين خمسين، ستين، ولا تقف عند حد محصور.
قوله: "وما تغير وجب نزح جميعه إلا أن يزول التغيير (منه) ": ولو قال حتى ينفذ الماء لكان صوابًا، لأن حكم النجاسة مستدام إلى أن يرفع الماء، ولعله جعل زوال التغيير علمًا على نفاذ الماء. وذكر فيما لا نفس له سائلة أنه لا ينجس بالموت وهو كما ذكره.
فرع: اختلفوا فيما فيه دم ينتقل إليه عن غيره كالبراغيث، هل يلتحق بما له دم، أو بما ليس بدم، ففيه قولان في المذهب: فألحق القاضي بهوام
نجس من (
…
)، ونحوها مما له دم أنه نجس بالموت، وقال سحنون في برغوث ودم وقع في الثريد لا بأس أن يؤكل، وهذا يدل على أنه لا ينجس، وجعل ابن حبيب البعوض في صنف ما ليس له دم، ولا خلاف أنه لا ينجس بالموت، ولا ينجس ما مات فيه، ومنه ما له دم، ولا خلاف أنه نجس بالموت، وينجس ما مات فيه على تفصيل ما قدمناه، ومنه ما فيه دم، وليس له دم - كالبراغيث والبعوض - ففيه قولان في المذهب.
قال القاضي رحمه الله: "لا يجوز التطهر من حدث ولا نجس ولا بشيء من المسنونات (والقرب) بمائع سوى الماء المطلق". وهذا كما ذكره، لا خلاف فيه في المذهب، وشذ على مذهبه أبو حنيفة. حيث جوز الوضوء بالنبيذ غير المسكر، وقد روي عنه أنه وافقهم في المسكر فقط. والحديث الذي اعتمد عليه ليلة الجن ضعيف الإسناد، وقد قيل إن ابن مسعود أنكره، وفي المذهب خلاف شاذ في المائعات، هل تزيل النجاسات أم لا؟ والمشهور الاقتصار على الماء لقوله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماءً طهورًا} وقوله عليه السلام: (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) فنص على الماء المطلق، فدل ما حوله بخلافه.