الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأطعمة والأشربة
قال القاضي رحمه الله: «الأطعمة ضربان» إلى قوله: «وأما الأشربة» .
شرح: الأطعمة على ضربين محللة ومحرمة، والأصل في ذلك قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات} [البقرة: 172] والطيب عندنا الحلال اللذيذ، وقال تعالى:{قل لا أجد في ما أوحي إلي} الآية [الأنعام: 145]. وثبت من السنة تحريم السباع، وتحريم النجاسات. وقد بينه القاضي بيانًا شافيًا.
قوله: «ما لم يكن نجسًا بنفسه أو بمخالطة نجس أن يقول أو مضرًا كالطيب، فقد كره ابن المواز أكل الطيب، وقال ابن الماجشون: أكله حرام.
قوله: «وأما البحري فيؤكل جميعه كان مما له شبه في البر، أو مما لا شبه له» : تحرزًا من مذهب الليث بن سعد وغيره من المخالفين ممن رأى تحريم خنزير الماء وإنسانه، والجمهور على تحليل ذلك.
ومبنى المسألة على أمرين: هل يتناولها الاسم فيكون لفظًا مشتركًا أم لا؟ الثاني: هل الاسم المشترك محمول على العموم أم لا؟ والصحيح أن اللفظ لا
يتناولهما لغة، وقد قال مالك: أنتم تسمونه خنزيرًا. وقد روي عن مالك كراهية خنزير الماء تحرزًا من الخلاف.
قوله: «وما تلف بسببه» : تحرزًا أيضًا من مذهب المخالف، لأن من أهل العلم من ذهب إلى أن ميتة البحر حرام، وهي التي تتلف بنفسها. وللعلماء في ميتة البحر ثلاثة مذاهب. فقال الجمهور: هي حلال اعتمادًا على حديث العنبر، وعلى قوله عليه السلام:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته). وقال قوم: هي محرمة بناء على تقديم العموم المتواتر على الواحد، ولتواصل الحقيقة، وفرق قوم بين أكل الطافي والدانف، فأباح أكل الدانف، ومنع أكل الطافئ اعتمادًا على ما رواه أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوا وما طفا فلا تأكلوه) والحديث صحيح، وروي موقوفًا على جابر، فلذلك ضعف الاحتجاج به عند الجمهور.
قوله: «ما عدا الخنزير» : وشحمه، وجلده، وجميع أجزائه في التحريم
سواء، على أن الأصح في شعره وجلده، وقد روي عن مالك جواز الانتفاع بشعره، وعن أبي يوسف وغيره طهارة جلده بالدباغ وشذ من خالف في شحمه فهو مسبوق في الإجماع.
قوله: «والسباع فإنها مكروهة» : هذا هو المشهور من رواية عن المذهب، قال ابن حبيب: لم يختلف المدنيون في تحريم السباع العادية الأسد والنمر والذئب ونحوه، وأما غير العادية كالضب والثعلب والضبع والأرنب كره أكلها دون تحريم، وروى أشهب أيضًا عن مالك أنها محرمة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وهو مستقرأ من نص مالك في الموطأ وهو الصحيح، واعتمادًا على قوله عليه السلام:(أكل كل ذي ناب من السباع حرام) وإنما قال بالكراهية تعويلًا على قوله تعالى: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام){قل لا أجد في ما أوحي إلي} الآية، واختلفوا في السباع المكروهة فقال أبو حنيفة: كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضب واليربوع والنسر والقرد، وقال الشافعي: السباع المنهي عنها هي العادية على الناس كالأسد والنمر والذئب وألحق بها الكلب بنجاسة عينه، واختلفوا في الممسوخ كالفرس والقرد والقنفود على قولين: التحريم والكراهية. قال ابن المواز: لا يحل ثمن القرد ولا كلفه وهو نص
الواضحة، وأجاز بعض أصحابنا ثمنه وجلبه إلى المدينة، وأمر عمر بن الخطاب أن يرد إلى الشام من حيث جلب، وروي عن النبي عليه السلام النهي عن ثمنه، وكذلك اختلفوا في ذي ناب من الطير فقيل: مكروهة، وقيل: محرمة، والخيل والبغال والحمير فيها ثلاثة أقوال: التحريم والكراهية والإباحة في الحمير والبغال شاذة في المذهب أنكره الشيوخ، واحتج من قال بتحريم ذلك بظاهر من السنة. أما الخيل فاحتج أبو حنيفة على تحريمها بقوله تعالى:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] فدليل خطابه أنه لم يخلق للأكل لقوله تعالى في بهيمة الأنعام: {ومنها تأكلون} [النحل: 5] وأما الحمير فثبت من حديث جابر أنه عليه السلام: (نهى يوم خيبر عن لحوم الأهلية وأمر بإكفاء القدور بما فيها وأذن في لحوم الخيل). وأما البغال فالحكم ثابت عندهم على الحمير، وأما من أباح الجميع فعل على قوله تعالى:{قل لا أجد في ما أوحي} الآية، وأما الكراهية فتوسط بين القولين والله أعلم.
قوله: «ولا يؤكل الجراد عند مالك إلا أن يتلف بسبب» هذا إشارة إلى الخلاف، فقيل: إنها تفتقر إلى الذكاة، وقيل: لا تفتقر، واختلف في صفة ذكاته إذا قلنا: بالافتقار إليها فقيل: صيده، وقيل: سلفه، وقيل: قطع جناحه،
وقيل: قطع عضو من أعضائه مطلقًا، وقد قيل: إنه طعام البحر.
قوله: «والطير كله مباح ذو المخلب وغيره» : وهذا أصل مذهب مالك اعتمادًا على ظاهر قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي} الآية. وظاهره حصر المحرمات، وقد قيل: إنها مكروهة اعتمادًا على ما خرجه أبو داودة من حديث ابن عباس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير) ولم يخرجه الشيخان.
قوله: «ما عدا ذلك فمكروه» : إشارة إلى الحشرات التي تستقبحها النفوس وتستقذرها الطبائع، والأمر فيها عند الجمهور كما قاله القاضي أنها مكروهة غير مقطوع بتحريمها، حرمها الشافعي.
أما الحشرات المستقبحة فعول من حرمها على قوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] ورآها داخلة تحت العموم، وعول الآخرون على ظاهر الحصر المستفاد من الآية المقتضية لحصر أنواع المحرمات.
قال القاضي رحمه الله: «وأما الأشربة فلا يحرم منها إلا ما سكر» إلى آخره.
شرح: انعقد إجماع المسلمين على تحريم الخمر وهو الماء المعصر من العنب قليلًا كان أو كثيرًا، والدليل عليه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{قل إنما حرم ربي الفواحش} الآية [الأعراف: 33]، والإثم الخمر.
قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي ** كذلك الإثم يذهب بالعقول
وقال تعالى: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] فقال عمر: (انتهينا يارب انتهينا يارب) ففهموا التحريم من الآية ولا مخالف، وأما الأنبذة فأجمع المسلمون على تحريم الإسكار منها. واختلف في القليل الذي لما يقع به الإسكار، والجمهور على التحريم، لها في الصحيح من حديث عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع وعن النبيذ فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام) خرجه مسلم قال ابن شعبان: هذا أصح حديث روي عنه عليه السلام في تحريم المسكر وهذا حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكر كرام) خرجه مسلم وخرج أبو داود حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (حرمت الخمر لعينها، والسكر من غيرها) وهل يسمى النبيذ خمرًا أم لا؟ فيه خلاف مشهور بين أهل العلم مسند إلى النص والمعنى، أما النص فما رواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من العنب خمرًا
ومن العسل خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن الحنطة خمرًا، وأنا أنهاكم عن كل مسكر). وهذا يدل على أن هذه تسمى خمرًا في الشرع، وأما المعنى فإن الخمر إنما هي بذلك من المخامرة وتغطية العقل فحيث ما حقق هذا المعنى صدق إطلاق اللفظ عليه، وهذا مبني على جواز القياس والخلاف في ذلك مشهور.
قوله: «وشرب الخليطين مكروه» وهذا كما ذكره. وقد اختلف العلماء في ذلك، والصحيح نهيه عليه السلام أن يخلط الثمر والزبيب والزهو والرطب والبسر والدباء والمزفت والمعنى ألحقهم آلات ينتبذ فيها، وقد اختلف الناس في الانتباذ فهي على ثلاثة أقوال فكره الثوري ذلك. وأجاز أبو حنيفة الانتباذ في هذه الظروف وغيرها. والمشهور من المذهب كراهية الانتباذ في الدباء والمزفت لسرعة الإسكار فيها دون ما عداهما.
وأما الانتباذ في الظروف من الأدم فجائز إجماعًا لقوله عليه السلام: ( .... ) والصحيح العمل على مقتضى نهيه عليه السلام عن الانتباذ في الأربع التي ذكرها الثوري.
قوله: «وشرب العصير والعقيد جائز» : ويقربه المطبوخ الذي ذهب منه الإسكار بكل حال والإجماع على جوازه، لأنه في حكم الحلو والعسل واللبن وغير ذلك من المائعات والله أعلم.
قال ابن المواز: ليس ذهاب الثلثين في كل بلد ولا في عصير يحل. قال غيره: المقصود أن يذهب منه قوة الإسكار. قال مالك: كنت أسمع إذا ذهب ثلثاه لم يكره. قال ابن المواز: لا أجد في طبخ العصير ذهاب ثلثيه، وإنما النظر إلى السكر.