الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الضحايا والعقيقة
قال القاضي رحمه الله: «والأضحية سنة مؤكدة يخاطب بها كل قادر عليها» إلى قوله: «المعلومات» .
شرح: وهذا كما ذكره أصل مذهب مالك، وقد اختلف في حكمها، هل (هي واجبة)، أو سنة، فقال الجمهور: أنها سنة (واجبة) وشذ بعضهم فقال: إنها واجبة، واستقرئ ذلك من مذهب مالك، (و) في كتاب ابن
المواز سنة واجبة، فقال ابن عبد الحكم: قلت: أرأيت الضحية أسنة هي؟ قال: نعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالنحر وهو لكم سنة) والدليل للجمهور قوله عليه السلام: (إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره). وفي قوله: «فإن أراد أن يضحي» دليل على أن الأضحية غير واجبة، وقال عليه السلام:(أمرت بالنحر وهو لكم سنة) وهذا لا يقتضي الوجوب، وهو المعتمد عليه من مذهب مالك نصًأ واستقراءً، وقد أثم ابن القاسم وابن حبيب تاركها مع القدرة، واعتمد من قال بالوجب على قوله عليه السلام لأبي بردة:(ولن تجزي أحدًا بعدك) هذا ما استدل به
العراقيون، وفي كلا الدليلين ضعف. أما قوله:«وأراد أن يضحي» فلا ينفي الإيجاب، لأن القائل يقول: من أراد الصلاة فليتوضأ، ولا يدل ذلك على سقوط (فرضيته) وكذلك قوله:(وهو لكم سنة) يحتمل أن يكون المراد طريقة تقفونها وتتبعون أثرها، وإتباعه عليه السلام مأمور به في الفرائض والنوافل. وأما قوله عليه السلام:(اذبحها ولن تجزئ أحد بعدك) فالمراد إجزاء السنن فلا قطع فيه بالفريضة أيضًا، والصحيح أنها سنة فعلها خليل الرحمن ونبينا صلى الله عليه وسلم، وعليها عمل المسلمون، واستمر فعلها بينهم وذلك لا يحلقها بالفرائض المذكور [ة] والله أعلم.
قوله: «يخاطب بها كل قادر عليها» : وهذا محمول على عمومه في المسافر والحاضر، وأوجبها أبو حنيفة في الحاضر دون المسافر. قال علماؤنا: يخاطب بها كل مستطيع حر مسلم، إذا لم يكن حاجًا حاضرًا كان عندنا، أو مسافرًا.
قوله: «إلا الحاج بمنى» : وهذا ما ذكره هو مذهب مالك، لأن مذهبه أنه رخص للحاج بمنى في تركها اكتفاء بالهدي عنها، وسوى الشافعي بين الحاج وغيره، ولا شك أنه عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر وهو حاج وهو متعلق الشافعي، إلا أنه حمله أصحابنا على الأفضل.
قوله: «وهي إراقة دم كامل» : تنبيهًا على مذهب المخالف، ثبت عن ابن عباس أنه بعث عكرمة وقال له: اشتر لنا لحمًا، وقل لمن لقيته: هذه أضحية
ابن عباس.
قوله: «منفرد به غير مشارك في ثمنه» : تنبيهًا (أيضًا) على مذهب المخالف. وقد اختلف الفقهاء في جواز الشريك في الضحايا. ومذهب مالك أنه ممنوع، لأن التقرب هو الذبح، وإراقة الدم، وذلك لا يتبعض، ويجوز أن يذبح الرجل عن نفسهن وعن أهل بيته الكبش الواحد، والأفضل أن يضحي عن كل شخص بأضحيته. وأجاز جماعة من أهل العلم الشريك في الضحايا وفي الهدي، وبه قال الشافعي وأحد، وأبو حنيفة، وجماعة اعتمادًا على ما رواه جابر:(قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة فقاس الشافعي الضحايا على الهدايا، واعتمد مالك على ما رواه ابن شهاب قال: (ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل بيته إلا بدنة واحدة، أو بقرة واحدة).
قوله: «ولا تكون إلا من بهيمة الأنعام» : وهذا مذهب الجمهور، وروي عن بلال أنه ضحى بديك. وأجاز الحسن بن صالح التضحية ببقر الوحش
والظباء، ولم ينقل عن أحد من الصدر الأول، والأصل فيما قاله الجمهور العمل المتصل.
واختلف العلماء إذا طرق فحل من غير بهيمة الأنعام أنثى من بهيمة الأنعام هل يجزئ في الضحايا أم لا؟ حكى الشيخ أبو إسحاق وغيره في قولين، ولو كانت أنثى من غير بهيمة الأنعام والذكر من بهيمة الأنعام لامتنع الإجزاء بلا خلاف، لأن الولد تابع للأم.
قوله: «وأفضل الأجناس (منها): الغنم» : وهذا هو المشهور من مذهب مالك رحمه الله في الضحايا وقد روى عنه أفضلها الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، وهو صريح مذهب الشافعي في الضحايا، وانفرد بهذه الرواية عن مالك، أشهب، وابن شعبان والدليل للمشهور عن مالك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم:(أنه ضحى بكبش أقرن) وهو الذي افتدى (به) إبراهيم عليه السلام ولده. واعتمد الشافعي على قوله عليه السلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنها قرب (بدنة) الحديث.
وإذا قلنا: إن الغنم أفضل من الإبل والبقر، فهل الإبل أفضل، أم البقر أفضل، أو بالعكس؟ فيه قولان في المذهب نظر إلى طيب اللحم أو كثرة الثمن، والمشهور أن (الإبل أفضل). وقال أشهب: البقر أفضل من جميع الأنعام لأهل منى أداء، وإن كانت (لأوجب) عليهم (الضحية). واتفقوا على أن الضأن أفضل من المعز، واختلفوا في ذكور كل صنف هل هو كأنثاه سواء في التفضيل، أو الذكور أفضل، وفيه قولان (في المذهب)، والمشهور أن الذكور أفضل، لأنه عليه السلام أنما ضحى بكبش، ولم يرو عنه أنه ضحى بنعجة، وكذلك اختلفوا هل الفحل أفضل من الخصي، وفيه قولان عندنا مبنيان على الخلاف هل المقصود طيب اللحم، أو كمال الخلقة.
قوله: «وسنها من الضأن الجذع ومما سواه الثني» : وهذا كما ذكره، وقد روى هذا الحديث عنه، وشذ قوم من أهل العلم فقالوا: لا يجزئ من
الضأن إلا الثني.
واختلف أهل اللغة في سن الجذع من الضأن على أربعة أقوال: قيل هو ابن ستة أشهر، وقيل: ابن ثمانية أشهر، وقيل: ابن عشرة أشهر، وقيل: ابن ستة، وكل ذلك مشهور في المذهب مبني عن أقوال أهل اللغة.
قوله: «ويتقى فيها من كل عيب ينقص اللحم أو مرض الحيوان» : والأصل في ذلك ما رواه البراء بن عازب أنه عليه السلام سئل عن ما يتقى من الضحايا، فأشار بيده فقال: أربعة، وكان البراء يشير بيده، ويقول: يدي أقصر من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العرجاء البين عرجها والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجماء التي لا تنقي) معنى لا شحم فيها.
وقد أجمع العلماء على أن هذه العيوب المذكورة في هذا الحديث ينبغي أن تجتنب. واختلفوا هل الحكم مقصور عليها لقوله لأبي بريدة:
ولا يجزئ جذع لأحد بعدك. وظاهره الإطلاق، وعول الجمهور على قوله عليه السلام في حديث جابر:(لا تذبحوا إلا سمينة إلا أن يعسر عليكم، وتذبحوا جذعة من الضأن) أخرجه مسلم، أو متعلق بمعانيها.
وتحصيل المذهب في ذلك: أن صفة الأضحية على قسمين: صفة كمال وصفة إجزاء، فصفات وصف الكمال أن تكون من أعلى الجنس سالمة من جميع العيون كلها قليلها وكثيرها. قال أبو الطاهر: لأنه قربان إلى الله تعالى، وقد سميت هديًا، ولا ينبغي أن يهدى إلى ملك الملوك إلا أفضل الأشياء وأكملها، وقد قال سبحانه:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا} الآية [آل عمران: 92]. ولذلك قال الضحاك: إن أحب أموالي بيرحى الحديث. وكان ابن عمر يتصدق السكر لأنه كان يحبه، وأعتق جارية
كان أحب الناس فيها عملًا على هذه الآية، والآثار في هذا المعنى كثيرة وقد قال سبحانه تنبيهًا على هذا المعنى {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]. وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب؟ فقال: أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها. وأما الصفات التي تتقى وتمتنع: وجود هذه الأربعة المذكورة في الحديث. وفي المذهب قولان: هل ذكرت تنبيهًا على غيرها أم الحكم مقصور عليها، والقصر جار على أصول أهل الظاهر.
وقسم الإمام أبو عبد الله العيوب على ثلاثة أقسام، منها: ما ينقص الجسم دون المنفعة كقطع الأذن، والذنب، وهذا فيه قولان: المشهور أنه يمنع الإجزاء إن كان كثيرًا، وإن كان يسيرًا لم يمنع الإجزاء. وقسم ينقص الجسم والمنفعة، ولا يعود مصلحة كقطع اليد والرجل، هل يمنع الإجزاء وقسم ينقص الكمال دون اللحم والمنفعة كالمجنونة. قال الشيخ أبو الوليد الباجي: لم أر فيه نصًا في المذهب.
واختلف المتأخرون هل يمنع الإجزاء أم لا؟ واختار الباجي عدم الإجزاء.
قال القاضي رحمه الله: «ومحلها الأيام المعلومات وهي ثلاثة أيام: يوم النحر ويومان بعده» .
وأجمع العلماء على أن مبدأها يوم النحر وآخرها اليوم الثالث عند الجمهور، وقال الشافعي والأوزاعي: آخر أيام الأضحى اليوم الرابع، وقيل: إلى آخر يوم من ذي الحجة. وقال: بعض السلف ليس للأضحية إلا يوم واحد وهو يوم النحر. والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك: «نهيه عليه السلام عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث» فلو كان ما بعد ذلك محلًا للذبح لما منع الأكل.
وقوله: «وتعجيلها يوم النحر أفضل» وهذا كما ذكره، ولا خلاف أن اليوم الأول أفضل من اليوم الثاني. واختلف المذهب على قولين: أيهما أفضل فيما بعد الزوال من اليوم الأول أو أول النهار من اليوم الثاني، ولاشك أنه عليه السلام ذبح في اليوم الأول قبل الزوال، واختلفوا هل يجزئ الذبح ليلًا أم لا؟ فيه قولان في المذهب. ومبنى المسألة على الاختلاف في مفهوم
اللقب هل هو حجة أم لا؟ وقال به مالك والدقاق والجمهور على خلافه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذبح الليل فقال:(لا يجزئ) وهل يراعى في اليوم الأول الصلاة، وذبح الإمام، أو الصلاة دون ذبح الإمام، أو لا يراعى واحد منها.
واختلف العلماء في ذلك، مالك اشترط ذبح الإمام والصلاة، وهل يشترط ذلك في اليومين اللذين بعد يوم النحر أم لا؟ فيه قولان في المذهب:
الأول: أن ذلك مشروط قياسًا على اليوم الأول.
الثاني: أنه لا يشترط.
قوله: «ويستحب أن يلي المضحي ذبحها إن كان ممن يحسن الذبح» : وهذا كما ذكره وكان عليه السلام يتولى ذبح أضحيته بنفسه ذكر ذلك أهل الآثار. والاستنابة جائزة إذا كان من أهل القربة، وذبح المستناب عن المستنيب.
وقولنا: «إذا كان من أهل القرية» احترازًا من الكافر، وقد تقرر أن
الكافر على قسمين: كتابي، وغير كتابي، فإن استناب كافرًا غير كتابي لم تجزه الأضحية بلا خلاف، فإن كان المستناب كتابيًا، فهل تجزئ الضحية وتجوز استنابته أم لا؟ فيه قولان في المذهب مبنيان على تغليب القصد، أو تغليب الملك.
وقولنا: «وذبح المستناب على المستنيب» احترازًا من أن يقصد الذبح عن نفسه، وقد اختلف في هذه الصورة على قولين:
أحدهما: أنه لا يلتفت إلا إلى قصد الملك، فلو قصد الذبح عن نفسه، لا عن مستنيبه فقصده كلا قصد، وهي مجزئة عن المالك.
والقول الثاني: أنه غير مجزئة تغليبًا لقصده على قصد المالك، وكذلك اختلفوا إذا ذبحها غيره بغير إذنه هل يجزئه أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: الإجزاء ونفيه، والتفرقة بين القريب، أو الصديق الذي تقتضي العادة جواز تصرفه، فيجزئ ذبحه بغير إذن ربها، ولا يجزئ ذلك في الأجنبي، وكذلك اختلفوا إذا استناب تارك الصلاة فقيل في المذهب: أن ذلك باطلة، وهي ميتة يلزم ذبحها، وقيل: يجزئه ذلك، والقولان في المذهب. ولو غلط غالط فذبح أضحية غيره عن نفسه لم تجزئ عن واحد منهما على المشهور في المذهب.
قوله: «ووقتها بعد الصلاة والخطبة، وبعد ذبح الإمام» : وهذا كما ذكره، ومذهب مالك رحمه الله، والدليل على صحة حديث أبي بردة. وقد اختلف
المذهب في طرقه، ففي بعضها أنه ذبح قبل ذبح النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره عليه السلام بالإعادة، وهذا إذا أبرز الإمام ذبيحته إلى المصلى، فإن لم يبرزها وتأنى بعد رجوعه، فهل يجزئ الذبح قبله أم لا؟ فيه قولان في المذهب. وحكم من لا إمام لهم أن يتحروا ذبح أقرب الأئمة إليهم عند مالك. وقال الشافعي: يجرون قدر صلاة الخطبة دون الذبح جريًا على أصله.
قوله: «ثم إن تبين لهم الغلط في تحريمهم فلا شيء عليه» : وهذا فيه قولان المشهور الإجزاء كما ذكره، والشاذ أنهم إذا أخطأوا في الاجتهاد فهي غير مجزئة، ومبنى المسألة على الاجتهاد: هل يرفع الخطأ أم لا؟ وفيه قولان.
قوله: «ويسمي عند ذبحها» : وفي ترك التسمية سهوًا روايتان، المشهور أنه مباح ولفظه: أن يقول: «بسم الله والله أكبر» واستحب بعضهم أن لا يقول في هذا الموطن: «بسم الله الرحمن الرحيم» لأن هذا ليس من موضع الرحمة في حق البهيمة.
قوله: «ولا يباح شيء منها ولا يعارض لجازر ولا يصرف في ماعون ولا غيره» : وهذا كما ذكره لأنها قربة إلى الله سبحانه، وبه قال
الجمهور من أهل العلم، فإن وقع التصرف في ذلك بمعاوضة، أو نحوها رد ما كان قائمًا، فإن فات ذلك ففي ثمنه ثلاثة أقوال، فقيل: يتصدق به، وقيل: ينتفع به مطلقًا في ماعون، وقيل: يتصرف في ماعون وغيره، ولو غصب فله أخذ قيمتها، وليس ببيع، ورآه ابن القاسم بيعًا، واستحب ألا يغرم أحد قيمتها، وإذا قلنا بجواز أخذ القيمة صنع بها ما شاء، وقيل: يتصدق بها، وحكم ولدها ولبنها وصوفها وسائر أبعاضها حكمها، وتباع عليه في الدين كالهدي، ولو قلده وأشعره، وقيل: لا تباع، واختلف هل لورثته قسمة لحمها، ففي كتاب محمد المنع منه، وأجاز مالك وابن القاسم، وهل يجوز للمتصدق عليه بشيء منها بيعها أم لا؟ فيه قولان في المذهب وأجاز سحنون أن يؤاجر ربها جلدها.
قوله: «ويجوز أن يطعم منها الغني والفقير» : أما الفقير فلا خلاف في جواز إطعامه منها، وفي جواز إطعام الغني منها قولان في المذهب ولا حد لما يطمع منه، وقيل: يستحب منه الثلث، وقد قال عليه السلام:(كلوا وادخروا وتصدقوا) وكل ذلك محمول عندنا على الندب، والاستحباب على الخلاف بما يتعلق.
قال القاضي رحمه الله: «والعقيقة مستحبة» إلى آخر الفصل.
شرح: العقيقة اسم لشعر المولود. وقال أحمد بن حنبل: العقيقة
الذبح نفسه وهو قطع الودجين والحلقوم، وقيل: العقيقة: الذبيحة نفسها، وقيل: إنها مشتقة من العق وهو القطع، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(لا أحب العقوق). وقد اختلف العلماء في تأويله، فقال بعضهم: هذا إشارة إلى كراهية الاسم فقط، فكأنه كره تسميتها عقيقة وأحسن منه أن تسمى نسيكة وهي عند أهل الظاهر واجبة، وجمهور العلماء على أن العقيقة غير واجبة، بل سنة، وقد حكى عن أبي حنيفة أنها بدعة، وقيل: تطوع. والدليل على أنها ليست بواجبة قوله عليه السلام: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل) وظاهره يعطي الندب، أو الإباحة. واحتج من رأى أنها واجبة بقوله عليه السلام:(كل غلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه). وقد أثبت أنه عليه السلام ذبحها عن ولديه الحسن
والحسين وأفعاله تدل على الندب والإباحة. وأحكامها وأسنانها وصفاتها كالضحايا سواء.
قوله: «وهي شاة كاملة عن كل مولود ذكرًا كان أو أنثى» : وهذا تنبيه على مذهب المخالف. ومذهب الجمهور أن الذكر والأنثى سواء، ويعق بشاة عن الذكر والأنثى. قال الشافعي، وأبو ثور، وداود، وأحمد: يعق عن الجارية بشاة وعن الغلام بشاتين اعتمادًا على ما رواه أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة: (شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة).
قوله: «ووقتها سابع يوم الولادة» : وهذا هو المشهور إذا ولد قبل الفجر، فإن ولد بعد الفجر فهل يحسب ذلك اليوم أم لا. فيه قولان في المذهب، وقد قيل: إذا مضى أكثر النهار لم يحسب، وكذلك اختلفوا إذا ماتت في السابع الأول هل يعق في السابع الثاني والثالث أم لا؟ وفيه قولان.
قوله: «وسنتها في الجنس والسن واتقاء العيب ووقت الذبح من اليوم وجواز الأكل سنة الأضحية» : وهذا كما ذكره، والجمهور على أن العقيقة تكون بالإبل والبقر. قال الشيخ أبو الحسن: لا يعق بشيء من الإبل
والبقر، إنما العقيقة بالضأن والمعز، ووقع مثله في العتبية.
قوله: «ووقت الذبح» : يعني الأسبوع الأول وأول يوم منه قبل الزوال، وقد ذكرنا الخلاف هل يقع في الأسبوع الثاني، روى ابن وهب الأسابيع الثلاثة في العقيقة كالأيام الثلاثة في الأضاحي. وفي مختصر الوقار عن مالك: يعق في الأسبوع الأول، فإن فات ففي الثاني، فإن فات فلا عقيقة، وروى محمد: أن العقيقة تذبح ضحى كيوم الأضحية، ولا تذبح إلا من الضحى إلى الزوال.
واختلف المذهب هل يعق ليلًا أم لا؟ كالخلاف في الأضحية، وكذلك اختلفوا هل يجوز ذبحها بعد الفجر أم لا؟ وفيه قولان في المذهب.
واختلف المذهب هل يدعى لها كما يدعى للولائم أم لا؟ وفيه قولان في المذهب الجواز والكراهية، لأنه من باب المباهاة.
واختلف المذهب هل يخص الفقراء، أو يعطى الأغنياء والفقراء، وفيه قولان كالضحايا. وهل يبعث لحمهما غير مطبوخ، أو مطبوخًا، وفي المذهب في ذلك قولان والأول هو المشهور، وإذا اجتمعت الأضحية، والعقيقة وليس له إلا شاة جعلها أضحية. قال ابن حبيب: لأن الأضحية أوجب.
واختلف المذهب في حلاق شعر المولود، والتصدق بوزنه ذهبًا، فقيل: هو جائز، وقيل: هو مكروه والقولان عن مالك. وروي عن فاطمة رضي الله عنها-
أنها حلقت رأس الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وتصدقت بوزنه فضة. وقال عليه السلام:(وأميطوا عنه الأذى) إشارة إلى حلق الشعر ومنع لطخه بالدم كما كانت عادة الجاهلية. وشذ الحسن، وقتادة فقالا: يمس رأس الصبي بقطنة غمست في دمها. وأباه الجمهور. قال ابن حبيب: ويستحسن أن يوسع بغير شاة العقيقة لإكثار الطعام ويدعو الناس إليه. وقال مالك في المبسوط: عققت عن ولدي فذبحت من الليل ما أريد أن أدعو إليه إخواني وغيرهم، وهيأت طعامهم، ثم ذبحت شاة للعقيقة، فأهديت منها للجيران، فأكلوا وأكلنا. قال مالك: فيمن وجد سعة فأوجب له هذا، ومن لم يجد سعة فليذبح عقيقته، ثم ليأكل منها، وليطعم منها.
قوله: «والختان واجب» إلى آخره. أجمع العلماء على أنه مشروع، وأنه من الفطرة. وفي الصحيح:(كان إبراهيم عليه السلام أول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رآى الشيب قال: ما هذا يارب قال: وقار، قال: يارب زدني وقارًا). وفي حديث أبي هريرة: (أن إبراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم، وهو ابن ثمانين سنة)، وأول من
خفض من النساء هاجر، خفضتها سارة حين غضبت عليها فحلفت بقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها فأفتاها إبراهيم عليه السلام بالخفاض وثقب الأذنين). وقد اختلف العلماء في حكم الختان، فقال الجمهور: إنه سنة، وليس بواجب، وقال سحنون وغيره: واجب وجوب الفرائض، إذ لولا وجوبه لما أبيح الاطلاع على العورة الواجب سترها. وقال ابن حبيب عن مالك: من تركه مختارًا لم تجز شهادته، ولا إمامته، وقال عليه السلام:(لا يحج الأغلف البيت حتى يختتن) وذلك لتحقيق معنى الاقتداء بإبراهيم عليه السلام. واختلفوا هل للكبير رخصة في ترك الاختتان أم لا؟ فرخص الحسن، وغيره في ترك الاختتان، له وبه قال محمد بن عبد الحكم في الشيخ الكبير إذا خاف على نفسه، ولم يرخص له سحنون وإن خاف على نفسه. واختلفوا أيضًا فيمن ولد مختونًا فقيل: يكون عليه الختان إن أمكن، وقيل: قد كفاه الله مؤنته، وهل يجوز أن يختتن المولود في سابعه، أو يكره، لأنه تشبيه باليهود فيه قولان.