الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الماشية
قال القاضي رحمه الله: ((وتجب الزكاة في الماشية)) إلى آخر الفصل.
شرح: الأصل في زكاة الماشية ما خرجه مالك في موطئه أن ((أبا بكر الصديق كتب هذا الكتاب لما توجه إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها)) الحديث خرجه البخاري وعليه الاعتماد وبه القضاء والاستناد، وعليه عمل الخلفاء الراشدين.
وذكر القاضي مجيء الساعي مع الحول والنصاب، ولا خلاف أن الحول والنصاب شرطان في الوجوب. واختلف الأئمة في خروج الساعي هل هو شرط في الوجوب أو في الأداء، وفيه قولان عندنا أحدهما: أنه شرط في الوجوب كالحول، فإذا حال الحول على أرباب الماشية، ولم يخرج
السعاة، لم تجب عليهم الزكاة على هذا القول. والثاني: أن الزكاة واجبة لحلول الحول فقط، خرج السعاة أم لا قياسًا على غير الماشية من الأموال، والأول هو المشهور من المذهب تغليبًا للعمل الجاري في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في مسائل وقعت في المذهب:
المسألة الأولى: إذا حال الحول على الماشية فمات ربها قبل إتيان الساعي فقال في المدونة: لا تجب على رب المال زكاة بناء على ما ذكرناه. والقول الثاني: أن الزكاة واجبة عليه.
الثانية: إذا تخلفت السعاة عن الخروج لعذر فأخرج أرباب الماشية زكان ماشيتهم هل تجزئهم أم لا؟ فيه قولان الأول: أنها لا تجزئهم لأنها حينئذ تطوع فلا تجزئ عن الفرض، الثاني: الإجزاء بناء على ما ذكرناه.
الثالثة: إذا حال الحول ولم يخرج السعاة فمات المالك فهل يجب إخراجها، وإن لم يوص بها بناء على أنها وجبت بالحق، فكانت دينًا، ودين الله أحق بالقضاء، وقيل: إن أوصى بها كانت في الثلث غير مبدأة على غيرها من الوصايا، وقيل: تبدأ ترجيحًا لحق الله سبحانه.
قوله: ((ولا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمس ذود ففيها شاة)): قلت: قد قدمنا أن الاعتماد على زكاة الماشية على كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كتاب ثابت عمل عليه الخلفاء. وأجمع المسلمون على القول بمقتضاه.
أول نصيب الإبل خمس ذود إلى عشرين ومائة، فلم يختلف في ذلك أحد من علماء الأمة واختلف أهل اللغة في تفسير الذود فقال ابن قتيبة: ما بين الثلاث إلى العشر وهو اسم جماعة الإبل قال: لو كان واحدًا لما جاز أن يقول: خمس ذود، وقال عيسى بن دينار:((الذود واحد حكاه ابن مزين)).
قوله: ((ففي خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم يكن فابن لبون ذكر)): وهذا كما ذكره، وتحصيل القول فيه إما أن يوجد فيها بنت مخاض وابن لبون أو يفتقد أو يوجد أحدهما ويعدم الآخر، فإن وجدا معًا فالواجب عليه بنت مخاض اتباعًا للنص، فإن اتفقا على ابن لبون مع وجود بنت مخاض، ورأى الساعي ذلك نظرًا للفقراء ففيه قولان: أحدهما: جائز لأن الساعي وكيل عن الفقراء، فيتصرف لهم بالصلاح، وهو قول ابن القاسم
[الثاني]: أن ذلك لا يجوز عملًا بظاهر نص الحديث الذي قدمنا الاعتماد عليه في هذا الباب، وبناء على أن القسم في باب الزكاة (معتقدة). فإن عدما كلف ابنة مخاض، فإن تراضيا حينئذ على ابن لبون جرى فيه ما ذكرناه. وإن عدم أحدهما، ووجد الآخر أخذ الموجود إذ (هو) مقتضى النص. وقد اختلف في معنى قوله:((فابن لبون ذكر)) فقيل: إن الصفة للتوكيد، وقيل: تنبيه على معنى الشرف والتعظيم.
واختلف المذهب في مسائل:
الأولى: إذا وجبت الغنم في زكاة الإبل أخرج المزكي من غالب الأغنام، وهل يعتبر غالب ملكه أو غالب ملك البلد فيه قولان: الأول: أصح، لأنه هو المخاطب بنفسه.
الثاني: إذا وجبت عليه سن (فأخرج) فأفضل منها، أجزى ذلك إذا تراضيا عليه. وإن أعطى النقص من الواجب عليه وزاد (على) الفضل، أو أخذ الساعي أفضل، وزاد من مال الفقراء ثمنًا، فقيل: يجوز ابتداء، ويجزئ، وقيل: لا يجوز ولا يجزئ أصلًا، وقيل: يكره ابتداء وإن
وقع جاز.
قوله: ((إلى عشرين ومائة)): وهذا كما ذكرنا (ما يجمع) عليه، فإذا زادت واحدة على العشرين ومائة، ففيها ثلاث روايات: أحدها: أن الساعي مخير في ذلك بين حقتين أو ثلاث بنات لبون وهو قول ابن القاسم، وقيل: ليس له إلا حقتان حتى تبلغ ثلاثين ومائة وهو قول المغيرة، وقيل: فيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ ثلاثين ومائة فيكون فيها بنتا لبون وحقه.
قوله: ((ويتغير الفرض بزيادة عشر)): معناه: أنه إذا كانت مائة وثلاثين فيها بنتا لبون وحقه (وفي الأربعين ومائة حقتان وبنت لبون) وفي خمسين ومائة ثلاث حقاق. وفي الستين ومائة أربع بنات لبون، وفي السبعين ومائة ثلاث بنات لبون حقه، وفي مائتين أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، وفي ما زاد في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.
قوله: ((وفي تغييره بما دونها خلاف)): إشارة إلى الخلاف الذي قدمناه فيما إذا زادت واحدة على العشرين ومائة، وهو جار على ما لم تبلغ ثلاثين ومائة، فقد تغير الفرض بلا خلاف، والصحيح أن الفرض لا يتغير إلا بالعشر لقوله عليه السلام:(فما زاد ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقه). فعلق تغيير الفرض بالعشرة.
قوله: ((فإذا قيل: بتغير الفرض، قال: يخير الساعي)): هذا إشارة إلى
تفصيل الخلاف الذي أجمله، فإذا قلنا: بالتخيير فقد تغير الفرض من حيث كان الواجب بالعشرين ومائة حقتان لا غيرهما، فإذا زادت انتقل الفرض إلى تخيير الساعي فقد زال تغيير الفرض بتخيير الساعي على هذا القول، وزاد على قول ابن القاسم بثلاث بنات لبون قطعًا وهذا من تغيير الفرض بما دون العشرة.
قال القاضي رحمه الله: ((ولا زكاة في البقر حتى تبلغ)) إلى آخر.
شرح: الأصل في زكاة البقر حديث معاذ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا من كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارًا أو عدله (عرضًا)) قد خرجه النسائي. وذكر مالك في الموطأ: (عن حميد بن قيس عن طاوس: أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك
فأبى أن يأخذ منه شيئًا: وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئًا حتى ألقاه فسأله، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل). هذا هو الصحيح أن معاذ بن جبل قدم بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأول نصاب البقر ثلاثون. هذا ما اجتمع عليه الجمهور، وشدت طائفة فقالت: في كل عشرين من البقر شاة إلى ثلاثين ففيها تبيع، وقيل: إذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، والصحيح ما اجتمع عليه الجمهور أن أول نصاب ثلاثين ففيها تبيع. واختلف المذهب في مسائل:
الأولى: في سن التبيع، فقال القاضي أبو محمد: سنه سنتان وقيل: الذي أكملهما، ودخل في الثالثة، وكذلك اختلف العلماء في سن المسنة فقيل: بنت ثلاث سنين وقيل: (الذي) أكملها ودخل في الرابعة.
واتفق المذهب على أنه لا يؤخذ في الأربعين إلا مسنة أنثى اتباعًا لنص الخبر. واختلفوا هل يجزئ من ثلاثين تبيعه أم لا؟ يؤخذ إلا تبيع ذكر، فيه قولان عندنا، فقيل: لا يؤخذ إلا الذكور قاله مالك. قال محمد: ويجوز أن يؤخذ التبيع أنثى إذا سامح بذلك ربها، وقيل: الخيار في ذلك للساعي.
قال القاضي رحمه الله: ((ولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين)).
شرح: أول نصاب الغنم أربعين، ولا خلاف في ذلك إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإذا زادت واحدة ففي كل مائة شاة، وهذا التقدير لا حظ له للمعنى، وتحديد لا يتلقى إلا بالتوقيف.
واختلف المذهب في سن الجذع فقيل: ابن ستة أشهر وقيل: ابن ثمانية أشهر، وقيل: ابن عشرة، وقيل: ابن السنة الكاملة. والثني الذي دخل في السنة الثانية، والبخت والعراب نوع واحد والجواميس والبقر كذلك. والضأن والمعز نوع واحد، فإذا اجتمع نوع من هذه الأنواع ضم بعضها إلى بعض، هذا لا خلاف فيه، وشذ ابن لبابة فرأى أن الضأن
والمعز صنفان لا يجتمعان في الزكاة، والعرف خلافه.
واختلف المذهب أيضًا في صفة الجذع من الشأن والثني من المعز، فقيل: لا يكونان إلا أنثى لأنه مقتضى نص حديث أبي بكر المرجوع إليه في هذا الأصل، وقيل: يجزئ الثني ذكرًا كان أو أنثى، وذلك موكول إلى خيار الساعي حيث يرى صلاحًا للفقراء.
قوله: ((من غالبها)): إشارة إلى اجتماع النوعين، ولا يخلو النوعان أن يكونا متساويين، أو أحدهما أكثر، فإن كان متساويين فالساعي بالخيار أن يأخذ من أي نوع شاء، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر. فقال ابن القاسم: يأخذ من الأكثر، لأن الأقل تبع غير معتبر بنفسه، وقال محمد بن مسلمة: يأخذ من أيهما شاء.
قوله: ((والعاملة والسائمة سواء)): وهذا صريح مذهب مالك أن الزكاة واجبة في العاملة والسائمة والمعلوفة اعتمادًا على نص قوله عليه السلام: (في كل أربعين شاة) ......................
وقدم العراقيون المفهوم على العموم فقالوا: لا زكاة في المعلوفة لأنها فائدة التخصيص. وجمهور العلماء على أن حول البنات حول الأمهات والعجاجيل والسخال في وجوب الزكاة فيها كالكبار لدخولها تحت مقتضى العدد المنصوص عليه.
قوله: ((ويضم ما استفاد إليها من غير نمائها إلى نصاب إن كان عنده منها)): أصل المذهب أن فوائد الماشية بخلاف فوائد العين، وتفصيل ذلك: إن كانت الأولى نصابًا من الماشية، ثم استفاد نصابًا من جنسها، أو دون نصاب، فهل يضيف الفائدة الثانية إليها ويزكيها لحول الأولى، أو يستقبل بالثانية حولًا، فيه قولان في المذهب المشهور أنه يزكيها لحول الأولى، والقول الثاني: أنه يستقبل بالفائدة الثانية الحول، ولا يضيفها إلى حول الأولى. فإن كانت في الثانية نصابًا فإنه يجعل حولها من يوم استفادها، وإلا
انتظر تكميل النصاب فيها إن كانت أقل من النصاب واختلف شيوخنا في علة الفرق على طريقين فمنهم من قال: لأن العين لا سعاة لها فيزكي كل واحد على حولها بخلاف الماشية فيضيف، إذ لا يتكرر خروج السعاة في العام الواحد، ومنهم من فرق بينهما، لأنه يؤدي ذلك إلى مخالفة النصاب الشرعي مثل: أن يملك أربعين، ثم بعد نصف سنة يفيد أربعين أخرى، فلولا الضم لأخرج من ثمانين شاتين وهو خلاف السنة.
واختلف في نوعين:
الفرع الأول: هل يخرج الإمام السعادة عام الجدب أم لا؟ وفيه قولان. المشهور أنهم يخرجون، والشاذ أنهم لا يخرجون.
الثاني: إذا طرق فحل الوحشي أنثى من أحد الأنواع الثلاثة، فكان النتاج فهل تجب (في الولد الزكاة) أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: وجوب الزكاة وإسقاطها، واعتبار الأم، فإن كانت وحشية لم تجب، وإن كانت من بهيمة الأنعام وجبت، لأن الولد تابع لأمه.
قوله: ((ولا (زكاة) في الأوقاص)): وهذا هو المشهور كما ذكره. وقد اختلف المذهب في هذا الأصل وهو: هل الأوقاص مزكاة أم لا؟
وتظهر فائدة هذا الخلاف في الخلطة.
قوله: ((ولا يؤخذ في زكاة الماشية كرائمها)) إلى آخره. قلت: القول الكلي فيه أنها إن كانت كلها كريمة كلف الوسط، وكذلك إن كانت كلها رديئة، وإن تساوت أخذ منها غير تكليف الشراء، هذا أصل المذهب في الإتيان فإن طاع أرباب المواشي، فأعطى الأفضل، فالجمهور على الجواز، لأنه داخل تحت طيب النفس، وقيل: لا يجوز لقوله عليه السلام: (إياكم وحزرات الناس) وذلك عندما راجع إلى حال المشاحنة لا إلى المسامحة.
قال القاضي رحمه الله: ((وللخلطة في الماشية)) إلى آخره.
شرح: اختلف العلماء في تفسير الخلطة وهل هي مؤثرة، فقال بعضهم: الخلطة والشركة سواء فهو قول العراقيين، وقيل: الخلطة أعم من الشركة فكل شريك خليط، وليس كل خليط شريك، والفرق بينهما أن الشريك لا يعرف عين ماله بخلاف الخليط. واختلفوا هل هي مؤثرة في الزكاة أم لا؟ والجمهور على تأثيره، وإنما تقتضي أن يزكي المالكان زكاة المالك الواحد والأصل في تأثيرها قوله عليه السلام:(وما كان من الخليطين فإنهما يترادان بالسوية). فأوجب عليه السلام التراجع بين الخليطين، وذلك يقتضي
التأثير. واختلف القائلون بتأثيرها في مسائل نتتبع فيها سياق القاضي رحمه الله.
قوله: ((إذا كان لكل واحد منهما نصابًا كاملًا)): تنبيهًا على خلاف الشافعي، لأن مالكًا رحمه الله اشترط لتأثير الخلطة في الزكاة أن يكون في ملك كل واحد منهما نصابًا، ولم يشترطه الشافعي، والدليل لمالك قوله عليه السلام:(في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة) خرجه مسلم، وإذا كان كل واحد منهما مخاطبًا في نفسه بوجوب الزكاة في ماشيته، اشترط النصاب، لأن اجتماعهما لا يوجب سقوط النصاب في كل واحد منهما، إذا كان في المجموع نصابًا واحدًا من مسألة الخليطين أحدهما ذمي أو عبد، فهل يزكيان زكاة الخليطين أو زكاة الانفراد فيه قولان. فاللزوم من القول بأنهما يزكيان زكاة الخلطاء بناء على أن النصاب ليس بشرط من حيث إن الذمي غير مكلف بالزكاة، كما أن من لم يملك النصاب كذلك، فإذا غلب حكم الاجتماع، وجبت الزكاة في المحلين، ومبناه على اجتماع موجب ومسقط، هل يغلب الموجب أو المسقط وهذا الأصل فيه قولان عندنا.
قوله: ((اختلطا في جميع الحول أو في بعضه)): وهذا كما ذكره، والأصل في ذلك ألا يكون اختلاطهما لقصد الاضطرار، بل الاستصلاح والإرهاق، وهل ذلك معتبر بالزمان، أو بالقرائن، فيه قولان في المذهب، وإذا قلنا: إنه معتبر بالزمان فقد اختلفوا في تحديده، فقيل: الشهران ونحوهما،
وقيل: الشهرة ونحوه، فإذا اختلطا قبل خروج الساعي بهذا المقدار من الزمان فهي خلطة مؤثرة والصحيح أن ذلك موكول إلى الاجتهاد، وما يظهر من قرائن الأحوال، لا إلى الزمان، فإن قصد الارتفاق والاستصلاح فهي خلطة تقدمت بالزمان الكثير أو القليل، وإذا فرغنا على مذهب مالك وهو اشتراط النصاب لكل واحد منهما، فاختلطا، فكان في مجموع ملكيهما نصابًا وليس لكل واحد منهما نصاب، فأخذ الساعي من أحدهما هل هي مصيبة منهما جميعًا، أو من صاحب الغنم الذي أخذ الساعي منها، فيه تفصيل، فإن قصد الساعي الغصب فهي ممن أخذها منه، ولا تراجع بين الخليطين في ذلك، لأنه ظالم له في ذلك، وإن رعى الاختلاف، ولم يقصد الغصب، فالمشهور التراجيع بينها، لأن الخلطة سبب في تأويل الساعي، فإن كان لأحدهما نصاب، وللآخر دون أن يكون يضر صاحبه بصاحب النصاب أم لا؟ فإن (أضر) به فهي مصيبة لمن أخذت منه والساعي ظالم له، فلا تراجع مثل أن يكون لإحداهما مائة وعشرة، وللآخر إحدى عشرة، وإن لم يضر به فقولان، المشهور عندنا، التراجع بين الخليطين إلا أن يتبين أن الساعي غاصب من غير تأويل، والشاذ نفى التراجع اعتبارًا بنقص النصاب. وإذا قلنا: بالتراجع بين الخليطين في ذلك، فقد اختلف المذهب في كيفية التراجع فيه على قولين، فقيل: يتراجعان في الشاتين وتكونان بينهما بالسوية، وقيل: في شاة واحدة، لأن التأويل إنما وقع فيها، وأما الشاة الواحدة فواحدة على صاحب النصاب من غير خلاف. ونظرة أشياخنا بما لو شهد أربعة بالزنا، واثنان بالإحصان، ثم رجعوا فالواجب عليهم الدية، فقيل: تكون على الشهود الستة على عدد الرؤوس، وقيل: تكون الدية عليهم نصفين: نصف على الشهود بالزنا، ونصف على شهود الإحصان لأنهم شركاء في (القتل) على السواء.
وذكر القاضي رحمه الله أن الخلطة تفيد تخفيفًا وتثقيلًا، وبين الصورتين بالمثال البين، والأمر في تأثير التخفيف أظهر، وصورة تأثيرها بالتثقيل أن يكون لأحد الخليطين مائة وعشرون وللآخر إحدى وثمانون فعليهما بالافتراق شاتان. فإذا اجتمعا كان عليهما ثلاث شياه لأنها مائتان وشاة وهو معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجمع والتفريق لقصد الاضطرار، فإن فعلاه غرما بنقيض قصدهما وأخذ بما كانا عليه قبل، هذا نص المذهب، وقد استقرئ من المذهب أنهما يؤخذان بحكم الخلطة أشار إليه اللخمي.
قوله: ((وما به يكونان مختلطين هو أن يجتمعا في الراعي والمرعى والفحل والدلو والمسرح والمبيت)): تكلم في هذا الفصل (في واجبات) الخلطة، وبدأ بالراعي الواحد، فإن كان راعي الغنم واحدًا فهو أحد الشروط الخمسة، فإن اشتركت الرعاة وتعددت، فإما أن تدعو الحاجة إليهم أم لا؟ فإن دعت الحاجة إليهم لكثرة المواشي فاشتركوا في الرعاية بإذن الإمام فهو كالأول، فإن اشتركوا في رعاية المواشي من غير أن تدعو الحاجة إلى ذلك، فإما أن يكون بأمر أرباب المواشي أم لا؟، فإن كان بأمر من أرباب الأغنام ففيه قولان: المنصوص أن ذلك كالراعي الواحد، وروى بعض الأشياخ أن ذلك لا يكون كالراعي إلا مع دعو الحاجة إلى ذلك، وعلم أرباب المواشي به، وإلا فلا، وهو اختيار أبي الوليد الباجي.
والمرعى: هو مفعل اسم لمكان الرعي. والفحل: هو الذكر الذي يطرق
إناثها، والدلو: هو آلة السقي، وفي معنى ذلك الاشتراك في ملك نفسه وفي ملك أرضه. واختلفوا في المراح، فقيل: هو مجتمعهما للراعي بالمشي عند انصرافها للبيت، أخذ من الرواح الذي هو ضد الغدو، وقيل: هو موضع إقامتها، والأول أشهر.
واختلف المذهب في المعتبر من هذه الخمس. وتحصيل القول فيها أنها إذا اجتمعت كلها فلا خلاف في صحة الخلطة، وإن انفردت فاختلف المذهب في المعتبر منها على الأقوال الأربع التي حكاها القاضي رحمه الله: فقيل: المراعي أكثرها، وقيل: اثنان منها ما كانا، فقيل: الراعي لأنه الأصل والمرعى والدلو تبع له، وقيل: للراعي والمرعى والمقصود الاشتراك في المنفعة التي جعلت المالكين كالمالك الواحد.
قوله: ((ولا خلطة في غير المواشي)): تنبيه على مذهب المخالف، لأن الماشية هي مظنة المعنى المقصود بالخلطة غالبًا، وبقيت مسائل تتعلق بالخلطة.
المسألة قد ذكرنا اختلاف المذهب في الأوقاص هل هي مزكاة أم لا؟ وذكرنا أن فائدة ذلك تظهر في فروع منها: إذا كان لأحدهما تسعة من الإبل، وللآخر خمس هل يتساويان في الإخراج أو يتفاضلان على حسب الأجزاء فيه قولان عندنا، وكذلك لو كان بينهما مائة وعشرون شاة لأحدهما ثلثها وللآخر الثلثان ففيها شاة واحدة نصفها على صاحب الثلث ونصفها على صاحب الثلثين، ثم يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بسدس شاة لتحقيق التساوي بينهما في المواضعة.
الثانية: من شروط صحة الخلطة أن يكون كل واحد من الخليطين مخاطبًا بالزكاة.
واختلف المذهب إذا كان أحد الخليطين ذميًا هل يزكي زكاة الانفراد، أو زكاة الخليط، فيه قولان عندنا، المشهور: أنه يزكي زكاة المنفرد إذا كان الذمي لا زكاة عليه بناء على أنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المشهور.
الثالثة: اختلفوا في خليط الخليط هل هو خليط أم لا؟ وصورة المسألة أن يكون لرجل أربعون وللآخر أربعون منها، خالط بها صاحب الأربعين، والأربعون الأخرى خالط بها رجل آخر، ففي هذه الصورة رواية مختلفة، الأصح منها أن الجميع خلطا فيزكون شاتين على كل واحد من أصحاب الأربعين نصف، فعليهما شاة، وعلى صاحب الثمانين شاة، فعلى الثلاثة شاتان على ما ذكرناه وهذه الرواية أعدل الروايات، فلذلك اعتمدنا عليها.
قوله: ((ومن أبدل جنسًا من أموال الزكاة بجنسه لم تسقط الزكاة عنه كان بنوعه أو بخلافة)): وهذا كما ذكره، وتحصيل القول فيه: أنه إن أبدل نوعًا بنوع مثل: أن يبدل بقرًا ببقر وبجواميس أو غنم بمعز أو معز بغنم أو بختًا بعراب أو عراب ببخت، فإن أبدلها بماشية من غير جنسها كإبل بغنم أو بعكس، فهل يستقبل بالثانية أو يبني على حول الأولى ففيه قولان عندنا المشهور: الاستقبال بالثانية لاختلاف الجنس، والقول الثاني: البناء على حول الأول ويعد ذلك كالأرباح المعتبرة بحول أصلها.
ولو باع ماشية بعين فهل يستقبل بعين حولًا، أو يبني على حول الماشية، فيه قولان الاستقبال نظرًا إلى الاختلاف والبناء نظرًا إلى أنهما معًا من جنس الزكاة. ولو باع ماشية بذهب ثم اشترى بالذهب ماشية، فهل يبني، أو يستقبل فيه قولان أيضًا إلا أن يفعل ذلك كله فرارًا من الزكاة، واحتيالًا على سقوطها عنه، فلا تسقط في جميع الصور إجماعًا.
قوله: ((ولا يخرج في الزكاة قيمة)): وهذا كما ذكره تنبيهًا على مذهب المخالف، لأن أهل العراق أجازوا إخراج القيمة، بناء على أن المقصود الإرفاق وهذا داخل بالعين والقيمة، وعندنا أن المقصود الإرفاق، ولتشريك الفقراء في أعيان ما بأيدي الأغنياء لعدلهم.