المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الجمعة قال القاضي رحمه الله: ((وهي فرض)) إلى آخر الباب. شرح: - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ١

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌باب الجمعة قال القاضي رحمه الله: ((وهي فرض)) إلى آخر الباب. شرح:

‌باب الجمعة

قال القاضي رحمه الله: ((وهي فرض)) إلى آخر الباب.

شرح: الجمعة واجبة بالكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9] الآية والأمر وإن اجمل فالقرائن الفعلية والمقالية تخلصه للوجوب، وثبت العمل بها، والمواظبة بالمدينة حتى مات صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأجمع جمهور أهل العلم على وجوبها. وعندنا في المذهب رواية عن أصبغ أن الجمعة سنة، وتحرز القاضي بقوله:((وهي فرض على العيان)) من فرض الكفاية الذي يسقطه البعض.

ولها شروط وجوب وشروط اداء، كما ذكره القاضي، وحصر شروط الوجوب في ستة: البلوغ: تحرزًا من الصبي، لأنه غير مكلف. والعقل:

ص: 402

احترازًا من المجنون. والحرية: احترازًا من العبد، فلا جمعة على العبد ولا على المسافر، لأنه مستغرق في حق سيده. والذكورية احترازًا من المرأة. والإقامة احترازًا من المسافر، ولا جمعة على العبد ولا على المسافر. وموضع الاستيطان تحرزًا من الموضع الذي لا يستقر فيها، وليست وطنًا، وتتفضل هذه الصلاة على سائر الصلوات باشتراط الإمام والخطبة والجامع.

قوله: ((ولا حد لهذه الجماعة)): احترازًا من مذهب المخالف. فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال عديدة مبناها على اختلاف الروايات في عدد من بقي في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم (ورود) العير من الشام، وبسبب ذلك أنزل الله عز وجل:{وإذا رأوا تجارة أو لهوا افضوا إليها} [الجمعة: 11]، الآية وقد روي عن مالك: أن حد الجماعة ثلاثون رجلًا، وروى عنه خمسون رجلاً، واختار بعضهم أربعين رجلاً.

واختلف المذهب على قولين إذا كان هذا العدد ممن لا تلزمهم الجمعة كالعبيد والنساء هل تنعقد بهم أم لا؟ وكذلك اختلف المذهب هل هو شرط مستدام أم لا؟ وفيه قولان.

قوله: ((ووقتها وقت الظهر)): وهذا مذهب جمهور اهل العلم، فلا تصلي قبل الزوال عندنا، وقوله في حديث طنفسة عقيل بن أبي

ص: 403

طالب: (فنقيل قائلة الضحى). وهو مصدر تشبيه فنقيل قائلة مثل قائلة الضحى.

واختلف المذهب في آخر وقت الجمعة على خمسة أقوال، فروى مطرف عن مالك أنه يصليها ما بينه وبين غروب الشمس، وقال ابن القاسم عن مالك ما لم يبق للعصر بعدها أقل من ركعة، وروى عن مالك أنه وقع منها ركعة في آخر وقت الظهر، وركعة في أول وقت العصر كانت جمعة، وروى عنه أن آخر وقتها أن تدخل وقت العصر، وروى عنه أن وقتها ما لم يبق لغروب الشمس أربع ركعات فهي جمعة. وسبب هذا الاختلاف اختلافهم هل هي صلاة قائمة بنفسها، أو بدل من الظهر، فيعطي البدل حكم المبدل منه، وكذلك أيضًا اختلفوا هل يبرد بها كما يبرد بالظهر أم لا؟ وفي المذهب فيه قولان الصحيح أنه عليه السلام لم يبرد بها قط، ووقع في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد عجل الجمعة، وإذا اشتد الحر أبرد بصلاة الجمعة.

قوله: ((يؤذن لها على المنار لا بين يدي الإمام)): تنبيهًا على مذهب

ص: 404

المخالف.

قوله: ((والخطبة فيها قبل الصلاة)): قلت الخلاف في سبع مواضع:

الأول: هل هي واجبة أو سنة، وفي المذهب فيه قولان المشهور أنها واجبة وقيل: هي سنة.

الثاني: هل هي شرط في صحتها أم لا؟ قال ابن الماجشون: على أي وجه كان، فالجمعة صحيحة والمشهور انها شرط.

الثالث: هل لها قدر أم لا؟ ويجزئ منها ما يسمى عند العرب خطبة، وفي ثمانية أبي زيد إذا صعد المنبر وتكلم بما كان فهي خطبة وجمعتهم صحيحة.

الرابع: هل الطهارة لها شرط أم لا؟ واختار القاضي أنها مشروطة مع الذكر، وقال سحنون: هي مشروطة مطلقًا، وقال أصبغ: إن خطب على غير وضوء اجزأه، لأن ذكر الله على كل حال.

الخامس: هل من شرطها الجلوس بين خطبتها، والمشهور أنها سنة واجبة.

ص: 405

السادس: هل القيام شرط فيها أم لا؟ وفيه قولان. قال القاضي: ((إن خطب جالسًا إيماء اجزأه، ولا شيء عليه)).

السابع: هل حضور الجماعة مشترطًا في الخطبة كاشتراطه في الصلاة أم لا؟ وفيه قولان. مبنيان على الخلاف في افعاله عليه السلام هل هي محمولة على الوجوب أم لا؟ وفيه قولان.

وذكر أن الخطبة فيها قبل الصلاة وهو الذي كان عليه عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وقد قال تعالى: {وتركوك قائمًا} إشارة إلى قيامه في الصلاة، وقيل: وتركوك قائمًا في الخطبة وكانت الخطبة حينئذ بعد الصلاة، ثم نسخ ذلك، ذكره أبو داود.

قوله: ((متوكيًا على قوس أو عصا)): قد قيل: إنما ذلك خوفًا أن يتشاغل بالعبث بيده.

قوله: ((ولا يركع من دخل والإمام يخطب)): وهذا فيه خلاف في المذهب المشهور انه لا يركع، وروى محمد بن الحسن عن مالك أنه يركع وهو قول الشافعي اعتمادًا على قوله عليه السلام لسليك بن الغطفان (قم فاركع ركعتين) الحديث، وتأوله المالكية على أنه كان فقيرًا فأراد عليه السلام أن

ص: 406

يراه الناس فيتصدقوا عليه، وقد وقع هذا التعليل في بعض طرق هذا الحديث.

قوله: «وتدرك بقدر ركعة من فعلها أو وقتها» : أشار بقوله: ((من فعلها)) إلى المسبوق الذي أدرك مع الإمام منها ركعة فقط فهو مدرك للجماعة عند الجمهور من أهل العلم، خلافًا لمن رأى أن من لم يدرك الخطبة فلا جمعة له بناء على أن الخطبة بدل من الركعتين.

قوله: ((أو وقتها)) إشارة إلى من يستجمع شروط وجوب الجمعة أو أدائها إلى آخر وقتها بمقدار ما يبقى منه ركعة منها فقط، فإدراك الوقت المقدر بالركعة كإدراك المسبوق بالركعة فتأمله فهو ظاهر.

قوله: ((ومن سننها المتأكدة الغسل متصلاً بالرواح)): وهذا هو المشهور من المذهب أن غسل الجمعة سنة، والدليل على قول عمر رضي الله عنه للداخل الوضوء أيضًا، ولو كان واجبًا لأمره به، وقال عليه السلام:«من توضأ للجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» . قوله عليه السلام: «الغسل للجمعة واجب»

ص: 407

يريد وجود السنن والله أعلم.

قوله: «ولا يجمع إلا في موضع واحد» : وتحصيل القول في هذه المسألة أن إقامتها في جمعتين جائزة في المصر الكبير الذي لا يكتفي فيه بجامع واحد. وأما المصر الصغير فلا يقام فيه في جامعين، فإن أوقعت في جامعين فالمشهور أن الصلاة صلاة أهل الجامع العتيق.

قوله: ((إلا أن يظهر عذره)): احترازًا من المسجون والمريض، وهل يصلون الظهر جماعة أم لا؟ فيه قولان: المشهور: المنع، والشاذ: الجواز تحصيلًا لفضيلة الجماعة.

ص: 408