المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الطلاق قال القاضي رحمه الله: ((الطلاق ضربان)): إلى قوله: ((إلا - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌ ‌كتاب الطلاق قال القاضي رحمه الله: ((الطلاق ضربان)): إلى قوله: ((إلا

‌كتاب الطلاق

قال القاضي رحمه الله: ((الطلاق ضربان)): إلى قوله: ((إلا بثلاثة شروط)).

شرح: الطلاق في نفسه مباح إذا اعتبر من حيث هو، وقد ينقسم بحسب متعلقاته إلى أقسام الشريعة كما انقسم النكاح، ولا يخفى وجوه ذلك، وقد قال تعالى:{الطلاق مرتان} الآية [البقرة: 229]، وقال تعالى:{يا أيها النبي إذا طلقتم} الآية [الطلاق: 1]، وصحَّ أن النبي عليه السلام:(آلى وطلق ولم يظاهر)، ولو كان ممنوعًا لما صدر منه عليه السلام، ونحن نتتبع (سياق) القاضي رحمه الله.

قال: ((الطلاق ضربان: كامل، وناقص)): إلى قوله: ((وهو معتبر بالرجال دون النساء)). ولا خلاف في مذهب مالك في هذه الجملة اعتمادًا على قوله عليه السلام: (الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء).

ص: 805

قوله: ((فإن أعتق العبد قبل إيقاع شيء منه كمل له)): ولا أعلم خلافًا في المذهب في هذه المسألة.

قوله: ((فالرجعي ما دون الثلاث للحر، والواحدة للعبد)): وهذا غير محقق، لأن ذلك (يتصور في) البائن، فقد تقع البينونة بالطلاق الوحدة للحر والعبد بسبب من أسباب البينونة، فالرجعي هو (ما) استقل المطلق فيه بالرجعة، والبائن عكسه، وإنما قصد (القاضي ما يتصور فيه المراجعة مطلقًا وهو مما دون البتات كما ذكره.

قوله: ((والبائن ضربان بائن مطلقًا، وبائن في مقابلة الرجعي)): أراد بالبائن المطلق الذي لا يتصور فيه الرجعة، فالطلاق فيه من حيث إنها بينونة لا تقابلها الرجعة، ومثل البائن المطلق بطلاق غير المدخول بها، إذ الواحدة والثلاث تحرمها، وكطلاق العنِّين، إذ الرجعة فيه لا تنفي (الضرر)(و) الذي وقع الطلاق لأجله، فلا يتصور فيه بحال، وبطلاق الخلع، لأن البينونة فيه هي مقتضى العوض وثبوته.

قوله: «والفسوخ كلها بائنة» : مثل ذلك بفسخ الردة، وذلك إذا ارتد أحد الزوجين فقيل هو فسخ بطلاق، وقيل بغير طلاق وهو المشهور، لأن الكفر قطع العصمة بينهما شرعًا، وفسخ (الملك) إشارة إلى ما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه، فالنكاح يفسخ، إذ الملك والنكاح لا يجتمعان لتنافر أحدهما. وصورة فسخ الرضاع أن يزوجها فإذ هي أخت من الرضاع، فيجب الفسخ، وتقع البينونة لأنها مقتضى التحريم.

قوله: ((وغير ذلك)): إشارة بالانتهاء إلى العدد وهي ثلاث، واثنان للعبد بالبينونة.

ص: 806

قوله: ((والبائن في مقابلة الرجعي)): وهو طلاق المدخول بها من غير عوض، وهي (ثلاثة) للحر، واثنان للعبد، فالبينونة بها إلى انتهائه العدد فهو مقابلة الرجعي الناقص عن انتهائه. وجعل طلاق الخلع البائن المطلق، ويمكن دخوله في هذا القسم، إذ لولا العوض لتصورت الرجعة.

وقع في بعض الروايات: هو طلاق غير المدخول بها بإثبات ((غير)) (وسقطت غير)(عند)(الوراق) من (جلة) رواة الكتاب عن القاضي رحمه الله، وعلى إسقاطها التعويل، وإثباتها لا معنى له لأنه قد مثل المطلق البائن بذلك.

قوله: ((وهي ثلاث للحر، واثنتان للعبد)): الضمير عائد على الأعداد، والمعنى والأعداد ثلاث للحر، (واثنتان) للعبد.

قوله: ((مجتمعًا كان أو مفترقًا)): يعني أنها سواء في اللزوم ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم الذين تدور عليهم الفتيا.

قال القاضي: ((والرجعة ثابتة في الرجعي)): إلى قوله: ((وينقسم الطلاق)).

شرح: ذكر في هذا الفصل شروط التحليل:

الأول: أن تنكح زوجًا (غيره) نكاحًا جائزًا، فقوله:((زوجًا)) احترازًا من غير الزوج، فإنها إن وطئت بالملك لم تحل لمطلقها ثلاثًا. قوله:((نكاحًا جائزًا)) احترازًا من العقد الفاسد.

الثاني: أن يطأها وطئًا مباحًا في غير حيض، ولا إحرام، ولا صوم. ومذهب جمهور العلماء أنها لا تحل بنفس العقد، وروى سعيد بن المسيب

ص: 807

وغيره أنها لا تحل بنفس العقد، والحجة للجمهور قوله عليه السلام لزوجه:(حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته) وهو الذي ذكر القاضي في الوطء الحرام، والمشهور فيه قولان فيما إذا كان الوطء حرامًا كالمحرمة والصائمة والحائض فالمشهور ما ذكره القاضي أن ذلك لا يقع به إحلال ولا إحصان، والشاذ وقوع ذلك به وسواء كان الصوم واجبًا، أو تطوعًا على الأشهر، والخلاف الثاني واقع.

قوله: ((ونكاح المحلل باطل)): وهذا كما ذكره، والدليل على ذلك ما خرجه أهل الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلل والمحلل له) فإن عقداه على التحليل وجب فسخه بلا خلاف عندنا. وقوله: ((ولا اعتبار بقصدها)) يعني في حصول الإباحة، وانظر إذا قصد الزوج النكاح الصحيح، وقصدت هي التحليل هل يتعلق عليها الإثم بقصدها المحرم أم لا، إذ الطلاق مملوك لغيرها فلا فائدة لقصدها. ومن شواذ الفقه أن محللها مأجور إذا كان مطلقها مشغوفًا بها، ومن شواذه أيضًا (أنه) إذا وطئها على حجاب رقيق حلت. والشرط الثالث ظاهر، لأن البينونة تقطع حل العصمة للأول.

قال القاضي: ((وينقسم الطلاق من وجه آخر)): إلى قوله: ((وطلاق الحائض)).

ص: 808

شرح: لما ذكر قبل انقسام الطلاق من الوجوه المذكورة التي لاحظها، قسمه ههنا باعتبار السنة والبدعة وذكر أنه إن (عرى) عن (وصف كل) واحد منهما فلا يقال إنه طلاق سنة ولا بدعة. وهذا القسم فيه نظر (لأن) ظاهر كلامه (يعني) أنه يعرى عن وصفه بكل واحد منهما مطلقًا (ثم) لما فسره في آخر كلامه، ومثله بطلاق الصغيرة واليائسة والحامل البين حملها، رأى أن طلاق هؤلاء لا يوصف بطلاق السنة ولا البدعة من حيث الوقت، لأن مدة هؤلاء محققة غير (متعرضة) للانتقال، ويوصف من حيث العدد، وهو أن يطلقها اثنتين أو ثلاثاً. والبدعة (ترجع) إلى أمرين إلى الوقت والعدد، فالراجع إلى الوقت طلاق الحائض والنفساء، وطلاقها في (طهرها). والراجع إلى العدد هو ما ذكر من طلاقها اثنتين، أو واحدة ثم يتبعها ثلاثًا.

قوله: ((ولطلاق السنة ستة شروط: أحدها: أن تكون المطلقة ممن تحيض مثلها)): احترازًا من الصغيرة واليائسة، ومقتضى كلامه أن طلاق هاتين ليس بطلاق سنة.

قوله: ((والثاني أن تكون طاهرًا غير حائض، ولا نفساء)): تحرزًا من (طلاقها).

قوله: ((والثالث أن تكون في طهر لم تمس فيه)): فإن مس فيه كره الطلاق فيه، وهل يكره أن يخالعها في طهر مسها فيه أم لا؟ فيه قولان الجواز

ص: 809

والكراهية.

اختلف أصحابنا في علة الكراهة في إيقاع الطلاق في طهر المسيس، فعلله بعضهم لخوف الندم، لأنها إن كانت حاملًا ندم على الطلاق فيكره، لأن المسيس مظنة الحمل، وعلله آخرون بأنها لا تدري أتعتد بالأقراء، أو بوضع الحمل، وعلى كلا التعليلين فالخلع كالطلاق في المعنى.

قوله: ((والرابع أن يكون تاليًا لحيض لم تطلق فيه ((واحدة)))): وهذا كما ذكره، لأن الواحدة تفيد من انحلال العصمة ما يفيده الزائد عليها، فلا فائدة للزيادة، وكذلك قال مالك وأصحابه على جميع الطلاق في كلمة واحدة محرم، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر، حين قال له:(أرأيت إن طلقتها ثلاثًا فقال له إذا بانت منك، وعصيت ربك).

فإن طلق في كل طهر مرة فإنها تكون كإيقاع الطلاق جملة، إذ لا مخرج له من لزوم الثلاثة فكان كالطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة، ويجوز نظرًا إلى الإفراد، وهذا هو الشرط السادس.

قوله: ((ثم قد يكون البدعة وهو أن يكون في حيض، أو ظهر مس فيه، أو اثنين، أو ثلاثًا، أو واحدة مبتدأة، ثم يتبعها ثلاثًا)): وهذا كما ذكره، ولا شك أن طلاقها بدعة، وكذلك إذا أوقعها في طهر مسها فيه، وكذلك إيقاع الاثنين، إذ لا فائدة لها، وقد ذكر أن إيقاع الثلاثة في كلمة كلمة واحدة محرم، والإفراد كالجمع في أحد القولين.

قوله: ((وأما من تتساوى أوقاتها في جواز طلاقها فثلاث)): وهذا كما ذكره، لأن هؤلاء لا انتقال في عددهن، ولا إشكال في أن الشروط التي ذكرها في طلاق السنة غير متصورة بهن.

ص: 810

قوله: ((ويوصف بذلك من حيث العدد)): لأن الأعداد متصورة في ذلك، فإن اقتصر على الواحدة فهو مطلق للسنة.

قال القاضي: ((وطلاق الحائض والنفساء محرم)): إلى قوله: ((ولا يلزم طلاق غير مكلف)).

شرح: أجمع العلماء على أن طلاق الحائض محرم، والدليل على ذلك ما خرجه مالك في موطئه من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال عليه السلام:(مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد، وإن شاء طلقا قبل أن يمسكها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق بها الناس).

قال أبو عمر بن عبد البر انتهى كلام النبي عليه السلام إلى قوله: (قبل أن يمسك) وفي بعض طرق هذا الحديث قال أبو عمر فقرأ النبي عليه السلام: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} الآية. وعن ابن عمر قال: فراجعها (وحسب لها) بتطليقة التي طلقها. وذكر أبو محمد عن ابن عمر أنه قال: تعتد بذلك. وذكر الدارقطني من حديث ابن عمر قلت يا رسول الله لو أني أطلقها ثلاثًا أكان تحل لي إن لم ألحقها قال: لا، كانت تبين منك، وتكون معصية.

واختلف العلماء في (تعليل) النهي، فقال الجمهور إنه غير معلل، وقال بعضهم هو معلل بتطوير العدة. وينشأ عن هذا مسائل.

المسألة الأولى: هل يجوز طلاق الحامل في حال حيضتها أم لا؟ وفيه

ص: 811

قولان فمن عقل معنى التحريم أجاز طلاق الحامل (أيضًا)، إذ لا تطويل في حقها لما كان العدة وضع الحمل لا محالة، ومن جعل النهي عبادة مجردة منع.

المسألة الثانية: طلاق غير المدخول بها في حال حيضتها فيه قولان أحدهما: المنع اعتبارًا بصورة الحيض المنع من إيقاع الطلاق. والثاني: الجواز إذ لا عدة عليها.

المسألة الثالثة: اختلفوا في جواز طلاق المستحاضة للاختلاف فيها هل حكمها حكم الحائض، أو حكم الطاهر، أو حكم بين حكمين.

المسألة الرابعة: الخلع في الحيض هل هو كالطلاق نظرًا إلى أثره، أو ليس مثله لانتفاء النكاح، فيه قولان حكاهما الأصحاب.

المسألة الخامسة: الطلاق برضاها في الحيض إن لم يكن العوض فيه نظر إلى (الجواز والمنع) فمن رآه تطويلًا برضاها أجازه، ومن لم يعلل منع منه.

المسألة السادسة: اختلاع الأجنبي عنها في زمن الحيض في قولان: الجواز، والمنع بناء على ما ذكرناه.

قوله: ((ويلزم إن وقع)): هذا مذهب جميع أهل العلم أنه لازم إن وقع لقوله عليه السلام: (فليراجعها) ولا مراجعة إلا بعد طلاق واقع. وشذت طائفة من أهل البدعة فقالوا: إنه لا يلزم إن وقع، لأنه فاسد الوضع، وهذا خلاف الإجماع.

ص: 812

قوله: ((ويجبر على الرجعة فيما كان منه رجعيًا)): وهذا كما ذكره، فإن طلقها بانت منه والنفساء والحائض في ذلك سواء. قال أشهب في كتاب محمد إذا طلق في حيض، أو نفاس أجبر على الرجعة سواء أبره، أو حنث فيه، فإن أبى هدد بالسجن، فإن استمر على الامتناع حبس، فإن أبى ضرب بالسوط، لأنه فعل معصية، فلا يقر على التمادي، فإن أبى بعد الضرب ارتجع الحاكم عليه.

وههنا فروع:

الأول: إذا أجبر على الرجعة ولم ينوها فقال الشيخ أبو عمران أن له الوطء بعد ذلك وهو كالزوج هازلًا. واستقرأ بعض البغداديين من المذهب أنه لا يجوز له الوطء، إذ لا نية له فيه.

الفرع الثاني: إذا كان النكاح فاسدًا فهل تقع الفرقة فيه في زمان الحيض أم لا؟ التحصيل فيه أن الجمع على فساد الذي لا خيار لأحد الزوجين بفسخ مطلقًا في حال الحيض والطهر، وأما المختلف فيه فما لأحد الزوجين فيه خيار، فلا يفرق فيه في زمان الحيض على الأشهر من المذهب.

الفرع الثالث: إذا اختلف الزوجان فقالت طلقني في حال الحيض، وقال في حال الطهر، وروى ابن سحنون عن أبيه أنها مصدقة لأنها مأمونة على رحمها، ولا تكشف، ولا أرى أن ينظر (لها) النساء، ويجبر على الرجعة. وروى عيسى عن ابن القاسم أن القول قول الزوج، وهو الصحيح، لأنه المدعى عليه إيجاب الرجعة.

قوله: ((ثم ليس له أن يطلق إلا بعد الطهر من الحيضة الثانية التالية

ص: 813

للحيضة التي طلق فيها)): وهذا هو الصحيح لقوله عليه السلام في حديث ابن عمر: (فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك). واختلف العلماء في تعليل ذلك على وجهين، فقال بعضهم ألا يطول على الزوج معاملة (له) بنقيض قصده، لأنه لما أراد بالطلاق في حال الحيض التطويل على الزوجة أعاد ذلك عليه. الثاني: قال بعض الأشياخ إنما ذلك ليلًا يكون الرجعة والارتجاع الشرعي إنما يراد للوطء، فإذا (راجعها) ثم طهرت فوطئها لم يكن له الطلاق في ذلك الطهر، لأنه طهر الوطء فيمكن فيه الحمل فيقع الندم، فإذا حاضت، ثم طهرت فله الطلاق إذ هو طهر خال عن الوطء فيه فكان هو المقصود في حصول السنة في الطلاق، فإن طلق في الطهر المتصل بالحيض الذي أوقع فيه الطلاق فقد أساء، والطلاق لازم.

قوله: ((وإن غفل عنه أجبر ما بقي من العدة شيء)): وهذا الفرع فيه قولان حكاهما القاضي، فمذهب ابن القاسم أن الجبر مستمر ما بقي من العدة شيء (قال) أشهب يجبر ما لم تطهر من الحيضة الثانية بحيضة الطلاق، إذ لو طلق حينئذ لجاز. وههنا مسائل:

المسألة الأولى: إذا قال للحائض أنت طالق للبدعة، طلقت في الحال وأجبر [على] الرجعة، وكذلك إذا قال لها إذا طهرت من حيضتك فأنت طالق، فينجز عليه الطلاق، لأنه يقول أجل واجب، ولو قال للطاهر:((أنت طالق للسنة)) وقع عليه الطلاق في الحال، وكذلك لو قال لها:((أنت طالق للبدعة)) لعجل عليه الطلاق، فكأنه يقول لها إذا حضت فأنت طالق (فجعل) عليه الطلاق إذ الغالب كالواجب.

ص: 814

ولو قال لها: ((أنت طالق ثلاثًا للسنة)) لزم الآن ثلاث تطليقات وكأنه قال: أنت طالق طالق في كل طهر طلقة، فيجعل عليه بناء على ما ذكرناه من (أن) الغالب كالواجب.

فرع: إذا قال للطاهر المدخول بها وهي ممن تحيض أنت طالق ثلاثًا وبعضها للسنة وبعضها للبدعة لزمه ثلاث تطليقات، لأن طلاق البدعة في المدخول بها يكون بالثلاث، وكذلك في غير المدخول بها ولو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثًا للسنة، فقال سحنون: لا يلزمه إلا طلقة واحدة، إذ لا عدة على غير المدخول بها فكأن الطلقتين إنما أوقعهما على غير زوجة. ولو قال: أنت طالق ثلاثًا في كل قول طلقة فإن كانت مدخولًا بها طلقت الآن ثلاث، لأنه من باب (تعليق) الطلاق بالأجل الواجب. وإن كان غير مدخول بها طلقت طلقة واحدة فقط، لأنها تبين بذلك فلا محل للثانية.

قال القاضي رحمه الله: ((ولا يلزم طلاق غير مكلف)): إلى قوله: ((وعقد الطلاق)).

شرح: يتعلق بهذا الفصل الكلام في صفة المطلق الذي يلزم طلاقه وهو المسلم المكلف فقولنا: ((المسلم)) احترازًا من الكافر. وقد اختلف المذهب في طلاق الكتابي، والمشهور أنه لا يلزم بناء على أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، والشاذ أنه يلزم بناء على أنهم مخاطبون، فإذا تحاكما إلينا حكمنا لهم بحكم الإسلام لا محالة. وفي المدونة أن الكافرة إذا أسلمت فطلقها زوجها النصراني، وهي في عدتها لم يقع عليها الطلاق. قال اللخمي: وذلك لازم إذا لم تقم الزوجة بالطلاق، فإن قامت وقع عليها الطلاق. وقولنا:((المكلف)) احترازًا من غير المكلف كالصبي والمجنون. أما الصبي

ص: 815

غير المراهق فلا خلاف في أن الطلاق غير لازم، وأما المراهق ففي لزوم طلاقه قولان مبنيان على أن الطلاق غير لازم، وأما المراهق ففي لزوم طلاقه قولان مبنيان على الخلاف في أحكامه هل هي أحكام البالغ، أو غير البالغ، ولا خلاف في لزوم طلاق البالغ العاقل سفيهًا كان أو رشيدًا. وألحق القاضي رحمه الله النائم والمبرسم والهاذي في غمرات المرض بالمجنون المطبق، فإن كان مجنونًا غير مطبق فطلق في حال إفاقته فلا خلاف في لزوم الطلاق.

قوله: ((ومكره يخاف من شدة الضرب)): ويتعلق بهذا أمران حكم طلاق المكره، وصفة الإكراه، وأصل المذهب أن طلاق المكره غير لازم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(رفع عن أمتي (ثلاث): الخطأ والنسيان، والمستكره عليه) والخلاف في ذلك بين الصحابة ومن بعدهم، مشهوره ما ذكرناه في مطولات العامة.

وتفصيل اللخمي في ذلك حسن قال: ((إن أكره فلفظ به غير معتقد معناه لم يلزمه، وإن اعتقد معناه فهو لازم، لأن الاعتقاد الاختيار [ي] لا يتعلق به، والإكراه ثابت إذا أكره على باطل، فإن أكره على واجب شرعًا فهل يلزمه يمينه أم لا؟ فيه قولان: المشهور أن طلاقه لازم، والإكراه في هذا القسم غير

ص: 816

معتبر لوجوب الفعل المكره عليه والشاذ أنه إكراه لا يلزمه به شيء اعتبارًا بضرورة الإكراه.

قوله: ((يخاف من شدة الضرب)): يتعلق به صفة الإكراه، ولا خلاف في المذهب أن كل ما يرجع إلى النفس كالضرب وخوف القتل والسجن إكراه.

واختلف إذا (خاف) على نفس غيره، والمشهور أنه إكراه، كخوفه على نفسه لوجوب حفظه عليه، والشاذ أنه لا يكون إكراهًا والقولان في المذهب أيضًا فيما يرجع إلى الخوف على المال هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه إلا في المال اليسير الذي لا قدر له.

قوله: ((وسواء أكره على إيقاعه، أو على الإقرار به)): صورة المسألة الأولى أن يطلق في الحال مكرهًا، وصورة الإقرار أن يكره على الإقرار فيقول: كنت طلقتها. وكلاهما مع تحقيق الإكراه سواء في تحقيق اللزوم.

قوله: ((والسكران خارج عن هؤلاء فيلزمه)): واختلف العلماء في طلاق السكران، أو غيره، فالمشهور نفوذ طلاقه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يلزمه طلاق ولا عتاق. قال الإمام أبو عبد الله: وقد رويت عندنا رواية شاذة لا يلزم. وفصل القاضي أبو الوليد: فقال السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة كالمجنون في أفعاله وأحواله (إذ) لا يلزمه طلاق ولا غيره. وأما السكران الذي معه بقية من عقله فلا خلاف في (لزوم طلاقه) وعتقه إذ هو في حال (يجبر) فيها، والمعتمد

ص: 817

عليه من مذهب مالك رحمه الله أن الحدود والقصاص تلزمه، كالطلاق، واستقرأه اللخمي من المذهب. واختلف فيمن سكر بسكران أو غيره عالمًا أنه يسكر متعديًا في شربه من غير مداواة هل يلزمه الطلاق، لأنه كالتعدي في الخمر، أو لا يلزمه، وفيه نظر.

قال القاضي: ((وعقد الطلاق والعتق بشرط التزويج)): إلى آخره.

شرح: يتعلق بهذا الفصل حكم العتق والطلاق قبل الملك، وقد اختلف أهل العلم هل يلزم أم لا؟ وفي المذهب في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: إنه لازم مطلقًا عم أو خص، وبه قال أبو حنيفة.

الثاني: إنه لازم عم، أو خص.

الثالث: (إنه) لازم إن خص، وغير لازم إن عم، وهو المشهور من المذهب، فإن فصلت فقلت إن عم فقولان: أشهرهما أنه لا يلزم، والشاذ اللزوم، وإن خص فقولان: المشهور: اللزوم، والشاذ نفيه. أما اللزوم مع العموم وهو الشاذ من المذهب، فاعتماد على أنه من باب الشرط والمشروط وهما متلازمان في طرق فقط عقلًا وشرعًا.

وإذا لزم العموم فهو مع الخصوص لازم. وأما نفي اللزوم مع الخصوص فهو رواية ابن وهب، والمخزومي، وابن عبد الحكم وغيرهم عن مالك. فروى أبو زيد عن ابن القاسم أن صاحب الشرط كتب في رجل تزوج امرأة حلف بطلاقها إن تزوجها هل يفسخ نكاحه فكتب إليه ابن القاسم لا نفسخه. وسمعت أشياخنا يحكون أن المخزومي حلف أبوه على أمه بمثل هذا ولم يلزمه

ص: 818

شيء، وسئل مالك بن أنس عن ذلك فقال: لا شيء عليك وهو قول سعيد بن المسيب وغيره، واعتمد هؤلاء على النص والمعنى. أما النص فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا طلاق قبل النكاح) وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق فأراد أن يتزوجها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: (لا طلاق قبل النكاح) وعلى هذا الحديث اعتمد مالك، وبه أفتى المخزومي وفي إسناده مقال، وأما المعنى فينظر إلى أن الطلاق يستدعي محلًا قابلًا، ولا يتعين الحمل إلا بالعقد فحيث لا عقد لا يصح الطلاق، إذ لا معنى للطلاق لأجل العصمة المنعقدة.

وأشار الأولون إلى أن المحلية حاصلة بالشرط إلى اللزوم ومرتب على الالتزام، والالتزام إنما كان بشرط التزويج فإذا كان الطلاق معلقًا بالتزويج صدقت المحلية المشترطة في اللزوم، ولهذا اتفق المذهب على أن من قال لأجنبية: أنت طالق ولا يريد إن تزوجتك فلا شيء عليه، ولعله المراد بقوله عليه السلام:(لا طلاق قبل النكاح) يريد نفي اللزوم، ومع نفي التعلق الذي يقتضي النظر. وأما اعتبار تحقيق المحلية وهي حاصلة فلا يلزم مطلقًا، أما اعتبار الشرط فيجري مطلقًا، وأما من فرق بين العموم والخصوص فنظر إلى أن اللزوم مع العموم من باب التضييق والحرج الذي رفعه الشرع بخلاف الخصوص (وهو) استحسان، ومقتضى الدليل اعتبار أحد أمرين كما قدمناه، وعلى نحو هذا الاختلاف اختلفوا في اليمين على الملك مثل أن يحلف ألا يشتري مملوكة (فقيل) لا يلزمه اليمين مطلقًا، عم أو خص ملاحظة لما أشرنا إليه، ولأن ذلك حرج مرفوع شرعًا، وقيل يلزم مطلقًا، لأن الحرج مرفوع ببقاء نوع من المنكوحات.

ص: 819

والقول الثالث: اللزوم في الخصوص ونفيه مع العموم بناء على ما قدمناه.

نكتة: مبنى الخلاف في لزوم الطلاق قبل الملك على الولاية على المحل تعليقًا هل هي كولاية عليه تحقيقًا أم لا؟ وفيه قولان أصحهما أنهما مختلفان. المشهور من المذهب التسوية بين التحقيق والتعليق مع الخصوص.

نكتة: الذين قالوا باللزوم جعلوا التحقيق شرطًا في النفوذ والوقوع لا في اللزوم، وجعلوا اللوم حاصلًا مع التحقيق والتعليق معًا.

قوله: ((وذلك بثلاثة (أوجه) أحدها أن يعين صفة من الجنس من نسب أو خلقة)) صورة الأولى قرشية أو تميمية أو نحوه، وهذا راجع إلى باب الخصوص لأنه أبقى لنفسه قبائل كثيرة. واختلف المذهب إذا أبقى لنفسه قبيلة صغيرة، أو بلد صغير على قولين: اللزوم، ونفيه لأنه من باب الحرج. وصورة الثانية أن يقول كل بكر، أو كل ثيب ونحو ذلك فهو خصوص كله واختلف الرواية إذا قال: كل بكر أتزوجها وكل ثيب طالق، فحكى أبو الطاهر في هذه الصورة ثلاث روايات:

إحداها: إنه يلزمه في الجميع بناء على عموم اللزوم ففي المحلين تحكمًا للشرط.

الثانية: إنه لا يلزمه في الجميع بناء على أن الطلاق قبل الملك لا يلزم لتفقد المحلية الشرعية.

الثالثة: اللزوم في النوع الأول دون الثاني، إذ بالثاني وقع الحرج.

فرع: إذا قلنا إنه لا يلزم مع الخصوص فتزوج أحدًا بأحد القولين، فهل يفسخ النكاح أم لا؟ فيه قولان مبنيان على مراعاة الخلاف.

قوله: ((والثاني أن يعين بلدًا بعينه)): وهو كما قدمنها أنه إن استثنى بلدًا كبيرًا لنفسه فهو لازم، وإن أبقى بلدة صغيرة فيه قولان كما تقدم. ومن

ص: 820

هذا النمط أن يبقى لنفسه امرأة واحدة فيقول كل امرأة أتزوجها طالق إلا فلانة بعينها.

وتحصيل القول أن هذه المبقاة إن كانت زوجه قولان: أحدهما: أن ذلك لا يلزمه، لأن ذلك حرج وعموم، فلا يلزم بناء على الأصل في عدم اللزوم مع العموم، والثاني اللزوم لأنه قد أبقى لنفسه ما يرفع الحرج بوجوده. وإن كانت أجنبية فثلاثة أقوال: اللوم بناء على أن اللزوم مع العموم، ونفيه بناء على أنه حرج مرفوع شرعًا. والثالث أنها إن كانت متزوجة لم يلزم لأنه (إذ) لا سبيل (إلى وطئها في الحال)، وإن كانت غير متزوجة لزم، لأنه من باب الخصوص، وإذا أبقى لنفسه الإماء فقال: كل امرأة أتزوجها من الحرائر طالق، وهذا راجع إلى التقييد بالصفة، والمشهور اللزوم، لأنه خصوص، وقيل لا يلزم لأنه عموم (نوعًا) ونكاح الأمة رذالة، والإلزام خارج من (

).

فرع: ومن ذلك أن يقول أول امرأة أتزوجها طالق المشهور اللزوم لأنه خصوص. ولو قال آخر امرأة أتزوجها طالق فهل يلزمه أم لا؟ فيه قولان.

أحدهما: أنه لا يلزم وهو بمنزلة من عم، كلما تزوج امرأة طلقت عليه لاحتمال أن تكون الآخرة. والثاني: أنه لا يلزم ويوقف عمن تزوج لاحتمال أن تكون الآخرة، فإذا تزوج غيرها حلت له الأولى (وأوقف) عما بعدها وهكذا أبدًا حكاه أبو الطاهر بهذا اللفظ. ولو قال أول امرأة

ص: 821

وآخرها طلقت الأولى، ويختلف في اللزوم ليمينه في الثانية وما بعدها.

قوله: ((والثالث أن يضرب أجلًا يبلغه عمره)): وهذا كما ذكره. وتحصيل القول فيه أنه إن كان يبلغه عمره فلا يخلو أن يبلغه في حال الهرم أم لا فإن بلغه في حال يقدر فيه على الجماع لزمه اليمين، وإن كان لا يبلغه إلا في حال الهرم ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يلزم، لأن ذلك كالعموم. الذي يوجب الحرج غالبًا، والثاني: اللزوم بناء على مراعاة الاستثناء الرافعة للعموم المقترن بالحرج والمشقة. ولو علقه بحياة غيره من أجنبي، أو زوجة فهل يلزمه أم لا؟ فيه تفصيل. أما إذا علقه بحياة أجنبي فقال: كل امرأة أتزوجها ما دام فلان حي (فهي) طالق فالمشهور اللزوم، لأنه من باب الخصوص، والشاذ نفي اللزوم لاحتمال موت فلان في حياة الحالف فيلحقه بذلك الحرج المرفوع شرعًا. وأما إذا قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك طالق ما دامت لي زوجة، فهو لازم لأنه خصوص الخصوص، وقيل في المذهب لا يلزم بناء على ما ذكرناه من احتمال موته قبل موتها. وإن جعله حياتها وبعدها فلا يلزم بعد الموت لما فيه من الحرج البين، وهل يلزمه في الحياة أم لا؟ فيه قولان مبنيان على ما قدمناه إذا جعله حياة غيره.

قال القاضي: ((الطلاق على ضربين معجل)): إلى قوله: ((فأما تعليق)).

شرح: الطلاق المعجل كما ذكره، وذكر أن المؤجل على خمسة أقسام.

الأول: الموقف على شرط ممكن، ولا خلاف في وقوع الطلاق على وجوده كما مثل به القاضي.

الثاني: المعين بالأجل لابد أن يأتيه كمجيء الشهر ونحوه. واختلف العلماء في تعجيل الطلاق في هذا القسم، فقال مالك وجميع أصحابه يعجل، وإن بقى إلى آخر الأجل صار مضارعًا لنكاح المتعة. وقال الشافعي: لا يعجل

ص: 822

بل يبقى إلى أجله واستقرأه الإمام أبو عبد الله من المذهب. فإن علقه بأجل لا يبلغه عمره فقال أنت طالق إذا انقضت خمس مائة عام، فحكى القاضي فيه روايتين. إحداهما: أنه لا يلزمه توفية لمقتضى الشرط.

والثانية: أنه يلزمه في الحال كالهازل. وفي هذا النمط أن يقول أنت طالق إن مت، والمشهور لا يلزم، وقيل يلزم، لأنه هازل، وهذا الطلاق جد.

والثالث: أن يعلقه بغالب مجيئه كالحيض، والطهر، ووضع الحمل، وحكى القاضي وغيره فيه روايتين.

أحدهما التنجز في الحال، والأخرى الوقوف (على) مجيء الصفة وهما مبنيان على مراعاة الصورة النادرة.

والرابع: أن يقول لها أنت طالق إن لم تكوني حاملًا، أو إن لم تمطر السماء، وإن لم يكن في هذه اللوزة توأم، فإن لم يوجد ما حلف عليه ففي وجوب الحنث عليه في هذه الصورة قولان في المذهب، أحدهما: اللزوم مطلقًا، لأنه حلف على غيب، والثاني: أنه لا يلزمه لمطابقة المحلوف عليه.

والخامس: صفات الهزل، ومثله القاضي بقوله: إن لم يكن هذا الإنسان إنسانًا، وإن لم تكن الساعة نهارًا وهذا لازم لأنه من الهزل المخلف في هذه القول وعد بالحق.

قال القاضي: ((فأما تعليق الطلاق بالمشيئة)): إلى قوله: ((وألفاظ الطلاق)).

شرح: قد تقرر من قواعد المذهب أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تنفع إلا في اليمين بالله، أو ما فيه كفارة، والدليل على أنه يرفع حكم اليمين بالله ما خرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا ثم قال إن شاء الله) وفي رواية: (ثم سكت ساعة ثم قال إن شاء الله) والاتصال أصح والله أعلم.

ص: 823

قال أصحابنا والفرق بين اليمين بالله، وبين الطلاق حيث ينفع الاستثناء بمشيئة الله في اليمين بالله ولم ينفعه في الطلاق من جهة أن لفظ اليمين بالله لا يتعلق به وحده حكم بخلاف لفظ الطلاق فإنه قد تعلق بلفظ حكم الطلاق فإذا وقع على حمله لم يصح رفعه، إذ الماضي لا يرفع، وكان كاليمين على الماضي الذي لا يرفع بحكم المشيئة.

قوله: ((وسواء أطلق، أو كان في يمين)): (وهذا كما ذكره) أما إذا أطلق فمثل أن يقول: أنت طالق إن شاء الله، وإن كان في يمين فمثل أن يقول إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله.

قوله: ((وهذا إذا أعاد الاستثناء إلى الطلاق)): فإن عاد إلى الفعل المحلوف عليه ففيه خلاف مثل أن يقول: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله. فالمشهور أن هذا الاستثناء لا ينفع، والشاذ أنه إن صرفه إلى الفعل نفعه، وهو قول عبد الملك، وهو الصحيح في النظر.

قوله: ((وما مشيئة من لا تصح مشيئته كالشاة)): إلى آخره هذا فيه قولان: أحدهما: أن الطلاق لا يلزم اعتبارًا بالشرط، وهو قول ابن القاسم، وقول سحنون وغيره يلزمه الطلاق لأنه كالهازل، وكذلك إذا علقه على مشيئة من لا يعلم بمشيئته أن يقول: أنت طالق إن شاءت الملائكة أو شاء الجن، ففيه قولان: اللزوم لأنه كالهازل، والثاني: نفي اللزوم تحقيقًا لمعنى الشرطية. ولو قال أنت: طالق إلا أن يشاء زيد، فالمشهور وقوع الطلاق ولا ينفعه الاستثناء، لأنه ورد بعد وقوعه. والثاني: إيقاف الطلاق على المشيئة اعتبارًا بصورة لفظه.

قوله: ((ويجوز استثناء العدد من الطلاق)): من غير اعتبار بكون

ص: 824

المستثنى أكثر من المبقى، أو أقل فلا خلاف في صحته شرعًا ولغة. فإن استثنى الأكثر من الأقل مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين فهل ينفعه هذا الاستثناء أم لا؟ فيه قولان مبنيان على خلاف الأصوليين في صحة هذا الاستثناء.

قوله: ((وإن لم يبق شيء)): يعني أن يصدر منه لفظ الاستثناء من غير أن يقصد معناه.

قوله: ((وفي وقوع الطلاق بمجرد عقد القلب خلاف)): وتحصيل القول في ذلك أن الطلاق إن كان بلفظ ونية لزم بلا خلاف، وإن انفرد أحدهما مثل أن يطلق باللفظ دون النية، أو بالنية دون اللفظ ففيه قولان: المشهور أن اللفظ كاف في لزوم الطلاق قرنته النية أو لم تقارنه، وأما إذا طلق بنية من غير لفظ فالمشهور أنه لا يقضى عليه بالطلاق، وقد قيل يلزمه، لأن النية هي المنظور إليها.

قال القاضي: ((وألفاظ الطلاق أربعة)): إلى قوله: ((وتبعيض الطلاق)).

شرح: أجمع المالكية على أن للطلاق ألفاظًا صريحة وكناية، أما الصريح فاختلف (المذهب) فيه على قولين: أحدهما أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ: الطلاق، والفراق، والسراح. واختار ابن القصار أن الحرام والبتل صريح كالطلاق.

وفائدة الفرق بين الصريح والكناية أن الصريح لا يقبل التأويل بخلاف الكناية على ما فيها من تفصيل.

ثم قسم (القاضي) الكناية إلى قسمين: ظاهرة، ومحتملة، فالظاهرة ما جرى العرف أن يقع الطلاق به شرعًا، والمحتملة عكسه.

ص: 825

قوله: ((كقوله أنت طالق، أو أنت الطلاق)): يريد ما اشتق من هذا المصدر الذي هو الطلاق، ولا يقبل في ذلك دعواه أنه لم يرد الطلاق إلا أن تبينه قرينة الحال مثل أن تكون في وثاق فيقول:(أنت) طالق يريد من وثاق، فيقبل قوله فهو صريح في لفظ الطلاق، وجعله بعض شيوخنا صريحًا في عدد الطلاق، ولعله أراد إذا سمى عددًا، فإذا قال لها: أنت طالق فهي واحدة فهل يستظهر عليه باليمين، فيه قولان جاريان على أيمان التهم حكاهما أبو الطاهر. وإذا أراد أكثر من واحدة فهو كذلك لصراحة اللفظ واحتماله، فإن كرر هذا اللفظ، فقال: أنت طالق، أنت طالق إذا كرر عليه الطلاق، إلا أن يدعي التوكيد فيقبل قوله، وهل يستظهر عليه باليمين أم لا؟ فيه قولان جاريان على أيمان التهم. ولو قال قبل الدخول بها: أنت طالق فكرر ذلك، فإن فصله ولم ينسقه لم يلزمه إلا واحد، لأنها بانت منه، فصارت في عدم القبول كالأجنبية، وإن كرر ذلك نسقًا فهل يلزمه ثلاث فيه قولان: المشهور انه يلزمه لقول (ابن عمر) الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها، فكأنما وقعت جملة واحدة، والشاذ أنه لا يلزمه إلا واحدة لحصول البينونة بالواحدة قبل الدخول.

قوله: ((أنت خلية، (أو بريئة، أو بتة أو بتلة، أو بائن أو حرام أو حبلك) على غاربك)): قلت هذه الألفاظ من الكنايات الظاهرة إلا أن بعضها أجل من بعض، فأدل على البينونة المطلقة فلو فصل القول فيها لكان أفضل. أما إذا قال لها خلية أو برية، أو بائن، أو حبلك على غاربك فهي ألفاظ سواء، وقد اختلف في مقتضاها على ثلاثة أقوال:

ص: 826

الأول: أنه ينوي في جميعها في المدخول بها، وغير المدخول بها، فإن نوى شيئًا كان ما نوى، وإن لم ينو شيئًا فهو ثلاثة على المشهور احتياطًا، أو واحدة.

والقول الثاني: أنه ثلاثة في المدخول بها.

والثالث: أنه واحدة في المدخول بها وغير المدخول بها، إذ لا دلالة للفظ على الثلاث وإذا قلنا إنه واحدة فهل يكون بائنة لحصول البراءة التي هي مقتضى اللفظ أو رجعة، إذ البينونة المدخول بها متوقفة على العوض فيه قولان عندنا، وأما لفظ البتة والبثلة فلا خلاف في مذهب مالك أنه في المدخول بها ثلاث فلا ينوي إذ هو مقتضى لفظ البتة الذي هو القطع، وأما غير المدخول بها فهو ينوي فيها إذا قال أردت واحدة أم لا فيه قولان: المشهور أنه لا يقبل. وأما لفظ الحرام مثل أن يقول: أنت علي حرام، فقد اختلف العلماء فيه اختلافًا مشهورًا ذكرناه في المطولات. وفي المذهب خمسة أقوال:

الأول: أنها ثلاث، إذ لا يحصل التحريم بدونها عندنا.

الثاني: إنها واحدة بائنة، لأن معنى التحريم حاصل بالبينونة.

الثالث: إنه واحدة رجعية، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة.

الرابع: أنه ينوي في غير المدخول، وهو في المدخول بها ثلاث.

قوله: ((وهو في المدخول بها ثلاث)): إشارة إلى جميع ما مثل به من ظاهر إلا في لفظة الحرام وقد ذكرنا الخلاف في البتة. وأما خليتك، وسرحتك، وفارقتك فينوي في جميعها في غير المدخول بها، وفي المدخول بها ثلاث أقوال: فقيل ثلاث: (إلا أن ينوي واحدة، وقيل ثلاثة) ولا ينوي، وقيل واحدة رجعية، أو بائنة على قوله.

ص: 827

والثالث: هي الكنايات المحتملة، وهذا القسم لا خلاف فيه، في أن تفسيره فيه مرجوع إليه إلا أن تكذبه قرينة الحال.

قوله: ((والرابع الطلاق بغير ألفاظه)): كقوله: اسقني ماء ونحوه، فإن لم ينو بهذا اللفظ طلاقًا لم يلزمه شيء، وإن نوى به الطلاق لزمه الطلاق إلا أن الأشياخ اختلفوا هل هو طلاق بالنية، أو باللفظ والنية معًا. ولو قال: إن فعلت كذا فلا عصمة بيني وبينك للزم بذلك الطلاق لظاهره ودلالته على ذلك. وقول القاضي: ففي وقوع الطلاق به خلاف فيه نظر، أما إذا أراد به الطلاق فلا خلاف في وقوع الطلاق، وإنما الخلاف كما ذكرنا هل هو طلاق بالنية واللفظ، أو بالنية فقط إلا أن يشير القاضي إلى الخلاف في وقوع الطلاق بالنية لعدم دلالة اللفظ على الطلاق، فهو صحيح.

قال القاضي: ((وتبعيض الطلاق كتكميله)): إلى قوله: ((والرجعة بوجهين)).

شرح: وتبعيض الطلاق أن يقول: أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة ونحوه، فتكمل عليه الطلقة بلا خلاف. ولو قال أنت طالق نصفي طلقة، أو نصف طلقتين لوقعت الواحدة ولو قال لها: أنت طالق طلقة وربع طلقة وسدس طلقة فهي إذا ثلاث تطليقات. والطلاق بالحساب معتبر بالضرب. مثل أن يقول: أنت طالق واحدة في واحدة فهي واحدة، إذ الواحدة لا مضاعف لها في مثله. ولو قال لها أنت طالق اثنين في اثنين فهي ثلاث لبطلان الرابعة.

قوله: ((وإذا كتب الطلاق بيده)): يتعلق به حكم الطلاق بالكتاب، ولا يقع الطلاق بالكتابة إلا أن يكتبه عازمًا على الطلاق لا مترويًا، ويريد فإن كتبه مترويًا مترددًا، ثم أخرجه من يده عازمًا لزمه به الطلاق. وإن شك على أي حالة هل على الشك، أو على الجزم، فهل يقع عليه الطلاق احتياطًا أم لا؟ المذهب فيه على قولين.

واختلف الأشياخ في صفة كتاب الطلاق في الكتاب فقال بعضهم يكتب

ص: 828

لها بتنجيز الطلاق، واختار بعضهم ما روى عن أشهب أن يكتب لها: إذا وصلك كتابي وأنت طاهر فأنت طالق، وإن وصلك الكتاب وأنت حائض، فأنت طالق إن طهرت.

وههنا فروع: إذا أخرج الكتاب من يده غير عازم على الطلاق فله استرجاعه ما لم يبلغ المرأة فيلزمه، وفي المذهب أنه إذا أخرجه من يده لزمه، وإن كان غير عازم صار الكتاب به كالنطق، والإشهاد، وقع ذلك في كتاب محمد.

ولو باع امرأته فقال ابن القاسم: هو طلقة بائنة قال: وبلغني ذلك عن مالك وروى ابن وهب أنه لا يكون ذلك طلاقًا، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ تحرم عليه بطلاق وتعد به.

وروى عن أصبغ أنه إن باعها هازلًا فليس بطلاق، وإن كان غير هازل فهو البتات.

ثم ذكر القاضي أن لفظ الطلاق المطلق محمول على ما أراد، فإن لم يرد شيئًا فهو واحدة وقد تقدم ذلك.

وقد اختلف الناس في انهدام العصمة الأولى بالتزويج. لا خلاف في مذهب مالك أنها لا تهدم إلا بالثلاث. ثم ذكر مسائل الشك للطلاق.

وتحصيل القول في ذلك إما أن يتيقن اليمين، والحنث، أو يشك فيهما. أو تيقن اليمين ويشك في الحنث، فإن (تيقن) اليمين، والحنث معًا فلا إشكال، والشك فيهما لم يجب عليه شيء، وهل يؤمر بالفراق احتياطًا أم لا؟ فيه قولان: الصحيح أنه لا يؤمر لقوله عليه السلام: (لا حتى تجد ريحًا، أو

ص: 829

تسمع صوتًا) وإذا قلنا إنه يؤمر بالفراق فهل يجبر عليه أم لا؟ قولان: أحدهما وجوب الفراق، إذ لا يجوز الإقدام على وطء مشكوك فيه. الثاني: أنه لا يجبر على الفراق اعتمادًا على أن الشك لا يرفع اليمين السابق، فإن تحقق انعقاد اليمين عليه وشك في تعينها دليلًا مثل أن يتيقن أنه حلف ولم يعلم ما حلف به، قال أصبغ وغيره يجبر على التزام الأيمان كلها إلا ما لا تجر عادة اليمين به فيجبر على الصدقة والمشي إلى مكة والعتق المشهور من المذهب أنه يؤمر بالتزامها ولا يجبر على ذلك.

وحكى بعض المتأخرين من الأشياخ أنه لا يؤمر بذلك. وقال ابن المواز من حلف بيمين ثم شك في بره، أو حنثه فهو حانث ما لم [يكن] يمينه بالله تعالى.

فرع: إذا قال: إذا كان هذا الطير غرابًا فامرأتي طالق وقال آخر: إذا لم يكن غرابًا فامرأتي طالق، وأشكل، فقد حنث جميعًا إلى (أن) يدعيا أن ذلك (سهو) ويحلفا عليه.

قوله: ((وإذا شك في مراده بلفظ الطلاق من أعداده كان ثلاث)): هذا هو المشهور كما ذكره (أنه) يجب عليه (البتات)، إذ لا تصح الإباحة مع الشك احتياطًا. قال ابن القاسم: وأرى إن ذكر وهي في العدة أنه لم يطلق إلا واحدة، أو اثنتين أنه يكون أملك بها، فإن انقضت العدة قبل أن يذكر فلا سبيل إليها. وإن تذكر بعد انقضاء العدة إنما طلق طلقة أو طلقتين فهو خاطب من الخطاب، وهو مصدق في ذلك ولا أحفظه عن مالك.

فرع: إذا وقع الثلاثة في مسألة الشك فثبت طلاقه في النكاح الثاني حلت بعد زوج وسقط عنه حكم الأول بكل حال، وإن لم يثبت طلاقها فطلقها

ص: 830

طلقة واحدة حرمت عليه إلا بعد زوج كانت واحدة كالثلاث في هذه الصورة، وهل يتكرر عليه ذلك أبدًا ولو بعد مائة زوج (أو يزول حكم الشك بعد ثلاثة أزواج، فيه قولان، مذهب المدونة أنه باق ولو بعد مائة زوج) ما لم يثبت طلاقها لدوران الشك الأول ما بعدت الأزواج، واختار المتأخرون دورانه مع ثلاثة أزواج، ثم يزول فيما بعد ذلك، وهو قول .... وأشهب وابن وهب.

وهذه المسألة يعرفها الفقهاء بمسألة الدور. قال ابن وهب إذا طلقها ثلاث تطليقات منفردات كان كما لو طلقها ثلاثًا مجتمعة.

قوله: ((وإذا حلف بالطلاق على شيء فطلقها، ثم تزوجها عادت اليمين عليه ما بقي من الطلاق الحلوف به شيء)): لأنه عصمة واحدة وهذا أصل المذهب ولا خلاف فيه.

قال القاضي: ((والرجعة بوجهين)): إلى آخر الفصل.

شرح: الرجعة ثابتة في كل طلاق بعد الدخول قصر عن العدد الكامل، ولم يقارنه فداء. ولا خلاف أنها تثبت بالقول والفعل والنية والإشهاد، فإن اجتمعت هذه الأربعة، فلا خلاف في صحة الرجعة، وإن نقص منها الإشهاد فالمشهور أن الرجعة صحيحة بناء على أن الإشهاد على الرجعة ليس بواجب.

وحكى القاضي أبو بكر عن شيخه القاضي إسماعيل أن الإشهاد على الرجعة واجب لقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} فإن انفردت النية فالمذهب أن الرجعة لا تصح، واستقرأ اللخمي أنها لا تصح بناء

ص: 831

على لزوم اليمين بالنية. وإن انفرد القول من غير نية، ولا فعل فهل تحصل به الرجعة أم لا؟، فيه قولان. فمذهب الكتاب أن الرجعة صحيحة. قال في الكتاب: إن قال لها قد ارتجعتك، ثم قال لم أنو الرجعة، وإنما كنت لاعبًا لزمه الرجعة إن كانت في عدتها.

وإن انفرد الفعل ولم يصحبه قول، ولا نية، فالمشهور أنه ليس برجعة والشاذ أنه رجعة. ومبناه على الرجعة هل هي محرمة حتى يرجع أم لا؟. فإن قلنا إن الطلاق الرجعي يقتضي التحريم كان الوطء ارتجاعًا، وإن قلنا إنه لا يقتضيه فلا يكون ارتجاعًا، وإن قلنا أن النية شرط في صحة الرجعة، وكانت النية قارنة للقول والفعل فهي رجعية صحيحة، وإن تقدمت النية بالزمان اليسير فأجراه اللخمي على قولين كتقدم النية على الطهارة بالزمان اليسير.

ثم ذكر القاضي رحمه الله أن فسخ النكاح ضربان بطلاق وبغير طلاق. وذكر ضابط ذلك، وفائدته، والأمر فيه بين كما ذكره.

قوله: ((ولا يقبل في الشهادة على الطلاق إلا الرجال)): وهذا كما ذكره، لأن الله سبحانه إنما ذكر شهادة النساء في الأموال فتقر حيث أقرها الله. وأما مواضع الضرورة فالحكم (فيه) للمقتضى لا للأصل، إذ الشريعة رفعت الحرج في قواعد الأحكام، فلذلك جاز شهادتهن في عيوب النساء وغيره من الاستهلال والولادة، لأنها موضع ضرورة.

قوله: ((وإذا اختلفا في الزمان والمكان)): يتعلق بهذا الفصل (حكم) تلفيق الشهادة المختلفة، وقد اختلف المذهب في ذلك على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الشهادة تلفق على كل حال كانت على الأقوال، أو على الأفعال، أو بعضها على الأقوال، وبعضها على الأفعال.

ص: 832

والثاني: أنها لا تلفق مطلقًا.

والثالث: أنها تلفق على الأقوال دون الأفعال. فإن فصلت قلت إن كانت الشهادة على قول فقولان: المشهور التلفيق لاتفاق (مضمونها) والشاذ نفي التلفيق لاختلاف الأسباب والمواطن. وإن كانت على (فعلين) فقولان: المشهور نفي التلفيق، لأن الأفعال متباينة، والشاذ التلفيق نظرًا إلى اتفاق مقتضى الشهادات، وإن كانت على قول وفعل فقولان أيضًا مبنيان على ما تقدم.

قوله: ((ولا يجب كمال المهر بالخلوة دون المسيس)): والقول قولها عند التداعي (على) ظاهر المذهب. يتعلق بهذا الفصل إرخاء الستور، وأصل مذهب مالك أنه لا يكمل الصداق بنفس إرخاء الستور إلا على صفة دون صفة.

وتحصيل القول في ذلك أنه لا يخلو أن تتحقق الإصابة، أو يتحقق عدمها، أو يختلف الزوجان في ذلك، فإن تحققت الإصابة فإما أن يكون في المحل المعتاد بالآلة المعتادة أم لا، فإن تحققت في المحل المعتاد بالآلة المعتادة، وجب تكميل الصداق بلا خلاف، فإن أصابها بإصبع أو غيره فلا يخلو أن تكون بكرًا أو ثيبًا؟، فإن كانت ثيبًا لم يكمل الصداق بلا خلاف، وإن كانت بكرًا فهل يكمل لها الصداق أم لا؟ فيه قولان:

أحدهما: التكميل لإتلاف البكارة، لأنها قد شانها.

والثاني: نفي التكميل، لأنه عيب (لا) يتحصل به مقصود الواطئ، وإن أصاب بالآلة المعتادة في غير المحل المعتاد كمن يهينها في الدبر، فهل يكمل الصداق أم لا؟ فيه قولان: التكميل ونفيه، بناء على أن المقصود من الواطئ هل هو حاصل أم لا؟ وبنى الشيخ أبو الطاهر على جواز الوطء في الدبر. وهذا بناء مذموم.

ص: 833

وإن تحقق عدم الإصابة فلا يخلو أن يطول مقامها عنده أم لا؟ فإن لم يطل فقولان: نفي التكميل لعدم المسيس، وإثباته لحصول التمكين، وإن طال فقولان المشهور التكميل بما أبلى من جهازها وأتلف من (صغارها). والثاني نفي التكميل، وهو مقتضى ظاهر القرآن، قال الله تعالى:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} إلى قوله: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237]. وإن أشكل الأمر، ووقع التداعي في الوطء ولا خلوة، فالقول قول الزوج، وإن كانت الخلوة فإما أن تكون خلوة (اهتداء) أو خلوة زيارة، فإن كانت خلوة اهتداء وهي ثيب، فالقول قولها بلا خلاف (تحكيمًا) للعادة كما ذكرناه. والثاني: أنه ينظر إليها النساء تغليبًا لحق الزوج، وإن كانت خلوة زيارة ففيه أربعة أقوال.

الأول: إن سافر إلى أحدهما فالقول قوله نظرًا إلى الأصل.

الثاني: أن القول قولها نظرًا إلى الغالب.

الثالث: أن الدخول إن كان في بيته فالقول قولها تحكيمًا للعادة، وإن كانت في بيتها فالقول قوله، لأن الغالب عدم الوطء في بيتها.

الرابع: أن القول قولها إن كانت ثيبًا، وإن بكرًا نظر إليها النساء. وإذا جعلنا القول قولها فهل بيمين، ففيه قولان مبنيان على الاختلاف في العادة. هل هي كشاهد، أو شاهدين، فإن تصادقا على الوطء وجبت العدة بلا خلاف، وإن تصادقا على نفس المسيس في خلوة الاهتداء وجبت العدة لا تهمهما على أن يكونا نقضًا للعدة التي فيها حق الله تعالى.

ص: 834

واختلف المذهب أيضًا إذا تقاررا على نفي المسيس في خلوة الزيارة. فقال ابن القاسم: العدة واجبة. وقال ابن الماجشون: لا عدة عليها لاتفاقهما على نفي وجوبها.

واختلف المذهب أيضًا إذا وافقته على نفي المسيس وهي سفيهة لا يجوز إقرارها على نفسها، فالمشهور قبول قولها إذ لا سبيل إلى العلم بذلك إلا من قبلها، والشاذ أنه (لا يقبل) قولها لأنها (تصرفه) في مال، وذلك محجور على السفيه.

قال القاضي: ((وإذا أعتقت الأمة تحت العبد فلها الخيار)).

شرح: الأصل في تخيير الأمة إذا أعتقت، حديث بريرة:(قالت عائشة كانت في بريرة ثلاث سنن إحداها أنها أعتقت تحت زوجها فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقيم أو تفارق).

واختلفت الأحاديث هل كان زوجها حرًا، أو عبدًا، والصحيح أنه عبد، وهي رواية واقعة في مذهب مالك ومبناه على الخلاف في علة التخيير هل هي نقص الزوج بالعبودية، أو خيرها على التزويج حين العقد، فمن غلب النقص نفي الخيار، فهل فسخ أو طلاق، المشهور أنه طلاق لأنه أمر اختياري، والشاذ أنه فسخ حكمي، وهل لها أن تكمل، أو ليس لها إلا الواحدة ففيه قولان المشهور أنها واحدة، وليس لها أن تقضي بأكثر من ذلك، وهل يكون بائنة أو رجعية ففيه قولان في المذهب، المشهور أنها بائنة إذ

ص: 835

بها يحصل المقصود، والشاذ أنها رجعية، إذ لا موجب للبينونة، ولا خلاف أنها إن أمكنته من نفسها عالمة بالحكم الشرعي طائعة فخيارها ساقط، فإن علمت العتق وجهلت الحكم ومكنته من نفسها فهل تعذر بذلك؟ نصوص المتقدمين أنها لا تعذر، لأن عندهم أمر مشهور بالمدينة لا يكاد يخفى، والمتأخرون رأوا أن لها الخيار، إذ لا تقوم الحجة إلا مع العلم، وفي العتبية إذا كانت حائضًا (فتوقف) حتى تطهر فتطلق، فأعتق الزوج فهي على الخيار، لأن امتناع الإيقاع إنما كان لعلة، وكأنه واقع حكمًا، وهذا فيه نظر.

قال علماؤنا: كل امة أعتقت تحت عبد فلها الخيار إلا في مسألة واحدة وهي رجل له مائة دينار، وله امة قيمتها مائة دينار فزوجها من عبد بمائة دينار، ثم أعتقها في (مرض موته) قبل الدخول، فلا سبيل لها إلى الخيار لأنها إن اختارت (أن تسقط) نصف المهر فرق بعضها فسقط خيارها فلها إذًا إثبات الخيار إلى إسقاطه سقط في نفسه، وهي من مسائل الرق.

قال القاضي: ((والخلع جائز)): إلى قوله: ((وإذا قبح ما بين الزوجين)).

شرح: الخلع هو حل العصمة بعوض، وأجمع جمهور العلماء على جوازه لقوله تعالى:{فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} الآية [البقرة: 229]. وأما قوله: {وإن أردتم استبدال زوج} الآية [النساء: 20] فمحمول على ما إذا كان الإضرار من الزوج، وقيل إنها منسوخة بآية الإباحة والأولى أولى.

وصح أن ثابت بن قيس بن شماس قد خالع زوجته على حديقة بأمر

ص: 836

رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا} الآية إلى قوله: {مبينةٍ} [النساء: 19]. واختلف أهل التأويل في الفاحشة المشار إليها فقيل النشوز، وقيل كل كبيرة.

قوله: ((والخلع جائز)): تنبيهًا على مذهب من منعه تمسكًا بالآية التي ذكرنا أنها منسوخة أو مخصوصة.

قوله: ((وهو طلاق)): تنبيهًا على مذهب القائل أنه فسخ لا طلاق.

قوله: ((وصفته أن يوقع الطلاق بعوض)): هذا العوض له حكم الأعواض في بعض أحكامه دون بعض للاختلاف في جوازه على الغرر. والإجماع منعقد على تحريم بيع الغرر. ووقع في كتاب ابن المواز إذا كان دين فأحال صاحبه على المرأة المخالعة، فلم يقبض صاحب الدين حتى ماتت، وليس لها شيء، فإنه يرجع على الزوج، وهذا خارج عن أحكام الأعواض المحققة.

قوله: ((يأخذه من الزوجة أو ممن يبذله عنها)): وهذا كما ذكره، لأنه مال، فإما أن يدفعها المشتري أو يدفعه عنه من يبذله بالتزامه الأداء، ويرجع به عليه إن اقتضاه شرط أو عادة.

قوله: ((ثم له ثلاثة أحوال)): والأمر في هذه الأحوال الثلاثة ظاهر، وذكر أن حالة التحريم ترجع إلى أمرين، أحدهما: إليه، وذلك عند إضراره

ص: 837

بها وإساءته إليها. والثاني: إلى العوض، وذلك إذا كان عوضًا لا يجوز تمليكها شرعًا كالخمر والخنزير ونحوه أما إذا كان مضرًا بها مسببًا إليها فلا خلاف أنه لا يجوز له أخذ العوض منها على الطلاق، لأنه أكل المال بالباطل، وأما إذا كان الضرر منها فلا خلاف في جواز ما اخذ منها. وإن كان الضرر منهما معًا فهل يباح له الأخذ تغليبًا لسبب الإباحة، أو لا يباح تغليبًا لسبب المنع، فيه قولان عندنا. وإن استقام الحال ولم يكن هناك مضرة من (أحد) منهما، إلا أنها طلبت الفراق بمعنى ما، فله الأخذ بلا خلاف فإن خالعها في صورة المنع بعد الطلاق ورد العوض إليها، لأنه من أكل المال بالباطل، وهو نص القاضي.

قوله: ((والثاني أن يكون العوض خمرًا، أو خنزيرًا، أو ما لا يصح تملكه)): وهذا كما ذكره إذا خالعها على خمر، أو خنزير بعد الطلاق، ولا شيء للزوج، وهذا أشهر الروايات، وعليه عول جميع المتأخرين. واستقرأ اللخمي أنه خلع المثل وهو خلع المريضة، فللزوج فيه خلع المثل من رأس المال.

قول: ((وما لا يجوز تملكه جنس الخمر والخنزير والأنصاب والصلبان والآلات المحرمات ونحو ذلك)): وهذا كما ذكره ثابت بالنص، والإجماع.

قوله: ((وأما الحالة التي يكره)): فأن يقطع عنها ما يعلم أنها تستضر به إلا أنه لا يلزمه ولا يمكنه المقام معه، هذا القسم داخل في باب الإضرار (فمان أخف رتبة من فعل الإضرار) للاختلاف في الترك هل هو فعل أم لا؟ ومقتضى إلحاقه بالفعل التحريم، إلا أنه لما كان لا يلزمه ولا يبقى عليه به نقصت مرتبته عن مرتبة الأولى.

قوله: ((وطلاق الخلع بائن لا رجعة فيها)): وهذا كما ذكره لأنه

ص: 838

مقتضى العوض الذي تبذله الزوجة، إذ لولا البينونة لم يكن للعوض معنى. ولو خالعها على شرط أن تكون المطلقة رجعية فهل يقضى بهذا الشرط، ويمضي توفية الشرط، أو يرجع إلى الأصل، فيه قولان. وههنا فروع:

الأول: إذا قال لها: أنت طالقٌ طلاق الخلع، فيه ثلاثة أقوال إنها واحدة رجعية، إذ لا عوض. والثاني: أنها بائنة تغليبًا (للمقصد). والثالث: أنها ثلاث تطليقات، لأنه أراد بينونة والبينونة لا تحصل في المحصول بها إلا بالعوض، أو بالحكم، أو بالثلاث، ولا عوض ولا حكم فليس إلا طلاق الثلاث. ومن هذا النمط أن يطلق ويعطي قاصدًا لطلاق الخلع، ففيه الثلاثة الأقوال المذكورة.

قوله: ((ولا يلحقه إرداف إلا أن يكون متصلًا)): وهذا كما ذكره، ومذهب مالك رحمه الله أن البائن يرتدف عليها الطلاق، إذا كان نسقًا، وله أن ينكحها في العدة، لأن الماء ماؤه والنفقة والتوارث من أسباب الزوجية ومقتضياتها، والبينونة قد قطعت ذلك.

قال القاضي: ((وإذا قبح ما بين الزوجين وظهر الشقاق)): إلى آخر الفصل.

شرح: الأصل في بعث الحكمين قوله سبحانه: {وإن خفتم شقاق} الآية إلى قوله: {وحكمًا من أهلها} [النساء: 35].

قال علماؤنا لا يخلو أن يكون حال الزوجين مستقيمًا، أو أشكل حينئذ أو متخاصمان، فلا يخلو حينئذ من ثلاثة أحوال: أن يكون النشوز منها، والضرر من قبلها، أو من قبل الزوج، أو يشكل الحال، فإن كان من قبلها ندب الزوج إلى أن يعظها، فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها ضربًا غير مبرح، فإن تمادت على حالها رفع أمره إلى الحاكم، فإن كان الظلم من

ص: 839

الزوج جبر على العدل، وإن كان منها فكذلك، فإن أشكل الحال بعث الحكمان فيقضيان بما رأياه وينفذ قضائهما.

ويشترط في الحكمين شروط إجزاء، وشروط إكمال، فشرط الإجزاء أن يكونا مسلمين فقيهين، في ذلك، عدلين. وشروط الكمال: أن يكونا من أهلهما لأنهما أعرف بحال الزوجين فإن حكما بالفراق على مال، أو على غير مال، أو بالاتفاق نفذ حكمهما، وإن رأيا الأخذ من قبل أحد الزوجين مضى ذلك بحسب ما تقتضيه المصلحة.

وههنا فروع: إذا حكما بأكثر من طلقة واحدة فهل يمضي حكمهما بذلك أو يكون واحدة فيه قولان.

أحدهما: أنهما يقضيان بالواحدة ليس إلا، إذ ليس لهما ما يرفعان به الضرر ويحصلان فيه البينونة.

الثاني: أن لهما القضاء بالثلاث، لأنهما ملكا الطلاق الذي بيد الزوج بالتحكيم. ولو حكم أحدهما بالفراق، والآخر بالبقاء لم يمض حكمهما ولم يقع الفراق إلا باتفاقهما. ولو حكم أحدهما بالواحدة، وحكم الآخر بالثلاثة، ففي المذهب فيه قولان:

أحدهما: أنه لا يقع من ذلك شيء لاختلافهما.

الثاني: أنه (يقع) من ذلك الواحدة لأنه متفق عليها، وإنما الخلاف في الزيادة.

الثالث: إذا كان الحكمان مسخوطين فعلم الحاكم بذلك وبعثهما بطل الجميع لأنهم فسقة فإن جهل حالهما فبعثهما ظانًا أنهما عدلان فإذا أنهما مسخوطان فحكما بما يوافق الحق، أو بعث إليهما عبدًا، أو من لا يجوز حكمه هل يمضي فعلهما أم لا؟ فيه قولان بناء على الاجتهاد، هل يرفع الخطأ أم لا؟

ص: 840

قوله: ((من غير اعتبار برضا الزوجين)): وهذا كما ذكره، لأنهما حكمان لا وكيلان، وقيل بل هما وكيلان.

قوله: ((ولا بموافقة حاكم البلد أو مخالفته)): تنبيه على مذهب المخالف.

قال القاضي رحمه الله: ((وللرجل أن يجعل)): إلى قوله: ((لم يكن له المناكرة)).

شرح: الأصل في التخيير قوله سبحانه: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن} الآية [الأحزاب: 28] ولما استدعى عليه السلام عائشة فقال لها: (أقول لك قولًا فلا تعجلي فيه حتى تستأذن أبويك فتلا عليها فقالت قد اخترت الله ورسوله) فلم يكن ذلك طلاقًا، وفعل مع نسائه مثل ذلك، ولم يكن مجرد تخييره طلاقًا، وهذا (يرد) على ربيعة وغيره ممن رأى التخيير كله طلاقًا، يقع الطلاق على الزوج بنفس التخيير منه سواء اختارت الزوجة الفراق أم لا؟ وفقهاء الأمصار على خلافه.

وقد تقرر أن إيقاع الطلاق الثلاث في لفظة واحدة محرمة ومكروهة، وهل له أن يملك ذلك لزوجته لما جاء أنه عليه السلام خير نساءه، وظاهر الإطلاق عدم التقييد إلا أن يقال إنه مقيد بالمعنى أولًا، كما ليس له أن يوقع ثلاثة جملة. ثم تمليك الزوجة الطلاق على وجهين: أحدهما: على جهة التوكيل. والثاني: على جهة التمليك، فإن كان على جهة التوكيل فله أن يعين لها ما لم تطلق نفسها، وليس له (القول) في التمليك، ولا في التخيير، وقد يجعل بيد أجنبي على معنى التوكيل، والرسالة والتخيير والتمليك والتوكيل، له فيه

ص: 841

العزل ما لم يقض، ولا حد للرسول في الرسالة وإنما ذلك حق للمرسل إليه، والتخيير والتمليك بيده كالزوجة، فليس له عزله كما ليس (ذلك) في زوجته.

قوله: ((والتمليك على وجهين: تمليك تفويض، وتمليك تخيير)): وهذا كما ذكره، فتمليك التفويض: هو التمليك المطلق مثل أن يقول لها: قد ملكتك أمرك. وتمليك التخيير هو التحجير، والتحجير فيه هو من حيث إنها لا تملك إلا إيقاع الثلاثة الأحوال، فإذا (أوقعت) الواحدة فقد مضت من تخييره، وهذا هو أصل المذهب.

وإذا قلنا إن مقتضاها الثلاث فطلقت نفسها واحدة، لم يقع على الأشهر. وهل لها أن تبتدئ الخيار أم يكون إيقاعها ما ليس لها قطعًا لخيارها لأنها قد خالفت مقتضى التخيير الأول فبطل، فالاستئناف يفتقر إلى استئناف تخيير.

وقد اختلف مذهب مالك في التخيير والتمليك فقيل هما سواء، والمشهور من المذهب أنهما مختلفان، فله المناكرة في التمليك إذا قضت بالثلاث، وليس ذلك في التخيير بعد الدخول. واختلف الأشياخ في تأويل الفرق بينهما، والصحيح أن الفرق بينهما راجع إلى مقتضى العادة، لا إلى مقتضى اللفظ وهذا إذا لم ينص الزوج على عدد، فإن نص على عدد معين فليس لها خلافه فيهما، فلو قال لها: اختاري طلقة واحدة لم يكن لها سوها. فإن قال لها اختاري طلقتين فهل لها أن توقع إحداهما، فيه قولان: المشهور أنه ليس لها ذلك. ولو قال لها اختاري [من] طلقتين، فليس لها واحدة، لأنها مقتضى حرف التبعيض ولو قال لها اختاري طلقتين فقيل ليس لها إلا إحداهما إلحاقًا له بلفظ التبعيض، وقيل لها أن تقضي بهما، فإن قضت بواحدة لم يلزمه شيء، وهو مذهب الكتاب.

ص: 842

قوله: ((ثم لا يخلو حالها من خمسة أقسام)): وهذه الأقسام التي ذكرها ظاهرة الحكم، فإن أجابت بصريح في أحد أمرين من رد أو طلاق مضى ذلك وله المناكرة في التمليك، إذا أرادت الواحدة وذلك بأربعة شروط كما ذكره. حكي الخلاف إذا قضت في التمليك بثلاثة، ثم قال لم أرد تمليك طلاق، ثم قال أرادت الواحدة، فالمشهور القول قوله مع يمينه، والصحيح أنه لا يقبل للاضطراب في دعوته وتبين كذبه.

قوله: ((والثالث أن يدعي أنه نوى الواحدة في حال تمليكها إياها)): وهذا كما ذكره، لأنه إذا لم يقيد (نبته) كان اللفظ صالحًا، والنية مطلقة، فإن ادعى أنه نوى بالتمليك الواحدة هي واحدة، ثم اختلفوا إذا أوقعت في التمليك واحدة هل تكون بائنة، لأنها تملك (بذلك) نفسها، أو رجعية، فيه قولان.

قوله: ((فإن كان بشرط شرطت عليه لم يكن له المناكرة)): يعني إذا كان التمليك في عقدة التزويج فليس له المناكرة إذا قضت بالثلاث لأنه مقتضى العادة إذا كان في أصل التزويج فترجع في المعنى مخيرًا، وفي المذهب رواية أن له المناكرة كالتمليك كان في أصل العقد أو بعده.

قال القاضي رحمه الله: ((وأما القسم الثاني فهو أن تجيب)): إلى قوله: ((وأما تمليك التخيير)).

شرح: الضابط (الكلي) في هذا الباب أن اللفظ الصادر من الزوج إما أن يكون نصًا في الطلاق، والعدد، والوقت أو محتملًا في الجميع، أو نصًا في البعض محتملًا في البعض، وكذلك الجواب الصادر من الزوجة، فلها إشكال في النص، ومع الرجوع في المحتمل إلى تفسير الألفاظ، فإن فسر بالأظهر من معانيه قبل قوله مطلقًا من غير يمين، وإن فسر بالأخفى من معانيه، فلا يخلو أن تفسيره البينة أم لا فإن فسرت البينة لم يقبل قوله، وإن لم

ص: 843

تفسره البينة قبل قوله، واستظهر عليه باليمين، وإن فسره بما لا يحتمله اللفظ لم يقبل وأخذ بمقتضى (اللفظ) والخلاف بعد هذا في ألفاظ من المحتمل. (فإذا) قالت: قبلت أمري، أو قبلت ما ملكتني، أو قبلت فلا خلاف أنها تسأل عن مرادها كما ذكره القاضي. ولو قالت: اخترت نفسي فهو طلاق باللفظ الأول، وقيل يرجع فيه إلى تفسيرها حكاه أبو الحسن. وقال أشهب: إذا قالت: اخترت نفسي، وقالت: لم أرد به الطلاق قبل قولها، والأصح ظاهر في الطلاق فلا يقبل دعواها في ذلك، وكذلك إذا قال لها اختاري فقالت: قد فعلت. قال بعض أصحابنا هو محتمل يرجع فيه إلى تفسيرها وهو الأظهر، وقيل مقتضاه الطلاق فلا يقبل دعوى غيره، وكذلك اختلف المذهب إذا قالت اخترت أمري، فقيل هو ظاهر في الطلاق أيضًل، وقيل هو محتمل، فتسأل عنه.

قوله: ((وأخذت الآن بالتنجيز)): قلت لما له في ذلك من حق فله المرافعة إلى الحاكم، فإما الإمضاء وإما الرد، والجواب بالفعل الظاهر، قال علماء المالكية إذا نقلت متاعها فهو كنصها على الطلاق، إنما هو إذا أرادت به الفراق.

قوله: ((وأما الخامس فهو أن تمسك عن جواب، أو فعل يقوم مقامه)): وهذا كما ذكره، وقد ذكرنا أنه إذا نص على وقت التخيير، أو عداه لم يعد عن نصه، فإن لم ينص ولم تجاوبه في المجلس حتى افترقا، فهل لها أن تقضى بعد انقضاء المجلس أم لا؟ فيه قولان حكاهما القاضي. وكذلك إذا خرجا في المجلس من حديث التخيير إلى غيره حتى طال الأمر ثم أرادت الرجوع إلى القضاء بالتخيير فهل لها ذلك أم لا؟ فيه قولان مبنيان على ما ذكره القاضي، هل حكم التخيير حكم العقود التي تبطل بتراخي الجواب أم

ص: 844