المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب القطع قال القاضي رحمه الله: "ويجب القطع (في السرقة) باجتياع - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌ ‌كتاب القطع قال القاضي رحمه الله: "ويجب القطع (في السرقة) باجتياع

‌كتاب القطع

قال القاضي رحمه الله: "ويجب القطع (في السرقة) باجتياع أوصاف" إلى آخر الفصل.

السرقة: أخذ المال من حرز. والدليل على صيانة المال هو بعينه الدليل على صيانة الأعراض، وقد تقدم ذكره، والدليل على وجوب القطع في السرقة قوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] قدره سيبويه فيما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة وجعل: {فاقطعوا أيديهما} جملة ثانية، وجعل الفراء وغيره مبتدأ، وجملة الأمر خبر عنه، وقرئ بالنصب من باب الاشتغال وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا

ص: 1313

يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا)، وقال صلى الله عليه وسلم:(لا قطع إلا فيما بلغ ثمن المجن) وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده). قال البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون الذي منها ما يساوي ثلاثة دراهم. قال ابن قتيبة: الحبل حبل السفينة، وهو خطأ، وإنما مخرجه على المبالغة والله

ص: 1314

أعلم. وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قطع يد رجل سرق ترسًا من صفة النساء قيمته ثلاثة دراهم، وقاطع عثمان في أترجة واشترط في السارق أن يكون بالغًا عاقلًا لقوله عز وجل {جزاء بما كسبا}) والجزاء لا يترتب إلا على فعل مكلف، وأن يكون غير ملك للمسروق منه تحرزًا من العبد يسرق من مال سيده، (وكذلك المدبر والمكاتب وأم الولد لا يقطع واحد من هؤلاء إذا سرق من مال سيده اعتمادًا على ما روى أن عمر بن الخطاب رفع إليه عبد سرق من مال سيده)، فقال: عبدكم سرق متاعكم فلا قطع عليه ولأن القطع مشروع لصيانة الأموال وقطع يد العبد إذا سرق من مال سيده إتلاف لماله، ولأن القطع متعلق بالضمان، فإذا لم يضمن العبد ما أهلك من مال سيده لم يقطع في سرقته. وروى أبو مصعب عن مالك أن العبد يقطع إذا سرق من مال سيده من موضع حجبه منه، ثم اشترط في المسروق أن يكون نصابًا أو ما قيمته نصابًا، وهو كما ذكره، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه خلافًا لمن أوجب القطع في سرقة القليل والكثير تعلقًا بعموم الآية. وظاهر حديث عائشة أن ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربع دينار (وعن ابن عباس ثمنه عشرة دراهم، وعن أنس بن مالك: ثمنه دينار).

ص: 1315

قوله: "لا ملك فيه للسارق ولا شبهة ملك" احترازًا من (الأبوين) والعبد من مال سيده.

قوله: "وكل واحد من الصنفين أصل في نفسه": يعني أنه لا يعتبر أحدهما بالآخر، وإنما يتعلق الحكم بعينه لا بقيمته، فإن كان عرضًا قوم بغالب نقد البلد، فإن كان مما يباع بالذهب والفضة فبلغ نصابًا من أحدهما قطع. وفي المدونة: إنما يقوم بالدراهم فحمله الشيخ أبو بكر الأبهري على أنه غالب نقدهم. قال مالك: ولو سرق دهنًا فتدهن به في حرزه فإن كانت قيمته بعد أن تلف ربع دينار قطع، وكذلك الشاة يذبحها، ويخرج بها، فإن كانت قيمتها بعد الخروج بها ربع دينار قطع فاعتبر في هذا التقويم بالذهب، واختلف في فروع من ذلك:

الأول: إذا أخرج نصاب السرقة في مرات كثيرة، فقال مالك: لا يقطع حتى يخرج ذلك في مرة واحدة وبه قال ابن القاسم، وقال مرة أخرى: بقطع لأنها سرقة واحدة.

فرع: إذا أخذ نصابًا من حرزين لرجل واحد ففيه قولان: القطع ونفيه بناء على درء الحد بالشبهة، ولو سرق ذلك من حرز واحد لرجلين لقطع، وقيل: لا قطع عليه وهو أشبه.

فرع: إذا اختلفت القيم في (قيمة) السرقة فقومت بالنصاب وما دونه فقيل: لا قطع درءًا للحد بالشبهة. وفي المدونة: أنه يقطع، والأول وقع في مختصر الوقار وهو الصواب.

فرع: إذا سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم ثلاث حبات، وهي تجوز يجواز الوازنة لم يقطع فإن كان حبتان من كل واحد درهم قطع وترك القطع

ص: 1316

أشبه درءًا للحد (بالشبهة).

فرع: لو سرق زيتًا وقعت فيه فأرة فقال في كتاب ابن المواز: يقطع إذا كان يساوي لو بيع على البيان ثلاثة دراهم. وقال في غيره: لا يقطع بناء على أنه نجس لا ينتفع به أصلًا ولا قطع في جلد الميتة غير المدبوغ. واختلف في الجلد المدبوغ فقال أشهب: يقطع سارقه، وقيل: لا يقطع إلا أن تكون قيمة الدبغ ثلاثة دراهم فصاعدًا، وقيل: لا يقطع مطلقًا بناء على عدم الانتفاع بالميتة، وكذلك إذا سرق صليبًا أو تمثالًا، أو مزمارًا، أو عودًا، فإن كانت قيمته مكسورًا نصابًا قطع وإلا فلا.

واختلف في سرقة الكلب المانع من اتخاذه على قولين، قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع، وفي سرقة لحم الأضحية وجلدها خلاف، قيل: يقطع، وقيل: لا، إذ لا يجوز بيعها في فلس ولا غيره، ولا تورث مالًا، وإنما تورث لتوكل، وكذلك الحر الصغير. قال مالك: يقطع سارقه. وقال عبد الملك: لا قطع على سارقه إذ ليس بمال. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذكر أن رجلًا يسرق الصبيان فأمر بقطعه) وكذلك العبد الكبير الأعجمي، أو الصغير من العبيد الذي لا يعقل.

فرع: قال في الموازية: يقطع في كل شيء حتى في الماء إذا أحرز لوضوء أو شرب أو غيره كذلك (الرمان) والياسمين والحطب والتين وسائر المباحات الأصلية. وقال أبو حنيفة: لا قطع فيما كان مباحًا كالماء والصيد والحشيش ونحوه.

قوله: "وذلك حين السرقة": يعني أن القيمة وقت السرقة لا وقت القطع،

ص: 1317

واعتبرها أبو حنيفة: وقت القطع. (وفائدة ذلك إذا اختلفت القيم).

قوله: "وكذلك ملك المسروق منه": يعني أنه إذا لم يقطع السارق حتى ملك المسروق منه السرقة فالقطع واجب اعتبارًا بيوم السرقة ولو اعتبرنا يوم الحكم بالقطع لما قطع، إذ لم يحكم بالقطع إلا بعد أن ملكه فانتقال الملك بعد السرقة لا يؤثر عندنا في إسقاط القطع كما لو وهبه لأجنبي. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب، فالمعتمد عليه من مذهب مالك وأصحابه ما ذكرناه، أن ذلك غير مؤثر في سقوط القطع. وقال أبو حنيفة: ذلك يسقط القطع عنه. وفرق قوم بين أن يكون ذلك قبل الترافع فيسقط عنه القطع أو بعده فلا يسقط (عنه) والأصل في هذا أن صفوان بن أمية نام في المسجد وتوسد رداءه فجاءه سارق فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع يده، فقال صفوان: لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فهلا قبل أن تأتيني به) وإنما أمر به صلى الله عليه وسلم لأن صاحبه قد كان حرزًا له.

قوله: "ولا يقطع الأبوان في سرقتهما من مال ولدهما": لما لهما في ذلك من الشبهة بالنفقة، ولما عليه من وجوب برهما. (واختلف المذهب في الابن إذا سرق من مال أبيه) ومشهور المذهب القطع. وروى ابن خويز منداد عن ابن وهب وأشهب أنه لا قطع على الابن إذا سرق من مال أبيه ولا حد عليه إذا زنى بجارية له والأب في هذا بخلاف الأم، إذ لا شبهة للابن في

ص: 1318

مال أمه فيحد إذا زنى بجاريتها، ويقطع إذا سرق من مالها، إذ لا نفقة عليها، واختلف المذهب في الجد هل هو كالأب أم لا؟ قال أشهب: يقطع الجد والجدة إذا سرقا من مال حفيدها (ولا يقطع الأب). وقال ابن القاسم: الجد كالأب ولا يقطع أحد الزوجين إذا سرق من مال صاحبه من موضع لم يحجبه عنه، فإن سرق من موضع حجبه عند قطع، وكذلك الضيف، وحكى الخلاف في السرقة من الغنم، وهو المشهور بناء على مراعاة الشبهة.

قوله: "ويقطع في سرقة جميع المتمولات" إلى آخره. قد ذكرنا ذلك، وفي سرقة المصحف خلافًا لأبي حنيفة والصحيح الذي عليه الجمهور أنه مال، ولعله من أبي حنيفة بناء على أنه لا يجوز بيعه عنده، ثم اشترط الحرز في وجوب القطع، ونبه على خلاف من لم يشترطه، والدليل لنا على اشتراطه قوله صلى الله عليه وسلم:(ولا قطع في ثمر معلق إلا إذا أواه الجرين فذلك حرزه، ولا في حريسة جبل) ثم ذكر القبر وهل هو حرز أم لا؟ والظاهر أنه حرز فلذلك قلنا: إن النباش يقطع. وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه، لأن

ص: 1319

الكفن مال متروك بمضيعة، وقيل: لأنه مال لا مالك له، لأن الميت لا يملك والورثة قد سقط ملكهم عنه.

ثم ذكر صفة الحرز وجعله على حكم العادة فما يكون مثله حرزًا في العادة قطع السارق منه إذا أخرجه من الحرز، فإن لم يخرجه فليس بسارق، وكذلك إذا أتلفه في الحرز. واختلف في تابوت الصيرفي يسرقه سارق بعد قيامه. فقال عبد الملك: لا يقطع. وقال محمد: يقطع، والدار غير المشتركة التي يسكنها صاحبها بخلاف الدار المشتركة كالفنادق ونحوها فلا قطع عليه في الدار المشتركة حتى يخرج منها، والحرز في الفناديق البيوت، فإذا أخرج السرقة من البيت قطع، وإن لم يخرج بها من باب الفندق كان السارق من أهل الدار، أو من غير أهلها. وقال سحنون: هذا في أصل الفندق، وأن كان أجنبيًا فأخرجهما من البيت لم يقطع حتى يخرجهما من باب الفندق أو الدار، والأول أصح، واختلف في السارق من المسجد ومن الحمام ونحوه، واختلف إذا كانوا جماعة فرفعوه على رأس أحدهم هل تقطع الجماعة أو الخارج به وحده قولان، وكذلك أحدهما في الدار، والآخر على السطح فرمى الذي في أسفل الدار للذي في الأعلى، والصحيح أنهما يقطعان.

فرع: قال سحنون: إذا كانت حصر المسجد مخيطة بعضها إلى بعض قطع سارقها، وإلا فلا، قيل: يقطع سابقها مطلقًا، وقيل: لا قطع عليه، وقيل: إن سرق نهارًا قطع، وإن سرق ليلًا لم يقطع، وكذلك واقع في المذهب.

قوله: "ولا قطع على مختلس ولا مسلب ولا مكابر ولا غاصب ولا مستعير جحد": هذا هو مذهب جمهور الفقهاء، وقال قوم من الفقهاء: إن المستعير إذا جحد قطع اعتمادًا على حديث المخزومية: (التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعير الحلي فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها) الحديث صحيح متفق على إثبات إسناده ولعله خاص بها وفي بعض طرقه:

ص: 1320

(أنها سرقت). قال أبو محمد: الذي قال: سرقت أكثر من الذي قال: استعارت. وفي صحيح مسلم ما يدل على أنها سارقة لا جاحدة، ثم ذكر محل القطع، وأول ما يقطع منه يده اليمنى، ثم الرجل اليسرى في الثانية، ثم اليد اليسرى، ثم الرجل اليمنى هكذا من خلاف على حكم المحارب. واختلف المذهب إذا لم تكن له اليمنى أو كانت شلاء فقيل: يقطع يده اليسرى، وقيل: بل رجله اليسرى، والقطع عندنا من الكوع خلافًا لمن رآى أنه من الأصابع وتغالى قوم وقالوا: هو من الإبط، ولم يصح عن أحد من الصحابة العمل عليه. وقال أبو حنيفة: لا يقطع في الثالثة ولا في الرابعة اعتمادًا على قوله سبحانه: {فاقطعوا أيديهما} ولم يذكر الرجلين، والمعتمد عليه عندنا عمل الصحابة، فقد صح ما قلنا به عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وشذ قوم من أهل العلم إنه إن سرق في الخامسة قتل اعتمادًا على حديث ضعيف الإسناد غير معمول به عند العلماء الثقات.

فرع: إذا قطع وجب عليه الغرم عندنا إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا فهل يتبع بقيمة السرقة دينًا في الذمة أم لا؟ قال ملك: لا يتبع بها. وقال الشافعي: يتبع بها، وهو مروي عن مالك وهو الأصح لأن القطع الذي هو حق لله لا يسقط الغرم الذي هو حق الآدمي، واتفقوا على أنه يردهما مع قيام

ص: 1321

عينيها، وقال قوم من أهل العلم: لا غرم على السارق، لأن الله سبحانه قال:{فاقطعوا أيديهما} ولم يذكر غير ذلك وهو خطأ، لأنه وإن لم يذكره في هذه الآية فقد قرره في أصول الشريعة، إذ لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. قال أبو حنيفة: المالك بالخيار في السارق إن شاء أغرمه (ولم يقطعه)، وإن شاء قطعه ولم يغرمه، وهذا هذيان منه.

ص: 1322