المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الإجارة قال القاضي- رحمه الله: "الإجارة جائزة" إلى قوله: "والإجارة - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌ ‌كتاب الإجارة قال القاضي- رحمه الله: "الإجارة جائزة" إلى قوله: "والإجارة

‌كتاب الإجارة

قال القاضي- رحمه الله: "الإجارة جائزة" إلى قوله: "والإجارة ضربان".

شرح: الإجارة مشروعة، والدليل على ذلك الكتاب والسنة (والإجماع) أما الكتاب فقوله سبحانه:{فإن أرضعن لكم فئآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6]، وقوله سبحانه:{إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} [القصص: 27] الآية، والدليل على ذلك من السنة وجوه:

الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه).

والثاني: حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، وذكر فيه (أنه استأجر أجيرًا) الحديث وهو ثابت في الصحيح، وقال- صلى الله عليه وسلم:(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر رجلًا استأجر أجيرًا فاستوفى عمله ولو يوفه أجره) وقال- صلى الله عليه وسلم: (إن الله يطوي المظالم يوم القيامة ويجعلها تحت قدميه

ص: 1029

إلا ما كان من فض الخاتم وعرق الأجير) ذكره الإمام أبو بكر بن فورك في المشكل، وذكرنا في كتابنا فيه، ومنها ما خرجه البخاري عن عائشةٍ قالت: استاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الديل وقيل: إنه عامر بن فهيرة هاديًا خريتًا وهو على دين كفار قريش فدفعا له راحلتيهما وواعده غار ثور براحلتيهما بعد صبح ثلاث ليال، وذلك حين أمر بالهجرة من مكة إلى المدينة فطلب أبو بكر صحبته).

وأجمع العلماء على جواز عقد الإجازة إلا من لا عبرة (بمخالفته مخالفة) الجمهور كالأصم وابن عيينة فإنهما منعاها.

قال بعض شيوخنا: ولعل الأصم لم يبلغه الإجماع لصممه، وإنما منعاها، لأن المنافع في العقد معدومة، فكان اشتراؤها غررًا، (وكان من باب) بيع ما لم يخلق، وإذا ثبت جوازها فهل هي من العقود الجائزة

ص: 1030

كالجعل والشركة، أو من العقود اللازمة، جمهور أهل العلم أنها من العقود اللازمة.

قوله: "ولا تصح أن تكون المنافع المعقود عليها معلومة" ينبغي أن يزيد من جنس ما لم ينه عنه الشرع احترازًا من المنافع المعلومة المنهي عنها كأجر (النائحات) والمغنيات وغير ذلك، ثم ذكر العلم بالمنافع طريقين: أحدهما: أن يكون جنس المنفعة معلومًا كركوب الدابة، وبناء الحائط، وخياطة الثوب، وسكنى الدار ونحوه مما يعلم بالمشاهدة. والثاني يلزمه فيه ضرب الأجل لينحصر به، وهذا الذي قاله فيه نظر، فإن ركوب الدابة، وسكنى الدار وإن كانا معلومين فيلزم فيهما ضرب الأجل (ابتداءً وانتهاءً) لينتفي الغرر (وتتبين المدة) المشتراة منافعها لا محالة، ويتنزل ذكر المسافة في ركوب الدابة منزلة ذكر الأجل، ثم ذكر ضابطًا كليًا لما يجوز استئجاره من المنافع فقال: كل عينٍ لها منفعة يجوز تناولها بغير أجرةٍ فإجارتها لتلك المنفعة جائزة، وهذا معترض فإن إجارة الآبق والبعير الشارد ممنوعة وهبة أعيانهما وهبة منافعهما جائزة لجواز هبة الغرر، والمجهول، انظر هل يدخل تحت هذا والضابط إجازة الدنانير والدراهم وغيرهما مما لا يعرف بعينه أم لا؟ (وظاهره) تناوله، وإن كانت إجارة ذلك لا تصح على المشهور من المذهب. قال ابن القاسم: وإجارة الدنانير والدراهم قرضًا وإنما لم تصح إجارتها، لأن الإجارة تقتضي تمليك الانتفاع بها، وذلك يستلزم إتلاف أعيانها، إذ لا منفعة فيها مع بقاء العين، فإذا أتلف (عينها)، ورد مثلها صار

ص: 1031

حكم الإجارة إلى القرض في المعنى، فإن استأجرها فهي قرض، والإجارة ساقطة عن المستأجر على قول ابن القاسم، وأجاز الشيخ أبو بكر الأبهري وغيره استئجارها للتجميل بها، (والتكثير) ليراها الناس بين يديه لما يتعلق (له) بذلك من الأغراض (بشرط) أن يكون مالكها حاضرًا مع مستأجرها خوفًا من إتلاف عينها، ورد مثلها مع زيادة الأجرة فتكون سلف جر نفعًا ثم ذكر القاضي أن إجارة العيان مدة معلومة على ثلاثة أضرب: أحدها أن يبين الابتداء والانتهاء، وهذا لا خلاف في جوازها لانتفاء الغرر فيه من كل وجه. والثاني: أن يذكر المدة ولا يبين أولها، واتفق المذهب على جواز ذلك إحالة على العادة، إذ مقتضاها أن أول المدة من حين العقد كابتداء الأجل في السلم وفي اليمين فيمن حلف أن لا يتكلم فلانًا شهرًا (فانعقد اليمين) عليه من وقت يمينه بحكم العادة، في جميع ذلك، وقال الشافعي: إن لم يبين أول المدة في الكراء فهو باطل وراءه غررًا. والثالث: أن يعقد الكراء منه مشاهرةً، فيقول الشهر بكذا، أو السنة بكذا، فالخلاف في هذا القسم في محلين:

الأول: في جوازه، ولا خلاف في مذهب مالك في جوازه، لأن المنافع معلومة المقدار في المعنى فهو بمنزلة أن يقول له بعتك ما في هذه الصبرة ما شئت كل قفير بكذا، ومنع الشافعي كراء المشاهرة من حيث إن المنافع لم تتقيد، وله وجه من النظر.

الثاني: إن انعقدت الإجارة مشاهرةً فله أن يخرج متى شاء، وللمالك أن يطالبه بالخروج متى شاء. واختلف المذهب هل يكون عليه من الأجر بحسب

ص: 1032

ما سكن وهو الصواب، إذ العقد (لم يكن) على شهرٍ كامل، وإنما وقع على (حساب) أن الشهر بكذا وتكون أجرة شهر واحد أو سنة كاملة إن كانت الإجارة مشاهرةً أو مساناةً وكل الكراء (واقع) على الحد المقدار من سنة، (أو شهر).

تكميل: شرط علماؤنا في المنفعة المشتراة في عقد الإجارة خمسة شروط:

الأول: أن تكون معلومة من الطرفين كما ذكرناه، واختلف في فروعٍ (تتعلق بهذا الشرط).

الأول: إذا استأجر الطحان بصاعٍ من دقيقٍ أو القمح الذي يطحنه، ففيه قولان الجواز، لأنه معلوم حكاه الشيخ أبو الفرج، والمنع، وهو قول ابن المواز للغرر.

الفرع الثاني: إذا قال له القط زيتوني أو أحصد زرعي فما لقطت أو حصدت فلك نصفه فيه قولان: الجواز لابن القاسم، (لأنه جعل) له الترك متى شاء، والمنع لغيره لإمكان الغرر.

والشرط الثاني: حصول المنفعة للمستأجر احترازًا من الاستئجار على العبادة التي لا تصح النيابة فيها (شرعًا) كالصلاة والصوم، والخلاف في جواز النيابة في الحج معلوم، وتجوز الإجارة على غسل الميت، (لأن كل

ص: 1033

واحد من الحي والميت) ينتفع بذلك. واختلف المذهب في جواز الإجارة على الأذان والصلاة، فمنع ابن حبيب الإجارة على ذلك مجتمعين أو مفترقين، (وأجاز ذلك ابن عبد الحكم مجتمعين أو مفترقين)، وكأنها إجارة على ملازمة الموضع الخاص على ارتقاب الأوقات لا على العبادات، والمشهور من المذهب جواز الإجارة على الصلاة مع الأذان لا على الصلاة وحدها، وصح أن عمر بن الخطاب أجر سعيد القرظي رزقًا للأذان، وكان أحد مؤذني النبي- صلى الله عليه وسلم.

والثالث: أن تكون المنفعة مقدورًا على تسليمها حسًا وشرعًا، فإن كانت غير مقدور عليها حسًا لم تجر الإجارة كالاستئجار على تعليم الأخرس اللفظ، والأعمى الخط، وكذلك إن كانت للمنفعة غير مقدور على تسليمها شرعًا. فالعجز الشرعي كالعجز الحسي مثل أن يستأجر حائضًا على كنس المسجد، فالإجارة (غير جائزة).

والشرط الرابع: أن لا يتضمن استيفاء (المنفعة استيفاء) العين، فإن تضمن ذلك لم تجز الإجارة مثل أن يستأجر (الأشجار) لأكل ثمارها، والشاة والناقة لنتاجها فهذا بيع عين قبل الوجود لا شراء منفعة.

والشرط الخامس: أن تكون المنفعة متقومة، وعلى هذا اختلف في فرعين:

الأول: إجارة المصحف. فقال ابن حبيب: لا تجوز إجارته، وأجاز بيعه، قال: وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك، واختلف قول ابن القاسم، لأن إجارته ثمن للقرآن وبيعه بين الورق والخط فافترقا.

ص: 1034

الفرع الثاني: هل يجوز استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها، وفيه روايتان: الجواز، والمنع، وكلاهما للأصحاب.

قوله: "وعقد الإجارة لازم من الطرفين" قد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك والمعول عليه اللزوم، لأنها بيع من البيوع، فإن طرأ (على العين المستأجرة ما يمنع استيفاء المنافع منها انفسخت الإجارة، وكذلك إن طرأ ما ينقص منها) نقصًا يتضرر به المكتري مثل تساقط السقف وكثرة التأذية بالقطر، مثل القاضي القسم الأول المانع من استيفاء المنافع باحتراق الدار (وانهدامها) أو غصبها أو مرض العبد والدابة، وهذه (محلها أسباب تقتضي الفسخ لحصول الخلل في المعقود عليه، وكذلك الحوانيت يأمر السلطان (بغلقها)، فإن الكراء يفسخ على نص الروايات، وهي كغصب العين، أو المنفعة.

فإن نقصت المنفعة وأراد الإصلاح ورفع الضرر الموجب لنقص المنفعة مضى ذلك، فإن أدى (ذلك) إلى ضرر المستأجر لطول المدة، فله الفسخ إذا كان ضرره لا يمكن البقاء معه سبب للخيار في فسخ العقد إن شاء فإن أمكن استيفاء المنافع وتعذر أحد المتعاقدين فالإجارة لازمة لا تنفسخ عندنا إلا في كراء الدابة للحج، لأن أيام الحج معلومة، وأما غير ذلك فلا، مثل أن يستأجر حانوتًا ليبيع فيها متاعه، فيحترف، أو دار ليسكنها، ثم يريد السفر ونحوه لأن (العقد لازم) مع إمكان استيفاء المنافع، وقال تعالى: {أوفوا

ص: 1035

بالعقود} بخلاف تعذر المنفعة، وتعلق بنقص المنفعة من العين المعقود عليها.

فروع:

الأول: إذا اكترى أرضًا فغرقت فمنع ذلك من (الانتفاع) بها، فهل يسقط عنه الكراء أم لا؟ فصل الأشياخ فقالوا إن كان غرقها في الإبان بحيث لو انحصر الماء عن الرض لأمكن زرعها، فلم ينحصر فالكراء ساقط، وكان كانفساخ الإجارة، وإن كان الغرق بعد الإبان فالكراء لازم لا يسقط منه شيء، ولو استأجر أرضًا فكانت النمل والدود ونحو ذلك مما يفسده، ولم يبينه له رب الأرض فالكراء ساقط عن المستأجر نص عليه أبو الحسن اللخمي ولو استأجر أرضًا للزراعة فزرعها فأصابته جائعة فالكراء لازم، ولا يسقط عنه منه شيء.

قوله: "وتسليم الأجرة (غير مستحقة) بمجرد القول" وهذا تنبيه على مذهب الشافعي لأن مالكًا يرى أن الأجرة ثمن للمنافع، فكل جزء من المال يقابل كل جزء من المنفعة إلا أن تكون هناك عادة، أو شرط، أو يكون التقديم هو مقتضى الأحكام، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: يجب تسليم الأجرة عند تمام العقد وانبرامه، فإن كانت الأجرة عرضًا معينًا، أو طعامًا رطبًا يسرع إليه الفساد، فالتعجيل في هذه الصور خارج عن الأصل، لأنه لو أخر العرض المعين لكان من باب المعين (يقبض إلى أجل) فيؤدي إلى الجهل (والغرر) لإمكان تغيره بالتأخير، فالشرط ظاهر بالتنصيص عليه، والعادة في الطعام الرطب والفواكه كون التقديم هو موجب الأحكام مثل أن

ص: 1036

يكون الثمن (عرضًا) معينًا فتأخيره من باب المعين بقبض إلى أجل، وهو مممنوع، واختلف في فروع:

إذا استأجر بثوبٍ معين ومقتضى العرف التقديم (جازت الإجارة)، فإن كان مقتضى العرف التأخير، فهل يحمل الإطلاق على العرف الفاسد فيسقط العقد أو يصح تغليبًا لمقتضى الأحكام على مقتضى العرف فيه قولان عندنا.

قال القاضي- رحمه الله: "الإجارة ضربان: إجارة عين وإجارة الذمة" إلى قوله: "والجعل جائز".

شرح: وهذا كما ذكره في أن الإجازة المتعلقة بالعين تقتضي تعليق العقد بتلفها العين تقتضي تعليق العقد بتلفها العين وانفساخه تبلغها، إذ هو مقتضى التعيين.

قوله: "وتقع المحاسبة" يعني: في الدواب وغيرها ما عدا السفن، فلا محاسبة فيها على المشهور، لأنها على البلاغ، وتنفسخ الإجارة بموت الرضيع والصبي والمتعلم لتعذر الخلف غالبًا، ولو استأجر على خياطة ثوب فهلك فهل تنفسخ الإجارة، أو عليه البدل إذا لم يتعذر غالبًا قولان. واختلف المذهب إذا استأجر على رعاية غنم، هل يلزم اشتراط الخلف في أصل العقد أم لا يلزم، إذ هو مقتضى الحكم قولان المشهور اشتراط ذلك فى العقد وقيل: هو مقتضى، فلا حاجة إلى الاشتراط، وعندنا رواية ثالثة بالفسخ عند موتها ولا سبيل إلى البدل، لأنة فسخ دين فى دين.

(قوله: "والشروع في الاستيفاء": وهذا كما ذكره، لأن قبض الأوائل كقبض الأواخر).

قوله: "وموت أحد المتعاقدين لا يوجب فسخ الإجارة": هذا مذهب

ص: 1037

مالك خلافًا لأبي حنيفة والدليل لنا أنه عقد معاوضة لا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين كالبيع وبه قال الشافعي، وأحمد، وداود، وأبو ثوار، وغيرهم، واعتمد أبو حنيفة على أن الملك بالموت قد انتقل إلى الورثة وقياسًا على النكاح الذي يبطل الموت.

قوله: "أو ما عدا الشرب" يعني: أن الزرع في أرض السقي يسقط الكراء بخلاف سائر الجوائح وقد قدمناه).

قوله: "ولا يتعين من تستوفي به المنافع وإن عين" قلت: وإن كان إشارةً إلى مسألة الغنم فهو صريح مذهب ابن القاسم، وإن كانت إشارةً إلى غيره ففيه نظر.

ورأى القاضي أن تعيين المحل كالوصف، فلا تنفسخ الإجارة بذهاب المحل ويتنزل المثل منزلة العين، وهذا الأصل عندنا فيه خلاف في المذهب، وتظهر فائدته إذا فات المحل كتلف الغنم وهلاك الثوب هل تنفسخ الإجارة أم لا؟ وعليه البدل قولان مشهوران قد تقدما.

قوله: "وإذا استأجر دابةً ليركبها أجاز أن يركبها (غيره) وكذلك إذا اكترى أرضًا ليزرعها": وهذا الذي قاله هو الصحيح خلافًا لمنعه، والحجة لنا أنه ملك المنافع، فله أن يفعل فيها ما شاء مما لا يضر برب الأصل.

ص: 1038

قوله: "وإذا زاد (على ذلك) قيمة الزيادة ": وفيه تنبيه على خلاف أبي حنيفة، قال: لا كراء فيها زاد لأنه (المتسلط) وهذا خطأ فإنه لم يسلطه على الزيادة، فإذا زاد فقد انتفع، فعليه قيمة الزيادة، وأما الدابة يزيد عليها في المسافة فعليه الأجرة الأولى بلا خلاف، وربها بالخيار فيه تضمين قيمة الدابة، وأخذ قيمة الزيادة، لأنه متعد بالإمساك وحبسها عن أسواقها، فعليه الضمان كالتعدي بالأصل، وقال الشافعي: ليس لرب الدابة تضمين قيمة الدابة لبقاء عينها، وإنما على المتعدي قيمة الزيادة فقط، وهو (سديد) في النظر وقد اشترطنا الإجارة أن تكون معلومة من الطرفين، وطعام الظئر والأجير وكسوتهما معلومان بالعادة، ويقضى في ذلك بالوسط، فلذلك أجازه الجهمور ومنعه الشافعي في كل أجير، ووافقه أبو حنيفة في الظئر للضرورة، وحكى القاضي جواز كون (الإجارة) ثمنًا للمنافع جريًا على المشهور من المذهب، وفيه رواية بالمنع، وبه قال أبو حنيفة، لأنه دين بدين وهو ضعيف.

ص: 1039

قوله: "وإجارة المشاع جائزة من الشريك وغيره": نبه على خلاف أبي حنيفة لأنه قال: لا تجوز إجارته إلا من الشريك خاصةً، والصحيح جوازه مطلقًا، لأن الشريك كالأجنبي في إمكان الانتفاع بالجزء المشاع.

قوله: "ولا يضمن (الأجير) ما تلف (في) يده": قلت لأنه يده يد أمانة، وقد قيل بتضمين كل أجير في الطعام وغيره، وإن لم يفرط، وهي رواية عن مالك، والمعتمد عليه تضمين الأجراء في الطعام خاصة رعيًا للمصلحة، كان منهم تفريط وتغرير أم لا؟.

وإذا قامت لهم البينة على هلاك الطعام من غير تفريط سقط الضمان على الأصح لزوال التهمة بالشهادة ولو قال الراعي: أكلها الذئب، فالأصل أمين فإن ذبحها، وقال: خفت عليها الموت لم يضمن على المشهور، لأنه مصدق، وقيل: يضمن حكاه الشيخ أبو القاسم.

قوله: "واختلف في كرائها" في الملاح روايتان:

أحدهما أنه لا شيء له بناءً على أنه على البلاغ، وقيل: بقدر المسافة، وفرق أصبغ بين أن يلجج أم لا، فإن لجج فهو جعل، وليس له من الكراء

ص: 1040

شيء إلا بالبلاغ، وإن لم يلجج (فهو إجارة له) بحساب ما سكن، وإن لم يضمن الملاح لأنه غير متعد، فإن تعد وثبت تعديه فهو ضامن إن غر بالفعل، وإن غر بالقول لم يضمن على المشهور، ويتعلق (بالسفينة) ذكر تخفيفهما، ولا خلاف في وجوبه في حال الشدة، وخوف الغرق فيلقى من السلع ما ثقل دون الخفيف، واختلف المذهب في الرقيق وهل هو كحرمة الآدمي أو كسائر الأموال، والصحيح أنه كالآدمي أو كسائر الأموال، والصحيح أنه كالآدمي ويقع التوزيع على التجار على حسب القيم.

واختلف المذهب في مكان القيمة، فقيل: في أقرب المواضع إليه، وقيل: في المكان الذي تحمل السلع إليه، وقيل: المعتبر الثمن الذي اشتريت به.

قوله: "ويضمن الصناع (المؤثرون) بصناعتهم" قلت: اختلف الفقهاء في تضمبن الصناع فقال به مالك ومن (اتبعه)، وخالف في ذلك أبو حنيفة والشافعي (وأحمد) والعمدة لنا أنه يروى عن عمر وعلي وغيرهما، ولا مخالف لهما فكان كالإجماع، وأعطاهم المخالف حكم الأمانة المحضة وهو الصحيح نظرًا، وبه أفتى أبو عمران الفاسي فشنع عليه فقهاء عصره بالقيروان، (وأن الشتاء حينئذٍ صب في داره بالماء المالح) لما

ص: 1041

خالف مالكًا، والقول بتضمينهم اعتبارًا (بالمصالح)، وسواء عمل في حانوته، أو في بيته بأجرٍ أو بغير أجر، كان التلف بصنعه أو بغير صنعه إذا كان مما يقدر على التحفظ منه.

واختلف المذهب في إفساد الفأر هل يضمنه الصانع أم لا؟ على قولين، ولو قامت لهم البينة على التلف فهل يسقط عنهم الضمان أم لا؟ قولان المشهور سقوطه، عملوه بأجرٍ أو بغير أجرٍ وقال أشهب: لا يسقط، (وإن سقط) الضمان عنهم ففي وجوب الأجرة لهم قولان، قال ابن القاسم: لا أجرة لهم، وقال ابن المواز: هي لهم. وجه قول ابن القاسم: أنهم لم يسلموا المنفعة بتلف العين واعتبر ابن المواز أنه وفى عمله، وهذا حكم الأجير العام، وأما الخاص فأمين محض لا ضمان عليه.

فرع: إذا قلنا بتضمين الصناع فشرط الصانع نفي الضمان هل ينتفع بهذا الشرط أم لا؟ فيه قولان عندنا.

فرع: والصناع الضامنون المؤثرون بصناعتهم كما ذكره القاضي، وأما من لم يؤثر كالناسخ يضع عنده الكتاب المستنسخ منه، والحداد يضع (المثال) الذي يعمل عليه. قال سحنون: لا ضمان على هؤلاء إذا لم يؤثروا بصناعتهم شيئًا، وقال محمد: ضامنون اعتبارًا بالمصلحة.

قوله: "والقول قول الصانع إذا خالفه رب السلعة" قلت: اختلافهما يتصور في مسائل:

الأولى: أن يقول رب المتاع للصانع سرق مني، وقال الصانع: استصنعتني قولان أحدهما أن الصانع مدع، فالقول قول رب المتاع. والثاني: أنهما يتحالفان، ثم يقال لربه: ادفع له قيمة عمله، فإن أبى قيل له:

ص: 1042

ادفع له قيمة شيئته، فإن أبى كانا شريكين، ولو قال ربه للصانع أودعكته وقال الصانع: استصنعتني، فقال ابن القاسم: هو مصدق إذ العادة لم تجر بالإشهاد على مثل هذا، وقال غيره: الصانع مدعي: فالقول قول ربه.

والثانية: إذا قال الصانع لرب المصنوع: استصنعتني بأجر، وقال ربه باطلًا، فالقول قول الصانع مع يمينه، وهل تكون له أجرة مثله أو الأقل منها. أو ما ادعى من الأجرة قولان عندنا.

المسألة الثالثة: إذا دفع إلى الصانع ببينةٍ فلا يبرئه إلا الرد بالبينة، فإن قبضوا بغير بينة، فادعوا الرد، ولم تقم عليه بينة، فقال ابن الماجشون: القول (للصناع لأنهم حائزون بالعمل)، ولو اختلفا في مقدار أجرة البناء في دارٍ أو غيره، فالقول قول رب الدار، تكميل: قال علماؤنا من الحزن أن يعلم الأب ابنه الصغير الصنعة إذ المال تعرض له آفات الزمان، فإن احتاج الولد إلى الصنعة وجدها، وقد علم الله سبحانه كثيرًا من النبيئين الصنائع ورضيها لهم، ولو شاء لغناهم عنها، فالأول من حرث آدم، وكان نوح نجارًا، وكذلك كان يحيى بن زكريا، وكان إدريس خياطًا، وكان إبراهيم بزازًا، وكان داود صانع الدروع وأجار موسى نفسه من شعيب، وسليمان من الملاحين حين زال ملكه، وفقد خاتمه الذي كان سر أمره، فينبغي (اتباعهم)، والاقتداء بآثارهم صلوات الله عليهم.

فصل

قال القاضي- رحمه الله: "والجعل جائز وليس بلازم" إلى آخره.

شرح: الأصل في جواز الجعل، الكتاب، والسنة، أما الكتاب فقوله

ص: 1043

تعالى: {ولمن جاء به حمل بعيرٍ وأنا به زعيم} [يوسف: 72] وأما السنة فقد صح أنه- صلى الله عليه وسلم أمضى لصاحب الرقية ما أخذ على رقيته حيث شفى زعيم الحي فقال له: (من أكل برقيته فقد أكل برقية حق) الحديث، والإجماع منعقد على جواز الجعل في الآباق والضوال. واختلف الفقهاء في جوازه فيما عداهما، فمنعه أبو حنيفة للغرر والجهالة، وللشافعي قولان: الجواز، والمنع، والصحيح جوازه، اعتمادًا على ما ذكرناه.

قوله: "وليس بلازمٍ إلا أن يشرع في العمل": واختلف المذهب في الجعل هل هو من العقود الجائزة، أو اللازمة، والمشهور من مذهب مالك أنه من العقود الجائزة لا يلزم إلا بالعمل كالشركة والقراض وغير ذلك، فإن شرع المجعول له في العمل لزم الجاعل هذا هو الصحيح من المذهب.

وحكى الشيخ أبو الحسن اللخمي وغيره من المذاهب فيه ثلاث روايات: أحدها (هذه الرواية الصحيحة المشهورة، الرواية الثانية أنه يلزم بالقول في حق الجاعل خاصةً دون المجعول له، الرواية الثالثة) أنه لازم بالقول لهما كالإجارة ومعتمد المشهور من المذهب جريان العمل من السلف بالمدينة عليه.

وإذا فرعنا على جوازه فاخلتف فيه في فروع:

الأول: اختار القاضي أبو محمد في المعونة، وشرح الرسالة وغيرهما أن الجعل إنما يجوز في الشيء (اليسير الذي لا خطر له، أو فيما كان لا ينحصر بأجرةٍ، ولا يجوز في الشيء) الكثير، وحمله على المذهب

ص: 1044

وظاهر الروايات أنه يجوز في الكثير واليسير مما لا يتقدر من الأعمال بزمان، هكذا حكى القاضي أبو الوليد الباجي، وأبو الوليد بن رشد وغيرهما من المذاهب.

قوله: "ومن شرطه تقدير الأجرة دون العمل": وهذا كما ذكره، لأن الأجرة إن كانت مجهولة دخلها الغرر من الطرفين.

الفرع الثاني: إذا وقعت العقدة بين المتجاعلين جازت بشروطها، فإن قال رب الآبق: من جاء بعبدي الآبق فله كذا من غير أن يعقد ذلك مع رجلٍ بعينه، فجاء به، فهل له الرجوع على ربه بما أنفق عليه أم لا؟ المشهور أن له ذلك، وفي العتبية: النفقة من الذي جاء به، وهل له الطلب بالأجرة، وإن كره رب الآبق أم لا؟ فصل فيه أهل المذهب فقالوا إن كان الآتي به عادته ذلك، وعلم منه أن ذلك من شأنه، وأنه مما يكتسب بذلك، فله أجر مثله، وله النفقة التي أنفقها على الآبق، فإن لم يكن ذلك من شأنه، ولم يكن مما نصب نفسه للطلب، فلا جعل له على رب العبد، وإن أنفق عليه فهل يقضى له بالنفقة عليه أم لا؟ لأنه محتسب فيه قولان عندنا، والمشهور أنه ليس له في هذه الصورة إلا نفقته فقط، ولا جعل له، وقال ابن الماجشون: لا جعل له، ولا نفقة.

الفرع الثالث: إذا جاعله على الإتيان بعبده فاستحق العبد بعد أن وجده، وقبل وصوله إلى ربه ففيه تفصيل: إما أن يستحق العبد بحريةٍ ففيه قولان أحدهما أنه لا جعل له على أحدٍ بحال، والثاني: الجعل على الجاعل، وإن استحق بملك في هذه الصورة فجاء به، فهل يكون الجعل على الجاعل أو على المستحق الأول وهو المشهور، لأنه مقتضى العقد.

الفرع الرابع: إذا جاعله على عبده الآبق فأتى به ثم (أفلت) فأتى به

ص: 1045

آخر فلن يكون الجعل، فيه خلاف والصحيح أنه بينهما بمقدار (التعب)، ولو أخذ الآبق، ثم أرسله ضمن قيمته لتعديه.

الفرع الخامس: إذا أنكر المالك: (سعى) العامل في الرد فالقول قول مالك: لأنه المدعى عليه الغرم.

الفرع السادس: إذا اختلفا في مقدار الجعل تحالفا ورجعا إلى جعل المثل.

الفرع السابع: اختلف في الجعالة الفاسدة هل ترد إلى جعل مثلها أو إلى أجرةٍ مثلها فيه خلاف في المذهب حكاه القاضي أبو الوليد، واختلفت قاعدة المذهب في مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على التعليم، (والحافر) على استخراج ماء البئر، والمغارسة في الأرض هل ذلك كله حكم الجعالة، أو حكم الإجارة حكاه القاضي وغيره، فإن كان حكمه حكم الإجارة تعين العمل فيه بالزمان أو غيره مما يضبطه، وإن كان جعلًا امتنع تقدير الأجل لكثرة الغرر حينئذٍ.

ص: 1046