الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اللقطة والضوال والآباق
قال القاضي رحمه الله: "باب اللقطة والضوال".
اختلف الفقهاء في حكم التقاط التالف من أموال الناس، فمن أهل العلم من أوجب ذلك، لأنه من حفظ مال المسلم، وقال جماعة من السلف منهم ابن عباس الالتقاط مكروه مطلقًا وبه قال أحمد وغيره من الفقهاء لأمرين: الأول: قوله -صلي الله عليه وسلم-: (ضالة المؤمن حرق النار) ولما يخاف من التقصير في حفظها، وقال أبو حنيفة: الالتقاط أفضل من الترك، وتحصيل المذهب فيه أنه بحسب الأحوال والأزمان، فإن كانت اللقطة بين مأمونين والغمام عدل كره الاقتاط لما في ذلك في الخطر، وإن كانت بين غير مأمونين، (والإمام جائر التقطها) لما يؤمر به من حفظ مال أخيه المسلم، ولعله الذي أشار القاضي إليه بالاستحباب، والأصل في جوازها قوله -صلي الله عليه وسلم- للذي سأله عنها (أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة) الحديث.
والمقصود من ذلك ماله خطر، وأما التافه اليسير فهل يعرف أم لا؟ (استحب) أشهب تعريفه، وأسقطه غيره وذلك كالسوط والنعل والدرهم، واختلف المذهب في مسائل تتعلق بتعريفها:
المسألة الأولى: منها التعريف سنة على الأشهر بعد الاستبراء، وقيل: من يوم الوجود، وقيل: هو بحسب الاجتهاد.
المسألة الثانية: العفاص: الخرقة، والوكاء: الخيط، وقيل عكسه، وهل يكتفي بالعلامات أو لا بد من البينة على ذلك قولان.
المسألة الثالثة: إذا اعتبرنا العلامات من غير بينة فهل يكفي بالعفاص والوكاء، أو لا بد من معرفة العدد والصفة، قولان، وإذا قلنا: إن العلامة تكفي عن البينة، فهل يكتفي بواحدة من العلامات أم لا بد من معرفة جميعها، واختلفت الروايات في ذلك عن المذهب، وهل يستظهر عليه باليمين مع معرفة العلامات، إذا بيننا على جواز الاكتفاء بها أم لا قولان.
قوله: "فإن مضت سنة، ولم يأت من يطلبها فإن شاء الملتقط تركها في يده أمانة": قلت: هو مخير بين ثلاثة أمور أن يتركها تحت يده أمانة، ولا ضمان عليه إن تلفت بغير فعله، أو يتصدق بها، أو يتملكها دينًا في ذمته، فإن جاء ربها غرمها له، وإن تصدق بها فهل يضنها أم لا؟ قولان عندنا، الضمان وهو المشهور نقلاً، ونفيه وهو الظاهر نظرًا لقوله -صلي الله عليه وسلم-:(وإلا فشأنك بها) وهذا تمليك شرعي.
قوله: "على كراهية (منا لذلك) ": يشير إلى نحو ما قدمناه في كراهية استسلاف الوديعة، وهذا فيما يتصور فيه التعريف، وأما الطعام (الرطب) الذي يفسد بتركه فحكمه ما ذكر أن ملتقطه بالخيار بين أن يتصدق به أو يأكله، ويضمنه إن كانت له قيمة، وقد بين -صلي الله عليه وسلم- حكم ضالة الإبل والغنم فلا يعرض لضالة الإبل، ويأكل ضالة الغنم في الصحراء، ولا يضمن قيمتها، وإن شاء تصدق بها، وقد قيل في المذهب: لا ضمان عليه إذا أكلها، لأنها تمليك شرعي، فإذا وجد ضالة الغنم في قرية أو بقرب العمران لم يلتقط.
واختلف المذهب في ضالة البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم فيه ثلاثة أقوال: إلحاقها بالغنم أو بالإبل أو التفرقة، فإن كان لها قرون تدفع بها عن نفسها، فهي في معني الإبل وإلا فهي في معني الغنم، ثم ذكر حكم اللقطة يردها بعد أن أخذها، و (لباب) القول فيه أنه إن أخذها اختباراً لم يضمن، وإن أخذها احتفاظاً ضمن.