المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

قال القاضي رحمه الله: "كتاب الوصايا والمواريث والفرائض، الوصية مندوب إليها، وفيها احتياط للدين".

شرح: الأصل في الوصية قوله عز وجل: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180]، وقال تعالى:{من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 11]. قال صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبين ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة). وقد اختلف الفقهاء في حك الوصية، فقال الجمهور: هي مستحبة. وقال أهل الظاهر: هي واجبة لمن عليه أو له حق، تمسكًا بظاهر لفظ الخبر والصحيح أنها مندوب إليها، لما فيها من التحرز والاحتياط، إذ الإنسان لا يدري متى يأتيه أجله وقسمها الشيخ أبو الحسن اللخمي إلى أقسام الشريعة الخمسة: واجبة

ص: 1421

ومحظورة، ومندوب إليها، ومكروهة، ومباحة، فتجب بما قبله من حقوق الله سبحانه مما فرط فيه من زكاة أو كفارة واجبة بيمين أو عتق أو بما قبله من حقوق الآدميين من المعاملات (والمعاوضات) وغير ذلك إذا لم يتقدم الإشهاد على ذلك في حال الصحة، وإن كانت الوصية تقتضي معصية أو حثًا على قطيعة رحم أو نحو ذلك فهي محظورة.

وسمعت بعض شيوخنا يحكي عن بعض السفهاء الجهلة في الحقيقة من الأعيان أنه أوصى إذا مات أن ترجم السماء بالحجارة ونحو ذلك أن يوصي بالنياحة وغير ذلك من شئون الجاهلية، فإن اقتضت الوصية صدقة أو نوعًا من أنواع الطاعات كانت مستحبة مندوبًا إليها إذا كان ذلك لا يضر بالورثة، فإن كان المال قليلاً، وكان الذي يرجى من فضل تركه للورثة لما علم من (سوء) حالهم أحسن ما يرجى من الوصية به كانت الوصية بالمال مكروهة لقوله صلى الله عليه وسلم:(إنك إن تذكر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) الحديث فإن كان الورثة مياسر لم يكن في الوصية كراهة، فإن تقارب الحال كانت مباحة، وذلك إذا لم تقتض طاعة ولا معصية ولا مضرة على الورثة، وفي قسم المكروه منها أن تكون له قرابة فقراء فأوصى لأجنبي مع وجود القرابة الفقراء، وفي قسم المكروه منها أن تكون قرابة فقراء فأوصى لأجنبي مع وجود القرابة الفقراء، فلا خلاف إن جعلها في الأجنبي أنها مكروهة مع وجود القرابة.

ص: 1422

قوله: "وفيها احتياط للدين": يعني أن بها التخلص من الحقوق التي عليه من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين وبعضهم (يرويه) للمدين هو تصحيف.

قوله: "وللموصي في ماله الثلث": لا تجوز الزيادة عليه إلا بإذن الورثة، لقوله صلى الله عليه وسلم حديث سعد:(الثلث والثلث كبير). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم).

فإن أذن بعض الورثة في الزيادة على الثلث، ومنع بعضهم منه جاز ذلك في حق من أجازه وامتنع في حق من منعه، لأنها حقوق لهم فمن شاء طلبها، ومن شاء تركها ولا تجوز الوصية للوارث لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث). فإن أجازها الوارث مضت عند الجمهور خلافًا لمن منع ذلك نظرًا إلى أنها وقعت فاسدة ي الأصل، وعندنا أن وقوعها بصفة الوقف على خيار الورثة لا لصفة الفساد وإذا وقعت الوصية للوارث والأجنبي وقعت المحاصة فيرد من ذلك من ناب الوارث إذا رده الورثة، ويمضي ما ناب الأجنبي، ومن لا وارث له كمن له وارث لا يتعدى الثلث عند جمهور أهل العلم، من أهل العمل من قال له الوصية بجميع ماله وهو قول أبي حنيفة.

ص: 1423

ومبنى الخلاف على بيت المال (هل هو وارث محقق أم لا؟ ومذهبا أنه وارث محقق فكما لا يجوز لمن له وارث مجاوزة الثلث، كذلك لا يجوز لمن ورثه بيت المال) وإذا استأذن الورثة في الوصية لوارث، أو في الوصية بأكثر من الثلث جاز ذلك إذا كان في حال المرض المخوف فإن استأذنهم في حال الصحة لم يلزمهم ذلك، والفرق أنهم في حال المرض يملكون الحجر عليه، ولا يملكون ذلك في حال الصحة، فكان حقهم إنما يتعلق بالمال في حال المرض لا في حال الصحة، فإذنهم له في حال الصحة كإذن الأجنبي لا يفيد شيئًا، وإذا استأذنهم (سفرًا فأذنوا له ففي لزوم ذلك كله قولان: أحدهما: اللزوم إذا كان سفرًا بعيدًا مخوفًا، والثاني: نفي اللزوم لأنهم لا ضرورة لهم) على الحجر عليه في هذه الحال، ولأن تصرفه فيها من رأس ماله بخلاف المرض.

قوله: "من غير خوف في الحال التي يتعلق لهم حق بمال الموصي" يريد إذا كان الوارث في عيال الموصي، وفي نفقته فيخاف إن لم يأذن له أن يقطع عنه النفقة، أو يكون له عليه دين فيجحف به، أو يكون ذا سلطان فيرهبه، واختلف في الزوجة، قال مالك: لها أن ترجع. وقال أشهب: ليس كل زوجة لها أن ترجع، ولو وهب ميراثه من موروثه لرجل، والموروث صحيح، فهل يلزمه لأنه التزمه بشرط الملك، أو لا يلزمه فيه قولان حكاهما الشيخ أبو الحسن وغيره.

قوله: "وليس للمريض المخوف عليه إخراج ماله في غير معاوضة": يريد أن هباته وعطاياه موقوفة، فإن صح لزمته من رأس المال، وإن مات كانت في الثلث (ويجوز أن يشتري ابنه) وإذا كان عبدًا بثلث ماله، وهل له أن يشتريه في مرضه بكل ماله أم لا؟ قولان: المشهور أنه ليس له ذلك وقال محمد بن مسلمة: يجوز أن يشتريه بكل ماله، ولا خلاف في جواز استلحاقه،

ص: 1424

ومن أوصى لرجل (بنصيب) أحد بنيه فللموصى له كل المال، وإن أوصى له بنصيب أحد ورثته اعتبر بالرؤوس، وكان له جزء من الأجزاء على حسب عدد رؤوسهم، لأن الأنصباء مختلفة، فليس الأكثر منهما بأولى من الأقل، فلم يبق إلا اعتبار عدد الرؤوس، هذا مقتضى المذهب، ونصوص الروايات.

قال القاضي: "وفي السهم والجزء خلاف".

فمنهم من قال: يعطي الثمن، ومنهم من قال: يعطى السدس، وقيل: يعطى سهمًا واحدًا مما بلغت سهام الفريضة وتصح وصية السفيه المحجور عليه لتبذير ماله، لأنه إنما منع (لإتلاف) ماله خوف الفقر عليه، والوصية إنما تنفذ بعد موته أمن الفقر عليه، وكذلك المجنون في حال إفاقته، وتجوز وصية الصبي الصغير المميز الذي يعقل القربة، وإن لم يبلغ خلافًا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وصح جواز ذلك عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم، هذا إذا كان عارفًا (بوجه القرب) ابن عشر سنين أو (فوق) ذلك بيسير، وروى عنه ابن تسع سنين. قال: ابن وهب: وأصبغ تجوز وصيته إذا عقل الصلاة وهذا أقل ما قيل، وقال ابن الماجشون: إذا كان يافعًا مراهقًا، وجوازها من السفيه (إشعار) بجوازها من الصبي لأن كليهما محجور عليه في مال لحق نفسه.

قوله: "وللموصي أن يعين النوع الذي يوصي فيه، ولا يكون للوصي أن ينظر في غيره، وله أن يطلق فيكون (الوصي) وصيًا في كل شيء

ص: 1425

يوصى (به) " وهو كما ذكره، لأن الوصي وكيل والوكيل قد يكون مفوضًا إليه، وقد يكون مخصوصًا، وله أن يوصي وصيين كما له أن (يوصي بثلث ماله إلى وصي، وبالنظر في ولده إلى آخر لأن الوصية وكالة، وله أن يوكل في حقوقه كلها وكيلاً واحدًا، وله) أن يوكل عدة وكلاء، فإذا أوصى بنوع مخصوص لم يكن للوصي مجاوزته إلى النظر في غيره، فإن أطلق فقال: أنت وصي عمت الوصية كل شيء (وكذلك) له النظر في المال والولد، وله إن أطلق أن يوصي بما أوصى إليه به أو ببعضه عندنا خلافًا للشافعي.

واختلف المذهب عندنا إذا أوصى له بنوع مخصوص، ولم يذكر قصره عليه، ولا أنه ليس له النظر في غيره هل تتعدى الوصية إلى غير ما عين له لأجل التنصيص عليه. حكاه القاضي أبو محمد وغيره عن المذهب، وفيه روايتان. قال مالك: إذا قال فلان وصى فقد استقصى وبالغ، يعني: أنه وصى على المال والولد، ولو قال فلان وصي على مالي دخل الولد، ولو قال: على ولدي وابني دخل المال، وكان وصيًا في الجميع المال والولد، وإذا أوصى وصيين فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن شريكه، فإن باع أو ابتاع بغير إذنه فأراد الثاني فسخ فعله نظر فيه السلطان، فإن رآه سدادًا أمضاه، وإن رآه غير سداد رده.

قال أشهب: إلا في الشيء التافه اليسير كالطعام والثوب يحتاج إليه اليتيم في غيبة أحد الوصيين، فيشتريه الثاني ولو لم يشتريه الثاني ولو لم يشتره أضر اليتيم، وليكن المال عند أعدلهما ولا يقسمنه، وقال علي بن زياد: إن تشاحا في ذلك اقتسماه، وإذا اقتسامه لم يكن لأحدهما أن ينفرد بالعمل، فإن انفرد فهو متعد، وعليه ضمان جميع المال إن هلك ما في يده وفي يد

ص: 1426

صاحبه، لأنه تعدى بالنظر فيما عنده فضمنه وترك النظر فيما في يد صاحبه فضمنه. هذا (نص) الروايات.

وإذا أوصى زوجته على أنها لا تتزوج فتزوجت نزعت الوصية عنها إذا شرط الموصي ذلك في وصيته، فإن أوصى زوجته من غير شرط فتزوجت لم تنزع الوصية منها إذا تزوجت، ولكن يكشف عن حالها وحال الزوج، فإن كانت قد عزلت الأيتام في بيت، وأقامت لهم ما يصلحهم فهي أولى بهم، ولو قال الميت: انزعوهم منها إن تزوجت لم ينزعوا منها، لأن الميت لم يقل هي معزولة إذا تزوجت، وإنما قال: انزعوهم منها إن تزوجت لم ينزعوا منها، فإذا كانوا معها في حرز وحفظ وكفاية وحسن قيام فيه (أحق) بهم. قال ابن القاسم: إذا كان المال يسيرًا وهي مكتفية ذات حال لم تنزع الوصية منها وإن كان المال كثيرًا وهي فقيرة نزع منها.

قوله: "ولا يترك الفاسق وصيًا" وهذا كما ذكره. قال أهل المذهب: ولا تجوز الوصية إلى غير عدل فهم بما جعل له من النظر، ويرد فعله، لأن المال قد انتقل عن الميت إلى غيره، فلا يجوز أن يليه إلا مأمور ثقة، ولا تجوز الوصية إلى الذمي، وأجاز أن يوصي إلى زوجته النصرانية وأخيه النصراني ليصل بذلك رحمه، والذي يخشى على الأولاد بذلك أعظم مما يخشى على المال، ومما يرجى من ملة الرحم، لأن النصراني لا ينفك عن شرب الخمر وأكل الخنزير، وعبادة الأصنام وتعظيم غير الله.

وتصح الوصية من الأب ولا تصح من الأم مع وجود الأب أو وصية ولا مع عدمها. واختلف في جواز وصيتها فيما يرث ابنها عنها، إذا كان يسيرًا كالخمسين دينارًا ونحوها فأجيز ومنع، ومذهب ابن القاسم جواز وصيتها في الشيء اليسير.

قوله: "ومن أوصى له بشيء بعينه فتلف فلا شيء له" وهذا كما

ص: 1427

ذكره، لأن الوصية إنما تعلقت بشيء معين فتذهب بذهابه، وكذلك الهبة والصدقة، ولا خلاف في ذلك (وهو) كالدابة المعينة المستأجرة إذا ماتت انفسخت الإجارة فيها، فإن تلف ثلثا تلك العين المعينة فالثلث الباقي للموصي إن احتمله كل المال، ولو كانت الوصية لجماعة فمات واحد منهم قبل موت الموصي ولم يقبل ففيها ثلاث روايات عن مالك، فقال مرة: ليس للورثة أن يحاصوا الورثة بنصيب الميت علم الميت بموته أم لا؟ وقال مرة: لورثة الموصي أن يحاصوا أهل الوصايا بنصيب الميت، علم الميت بموته أو لم يعلم، وقال مرة: إن لم يعلم الموصي بموته حاصوا وإن علم بموته لم يحاصوا، لأنه إذا علم فترك الوصية على ما هي عليه رضى بكونه باقيًا على حكم الوصية، وإنما جعل لهم أن يحاصوا على الرواية الأولى، لأن الميت جعل الوصية بين الجميع فلم يستحق الباقي من الموصى لهم نصيب الميت كما لو لم يمت، وأما الرواية بأنهم لا يحاصون فلأن الموصي قد صرف المال إليهم، وأخرجه عن تركته فلم يجز أن يرجع شيء منه ميراثًا، لأن الوصية بإخراجه تناقض ذلك.

قوله: "ومن أوصى بنفقة عمره عمر سبعين سنة" هذا مشهور المذهب في التعمير، وقيل: إنه يعمر تسعين سنة، وقيل: مائة وعشرين سنة، والصحيح

ص: 1428

هو الأول لقوله صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين) فإذا عمر جعل قدر نفقته على يد أمين فينفق عليه شهرًا شهرًا، فإن مات قبل استيفاء ذلك رجع باقي النفقة لورثة الموصي، وإن عاش زيادة على التعمير فهل يرجع على أهل الوصايا فيحاصهم أم لا؟ قولان. المشهور أنه إذا عاش زيادة على التعمير فلا شيء له. وقال أشهب: يرجع عليهم، ومبناه على الاجتهاد هل يرفع الخطأ أم لا؟ وهذه النفقة في الثلث لأنها وصية فكانت في الثلث كسائر الوصايا والله تعالى أعلم.

قوله: "والحامل إذا بلغت ستة أشهر والمحبوس للقود": والزاحف في الصف وراكب البحر في زمن العطب كالمريض المخوف عليه يجب الحجر عليهم، ولا يتصرفون إلا في الثلث إلا فيما يحتاجون إليه من النفقة والكسوة فلا حجر عليهم في ذلك وهو من رأس المال أيضًا، ولا يمنون من التصرف بالمعاوضة إذا لم يكن فيها محاباة. وأشار القاضي إلى الخلاف في راكب البحر في اللجة، وهو بناء على أن الغالب فيه السلامة، وقد قال سحنون في راكب البحر في؟؟؟؟؟: فقد برئت منه الذمة، يعني أنه عاص في الركوب مغرر بنفسه. قال ابن القاسم في راكب البحر في زمان اللجة: حكمه حكم الصحيح. وقال أشهب: حكمه حكم الحامل إذا بلغت ستة أشهر.

قوله: "وتجب الوصية بموت الموصي وقبول الموصى له بعده" وهذا كما ذكره، فإن الوصي ما دام حيًا فله الرجوع في وصيته، وله أن يغير منها ما شاء إلا التدبير. (قال مالك: وهو الأمر المجمع عليه عندنا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن للموصي أن يغير من وصيته ما شاء الله التدبير) فإذا مات الموصي قبل قبول الموصى له عادت ميراثًا، ومن أهل

ص: 1429

العلم من قال: إن الوصية تدخل في ملك الموصى له بنفس الموت دون القبول وهو أحد قولي الشافعي. والصحيح أنها مفتقرة إلى القبول كالهبة في حال الحياة، ولو مات الموصى له قبل أن يقبل أو يرد فهل لورثة الموصى له القبول والرد كما كان لمورثهم أو تبطل الوصية، وتعود ميراثًا قولان. واختار الشيخ أبو بكر الأبهري أنها تعود ميراثًا، لأنه الأصل، والصحيح أن ذلك حق وجب للموصى له فورثته يتنزلون منزلته.

قوله: "وإذا ضاق الثلث عن الوصايا قدم آكدها على ما دونه": هذه مسائل التبدئة، وأول ما يبدأ به من رأس المال كفن الميت وحنوطه وما يلزمه في مواراته، ثم ديون (الخلق) ثم زكاة تحل عليه وهو مريض فيوصى بها، أو لا يوصى فتخرج من رأس ماله (في الحب والماشية، واختلف في زكاة العين إذ علم بها ولم يفرط فيها، فقال ابن القاسم: إن أوصى بها كانت من رأس ماله) وإلا فلا تخرج منه ولا من الثلث وقال أشهب هي من رأس المال أوصى بها أم لا لاتفاقهم على زكاة الحب والماشية، قال محمد في مريض قيل له: أخرج زكاة مالك؟ قال: لا حتى (إن) برئت أخرجتها أنها لا تخرج إلا أن يوصي بها فتكون في الثلث، وقيل: في رأس المال، وقال فيمن عليه هدى تمتع أنه من رأس ماله إلا أن يفرط فيه فلا يكون في ثلثه ولا في رأس ماله، وأول ما يبدأ به في الثلث عند ضيقه صداق (المنكوحة في) المريض إذا أدخل بزوجته، ثم المدبر في الصحة، ثم ما فرط فيه من زكاة أو كفارة، ثم المبتل والمدبر في المرض ثم الموصى بعتقه المعين، فإن فضل شيء تحاص فيه أهل الوصايا.

قال أهل المذهب: الموصى به أربعة أنواع: أحدها: ما أوجبه القرآن.

ص: 1430

والثاني: ما أوجبته السنة. والثالث: ما أوجبته الموصي على نفسه. والرابع: ما أوصى به ولو يوجبه. فإذا اشتملت الوصية على هذا كله وضاق الثلث عن ذلك ابتدئ بما جاء في القرآن، فإن كان فضل ابتدئ بما جاء في السنة، ثم بالتطوع بعد ذلك، وأوجب الزكاة والعتق عن القتل والظهار والإطعام والنسك وجزاء الصيد وفدية الأداء، وكفارة الأيمان.

فإذا اشتملت الوصية على هذا كله قدمت زكاة الأموال ثم الفطر، ثم الهدي، ثم الكفارة على الفطر في رمضان، وهكذا على ترتيب الآكد فالآكد، واختلف في العتق المعين هل هو مبدأ على الزكاة، وهو المشهور، أو الزكاة مبدأة عليه، لأنها من حقوق الله سبحانه وهو قول عبد الملك وكذلك اختلف في كفارة القتل، والظهار، فقيل: هما سواء، وقيل: كفارة القتل أوى لحرمة النفس وإذا قلنا بالتسوية، فقيل: يقرع بينهما، وقيل ذلك إلى الورثة، والأول أصوب، وإن لم يكن في الوصايا شيء مما تضمن القرآن، وجاءت به السنة بدئ بالعتق المعين على سائر الوصايا. وقال أشهب: قد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم قضوا بذلك، ولو أعتق عبدين في كلمة تحاصا، وقيل (يتقارعان) ولو عجل عتق أحدهما بمال والآخر على غير مال بدئ بمن لم يجعل عليه مال، واختلف إذا عجل الثاني ما عليه من المال فقيل: يتحاصان وهو الصواب، وقيل: يقرع بينهما.

قوله: "وتجوز الوصية للقاتل وللذمي وللميت إذا علم الموصي بموته" وهذا كما ذكره، ونبه على خلاف الشافعي حيث منع الوصية للقاتل عمدًا

ص: 1431

أو خطأ، (ومذهبنا صحة الوصية للقاتل عمدًا أو خطأ) لأنها هبة (فالقتل لا يمنعه) اعتبارًا بحال الحياة، وكذلك يجوز عفو الرجل عن قاتله (عمدًا) ولا يجوز ذلك في الخطأ إلا أن تكون الدية ثلث التركة أو أقل، والفرق بينهما أن الواجب بقتل العمد قود، وليس فيه إخراج مال عن الورثة، والواجب بقتل الخطأ مال، وليس له في المال إلا الثلث، ولو قتله الموصى له عمدًا بطلت وصيته، وإن قتله خطأ لم تبطل وصيته كالميراث وكذلك الوصية للذمي، لأن هبته له جائزة على كراهة لقطع المواصلة بيننا وبينهم بالكفر ولو أوصى لميت علم بموته قضيت منها ديونه وزكاته وكفاراته إن كانت عليه، فإن لم يكن عليه شيء من ذلك كانت لورثته، وهذا أيضًا تنبيه على مذهب الشافعي وأبي حنيفة حيث قالا: لا تصح الوصية للميت بحال، الصحيح ما ذهبنا إليه، لأن الموصي إذا أوصى له وهو ميت، فإنما قصد صرف الوصية في مصالحه، وإنما منعها الشافعي وأبو حنيفة لأن من شرط الوصية تملكها للموصى له، والميت لا يصح تملكه وهو منصوص بالوصية للقنطرة والمساجد وغير ذلك.

قوله: "ومن أوصى بنوع من تركته" وهي أنواع كثيرة من عقار، وناض، ورقيق وعروض، وديون فأوصى بجملة الناض لرجل، فأبى الورثة أن يجيزوا فإنهم بالخيار بين أن يجيزوا (أو يخلعوا) جميع الثلث. وهذا كما ذكره لأن للورثة أن يقولوا: لا نأمن أن تتلف الديون والعروض قبل القبض والقسمة، فليس له تخصيص الموصى له بالعين لما في ذلك من الإضرار بنا، ولو كانت التركة كلها صنفًا واحدًا عبيدًا كلها أو دنانير أو عروض كلها، فأوصى منها بشيء بعينه هو الثلث فأقل جاز وليس للورثة أن يقولوا له: لك الثلث شائعًا.

ص: 1432

وإذا فرعنا على ما ذكرناه من أن لهم الممانعة في (التعيين) مع اختلاف التركة فيهم بالخيار كما ذكره القاضي بين أن يجيزوا ما أوصى به أو يقطعوا له الثلث في التركة، واختلفت الرواية هل يقطعون له بالثلث في جميع التركة، أو في الشيء الموصى له به، فقال مرة: إذا لم يجيزوا الورثة قطعوا له بالثلث شائعًا. وقال مرة: يفض الثلث على العين التي أوصى له بها. وجه الرواية الأولى: أنهم يقطعون بالثلث شائعًا أن الموصى تعدى بالتعيين إلى ما ليس له، فوجب رد تعديه فصار في حكم من أوصى بالثلث ابتداء. ووجه الرواية الثانية: أن الموصي لما عين لم ترد الوصية إلا بما عين خاصة ووقوع الشركة في عين واحدة أولى منها في الجميع ويحط ذلك الزائد من الموصى به خاصة، لأنه وإنما جعلنا لهم المقال في (العين التي عينها)، إذ لهم أن يقولوا: هذا الذي عين الميت فيه زيادة على الثلث، فإذا رجعوا إلى تقويمه، وأخرجوا له الثلث جعلوه في العين التي عينها الموصي فيحصل فيه أمران مراعاة (قصد) الموصي بالتعيين، ونفى الضرر عن الورثة بالتعيين، وهذا الذي (اختاره) الأشياخ.

فصل

قال القاضي رحمه الله: "أسباب التوارث ثلاثة: نسب وولاء ونكاح" والعلل المانعة من الميراث ثلاثة: كفر، ورق، وقتل.

شرح: الميراث يكون بوجهين: نسب وسبب، فالنسب: الرحم، والسبب: الولاء والنكاح. أما (التوارث) فالأصل فيه آية الفرائض، وقد

ص: 1433

تضمنت ذكر ميراث الزوجات والأزواج فتضمنت -إذن- السبب والنسب، والميراث بالولاء ثابت بالإجماع كما قدمناه، وقد كانوا في الجاهلية يتوارثون بالنصرة والهجرة (والمحالفة وورث أبو بكر الصديق حليفًا له في الجاهلية في بني زهرة) فنسخ الإسلام ذلك لقوله تعالى:{وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] ولا توارث بين أهل الكفر والإسلام عند جمهور أهل العلم وقالت طائفة من العلماء: يرث المسلم الكافر. وقال به محمد بن الحنفية ومعاذ بن جبل ومعاوية: لأن الإسلام يكون سببًا في المنع والحرمان، إذ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والصحيح الاعتماد على قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم). وفي لفظ آخر: (لا يتوارث أهل ملتين). واتفق العلماء والصحابة والتابعين أن من لا يرث لأجل الكفر لا يحجب إلا عبد الله بن مسعود فإنه حجب بالابن الكافر من يحجب بالابن المسلم وهذا ضعيف، لأن الله أنزله في الميراث معدومًا، فكذلك في الحجب، ولأن المذكور في قوله تعالى:{يوصيكم الله} [النساء: 11] سهمًا هو الذكور في قوله: {فإن لم يكن له ولد} [النساء: 11] حجبا، فلا فرق

ص: 1434

بين الحجب والميراث إذًا ولما كان الميراث مبنيًا على التساوي في الحرمة، والحرمة بين الكافر والمسلم والعبد والحر غير متساوية، امتنع الميراث ومن فيه بقية رق كالرق المحض عندنا. وقال الشافعي: يرث ورثته نصيبه الحر، وقال بعضهم: ميراثه لبيت المال لا لسيده والصحيح ما ذهب إليه المهور من أن أحكام الرق غالبة عليه في الشهادة والحدود وغير ذلك.

واختلف العلماء في القاتل هل يرث أم لا؟ فمنعه قوم مطلقًا في العمد، وفي الخطأ، وزعموا أن القاتل لا يرث المقتول بحال، وقال قوم: إنه يرث مطلقًا. وفرق مالك بين العمد والخطأ، فزعم أن قاتل العمد لا يرث شيئًا وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية، وإنما فرق بينهما أن قاتل العمد يتهم في استعجال الميراث فمنع منه معاملة له بنقيض غرضه، وهؤلاء زعموا أن الحكم غير معلل بالقتل بنفس كونه قاتلاً عند المحققين من الأصوليين، فالمستولدة تقتل سيدها فتعتق اتفاقًا، ويلزم على مقتضى التعليل أن لا تعتق معاملة لها بنقيض مقصودها، وينتقض أيضًا بالمستحق للدين يقتل من له عليه دين قبل الأجل فعجل دينه فيلزم أيضًا أن لا ينجز معاملة له بنقيض قصده، فلو كانت هذه العلة سديدة على مقتضى التعليل أن لا يعتقا لجاز طرد القول بموجبها في المستولدة، وفيمن عليه الدين، وقال: قدم قوم الحرمان نوع عقوبة ولا عقوبة على الخاطئ، والقائلون وبالفرق ينقسم الخطأ عندهم إلى مباشرة وسبب. فالشافعي عمم الحرمان وأبو حنيفة خصص بالمباشرة، وقال: من حفر بئرًا عداوة فتردى فيه قريب لم يحرم ميراثه، إذ ليس قاتل حقيقة ثم القتل منه ما يصدر من مكلف، ومنه ما يصدر من غير مكلف كالصبي والمجنون، والشافعي عمم الحرمان بقتل الصبي والمجنونة، وأبو

ص: 1435

حنيفة قال: لا عقوبة على الصبي والمجنون إذ هما غير مكلفين، وهذه مسائل قد اختلف فيها فقهاء تعلقًا منه بالمعنى المستنبط من النص المعلل به كما تقرر في أصول الفقه.

قوله: "ولا يرث الجنين إلا بعد وضعه والعلم بحياته" وهذا كما ذكره، إذ لا ميراث بالشك والصراخ والاستهلال والإرضاع، وطول المكث أمارة على الحياة. واختلف في التثاؤب والعطاس والمرتد مراعى بأحد أحكامه، فإن تاب فله أحكام الإسلام، وإن مات على ردته فماله للمسلمين، ولا توارث بين الغرقى والهدمى، إذ لا ميراث بالشك، وميراث ولد الملاعنة لأمه ولإخوته لأمه، وما بقي فالموالي أمه إن كانت معتقة، وإن كانت عربية فللمسلمين، وقال ابن مسعود: هي عصبة فما بقي عبدها وبعد إخوته فلها، وإن لم تكن هي فعصبتها عصبته، وولد الزنى لا حق بأمه، والحكم فيه كالحكم في ولد الملاعنة).

قوله: "ويتوارث توأمها بأنهما (إخوة) لأم وتوأما الملاعنة شقيقان"(أما توأما الزنا فإخوة لأم) لا غير، إذ النطفة نطفة شيطان، فليس للزاني فيها شيء حكمًا، وإن كان له ذلك حسًا، وأما (توأما الملاعنة فهم إخوان لأب وأم لأن لعان أبيهم سقط نسبه منهم دون توارثهم بينهم، هكذا علله القاضي أبو محمد وغيره من شيوخ المذهب وفيه نظر، لأن اللعان إذا قطع نسبهم من أبيهم، فليسا منسوبين إلى أب (فكيف يتوارثا بأنهما إخوان لأب) فحينئذ لا معنى للعان قوله: "ولا يقبل دعوى الأعاجم في السبي

ص: 1436

لأنسابهم إلا ببينة"، وهذا كما ذكره، فلو قال القائل منهم: هذا أخي وهذا أبي، أو هذه ابنتي، فلا يقبل قوله في ذلك لأنه يتهم أن يريد بذلك قطع ميراثه من بيت المال، وكل بلدة افتتحت عنوة ثم سكنها المسلمون، وأسلم أهلها فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية كما كانت العرب حين أسلمت، وأما كل قوم تحملوا فإن كانوا عددًا يسيرًا، فإنهم لا يتوارثون إلا ببينة عادلة من أسارى المسلمين الذين عندهم.

وأجاز مالك شهادة من دخل عندهم من التجار، وقيل: إذا شهد لهم العشرون رجلاً توارثوا، وإن لم تكن العشرون فما قرب من ذلك، وقال سحنون: لا يتوارثون إلا ببينة عادلة ولو كانوا مائة. قال مالك: ولو طالت المدة وهم متناسبون على ذلك، ولا أحد ممن قدم ينكر ذلك عليهم من أهل موضعهم، فإن ذلك يصير (حوزًا) يتوارثون به وإن لم يكن شهادة، وإذا مات رجل وترك ولدين مسلمًا ونصرانيًا، فادعى كل واحد أنه مات على دينه ولا بينة على ذلك تحالفا، واقتسما ماله. واختلف إذا لم يعلم أصله هل يرجح بصلاة المسلمين عليه، فلم ير ذلك ابن القاسم. وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إذا كان ذلك بحضرة النصارى فهو قطع لدعواهم إلا أن يكون لهم عذر في السكون، ولو أقاما بينة فتكافتا قسم المال بينهما، وقيل: المال للمسلم إذا كان غير معروف في النصرانية.

قوله: "وما فضل عن ذوي السماح للعصبة، فإن لم يكونوا فللموالي، فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يريد على ذوي السهام": وهذه المسألة مشهورة بالخلاف بين سلف الصحابة والتابعين، فعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وغيرهما يقولان بالرد، قال: والجمهور بعدم الرد، وعليه معتمد مالك وأصحابه واتفق القائلون بالرد على أنه لا يرد على زوج ولا

ص: 1437

زوجة، وقال صلى الله عليه وسلم:(الحقوا الفرائض بأصلها فما بقي فلأولى وارث ذكر).

قوله: "ولا ميراث لذوي الأرحام": وهذا مذهب مالك وقال أبو حنيفة: بتوريث ذوي الأرحام اعتمادًا على ظاهر الآية: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله} وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً مات على عهده وترك عمة وخالة، فدعى لجنازته، ثم قال: لا أجد لكما في كتاب الله شيئًا) يعني: العمة والخالة. وفي لفظ آخر: أن جبريل أخبره أنه لا شيء لهما واعتمد مالك في منع ذوي الأرحام على عمل أهل المدينة، إنه لنعم الدليل.

قوله: "ويعتبر في الخنثى بالمبال، وفي المشكل نصف الميراثين" وقضى بذلك ال 3 صحابة. قال أهل المذهب: يرث الخنثى بمباله وتكون أحكامه في شهادته ونكاحه ودينه وغير ذلك تابعة للمبال فإن أشكل فله نصف ميراث الذكر، ونصف ميراث الأنثى وفيه خلاف. والخنثى المشكل لا ينكح ولا يُنكح، ولا يكون أبًا ولا أمًا، وقد قيل: إنه وجد من ولد له من صلبه ومن بطنه فإن صح ورث من ابنه من صلبه ميراث الأب كاملاً، والمشكل: هو الذي تجتمع فيه صفات الذكر والأنثى كاللحية والثديين والمبال من كلا السبيلين، فإن بال من أحدهما أكثر كان الحكم له، وقد قيل: إنه يعتبر بعدد الأضلاع. وحكى أبو محمد عبد الحق وغيره من مشايخ القرويين في المشكل: إذا زنى بذكره لم يحد، وإن زنى بفرجه حد، والظاهر أنه يحد اعتبارًا بما ذكرناه من أنه يرث بالوجهين.

ص: 1438

قوله: "وإذا اجتمع في الشخص سببان يرث بهما ويرث بأقواهما" وهذا تنبيه على مذهب أبي حنيفة القائل بأنه يرث بالسببين جميعًا، ومذهب مالك أنه يرث بالسبب الأقوى إلا ابن العم يكون أخًا لأم، فإنه يرث بالسببين عندنا الإخوة للأم والعصبة، وكذلك الزوج يكون ابن عم، وكذلك البنت والزوج يكونان موالي كما فسره القاضي رحمه الله، وأما الأخت للأب والأم، فقد اجتمع فيها سببان لأن كونها اختًا لأب يوجب لها النصف، وكونها لأم يوجب لها السدس، فإذا اجتمعت القرابتان لم ترث عندنا بالجميع، وورثت بالسبب الأقوى، وقال أبو حنيفة: ترث بالسببين.

فصل

قال القاضي رحمه الله: "والوارثون عشرة أصناف"(من الرجال ومن النساء سبعة) وهذا كما ذكره، أما العشرة فولد الصلب ذكورهم وإناثهم، وولد الابن ذكورهم وإناثهم وإن نزلوا، والآباء وإن علوا والأخ وابن الأخ وإن سفل، والعم وابن العم وإن سفل، والزوج، ومولى النعمة (ومن النساء سبع: الأم والجدة والبنت وابنة الابن وإن سفلت، والأخت كما كانت، والزوجة، ومولاة النعمة) والميراث تعصيب وفرض والفروض ستة كما ذكره القاضي: النصف، ونصفه، وهو الربع، ونصفه وهو الثمن، والثلث ونصفه، وهو السدس.

فالنصف لخمسة: لابنة الصلب مع عدم الولد (وولد الولد لقوله عز وجل: {وإن كانت واحدةً فلها النصف} [النساء: 11] ولابنة الابن لأنها كابنة الصلب، وللأخت الشقيقة أو للأب لقوله تعالى:{إن امرؤٌا هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصف ما ترك} إلى قوله: {فلهما الثلثان مما ترك} [النساء: 176].

ص: 1439

وهذا عام في الشقائق والتي للأب، وللزوج مع عدم الود لقوله تعالى:{ولكم نصف ما ترك أزواجكم} [النساء: 12] والربع فرض صنفين: الزوج مع وجود الولد أو ولد الابن، والزوجة أو الزوجات مع عدمهم لأنه مقتضى النص.

والثمن: فرض واحد وهي الزوجة أو الزوجات مع الولد أو ولد (الابن) بمقتضى النص.

والثلثان: فرض أربع الاثنتان فصاعدًا من بنات الصلب لقوله تعالى: {فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} [النساء: 11] ومعناه فإن كن اثنين فما فوقهن فلهن الثلثان وهو إجماع الجمهور والاثنتان من بنات الابن، والاثنتان من الأخوات الشقائق لقوله تعالى:{فإن كانت اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} وللاثنتان من الأخوات للأب، وهذا مذهب الجمهور أيضًا.

الثلث: فرض صنفين: الأم مع عدم وجود الولد، والإخوة والاثنان فصاعدًا من الإخوة أو الأخوات للأم لقوله تعالى:{فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} [النساء: 12].

وتحصيل الحجب بالأخوين الاثنين عندنا خلاف لابن عباس في قوله: إن الحجب لا يكون إلا بثلاثة بناء على أنه أقل الجمع، ومذهب عبد الملك بن الماجشون وغيره من أصحابنا أن أقل الجمع اثنان، ولا يقتضيه لسان العرب، لأنهم فرقوا بين المفرد والتثنية والجمع.

والسدس: فرض سبعة على واحد من الأبوين مع وجود الولد أو ولد الابن وأحد فروض الجد وفرض الجدة والجدات إذا اجتمعت، وفرض بنات الابن مع بنت الصلب، وفرض الأخوات للأب مع الأخت للأب والأم، وفرض كل واحد من ولد الأمر ذكرًا كان أو أنثى، لأنه مقتضى النص.

قال القاضي رحمه الله: "وكل واحد من الرجال إذا انفرد بالمال أحرزه إلا

ص: 1440

الزوج والأخ للأم، وليس في الفساد من يجوز المال كله إلا الموالاة فقط": ثم ذكر الحجب وقسمه إلى حجب نقص وحجب إسقاط واستوفى ذلك كله على أتم وجه وأكمل بيان لا يحتاج إلى مزيد شرح، والقسم العملي من الفرائض مستقل بنفسه غير داخل في العمليات، وقد أفرد الناس له تواليف، وفرائض هذا الكتاب من أحسنها وأكثرها استيفاء، وكذلك فرائض ابن الهندي وغيرها، ومن أراد بسط القول في ذلك أخذه من الكتاب فلا حاجة إلى تكريره هنا والله فوقنا ويستعملنا (عملاً) يرضى به عنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 1441