المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

عبدها أمة لغيره فتلد ولدًا جرت الأمة ولاء الولد (لمواليها ما دام الأب) رقًا، فإن أعتق والده قبل عتق الولد كان ولاء لسادات العبد ابتداء، فإن أعتق الولد قبل عتق الوالد، كان ولاء الولد لموالي الأم، فإن عتق بعد ذلك الولد، ثم مات الوالد جر والده لمواليه، فكان الولاء لها جرًا.

‌فصل

"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

".

شرح: الأصل في الكتابة قول الله عز وجل: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33]. أمر السادات بمكاتبة عبيدهم بشرط أن يعملوا فيهم خيرًا. وقد اختلف الفقهاء في أصلين: الأول: في مقتضى هذا الأمر. والثاني: في تعين الخبر المشار إليه في الآية. أما الأمر فالجمهور أنه على الندب والاستحباب، وقيل: مقتضاه الإباحة والتخيير. وقال مالك: سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك يقولون قول الله عز وجل: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] وقوله: {فإذا قضيت الصلوة فانتشروا} الآية: {الجمعة: 10} ، وهذا يدل على أنه محمول على الإباحة. وحكى ابن القصار أنها مستحبة، ولا شك أنها خارجة عن قواعد الشرع، فإن فيها بيع الملك بالملك، لأن العبد ماله المحقق والمترقب ملك لسيده، وإنما يجعلها ابن القصار وغيره من أشياخنا من قسم المستحبات ولأنها من ناحية العتق وقسمها بعض أشياخنا إلى أقسام مندوب إليها ومباحة ومكروهة وممنوعة، وذلك راجع إلى حال العبد في الدين والقدرة على الكسب من وجه مرضي أو مكروه، وقد يجب في بعض المواضع بحسب

ص: 1340

القرائن على تقرر في الشريعة من رعاية المصالح، وأما الخبر الموجود قيدًا في الآية، فقيل: هو القدرة على الكسب؛ قاله مالك وقيل: هو الدين (وقيل: هو المال) وقيل: هما جميًعا، وهو الصواب. وأجاز مالك كتابة من لا حرفة له من الرجال، ولا تجوز مكاتبة الأمة التي لا تحسن الصناعة لما يخاف من استسعائها بفرجها، ولا يجبر عليها السيد عندنا خلافًا لداود وأهل الظاهر اعتمادًا على ظاهر الأمر، وإذا طلبها السيد، وأبي العبد فهل يجبر على ذلك أم لا؟ قولان في المذهب، الأصح أن السيد يجبره على ذلك بمثابة إخراجه أو أكثر يسيرًا، فإن كاتبه على ما يعلم أنه لا يقدر عليه فلا جبر في هذه الصورة بلا خلاف، وتجوز بالقليل والكثير إذا تراضيا عليه، وتجوز الكتابة بالغر مثل: أن يكاتبه على بعير له شارد أو عبد آبق، أو ثمرة لم يبد صلاحها، لأن له انتزاع ذلك من غير كتابة، وكرهه أشهب، فإن نزل مضى، ويجوز أن يكاتب عبده على أن يطلب لسيده عبد الآبق أو بعيره الشارد، أو يغرس له كذا وكذا شجرة فإذا بلغت كذا فهو عتيق، وقد قيل: إنه إذا كاتبه على غرس كذا شجرة يغرسها له أن ذلك عدة للعتق لا كتابة. وفائدة الفرق أن ذلك يسقط بالفلس والموت إن جعلناه عدة، ويفسخ إذا رهنه الدين، وابن ميسر يرى أن هذا ليس بكتابة، والجمهور على أنه على حقيقة الكتابة، ولو كاتبه على وصفاء جاز، وكانت العادة في ذلك مع عدم الشرط كالشرط في النكاح، على شوار بيت.

قوله: "ولا تكون إلا منجمة أو مؤجلة": المنجمة هي التي تقسط على أنجم ثلاثة فصاعدًا، والمؤجلة التي ضرب لحلول جميعها أجل، واختلف في الحالة هي تسمى كتابة أم لا؟ والمتقدمون يسمونها قطاعة.

ص: 1341

قال القاضي أبو محمد: ليس عن مالك نص في الكتابة الحالة، ومحققو أصحابنا يقولون: إنها جائزة خلافًا للشفافعي.

قوله: "ويرق بالعجز عن بعضه قلّ أو كثر": لما روى مرفوعًا وموقوفًا: (المكاتب عبد ما بقى عليه درهم) وقد اختلف العلماء في ذلك، والمعتمد عليه ما ذكرناه.

قوله: "ويستحب للسيد وضع شيء من آخرها": وهذا كأنه من باب الإعانة على الحرية. قال الله سبحانه: {وءاتوهم من؟؟ الله الذي ءاتكم} [النور: 33] وذلك ندب واستحباب. وقال الشافعي: هو على جهة الإيجاب وحاصل القول في ذلك: أن الأمر بالكتابة والإيتاء، قد اختلف العلماء في مقتضاهما قيل: هما محمولان على الندب، وقيل: على الإيجاب، وقال الشافعي: الأصل غير واجب، والفرع واجب.

قوله: "وللمكاتب تعجيلها (ويعتق لوقته) وليس للسيد الامتناع عليه" لأن الأجل حق للعبد، فإذا أراد إسقاطه لم يمنع، ولو شرط عليه السيد مع الكتابة خدمة أو سفر فعجل المكاتب فهل يسقط عنه ما اشترط عليه

ص: 1342

أم لا؟ قولان. الإسقاط ونفيه بناء على أنه تبع فهل يعطي حكم نفسه أو حكم متبوعه، وفي هذا الأصل خلاف، وبيع (رقبة) المكاتب إبطال للكتابة، فلذلك لا يجوز كما نص عليه القاضي رحمه الله وبيع كتابته جائز، واشترط في بيع الكتابة من غيره تعجيل العوض فرارًا من الكالئ بالكالئ، وإنما منع منه بيع النجم الواحد من الكتابة لقوة الغرر فيه فكان القصد إلى نجم واحد نوعًا من (الخطر والغرر) وفي بيع الجزء منها خلاف المنع والجواز، فوجه المنع أن المكاتب يؤدي كتابته لدائنين مختلفين أحدهما إلى سيده بعقد كتابته، والآخر إلى مبتاع الجزء، ووجه الجزء اعتباره بسائر المبيعات.

قال القاضي رحمه الله "وإذا أعتق المكاتب تبعه ماله وولده الذين حدثوا من أمته بعد كتابته" إلى آخر الباب.

شرح: أما مال المكاتب فالأمر فيه ظاهر لأنه إنما كاتب على ذلك، إذ منه ومن غيره يرجو الأداء ويدخل أولاده الذين حدثوا في الكتابة (بعد العقد)، ويدخل من قبلهم بالشرط.

قوله: "وإذا مات المكاتب عن ولد معه في كتابته إما بشرط أو بمقتضى العقد لم تنفسخ الكتابة بموته" وهذا مذهب مالك، وقال الشافعي: تنفسخ، والدليل لنا: أن عقد الكتابة قد تضمن إلزام السيد نفسه عتق المكاتب وولده الداخلون معه في العقد على شرط أداء المال، فليس للسيد سبيل إلى فسخ العقد كما لم يكن ذلك في حق العبد نفسه.

قوله: "وتؤدي الكتابة حالة" وهذا لأنها من جملة الديون المؤجلة تحل بموت المديان.

ص: 1343

قوله: "ثم لهم ما بقي إرثًا دون ولده الأحرار، والذين لم يدخلوا معه في الكتابة" وهذا (في نظر) لأن الأبوة واحدة في الجميع فوجب أن يكون الأداء موجبًا لحريته، فحينئذ يرثه أولاده كلهم إلا أنه إنما قصر الميراث على هؤلاء لأنهم الذين دخلوا معه في عقد الكتابة، والذين خلصوه بالأداء من الرق فكأنه استحقاق مال لا ميراث، وقيل: لأنهم مساوون له في الخدمة.

قوله: "وإن كانوا صغارًا أدى عنهم إن كان في المال وفاء، وإلا تجر به وأدى على نجومه، ومقتضى ما تقدم حلوله بموت المكاتب مطلقًا، ولا فرق بين أن يكونوا صغارًا أو كبارًا، وكذلك التجارة به، لأن من حق السيد أن يقول: قد حلت لي الكتابة فإن أدّى بعضهم بعض الكتابة لم يعتق ولا يعتقون إلا بأداء جميع المال، لأنها كتابة واحدة، ويلزم كل واحد منهم بقدر قوته في السعي، وما (يطيقه) وقال عبد الملك في الحاوي: إنما بعض الكتابة على عدد رؤوسهم لا على قدر طاقتهم، وكذلك إن أدّى بعضهم عن سائرهم ورجع عليهم على عدد رؤوسهم وليس للسيد أن يبتدئ إعتقاق واحد من الأولاد ممن فيه فضل السعي، لأن في ذلك تعجيز للباقين لتقويتهم بسعيه معهم، واختلاف المذهب إذا كان مع المكاتب في كتابته من قرابته إخوة أو غيرهم هل يرثون منه أم لا؟ روايتان: إحداهما: أنهم يرثونه كالولد، لأنهم مساوون له في المال والخدمة. والثاني: أنه لا يرثه إلا ولده دون كل أقاربه لأنهم يدخلون معه في المكاتبة بعد عقدها بخلاف سائر القرابة.

قوله: "ويجوز الجمع بين عدة عبيد في كتابة واحدة" وهذا كما ذكره.

ص: 1344

واختلف في كيفية الفض عليهم، ففي كتاب ابن المواز تفض عليهم الكتابة على عدد رؤوسهم، وقال ابن الماجشون: على قدر القوة والداء وقيم الرقاب، وفي المدونة وغيرها على قدر قوتهم عليها، ولم يذكر قيمة الرقاب.

قوله: "وبعضهم حملاء عن بعض" وهذا كما ذكره وهو مقتضي الجمع بينهم في عقد واحد اقتضاه شرط أم لا؟ وإذ مات أحدهم لم يحط عن الباقين شيئًا. واختار الشيخ أبو الحسن على مقتضى القياس أن يحط عن الباقين ما ينوبه لأن كل واحد منهم اشترى نفسه بما ينوبه من الكتابة، فمن مات منهم فإنما مات وهو رقيق، ولو عجز بعضهم، وأدّى الباقون في الكتابة ففي صفة تراجعهم خلاف. قال ابن الماجشون ومطرف ذلك على قدر طاقتهم يوم عتقوا لا يوم عقد الكتابة. وقال أشهب: على قدر القيمة يوم الكتابة، وهل يجوز أن يجمع عبدن لمالكين في كتابة واحدة، المشهور أنه لا يجوز، لأنه كجمع السلعتين لرجلين، وهو ممتنع، ويختلف إذا نزل هل تمضي الكتابة وتحط عليهما أو تفسخ ما لم يؤديا نجمًا أو صدرًا من الكتابة، ولو كان في المكاتبين صغيرًا لا يقدر على السعي حتى تنقضي الكتابة لم يرجع عليه بشيء، ولو (قوى) على الكسب بعد مضي بعض الكتابة كلف السعي وألزم من ذلك ما ينوبه من يوم الحكم عليه، وقيل: من يوم الكتابة.

قوله: "وليس للعبد تعجيز نفسه مع قدرته على الأداء" وهذا كما ذكره، لأنه رجوع إلى الرق وترك للعتق، وكذلك ليس للسيد تعجيزه، لأنه عتق على صفة، ولو رضيا جميعً، فقد اختلف فيه قول مالك، فأجازه مرة، وقال

ص: 1345

أخرى: إن كان للعبد مال ظاهر (لم يجز، وقال سحنون: ليس له ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر) إلا عند السلطان، قال محمد: إن كان صانعًا ولا مال له، جاز ذلك وإذا فرعنا على أن لا يجوز فوقع ذلك، ولم يفسخ حتى فات العبد ببيع، فقيل: البيع فوت، وقيل: ليس بفوت، ويرد إلا أن (يعتقه المشتري).

قوله: "وإذا أوصى السيد لمكاتبه بكتابته كلها وضع في الثلث الأقل من قيمتها أو قيمة رقبته فإن حمل الثلث ذلك وإلا فبقدر ما يحمله". وهذا كما ذكره لأن السيد لا يملك من المكاتب سوى كتابته، فإن قومنا الكتابة فلأنها التي يملك السيد من المكاتب، وإن قومنا الرقبة لكونها أقل من الكتابة، فلأن المكاتب لو عجز لعادت رقبته رقًا لاحتمال أن تكون قيمة الكتابة أقل أو أكثر عدلنا إلى الأقل منهما ولا اعتراض في ذلك للورثة، ولو وضع عنه بعض الكتابة ولم يحمله الثلث جعلنا في الثلث الأقل مما أوصى له به أو قدر ما قابله من الرقبة على نحو ما تقدم.

قوله: "وليس للمكاتب أن يتصرف في ماله بإتلاف ولا غيره إلا بما يؤدي إلى مصلحته" وهذا كما ذكره، لأنه مال السيد حقيقة، وإنما يتحقق للعبد بالأداء، وله أن يزوج بناته على ابتغاء الفضل، ولا ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده، وأجاز ابن القاسم للمكاتب السفر القريب، ومنعه مالك، واختار الشيخ أبو الحسن أنه إن كان شأنه السفر قبل الكتابة، ومنه معيشته فليس لسيده إذا كان السيد عالمًا به، واختلف فيما كتمه العبد عن سيده. فقال مالك للعبد، وقال يحيى بن سلام في تفسير القرآن هو لسيده. قال الشيخ أبو الحسن:

ص: 1346