الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)
قال القاضي: رحمه الله "ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء" إلى آخره.
شرح: العتق من أعمال البر، وخصال الخير قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة:(من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه). وفي حديث مسلم عن ابي ذر قال: (قلت: يا رسول الله أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا) الحديث. وههنا تنبيهان يتعلقان بلفظ هذا الحديث.
الأول: إذا كان الكافر أغلى ثمنًا هل هو أفضل أم المسلم. قال مالك: عتق الكافر في هذه الصورة أفضل، وقال عنه: عتق المسلم أفضل.
التنبيه الثاني: إذا كان المعتق ناقص بعض الأعضاء لم يستنقذ من النار ما قابل العضو الناقص، لأنه يصح أن يتألم بعض الجسد دون بعض لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود) ويحتمل أن يكون مخرج
الحديث على الأغلب والتنبيه على الفضيلة فيستنقذ الجميع على هذا، سيما إذا لم يكن عتق الأنقص مقصودًا وهو على قسمين (منجز ومؤجل) وكلاهما لازم (بالعقد) وفي كليهما أجر. قال الإمام أبو بكر بن المنذر: وقد انعقد الإجماع على أن للمعتق حرمة ليست لغيره من الصدقة بدليل أنه إذا أعتق جزءًا من العبد كمل عليه لحرمة العتق، ولو تصدق بجزء من عرض أو عقار لم يجبر على التكميل، والدليل على وجوب التكميل ما رواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق). وذكر ابن الطلاع في أقضيته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن رجلًا أعتق شركًا له في عبد فاوجب عليه استكمال عتقه، قال في الحديث حتى باع عليه غنيمة له) (لأن له أن يبتدئ بعتق الجزء ويجبر على التكميل.
وقوله: "لا يجوز تبعيض العتق" يعطي أنه لا يجوز ابتداء).
وتجوز القاضي رحمه الله بقوله: "ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء": وإنما أراد أنه لا يجوز الاقتصار عليه، بل يجب عليه التكميل على شرطه. وروى النسائي عن ابن عمر وجابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق
عبدًا له فيه شرك وله وفاء فهو حرّ ويضمن نصيب شركائه).
قوله: "ومن بعض العتق باختياره أو بسببه": أما اختياره له فظاهر، وأما بسببه فهو أن يشتري جزءًا ممن يعتق عليه بالقرابة أو يقبله بهبة أو صدقة أو نكاح فيجبر على التكميل في هذه (المواطن) وكذلك إذا أوصى له به، أو أخذه صلحًا عن رش جناية أو دعوى أو اشتراه وكيله وهو لا يعلم وقيد بالاختيار تحرزًا من الميراث، فإنه إذا ملك جزءًا من العبد بالميراث لم يلزم تكميله، ولا يلتفت إلى قول العبد لا أريد التكميل ولا لإباية الشرك من قبض القيمة إلا أن يرضى بتعجيل عتق حصته فله ذلك، لأن العتق حق له ليس للعبد فيه حق، واشترط في وجوب التكميل عليه شرطين: أحدهما: اليسر بالقيمة لقوله صلى الله عليه وسلم (فكان له مال) وهذا الشرط راجع إلى القسم الثاني، وهو إذا كان الباقي ملكًا لغيره، وأما إذا كان الباقي ملكًا له، فلا يشترط اليسر عليه في التكميل، والآخر بقاء ملكه احترازًا من أن يموت السيد أو العبد قبل التكميل أو التقديم، إذ لا يقوم ميت ولا على ميت، وكذلك التكميل، وهذا (ينبني) على الخلاف في هذا العتق هل هو بالحكم، أو بالسراية، وأظهر الروايتين افتقاره إلى الحكم لقوله صلى الله عليه وسلم:(قوم عليه قيمة عدل) الحديث. فيفهم منه أن عتق الباقي بعد التقويم ولا يكون عتيقًا بنفس عتق الشقص، وقيل: إنه عتق بالسراية، والمعنى أنه بنفس عتق الشقص يسري العتق إلى بقية، وفيه قوله ثالث: أنه عتق بالسراية إن كان جميعه له، فإن كان بين الشركاء افتقر إلى الحكم. وتظهر فائدة هذا الخلاف إذا مات أو قتل أو جرح أو قذف أو زنى قبل الحكم بالتكميل هل يكون حكمه حكم الأحرار، أو حكم العبيد ويحتمل أن يكون الشرط الثاني وهو بقاء احترازًا من أن (يبادر) الثاني إلى عتق نصيبه عادلاً عن التقويم، فلا يقوم على الأول.
قوله: "وقيل في هذا يلزم في الثلاثة": يريد أن التقويم لازم كان العبد نصرانيًا أو مسلمًا كان للمسلمين أو لمسلم ونصراني أعتقه المسلم أو النصراني فالحكم فيه التقويم، إلا أن يكون بين النصرانيين فلا يعرض لهما، إذا كان العبد نصرانيًا، فإن كان مسلمًا لزم فيه ما يلزم بين المسلمين على المشهور.
وقال في المختصر الكبير: لا قيمة على المعتق.
قوله: "في ثلاثة": إشارة إلى ما إذا كان العبد المسلم بين نصرانيين فهو في وجوب التقويم عليه كالتكميل، ويمكن أن يكون قوله إشارة إلى الصورة التي ذكرها ابن الجلاب وهي إذا كان العبد بين ثلاثة فاعتق اثنان نصيبهما في صفقة واحدة فكان أحدهما مليًا، والآخر معدمًا، فقيل: القيمة كلها على الموسر. وقال عبد الملك: بقدر نصيبه خاصة، وإذا كانا موسرين فقيمة نصيب الثالث عليهما، وهل هي على قدر الأنصباء كالشفعة، أو على عدد الرؤوس قولان، وهذا اللفظ من مشكلات التلقين لم نزل ننبّه عليه في المذاكرات، والله أعلم بمقصود القاضي فيه ولا خلاف عندنا أنه إذا اختار الشريك العتق في بقية حصته أن له ذلك إذا عجل العتق، وليس له الرجوع إلى التقويم، لأنه أسقط حقه عن شريكه، وإن اختار التقويم فصل له أن يرجع إلى العتق أم لا؟ قولن: أحدهما: أن ذلك له، وليس لشريكه في ذلك مقال. والثاني: أنه ليس له ذلك، لأن من حق شريكه أن يقول: أردت استكمال الأجر والاختصاص بالولاء.
فرع: إذا كان المعتق موسرًا فحكمه ما ذكرناه من وجوب التقويم عليه (وإن كان معسرًا ففي وجوب التقويم عليه) إذا رضي شريكه باتباعه قولان، والظاهر أنه ليس له على المعسر ذلك، لأن الشرع إنما أوجب عليه التقويم مع اليسر دون العسر.
فرع: إذا كان معسرًا فأعتق نصيبه فلم يحاكمه حتى أيسر هل يقوم عليه اعتبار بالحال أم لا تقويم عليه اعتبارًا بزمان العتق قولان، ويقوم على أنه عبد لا عتق فيه، لأن العتق في بعضه عيب، وهو الذي أدخله على شريكه، ألا ترى أن بيع الجملة أثمن لشريكه.
فرع: إذا أعتق جزءًا فأدعى العسر، وسئل عن حاله فذكر الشهود أنهم لا (يعلمون) له مالاً أحلف عن ذلك وترك. قال ابن الماجشون: هكذا سمعت أصحابنا يقولون. وقال سحنون: جميع أصحابنا على ذلك إلا اليمين، فإنه لا يستحلف، ولعله جار على الخلاف في إيمان التهم.
قوله: "إلا أن يبذل الشريك إعتاق نصيبه": يريد إعتاقه عاجلاً، فإنه كان الأول موسرًا أو أعتق الثاني نصيبه إلى أجل قولان: أحدهما: أنه يبتل على الثاني تغليبًا لحرمة العتق، لأنه قد سقط حقه عن الأول في التقويم بعد وله إلى العتق. والثاني: بالخيار بين القيمة على الأول أو تبتيل العتق وهو قول ابن القاسم.
قوله: "وإن كان مريضًا قوم عليه نصيب الشريك في ثلثه" وهذا كما ذكره لأن حكم الثلث بعد الوفاة حكم جميع المال في الحياة، وانظر إذا أعتق في الصحة فلم يقوم عليه نصيب شريكه حتى مرض هل يستكمل عليه بقيمته أم لا؟ قولان عندنا. أحدهما: أنه لا يستكمل عليه، لأنه بمنزلة الهبة من الصحيح يفرط فيها الموهوب له حتى مرض الواهب فلا شيء له إلا أن يصح، وإن مات بطلت. والثاني: أنه يستكمل عليه باقية، (وهو في رأس المال إن حمله أو في الثلث) قولان عندنا. أحدهما: أنه يستكمل في الثلث اعتبارًا بحال المرض. وعن مالك من رواية بعض أصحابه أنه يعتق باقية في رأس
ماله إن حمله. قال ابن الماجشون: وإذا أعتق المريض حصته بتلا فلا (تقويم عليه) حتى ينظر أيصح أم يموت، فإن صح قوم عليه جميعه، إن مات لم يقوم سواء حمله الثلث أم لا؟ لأن التقويم إنما يمضي فيما يفضي إلى الحرية، وهذه وصية يردها الدين إلا أن تكون أمواله مأمونة فيقوم حينئذ ويعجل عتقه قبل الموت.
قوله: "وإذا بعض العتق عدة شركاء في لفظ متفق (أزمانه) قوم باقيه على عدد رؤوسهم": وهذا كما ذكره لتساويهم في الملك، وإدخال الضرر ولو كانوا شركاء ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه، ثم أعتق الآخر نصيبه، والأمول موسر قَوَّمه الثالث على الأول، لأنه الذي ابتدأ بالضرر، إلا أن يرضى الثاني بأن يقوم الثالث عليه، فله ذلك، ولا مقال للأول (وإذا كان الأول موسرًا فهل يستكمل على الثاني نصيب الثالث أم لا؟ فيه قولان في المذهب المشهور أنه لا يستتم على الثاني) إذا لم يحدث الفساد. وقال ابن نافع: يقوم على الثاني لأنه أول بالنسبة إلى الثالث.
واختلف في فروع من (هذا الأسلوب) وهو إذا اختلف أنصباء الشركاء، فأعتق اثنان ووجوب التقويم للثالث فهل يقوم عليهم على قدر الأنصباء، أو على عدد الرؤوس قولان. المشهور على قدر الأنصباء كالشفعة وإجارة الموثق، وكنس المراحيض وغير ذلك، والشاذ أنه على عدد الرؤوس، رواه ابن الماجشون، وهو الذي عوّل عليه القاضي حيث قال:"قوم باقيه على عدد رؤوسهم" يريد القيمة بين الشركاء المعتقين. وحكى في المعونة وشرح الرسالة وغيرهما القولين (ونص) بأنها على قدر الأنصباء، وأما
من رأى ذلك على عدد الرؤوس فلتساويهم في الجناية بالتبعيض، والضرر لا يختلف بكثرة التبعيض وقلته.
قوله: "وإذا أعتق المريض المحجور عليه عبيدًا له هم جميع ماله أقرع بينهم بعد موته": والأصل في هذا أن رجلاً أعتق ستة أعبد له في مرضه، ولا مال له غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:(فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة). وقد بيّن النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه القضية: (لقد هممت أن لا أصلي عليه). وفي مصنف عبد الرزاق وأحكام ابن الطلاع: (لو أدركته ما دفن مع المسلمين) ومحمله على التغليظ كما أدخل من اللبس. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فقال مالك وأصحابه بالعتق بالقرعة، والمعنى أنه يعتق منهم الثلث بالقرعة، ولا يعتق من كل واحد ثلثه. وقال أبو حنيفة: القرعة باطلة، ويعتق من كل واحد ثلثه، ويستسعى في قيمة نفسه، فإذا أداه إلى الورثة عتق جميعه، وهذا منه إحداث شرع (ومخالفة للنص) فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرع وهو لا يقرع، والرسول صلى الله عليه وسلم أعتق اثنين كاملين على الانفراد، وهو قائل يعتق ثلث كل واحد من الستة لا يعتق (اثنين)، وهو أوجب الاستسعاء، وهو غير مذكور في هذا الحديث. وإنما حكمنا بالقرعة، إذ لا مزية لبعضهم على بعض فوجب تمييز المعتق عن سواه، وليس إلى ذلك طريق إلا القرعة. وههنا نظر وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالقرعة في عتق المريض الذي حكمه حكم الوصية، فهل العتق المبتل كالوصية أم لا؟ قولان. المشهور أن العتق المبتل والوصية سواء. وقال أصبغ وغيره: بعتق (في المبتل) ثلثهم بالحصاص، لأن القرعة خطر
فتجوز حيث جازت، وليس ذلك إلا في الوصية. وههنا فروع: إذا قال عشرة من عبيدي أحرار وهم خمسون. ففي العتق: البتل (يعتق) أيهم شاء. واختلف المذهب في الوصية بذلك على خمس روايات عن مالك وأصحابه: الرواية الأولى: أنه يعتق خمسهم بالسهم والتقويم، خرج الخمس خمسة أو اثنا عشرة. والرواية الثانية: أنه إن خرج أكثر من عشرة عتقًا، وإن خرج أقل من عشرة ضرب بالسهم على الباقين حتى يكمل العدد عشرة ما لم يتجاوز ثلث الميت. وقال أشهب: ذلك أوسع أن يعتق منهم بالسهم أو بالحصص، وقال المغيرة: يعتق خمسهم بالحصاص، إذا كان العتق من الميت، وأن أوصى ورثته أن يعتقوا عنه فهم بالخيار في عتق من شاؤوا.
ولو قال: ثلثا عبيدي أحرار أقرع بينهم، وإن قال: ثلث كل واحد منهم حر لم يقع بينهم، لأن كل واحد منهم قد دخله عتق الجزء وهو معنى قول القاضي:"إن نسب الجزاء إلى جميعهم أقرع بينهم وإن نسبه إلى كل واحد عتق ذلك القدر بغير قرعة".
قال القاضي رحمه الله: "ومن مثل بعبده مثلة (ظاهرة قاصدًا لذلك عتق (عليه) " إلى آخره.
شرح: العتق بالمثلة ثابتة عندنا، وأنكره الشافعي وأبو حنيفة وقالا: لا عتق بالمثلة، والسنّة ترد عليها لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان لزنباع عبدًا يسمى: سندرًا أو ابن سند فوجده يقبل جارية فأخذه فجبه وجذع أنفه، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: 0 من مثل بعبده أو أحرقه بالنار فهو حر، وهو مولى لله ولرسوله). وصح أن عمر بن الخطاب أعتق جارية
أحمَى سيدها رصفًا وأقعدها عليه، فاحترق فرجها.
واختلف المذهب في عشر مسائل (تتعلق بالمعتق بالمثلة).
المسألة الأولى: هل يفتقر إلى حكم أم لا؟ قولان. ثمرتهما إذا مات العبد قبل الحكم بالعتق فالمشهور أن سيده يرثه بالولاء. وقال أشهب: لا يرثه وماله لورثته إن كانوا أحرارًا، وإلا كان ولاؤه لسيده.
المسألة الثانية: المثلة الموجبة للعتق كما ذكره القاضي أن تكون ظاهرة مقصودة، وإن كانت خطأ أو عمدًا على وجه المداواة أو شبه عمد مثل أن يحذفه بسيف فيزيل عينه فلا عتق عليه في ذلك لأن شفعة الإنسان على ماله هي الأغلب. واختلف إذا ضرب رأسه فنزل الماء في عينه. فقال سحنون: لا يعتق عليه بذلك، وقال غيره: يعتق بناء على أنها (هل) تلتحق بباب العمد أو ببال الخطأ.
المسألة الثالثة: السفيه والمديان والعبد هل يعتق عليهم بالمثلة، لأنه تفويت قولان في المذهب.
المسألة الرابعة: المرأة ذات الزوج يعتق عليها بالمثلة، ولا قول للزوج في ذلك، لأنه عتق أوجبه الحكم، قال غيره:(يمضي) منه قدر ما يحمله الثلث.
المسألة الخامسة: إذا قال العبد: عمدًا، وقال سيده: خطأ في ذلك، قولان عن سحنون، قال مرة: القول قول العبد ثم رجع، وقال: القول قول السيد وهو الصواب للاحتمال.
المسألة السادسة: إذا وشم وجهه بإبرة ومداد وكتب فيه: آبق. قال ابن القاسم: يعتق، وقال أشهب: لا يعتق.
المسألة السابعة: إذا حلق رأس أمته أو لحية عبده، ولم يكونا من الوحش هل يعتقان أم لا؟ قولان. قال ابن الماجشون: يعتقان، ورآه مثلة في الجارية الرائعة، والعبد التاجر، وأباه مطرف.
المسألة الثامنة: لا خلاف أنه إذا فعل ما لا يوجب العتق، لأنه ليس بمثلة، فعليه التعزير، (وإن مثل به، وعتق عليه فهل عليه التعزير) بالضرب والسجن ونحو ذلك على حسب اختلاف أحوال الناس فيه خلاف، والأصح أن ذلك عليه الاجتهاد.
المسألة التاسعة: إذا مثل بزوجته طلقت عليه ووجب عليه القصاص، وهذا نص الرواية، واختار الأشياخ أنه يكتفي بالقصاص، إذا رآى الحاكم فيه زجرًا له ومنعًا من أن يعود، وإلا طلق عليه.
المسألة العاشرة: قال مالك في امرأة عضت لحم جارية لها عضًا شديد حتى أثرت فيه أثرًا بيّنًا أنها تباع عليها ولا تعتق. قال الأشياخ: إنما ذلك إذا لم تقطع شيئًا من لحمها، فإن قطعت شيئًا عتقت عليها، وإن ضرب عبده مائتي سوط حتى سقط لحمه عتق لأنه مثلة، وأما عتق الحمل فإنه تبع لأمه فلأنه كالجزء منها. ثم ذكر أن عتق الصغير والمجنون والسفيه والمديان (والراهن) لا يجوز. وهذا كما ذكره. أما الصغير والمجنون فلأنهما غير مكلفين، وأما السفيه فلأن الحجر عليه لصيانة ماله، فلو أمضينا عتقه لم يكن للحجر معنى. واختلاف المذهب في عتق السفيه أو ولده هل يمضي لأنها معتقة بالولد
حقيقة، فلم يبق له رق ولا ملك في الرقبة، أو لا يجوز، لأن تفويت المنفعة كتفويت الرقبة، وإذا قلنا: إن عتقه لأم ولده جائز، فهل يتبعها مالها أم لا؟ (فيه قولان) في المذهب. وكذلك المال يتبع العبد في العتق إلا أن يستثنى السيد ذلك ولا يتبعه في البيع. قال القاضي أبو محمد: لم يختلف قول مالك في هذين الأصلين، واختلف قوله في الوصية به وهبته والصدقة وإسلامه في الجناية هل يتبعه ماله أم لا؟ ثم تكلم على عتق ذوي الأرحام وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من ملك ذا رحم محرم عتق عليه). واختلف الفقهاء فيمن يعتق بالقرابة على ثلاثة أحوال: الأول: وهو المشهور أنه لا يعتق عليه إلا عمود النسب والإخوة. والثاني: عمود النسب فقط دون الإخوة، ورواه ابن خويز منداد عن مالك. والثالث: يعتق عليه ذوو الأرحام ما كانوا، وبه قال الليث وأبو سلمة وابن وهب، وقال تعالى في الأبوين:{فلا تقل لهما أُف} [الإسراء: 23] وذلك يناقض اسرقاقهما وتملكهما. وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا} الآية، على قوله:{إلا ءاتي الرحمن عبدًا} [طه: 88 - 93] فنفى أن يكون الولد عبدًا، واختلف في فروع تتعلق بهذا الأصل.
الأول: هل يفتقر عتق الأقارب إلى حكم أم لا؟ ثلاثة أقوال: الأول: يعتق بنفس الشراء سواء في جميعها. والثاني: يفتقر إلى الحكم. والثالث: في العمودين بغير حكم، وفيمن عداهم بالحكم.
المسألة الثانية إذا بنينا على أنه مفتقر إلى الحكم هل له أن ينتزع ما