المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الرضاع وما يتعلق به - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌باب الرضاع وما يتعلق به

‌باب الرضاع وما يتعلق به

قال القاضي: ((والرضاع يوجب التحريم)) إلى آخره.

شرح: الأصل في التحريم بالرضاع: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. أما الكتاب فقوله تعالى:{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} الآية [النساء: 23]. فأدخل الرضاع تحت حكم التحريم المصدر به في أول الآية، وأما السنة فقوله عليه السلام:(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وقد انعقد الإجماع على مقتضى ذلك، وإنما نشره عليه السلام.

ويتعلق بالرضاع فصول، بدأ القاضي منها بانتشار الحرمة. وقد أجمع العلماء على أنه ينشر الحرمة ويحرم منه ما يحرم من النسب. قال علمائنا إلا في مسألتين:

الأولى: أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب، ويتزوج أخت ابنه من الرضاع لأن المانع في النسب وطء أمها وهو مفقود في الرضاع.

والثانية: لا يجوز أن يتزوج أخته من النسب، ويجوز في الرضاع، لأن المانع من النسب وطء الأب لأمها، وهذا المعنى مفقود في الرضاع.

ص: 886

ذكر هاتين الصورتين الإمام أبو القاسم الزمخشري في التفسير في سورة النساء.

فإن فصلت هذا الإجماع قلت: يحرم بالرضاع أصول وفروع، فالأصول المرضعة لأنها أم من الرضاعة، وزوجها لأنه أب، والمرتضع لأنه ولد، فهذه ثلاثة أصول تنتشر الحرمة منهم إلا في الأطراف، فيحرم على الرضيع أمهات المرضعة نسبًا، ورضاعًا، لأنهن جدات. وإخوانها نسبًا ورضاعًا لأنهن خالات، وأولادها لأنهم إخوة له. كما تحرم من قبل الزوج زوج المرضعة، لأن أباه جد، وأخاه عم، وولده أخ، والنساء منهن على هذا النسب فهي الراضع لهم وزوجة أب فتنتشر الحرمة بين الراضع وبين أطراف أبويه من النسب والرضاع. حتى إن كل نسب لهما نسب أبويها للراضع ذكرًا كان الراضع أو أنثى. وهذا الذي ذكره من انتشار الحرمة بين الرضيع والمرضعة وأطرافه هو الذي قال به جمهور العلماء وهو معنى قولهم:((اللبن للفحل)) وهذا مذهب أكثر الصحابة وفقهاء الأمصار.

ويذكر أن للقاضي عبد الوهاب أبياتًا في هذا المعنى وهي مقيدة:

إذا امرأة قد أرضعت غيرها

وكان لها في حين إرضاعها فحل

فكا ابنة منه ومن غيره لها

ومنها له أو غيرها بعد أو قبل

له إخوة قد حرمن وإن يرد

إخوة نكاح بعضهن له حل

قوله: ((وللتحريم بالرضاع ستة شروط)): قلت الكلام في هذه الشروط الستة يأتي على أكثر مسائل الرضاع:

ص: 887

الأول: وصول اللبن من المرضعة إلى حلق الرضيع، أو جوفه من أي المنافذ كان، وهذا كما ذكره على الجملة، وصول اللبن من المنفذ المعلوم متفق على أنه ينشر الحرمة. واختلفوا فيما سوى ذلك، فقوم من العلماء اعتبروا الوصول مطلقًا، وبه قال مالك والجمهور. واعتبر عطاء وداود وغيرهما ما ينطلق عليه اسم الرضاع. وحكى بعض المتأخرين من أهل المذهب خلافًا مطلقًا في التحريم باللبن، إذا دخل من غير المنفذ المعتاد. وأطلق التحريم به ابن حبيب إذا كان المنفوذ واسعًا كالأنف. قال في الكتاب: إذا علم وصوله إلى الجوف، وكذلك إذا كان من العين، فالحرمة تقع به إذا علم وهو له. قال ابن حبيب: ولو احتقن به وقعت الحرمة. ولو أدخل من الإحليل لم تقع به الحرمة للعلم أنه لا يصل. وعلى الجملة فصريح مذهب مالك أنه إذا علم وصوله وقعت به الحرمة، وسواء وصل من أي المنافذ وصل.

الثاني: أن تكون من أنثى، وهذا الشرط أيضًا فيه خلاف في المذهب في فروع: الأول إذا كانت ممن لا توطأ لصغرها، هل يحرم لبنها أم لا؟ فيه قولان عندنا. الثاني إذا كان (اللبن) من وطء حرام. وتحصيل القول في الوطء الحرام أنه إن كان الحد فيه واجبًا والولد غير لاحق فإنه (لا ينشر) الحرمة بلا خلاف. وإن كان الحد فيه ساقطًا والولد لاحقًا فهو كالوطء الحلال إجماعًا. وإن كان الحد ساقطًا والولد غير لاحق فهل ينشر اللبن في هذا الوطء الحرمة أم لا؟ فيه قولان عندنا.

ص: 888

وهذا في الواطئ، وأما المرضعة فهي أمه على كل حال.

قوله: ((فأما لو در لرجل لبن فأرضع به لم يحرم تحريم الرضاع)): هذا التقييد لا معنى له فلو أطلق فقال: ((لم يحرم)) لكان صوابًا، لأن مفهوم التقييد لا معنى له، وقد اختلف (المذهب) إذا در لبن الذكر، والمشهور أنه لا حكم له، والشاذ أنه تقع به الحرمة حكاه ابن اللباد صاحب الفرائض، وحكى ابن شعبان رواية ثالثة بالكراهية. وقوله سبحانه:{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} يقتضي الحكم على الإناث دون الذكور.

قوله: ((والثالث أن يكون مقصورًا على الآدميات)): تحرزًا من البهيمة، ولا حكم للبن البهيمة بلا خلاف. واختلف المذهب في لبن الآدمية الميتة، وفيه قولان المشهور: التحريم، لأن الموت لا ينفي كونه رضاعًا، والشاذ نفي التحريم، إذ لا يتصور إضافة الفعل إلى الميتة.

قوله: ((والرابع أن يكون في الحولين)): إنما ذلك مظنة احتياج الرضيع إلى اللبن، وأما فيما زاد على الحولين فقد يستغني الولد عن اللبن بالطعام، ولا خلاف أن ما بعد من الحولين لا تقع به الحرمة، وتقع الحرمة بما قرب من الحولين. واختلف الرواية في حد القرب، وقال في المختصر إلا أن يكون بعد الحولين بأيام يسيرة كالثلاثة ونحوه. قال الشيخ أبو الفرج مثل نقصان الشهر وهو قول سحنون. وقال القاضي: الشهر بين الحولين قريب وقيل الشهر والشهران قريب، وقيل الثلاثة الأشهر وهذه الروايات

ص: 889

الأربع في المذهب، وهذا إذا لم يستغن عن اللبن فأما إن استغنى فأرضع، فهل ينشر الحرم أم لا؟ فيه قولان عندنا وهذا هو الشرط الخامس الذي ذكره القاضي.

قوله: ((والسادس أن يكون منفردًا غير مستهلك)): وهذا كما ذكره فإن كان مخلوطًا مستهلكًا ففي انتشار الحرمة إذا كان نجسًا، والمعروف وقوع التحريم لصدوق الاسم عليه، وحكى قولًا ثانيًا جرى [في] المذكرات أنه لا تقع به حرمة، إذ لا تقع الحرمة بغير المباح، وفي هذا الكلام نظر فتأمله. وقد ذكرنا الخلاف في لبن الفحل.

وفي هذا الباب فروع نذكر منها ما حضر في الخاطر:

الأول: إذا وطئ المنكوحة اثنان بالشبهة فأتت بولد فلحق بأحدهما فأرضعت المنكوحة صغيرًا ثبتت الحرمة بين الرضيع، وبين من ثبت له نسب الولد. قال محمد بن المواز تحرم عليهما وتثبت بين الرضيع وبينهما احتياطًا.

الفرع الثاني: إذا أصاب ماء الواطئ الولد في البطن، انتشرت الحرمة بينهما، وعل يعتق الولد بذلك على الواطئ، لأن له فيه شركة أم لا؟ على قولين عندنا.

الفرع الثالث: إذا طلقها فدر لبنها بعد الطلاق فأرضعت، فهل تنشر الحرمة بهذا اللبن أم لا؟ المشهور أن رضيعها ابن المطلق ولو بعد عشرين سنة حتى ينقطع لبنه، ويحدث لها لبن آخر، وقيل يقطع لبنه حكمًا بوطء زوج ثان، وقيل لا ينقطع إلا بحملها من زوج ثان. وفي مختصر الوقار: لا ينقطع مطلقًا بانقطاعه.

ص: 890

تم كتاب الرضاع بحمد الله وحسن عونه. كمل السفر الأول من كتاب روضة المستبين لابن بزيزة في شرح كتاب التلقين بحمد الله وتأييده وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ويتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى كتاب البيوع.

ص: 891