الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: ((فأما إن حلف على غيره مما يمنع الوطء إلا بعد بره، أو فعل موجبه)): وهذا من المواضع التي يجب تأملها. وأشار القاضي بذلك إلى صورتين: صورة الحالف بالطلاق، وصورة المظاهر. ومثال الأولى: أن يحلف بطلاق زوجته كذا، أو إن لم يفعل كذا. وأصل مذهب مالك أنه على حنث ما لم يفعل فيمنع من الزوجة لإمكان الإبراء، فإذا منع من الوطء لأجل يمينه دخل عليه الإيلاء، واختلف الروايات متى يدخل عليه الإيلاء فقيل من يوم الحلف، وقيل من يوم الحكم.
وأشار القاضي بقوله: ((مما يمنع الوطء إلا بعد بره)): إلى ((بعد الطلاق)).
ومثال الصورة الثانية أن يظاهر من امرأته فيمنع من وطئها إلا بعد التكفير الذي هو موجب ظهاره، فإن كفر لم يمنع من الوطء، وإن لم يكفر منع من الوطء، ويدخل عليه الإيلاء.
واختلفت (الروايات) أيضًا في هذه الصورة متى يدخل عليه الإيلاء، فقيل من يوم
الظهار
، وقيل من يوم الحكم. وهذا من المواضع الحسنة التي أتقنها القاضي.
قوله: ((ومن ترك الوطء مضارًا)): اختلف المذهب في المضار على ثلاثة أقوال، فقيل لا ينعقد عليه الإيلاء، ولا يفرق بينهما، ويجبر على الوطء، وقيل هو مولي ويضرب له الأجل من يوم الحكم، وقيل من يوم اليمين كغير المضار، وقيل يفرق بينهما من غير أجل.
فرع: إن أطال المسافر الغيبة عامدًا للضرر أمر بالقدوم، فإن أبى فرق بينهما، لأن الشريعة رفعت الضرر.
قال القاضي: ((والظهار محرم)): إلى آخر الفصل.
شرح: الأصل في الظهار قوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم} الآية [المجادلة: 2] نزلت في خولة بنت حكيم مع زوجها أويس بن الصامت. وأجمع العلماء على أنه محرم، ولذلك امتنع وقوعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال إنه ظاهر فقد أخطأ وكفر إن كان معتقدًا. والدليل على تحريمه من الآية من موجود: الأول: أن الله سبحانه كذبه ورد فقال: {ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم} [المجادلة: 5] الثاني أن الله سماه منكرًا وزورًا. الثالث أنه أوجب فيه الكفارة، الرابع أنه قرنه بالمغفرة ولا يكون ذلك إلا عن ذنب والمظاهر هو كل مسلم عاقل بالغ من أي امرأة حل وطؤها حرة كانت أو أمة، مسلمة، أو كتابية فقولنا:((كل مسلم)) احترازًا من ظهار الذمي، ولا يصح ظهاره عندنا كما لا يلزم طلاقه. وقولنا:((عاقل)) إحرازًا من المجنون، وقولنا:((بالغ)) احترازًا من الصبي. واختلف في ظهار المراهق هل يلزم أم لا؟ على الخلاف في أحكامه.
وههنا فروع:
الأول: إذا ظاهر الشيخ الكبير الذي لا حراك له، والمقطوع الذكر هل يلزم ظهارهم أم لا؟ فيه قولان: المشهور، اللزوم إذ يتمكن منهم أوائل الوطء. ومقدمات الجماع، كالقبلة والملامسة والاستمتاع بالتلذذ، والشاذ أنه لا يلزم خاصة وهو قول أصبغ وسحنون ومبنى المسألة على الخلاف في الظهار هل هو تحريم للزوجة بالكلية، أو هو تحريم الركوب للوطء خاصة، فيه قولان في المذهب.
فرع: يلزم الظهار في الأمة المدبرة، وأم الولد، ولا يلزم في المعتقة بعضها. والمعتقة إلى أجل، إذ لا يجوز وطئها، ويلزم في المكاتبة إذا عجزت فعادت إلى الرق ولرجوعها إلى الملك كالأمة المحضة، ووقع في المذهب أنه لا يلزم فيها ظهار إذا عجزت نظرًا إلى حكم التحريم حين اللفظ بالظهار. وحده القاضي فقال: تشبيه محلله [له] بنكاح، أو ملك بمحرمة عليه تحريمًا مؤبدًا بنسب، أو رضاع، أو صهر)). قوله:((بنكاح، أو ملك)) تقسيم في نوع المنكوحات.
قوله: ((محرمة عليه)): انظر هل يتناول الذكر أم لا؟ وظاهر اللفظ أنه مخصوص بالنساء.
واختلف المذهب إذا قال لها أنت علي كظهر أبي، أو ابني، أو غلامي، أو نحو ذلك من التشبيه بالذكران، فقال ابن القاسم، وأصبغ هو مظاهر، وقال ابن القاسم مرة أخرى هو تحريم. وقال ابن حبيب: هو منكر من القول، ولا يلزمه فيه ظهار ولا تحريم.
قوله: ((بنسب أو رضاع أو صهر)): تنويع لأسباب التأبيد، وهي ظاهرة.
وألفاظ الظهار قسمان: صريح، وكناية، فالصريح: ذكر الظهار في ذات محرم من النساء. والكناية قسمان: ظاهرة، وخفية. فالظاهرة: ذكر الظهار في غير ذات محرم، والتشبيه بالمحرمة من غير ذكر الظهار، والخفية ما عرى عن الأمرين. فإما صريح الظهار فهو ظاهر، فإن أراد به الطلاق لم يكن طلاقًا، فروى عن ابن القاسم أنه يكون طلاقًا ثلاثًا، ولا ينوي في أقل من ذلك وقال سحنون: ينوي فيما دون الثلاث إن دعاه. وأما الكنايات الظاهرة فهي ظهار، فإن أراد به التحريم فهو حرام، فإن قال لم أرد طلاقًا، ولا ظهارًا لم
يقبل قوله. وأما الكنايات الخفية فلا تقتضي طلاقًا، ولا ظهارًا بوضع بعضها، بل بالقصد ينصرف إلى ما قصد.
قوله: ((والتشبيه على أربعة أضرب)): وهذه الأقسام (الأربعة) ظاهرة، والحكم فيها واحد.
قوله: ((وفي التشبيه بالمحرمة على غير التأبيد خلاف)): وصورة هذه المسألة (أن يقول لها) أنت علي كفلانة لأجنبية، فلا يخلو أن يريد الظهار أم لا؟ فإن (أراد الظهار) فهل يكون ظهارًا، أم طلاقًا: فيه قولان مشهوران، وإن لم يذكر الظهار ففيه خمسة أقوال: قال أشهب: هو ظهار إلا أن يريد بها الطلاق. وقال عبد الملك: هو طلاق إلا أن يريد به الظهار (وقيل هو ظهار وإن أراد به الطلاق، وقيل هو طلاق وإن أراد به الظهار).
وحكى أبو الحسن في هذه الصورة أنه لا يلزمه ظهار ولا طلاق.
قوله: ((ويحرم بالظهار الوطء وجميع أنواع الاستمتاع)): ولا تجب الكفارة إلا بعد العودة وهي العزم على الوطء، الأصل في ذلك قوله تعالى:{من قبل أن يتماسا} [المجادلة: 3] وهذا يقتضي عموم التحريم إلى حين ارتجاعه بالكفارة، وقد اختلف الفقهاء في العودة، فقال أهل الظاهر: هي تكرار اللفظ الأول سواء، وخالف في ذلك الجمهور.
وفي المذهب في العودة أربعة أقوال: فقيل العزم على الإمساك، وقيل العزم على الوطء (وقيل الوطء) نفسه، وقيل العزم على الوطء والإمساك (معًا) وهو مذهب الموطأ. واختاره القاضي أبو بكر.
قوله: ((والكفارة فيها ثلاثة أنواع)): وهي ثابتة بنص القرآن المقتضي الترتيب. فالإعتاق: تحريم رقبة مؤمنة احترازًا من الكافرة، إذ لا يتقرب إلى الله بعتق الكافر، لا في فرض، ولا في تطوع، ومبنى ذلك على رد المطلق إلى المقيد.
قوله: ((سليمة من العيوب)): احترازًا من المعيبة، والعيوب على قسمين عيوب تمنع التكسب، وتشين، ولا خلاف أنها مانعة من الإجزاء كقطع اليد والرجل والعمى، والزمانة ونحو ذلك، وعيوب لا تمنع التكسيب، ولا تشين، وهذه غير معتبرة كالمرض الخفيف والعرج الخفيف، وقطع الأنملة ونحو ذلك، فإن كانت تشين، ولا تمنع التكسيب كجرح الأنف واصطلام الأذنين، والصمم والبرص الخفيف فهذا فيه قولان: أحدهما: أنه يمنع الإجزاء نظرًا إلى أنها تشين. الثاني: لا يمنع الإجزاء لإمكان التكسب مع وجودها.
واختلف المذهب في الصغير الذي لا يعقل دينه هل يجزئ لأنه على أصل الفطرة أم لا؟ لقوله عليه السلام: (كل مولود يولد على الفطرة) وأما الغلام الذي فيه
الحضر فطبع حتى طبع كافرًا. ويجري الخلاف في إجزائه أيضًا على اختلافهم في جواز عتق من يقدر على التكسب، إلا أن يقال إنه منها المكسب، وفي كتاب الداودي عن مالك الأعمى والمقعد يجزيان، وإنما هي أوجاع.
فرع: إذا ظاهر من أمته فهل يجزئه عتقها من ذلك أم لا؟، فيه قولان: الإجزاء، ونفيه، ومبناهما على الخلاف في العودة، فمن جعل العودة الوطء لم يجزه، ومن جعلها العزم أجازه.
فرع: لا يجزئه عتق من فيه عقد حرية كالمعتق إلى أجل، وأم الولد، والمدبر، والمكاتب، والمعتق بعضه، فإن أعتق مكاتبًا أو مدبرًا عن ظهاره فهل يجزيان أم لا؟ فيه قولان: المشهور، نفي الجواز لما فيهما من عقد الحرية، والشاذ: الإجزاء نظرًا إلى أن أحكامهما أحكام عبيد، وكذلك إذا كانت الرقبة شركة بينه وبين غيره، فأعتق جميعها عن ظاهره، فيه قولان: الإجزاء، ونفيه، والتفرقة بين أن يكون بإذنه فيجزئه، أو بغير إذنه فلا يجزئه. والصيام شهران متتابعان، فإن أفطر عامدًا بطل التتابع، وإن أفطر خطأ، أو سهوًا فثلاثة أقوال: الإجزاء ونفيه، والقول الثالث: أنه إن فرق ناسيًا أجزأه، وإن فرق مخطئًا لم يجزه.
قوله: ((والإطعام أن يطعم ستين مسكينًا مدًا لكل مسكين)): بمد هشام بن إسماعيل المخزومي والي المدينة في خلافة (هشام بن
عبد الملك) روى عنه مالك بن أنس في الموطأ.
واختلف أهل العلم في قدر مد هشام فقيل مدان بمد النبي عليه السلام وقيل مدان غير ثلث، وقيل مد ونصف، وقد ذكرنا الخلاف هل المعروف قوت المكفر، أم قوت أهل البلد، وهل يلزم الإدام في الطعام، أو يستحب، فيه قولان، ويستحقه الفقير المسلم الحر فإن أعطاها غنيًا أو كافرًا، أو عبدًا، أو عالمًا بذلك لم تجزه، وإن كان خطأ فقولان مبنيان على الاجتهاد هل يرفع الخطأ أم لا؟
قوله: ((ولا يجوز أن يطأ قبل الكفارة)): وهذا كما ذكره لقوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} .
قوله: ((ويكفر العبد بما سوى الإعتاق)): وهذا كما ذكره، وإنما لا يلزمه العتق لأنه غير مالك حقيقة، والولاء لغيره. وكان الواجب أن لا يلزمه الإطعام، إذ المال لغيره، فإن أذن له سيده في العتق والإطعام فهل يجزئه أم لا؟ فيه قولان. قال مالك إذا أذن له سيده في العتق والإطعام، فالصيام أحب إلي، قال ابن القاسم بل الصيام الذي أوجب الله عنه، وليس يطعم أحد يستطيع الصيام.