المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الشفعة والقسمة - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌كتاب الشفعة والقسمة

‌كتاب الشفعة والقسمة

قال القاضي رحمه الله: "ولا شفعة إلا في عقار أو ما يتصل به" قلت: الشفعة مشقة من (الشفع) الذي هو ضد الوتر، لأن الشفيع شفع حظه بالحفظ المستشفع فيه فصار شفعًا بعد أن كان وترًا، وقيل: إنها مشتقة من الشفاعة، لأن فيها توسطًا وعدلاً بين الشركاء عند المشاحة في الأملاك (وقيل: من الزيادة، قال الله تعالي:{من يشع شفاعة حسنة} [النساء: 85] أي: يزيد عملاً صالحًا إلى عمله) وهي قاعدة أنشأتها المصلحة، ودعت إلهيًا الضرورة، وإلا فهي خارجة عن أصول الشرع، لأن فيها جبرًا لمالك على الخروج عن ملكه (دفعًا) لضرر الشركة، قال بعض (أشياخنا) وقيل: إنها معلة برفع ضرر القسمة، فلا تجب فيما لا ينقسم، وأجمع المسلمون على أنها مشروعة، والدليل على ذلك قوله -صلي الله عليه وسلم-:(الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) ولم يختلف العلماء أنها واقعة

ص: 1185

في الأرضين كلها مبنية كانت أو غير مبنية، واختلفوا فيما سوي ذلك، والجمهور على أنه لا شفعة فيما عدا العقار اعتمادًا منهم على دليل الخطاب في قوله -صلي الله عليه وسلم- (الشفعة فيما يقسم) فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة).

وقسم القاضي محل الشفعة ثلاثة أقسام: عقار، ومتعلق بالعقار كالبئر، وفحل النخل، ومشبه به كالثمار، وكراء الأرض للزرع ونحوه، ودرج في هذا التقسيم أنواعًا مختلفة أما العقار فلا خوف في وجوب الشفعة فيه، واختلف المذهب في مسائل:

المسألة الأولى: ما لا ينقسم من العقار إلا قسمة فساد كالحمام والرحي ونحوه، وهل تثبت فيه الشفعة أم لا؟ اختلف فيه عن مالك على قولين: إثبات الشفعة ونفيه، فالإثبات لقوله -صلي الله عليه وسلم-:(الشفعة في كل شرك) والنفي لقوله -صلي الله عليه وسلم- (لا ضرر ولا ضرار) وقياسًا على العبد والعرض ونحوه مما لا ينقسم، وكذلك الخلاف في جواز قسمته وإن أدي ذلك إلى الفساد، وهل يجبر ليها من أباها أم لا قولان، وحكي بعض أشياخنا في أحجار الرحي ثلاثة أقوال: وجوب الشفعة فيها لابن وهب، ونفي الشفعة مطلقًا، والشفعة في الأسفل لكونه من البنيان دون الأعلى.

ص: 1186

المسألة الثانية: اختلف المذهب في الشفعة في الثمار على قولين المشهور وجوب الشفعة وهو قول ابن القاسم، وأشهب كان الأصل لهما أو لم يكن، والشاذ نفي الشفعة قاله المغيرة وابن الماجشون لأنها من قبيل (المنقولات) وهو قول الشافعي، وقال مالك في قوم شركاء في ثمرة إذا كان الأصل لهم، أو كانت النخل في أيديهم مساقاة، أو كانت حبسًا على قوم، وأثمرت فباع أحدهم نصيبه منها فإن شركاءه يأخذون ما باع بالشفعة.

المسألة الثالثة: البئر والنخلة الواحدة ونحو ذلك هل فيه الشفعة أم لا فيه القولان الجاريان فيما لا ينقسم من العقار.

المسألة الرابعة: في أكرية الدور والمدين وكتابة المكاتب، هل في ذلك الشفعة أم لا فيه قولان في المذهب، وذلك مثل أن تكون الدار بين مالكين فيكري أحدهما نصيبه فشريكه أحق بذلك من الأجنبي، وكذلك صاحب الدين أحق بالدين الذي عليه من الأجنبي، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في الدين) والمكاتب أولى بنجومه من المشتري اعتمادًا على قاعدة رفع الضرر.

المسألة الخامسة: الأنقاض هل فيها شفعة أم لا. اختلف المذهب في ذلك على قولين إثبات الشفعة ونفيها، قال مالك في قوم بنوا في عرصة مغارة فباع أحدهم نصيبه من النقض فرب الأرض مبدأ فإن شاء أخذ ذلك

ص: 1187

بالأقل من القيمة نقضًا، أو الثمن، فإن أبى فلشريكه أخذه بالثمن، وقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه، إذا لا ملك له في العرضة، قال: وهو بيع لا يجوز بيعه جميعًا، أو أحدهما لأن رب الأرض له أن يبقيه، ويؤدي قيمته نقضًا، أو يأمره بقلعه، فلم يدر المشتري ما اشترى نقضًا أو قيمته.

قوله: «وتجب الشفعة بالخلطة» يعني: خلطة الشريك، ولا خلاف في وجوبها للشريك المخالط لقوله -صلي الله عليه وسلم-:(الشفعة في كل شرك) واحترز القاضي من مذهب أهل العراق في الشريك المقاسم قال أبو حنيفة (الشفعة مرتبة) فأولى بها الشريك الذي لم يقاسم، ثم الشريك المقاسم، إذا بقيت الشركة في (الطرق) ثم الجار، والمعتمد لنا أنه -صلي الله عليه وسلم- (قضي بالشفعة فيما لا ينقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة).

قوله: "ولا شفعة في سائر العروض والحيوان والرقيق". تنبيه على مذهب أبن أبي ليلي القائل بوجوب الشفعة في ذلك، وكذلك لا شفعة عندنا في الطعام، ولا في حقوق الأملاك كالممر ومسيل الماء والطريق أي العلو ونحوه كما بينه القاضي بعد.

قوله: "وما يعتبر في انتقال المالك الذي تجب (وفيه) الشفعة روايتان": تقرر في هذا للمشفوع عليه، وهو كل ما تجرد ملكه اللازم اختيارًا (بالتجرد بعوض، واحترز بالتجرد) من رجلين اشتريا دارًا معًا فلا شفعة

ص: 1188

لأحدهما على صاحبه إذا لم تجد لأحدهما، وقولنا:"اختيارًا" احترازًا من تجدد الملك بالميراث.

قال القاضي رحمه الله: "فأما الميراث فمجمع علي أن لا شفعة فيه" قلت: وهذا إجماع من الجمهور، وحكي (الطائي) عن مالك أن الشفعة تكون في الميراث وهو شاذ، وفي الشفعة في الهبة والصدقة لوجه الله روايتان الشفعة في ذلك، وإثباتهما فمن اعتبر الضابط الأول الذي ذكرنا وهو العوض أسقط الشفعة، ومن اعتبر دخوله في الملك اختياراً الحق الهبة والصدقة بالبيع والصلح، لتساويها في أنه ملك اختياري، وهبة الثواب بيع من البيوع يأخذ الشفيع فيها بقيمة الثواب أو بمثله إن كان له مثل، فإن أتي به أكثر من القيمة قال ابن القاسم يأخذ بقيمة العوض ما بلغ وقال أشهب ذلك قبل الفوت، وأما بعده فيأخذ بالأقل من قيمة الثواب أو الهبة، واختلف قول مالك في المناقلة: وهي تبديل أرض بأرض فقال ابن القاسم في العتيبة فيها الشفعة، وقال مطرف، وأبن الماجشون لا شفعة في ذلك، ويأخذ الشفعة في الإقالة والتولية والشركة، وتقع الشفعة في البيع الفاسد، إذا فات بالقيمة، وإن كان قائمًا رد.

قوله: "وهي على قدر الحصص": وهذا هو المعتمد عليه من المذهب، وعندنا رواية شاذة أنها على عدد الرؤوس سمعناها في المذكرات، ولا تكاد تعرف في المذهب، وهذا صريح مذهب أبي حنيفة والكوفيين، والمعتمد لنا أن الشفعة حق مرتب على حسب الملك، فينبغي

ص: 1189

أن توزع على مقدار الأصل كسائر الحقوق المشتركة من الغلاة وغيرها.

قوله: "والشريك الأخص أولى من الشريك الأعم": ومعني ذلك أن وجوه الشركة تختلف كذوي السهام أحق من العصبة، ويدخل أهل السهام من العصبة لقوة مرتبتهم، ولا يدخل العصب على ذوي السماع مثل أن يموت رجل ويترك ابنتين وابن عم، فتبيع أحد النبيين حظها، فأختها أحق بالشفعة في حظها من بني عمها، ولو باع أحد من بني العم شفع فيه البنات وابن العم الآخر، ومن ذلك أن يترك الميت جدتين وأخوين لأم وإخوة لأب فأرادت إحدى الجدتين بيع حظها من السدس، فالجدة الأخرى أحق من باقي لشركاء، فإن باعت الجدتان فالشفعة لباقي الورثة، وإن باع أحد من الأخوين للأم شفع في حظه أخوه لأمه، وعلى هذا الأسلوب يتخرج هذا الباب، هذا صريح المذهب، ورواية ابن القاسم عن مالك، وقال أشهب: ولا يدخل أهل السهام على العصبة (ولا العصبة على أهل السهام، وقيل: يدخل السهام على العصبة) ولا ينعكس.

قوله: "وتجب الشفعة بمثل العوض (وصفته إن كان من الأثمان أو مما يكال أو يوزن، وبقيمته إن كان من غير ذلك) وقيمة الشقص": وهذا تنويع بحسب الحال فتجب بمثل الثمن فيما له مثل كالمعدود والمكيل والموزون، بالقيمة إن كان الثمن عرضًا أو حيوانًا والقيمة تقوم مقام المثل عند تعذر المثل، ولو صالح بشقص في موضحة، أو منقلة فإنه يأخذ دية، الموضحة أو المنقلة ولو صالح بشقص عن دم عمد شفع الشفيع بقيمة الشقص (وشفع) عن دماء الخطأ بالدية إذ هي الواجبة في الخطأ دون العمد، ومن

ص: 1190

ابتاع شقصًا وعروضًا في صفقة فض الثمن على ذلك بالقيمة، فما وجب للشقص شفع به، و (ليس للمشتري فريق الصفقة لأن الشفيع لا يلزمه أن يأخذ ما لا شفعة فيه) ولو اشتري أشقاصًا شفيعها واحد، وأراد الشفيع أن يأخذ شفة في واحد منها، (ويترك بقيمتها) لم يكن له ذلك إلا برضي المشتري، ولوباع شقصًا لرجل وله عدة شفعاء، فأراد بعضهم الأخذ بشفعته في حظه، وسلم سائرها فليس له إلا أن يأخذ الكل أو يدع، ولو كان بعض الشفعاء حاضرًا، وبعضهم غائبًا، فأراد الحاضر أن يأخذ بحظه لم يكن له ذلك، لأن تبعيض الصفقة ضرر (وكذلك إذا تعدد المشتري والشفيع .. فسلم لبعضهم فليس له ذلك، وأجازه أشهب).

قوله: "ولا تبطل الشفعة إلا بتركها أو ما يدل على الترك أو يأتي من طول المدة ما يعلم معه أنه تارك"قلت: الشفيع على قسمين: غائب، وحاضر، فالغائب على شفعته أبدًا، ولو طالت غيبته ما طالت، واختلف في الحاضر على خمسة أقوال، الأول: أنه لا حد في بطلان شفعته، والثاني تبطل بانقضاء السنة قاله أشهب، والثالث: أنها تبطل (إذا قاربت السنة كعشرة الشهر ونحوها، والرابع أنها تبطل) إذا ترك القيام بطلبها أكثر من سنة، والخامس أنها تبطل (بعد) الخمس الأعوام لا أقل من ذلك قاله ابن الماجشون: إلا أن يحدث المشتري بناء أو نحوه فتنقطع شفعته في أقل من ذلك، وقال أصبغ: تبطل بعد السنتين والثلاثة، وروي عن أشهب أنه بالغ في التحديد بالسنة حتى قال: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم، فلا شيء له، وقال ابن ميسر: ما قارب السنة فحكمها حكمه، وقال ابن وهب: إذا علم بوقوع الشفعة فسكت فلا شفعة له إلا أن يشهد، وفي العتيبة من رواية

ص: 1191

ابن القاسم في شفيع قام بعد شهرين أيحلف قال: لا، وروي عنه فيمن قام بعد ستة أشهر قال: يحلف: وفي كتاب محمد يحلف بعد (سبعة) أشهر أو خمسة، ولا يحلف في شهرين قال ابن عبد الحكم إذا قال الشفيع: لم أعلم بالبيع وهو بالبلد فهو مصدق، ولو بعد أربع سنين، قال محمد: وإن الأربع كثير، ولا يصدق في أكثر منها وروي عن (ابن الماجشون) أن الشفعة للحاضر بعد أربع سنين، ووقع إلى العشرة أعوام، والمختار عند المحققين أنها لا تبطل إلا بالقول أو بالفعل الدالين على الإبطال لقوله -صلي الله عليه وسلم-:(الشفيع أحق بشفعته) ولم يعلقه بمدة، ولم يفرق بين حاضر وغائب، ولو أضطر المشتري شفيعة إلا الأخذ، أو الترك كان له ذلك، ويتلوم (للمضطر) في ذلك اليومين والثلاثة مما لا يضر بالمشتري، وقيل: لا تأخير البتة، ومجهلة الثمن مع طول الزمان، وموت الشهود يسقط الشفعة.

قوله: "ولا تجب إلا بعد تمام البيع واستقراره": نص على بيع البتة احترازًا من بيع الخيار، ولا شفعة فيه حتى يتم البيع عندنا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال إن كان الخيار للبائع فلا شفعة فيه، وإن كان للمشتري وجبت فيه الشفعة، وفي معني البيع كل معاوضة.

قوله: "وهي (موروثة) كسائر الحقوق": تنبيهًا على مذهب أبي

ص: 1192

حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالاً أو حقًا فلورثته) ولأنه خيار لدفع الضرر، فقام فيه الوارث مقام المورث أصله الرد بالعيب.

قوله: "وإذا بني المشتري أو غرس لم يكن للشفيع أن يأخذ بالشفعة إلا مع قيمة (البناء) أو الغرس": وهذا تنبيه على خلاف أبي حنيفة، قال: هو متعد في البناء والغرس، ويأخذ الشفيع بالثمن، ويجبر المشتري على نقض البناء والغرس، ويأخذ الشفيع بالثمن، ويجبر المشتري على نقض البناء والغرس إلا أن يكون زرعًا فيترك إلى الحصاد، والدليل لنا أنه تصرف بوجه جائز، فلا سبيل إلى إتلافه بالنقض تفريقًا بينه وبين عرق الظالم.

قوله: "وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه": وهذا هو المشهور ومن المذهب فيما إذا اختلف المشتري والشفيع، فالقول قول المشتري مع يمينه إن أتي بما يشبه، لأنه المدعي عليه، وقال أشهب: القول قوله إن أتي بما يشبه من غير يمين، فإن أتي بما لا يشبه قيل: القول قول الشفيع وهو قول ابن القاسم، أو قول المشتري وهو قول أشهب، وإذا أقاما معًا البينة قضي بأعده لما، فإن تساوت بينهما سقطتا على المشهور، وقال أشهب: البينة بينة المشتري لأنها زادت، ولو تنازعا في كون الشفيع شريكًا فالقول قول المشتري فيحلف أنه لا يعرف له شريكًا وإذا أقر (أحد) ببيع الشقص، وأنكر الىخر الشراء حلف أنه لم يشتر وسقطت الشفعة، لأنه عهدة الشفيع على المبتاع.

ص: 1193

قوله: "وإذا بيع الشقص بثمن إلى أجل فإن وثق المشتري بالشفيع وإلا أتاه بثقة مليء": وهذا (مذهب) مالك رحمه الله وقال غيره لا يأخذ الشفيع بالشفعة إلا أن يعجل الثمن وهو ظلم عليه.

قوله: "ويوضع عن الشفيع ما حط (البائع) عن المشتري من الثمن مما يشبه" وهذا مذهب مالك، لأن الشفيع قد حل محل المشتري، وقال الشفاعي: لا يحط عنه شيء البتة، لأنها هبة محضة، والأول أصح تحكيمًا للعادة، وإلحاقًا لذلك بالثمن، وهذا فيما قرب، وأما ما زاد على (المعتاد) فهبة (محققة) وههنا مسائل تتعلق بالشفعة:

المسألة الأولى: تثبت الشفعة للشريك، وإن كان كافرًا إذا كان البائع مسلمًا، كان المشتري مسلمًا أو كافرًا، وإن كان الشفيع والمشتري ذميين فلا شفعة، إذا لا محاكمة بينهما، قال أشهب: تجب الشفعة إذا كان في الصفة مسلم من غير تفصيل.

المسألة الثانية: الإقالة لا تبطل الشفعة لأنها بيع حادث بعد تقرر ملك المشتري ووجوب الشفعة عليه، ولا خلاف عندنا أن عهده الشفيع على المشتري على المشتري، واختلف المذهب على من تكون العهد بعد الإقالة، فقيل:

ص: 1194

على المشتري نظرًا إلى أنها وجبت عليه بالعقد الأول، وقيل: الشفيع مخير بين أن تكون عهدت على البائع تحكيمًا للإقالة، أو على المشتري تحكيمًا للعقد الأول، قال مطرف وابن الماجشون: إن ظهر من حال المتقائلين أنهما قصدًا قطع الشفعة، فالعهدة على المبتاع، وإن ظهر أن الإقالة بقصد صحيح لا يقصد قطع الشفعة فالخيار للشفيع في أن تكون عهدت على أيهما شاء.

المسألة الثالثة: إذا تصرف المشتري في الشقص قبل قيام الشفيع ببناء، أو غرس وجب للمشتري علي الشفيع قيمة ما زاد من بناء أو نحوه، فإن أحب الشفيع دفع قيمة ذلك له مع ثمن الشقص وأخذ بالشفعة وإلا ترك، ولا يضمن المشتري للشفيع شيئًا مما حدث في الشقص من هدم، أو حرق، أو قطع، ونحوه، وإلا أن يفعل ذلك قصد الإتلاف عليه، وليس للشفيع شيئًا فيما اغتل المشتري من دار، أو أرض، لقوله -صلي الله عليه وسلم- (الخراج بالضمان).

المسألة الرابعة: لو اشتري أرضًا فزرعها، ثم استحق نصفها، فأراد المستحق أن يأخذ نصفها الآخر بالشفعة والزرع لم يطلع ففيه تفصيل، أما النصف المستحق فزرعه للمشتري وعلين كراء الأرض وأما النصف المستحق بالشفعة فزرعه للمتشري، ولا كراء عليه فيه، لأنه كان ضامنًا له، فخراجه له، وروي عن مالك أن الشفيع يأخذ نصف الأرض بنصف الثمن ويدفع قيمة نصف العمل والبذر، ويكون له نصف الزرع حينئذ.

المسألة الخامسة: إذا بيع الشقص مراراً فللشفيع أن يأخذ بأي البياعات شاء (وينتقض) وما بعده ولو باع نصف دار، أو نصفًا من شقص بيع خيار، ثم باع النصف الآخر من آخر بيع (بت) فهل تكون الشفعة لمبتاع الخيار أم لمبتاع البت قولان مبنيات على بيع الخيار هل يعد ماضيًا من حين انعقاده أو من حين إمضائه، وفي هذا الأصل خلاف.

ص: 1195

المسألة السادسة: هل يلزم إسقاط الشفعة قبل وجوبها أم لا؟ قولان مبنيان على الوفاء بالوعد هل هو لازم أم لا؟ والمشهور أنه إذا وهب شفعته قبل وجوبها لم يلزمه، وإذا أخذ العوض عن ذلك قبل الشراء بطل، ورد العوض وكان على شفعته.

المسألة السابعة: إذا باع الحظ الذي يستشفع به فهل له الشفعة أم لا؟ قولان عندنا، وذلك مثل أن يتراخي عن الأخذ بالشفعة حتى يبيع الحظ الذي كان به شريكًا، فاختلف قول مالك، هل له الأخذ بالشفعة لوجوب الحق له قبل البيع أو لا؟ لانتقاء الضرر، وهو قول أشهب، ويبطل الشفعة مساومة الشفيع لمبتاع وطلبه المعاوضة والكراء والقسمة، ولا يجوز بيع الشفعة لغير المبتاع ولا أخذها للبيع، لأن مشروعيتها لرفع (الضرر بالشركة).

قال القاضي رحمه الله "فصل الأعيان ضربان": القسمة تصرف فيما له كمية بالتفريق قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايبني، والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله سبحانه:{وإذا حضر القسمة أولوا القربي واليتامي والمساكين} [النساء:8] الآية وقوله سبحانه: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141]، وقوله:{إذا يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [آل عمران: 44]، وأما السنة فقوله -صلي الله عليه وسلم-:(كل ملك أدركه قسم الاهلية فهو على قسم الجاهلية، وما أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام)، وقال عليه السلام:(فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) وقد قسم الله سبحانه المواريث والغنائم بين أهلها، وأسهم -صلي الله عليه وسلم- بين العبيد (الستة) المعتقين في المرض، والإجماع منعقد على أنها مشروعة، وقسم القاضي الممتلكات قسمين: منها ما ينقسم نوعه دون عينه، ومنها ما ينقسم (نوعه وعينه) فالأول كالثوب، والدابة والعبد والسفينة وما في معني ذلك كالخف

ص: 1196

والنعل والباب، وما لا يمكن إفراده إلا بفساد وضرر، وهذا إن لم تنقسم عينه انقسم ثمنه (بالبيع) من الأجنبي، أو بالمزايدة بين الشريكين ويجبر على ذلك من أباه منهما، ولا سبيل إلى قسمة عينه لما في ذلك من الإضرار لشريكة، وإبطال منفعته، وإتلاف ملكه عليه فلا يمكن من ذلك من دعا إليه، وإن رضي بإتلاف ملكه، ويجبر من أبي البيع عليه، لأن في بيع حصته وحده ضرراً (علي شريكه ونقصًا من القيمة وحطًا من حقه فيجبر على البيع في هذه الصورة) كما يجبر على إخراج ملكه بالشفعة رفعًا للضرر في المحلين من حيث إن البقاء على حكم الشركة غير لازم، ومن أراد من الشركاء الانفراد بحصته فذلك له بالوجه الممكن، فإن أمكن بالقسمة وإلا (بيع) إذا لا طريق للانفراد إلا ذلك، وأما ما ينقسم من الأعيان (فإن قسمته) على ثلاثة أضرب: قسمة مهاياة، وقسمة بيع ومراضاة، وقسمة تعديل وتقويم.

القسمة الأولى: قسمة المهاياة بالياء، سميت بذلك لأن كل واحد هيأ لصاحبه السكني والانتفاع، ويقال المهاناة بالنون من قولهم هنان الطعام، والمعني صادق على اللفظين، وهذه القسمة على ضربين مهاياة في الأعيان، ومهاياة في الأزمان، أما مهاياة الأعيان فمثل أن يأخذ أحد الشريكين داراً ليسكنها (والآخر دار أخرى يسكنها)، أو أرضًا يزرعها، والآخر أرضًا مثلها، ولا خلاف في أنها جائزة مع التراضي ولا يجبر عليها من أباها عندنا خلافًا لأبي حنيفة، وهذه قسمة الانتفاع لا قسمة الأعيان، وأما مهاياة الأزمان فمثل أن يكون في عين واحدة أزمنة مختلفة كدار يسكنها هذا شهرًا، وهذا شهرًا، أو أرضًا يزرعها هذا سنة، وهذا سنة وهي أيضًا جائزة، مع التراضي منهما، ولا يجبر عليها من أباها.

ص: 1197

القسمة الثانية: قسمة البيع مثل أن يكون أحد الشريكين أخذ داراً على أن يأخذ الآخر داراً من غير تقديم، ومحصلوها راجع إلى البيع الذي من شرطه (الرضي) والقبول من الطرفين، وهذه القسمة جائزة في المتفق والمختلف، لجواز البيع فيهما، ولا يجبر عليها أيضًا من أباها بقرعة أو بغير قرعة.

القسمة الثالثة: قسمة التقويم والتعديل وهي جائزة في المتفق والمختلف بعد معرفة القيمة وهذه القسمة تمييز حق، وقيل: بيع من البيوع، وقد ذكر القاضي صفة (هذه) القسمة، وهي أن تقسم الفريضة، وتحقق على أقل ساهامها، ثم تقوم الأملاك وتعدل على أقل السهام، وتقع التجزئة بحسب ذلك، فمن حصل له سهم من جهة كانت له، فإن اختلفا بأي الجهات يبدأ في الإسهام عليه أسهم على الجهتين.

وصفة القرعة تتصور ببندقة واحدة للإسهام، ثم يرمي إلى الجهات، أو ببندقتين، بندقة للسهم، وبندقة للجهة كما ذكر القاضي رحمه الله.

فرع: إذا وقعت القسمة في المنافع التي سميناها قسمة مهاياة، واختلف تقدير مدة الانتفاع بحسب اختلاف المقسومات، فأما العقار الذي لا ينقل، ولا يحول فيجوز أن تكون مدة الانتفاع فيه بعيدة وقريبة، وإذا وقعت القسمة للسكني في الدارين أو للزراعة في الأرضين، فإن وقعت القسمة للانتفاع بالغلة والكراء فهل يشترط في ذلك قرب المدة حذرًا من الغرر باختلاف الأكرية في اللازمة المتطاولة، أو يجوز ذلك في المدة اليسيرة والكثيرة، لأن الأعيان باقية على أصل الشركة فيه قولان عندنا، وأمل القسمة فيما ينقل ويحول ويسرع إليه التغيير من الحيوان، فيشترط فيها قرب مدة الانتفاع والاغتلال، ولا يجوز ذلك مع طول المدة للتغير اللاحق المحقق للغرر والمخاطرة.

واختلفت الروايات في تقدير المدة اليسيرة فيما ينقل ويتغير، فقيل:

ص: 1198

اليوم الواحد فقط، وقيل: الخمسة الأيام، وقيل: الشهر وما دونه، ولا يجوز أكثر من ذلك، والصحيح أن المدة تختلف بحسب اختلاف المقسوم (فإنه من ما يسرع إليه التغير، ومنه ما لا يسرع إليه فيتنزل تقدير المدة على ذلك).

قوله: "وإذا أراد بعض الورثة قسمة دور" إلى آخره، حاصل هذه المسألة يرجع إلى الاختلاف في تقدير القسمة فدعا بعضهم إلى القسمة على العدد، ودعا الآخرون إلى التجزئة في كل عين من الأعيان فالقول قول من دعا إلى التجزئة في الأعيان إلا أن تتفق المواضع، أو تتقارب وتتساوي المنافع أو تتقارب فالقول حينئذ قول من دعا إلى القسمة على العدد (وهو صريح مذهب مالك، لأن قسمة العدد) أنفع للفريقين، وأبعد عن الإضرار، وأعود بالصلاح (علي) الجميع، وقال أبو حنيفة والشافعية تقسم كل عين على حدتها مطلقًا، والصحيح ما ذهبنا إليه لقوله -صلي الله عليه وسلم-:(لا ضرر ولا ضرار) ثم ذكر الخلاف في قسمة الرحي والحمام، وقد ذكرنا ما فيه، وجري العمل في الأندلس بقول ابن القاسم في امتناع قسمة ذلك، وإن حصل لكل واحد (ما ينتفع) به انتفاعًا عامًا إلى مدة حكم المنتصر بالله، فأمر بالأخذ بقول مالك فجري الحكم به، وترك قول ابن القاسم، واعتمد مالك وفي ذلك على قوله سبحانه:{قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} [النساء:7].

تكميل: حكي المتأخرون من أشياخ المذهب في قسمة ما ينقسم إلى ما لا منفعة فيه عن المذهب ستة أقوال:

ص: 1199

الأول: قول مالك وابن كنانة أنه يقسم ولو صار لأحدهم مقدار القدم اعتمادًا على قوله سبحانه: {مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} .

والثاني: قول ابن القاسم أنه لا يقسم إلا أن يصير لكم واحد في حظه ما ينتفع به كانتفاعه قبل القسمة من غير مضرة داخله عليه في الانتفاع.

والقول الثالث: أنه يجبر على القسمة من أباها إذا دعا إليها صاحب النصيب القليل، ولا يجبر عليها إذا دعا إليها صاحب النصيب الكثير.

والقول الرابع: عكس هذا القول.

القول الخامس: قال مطرف إن كانت القسمة تبطل المنفعة على جميعهم لم يقسم، وإن صار في حظ بعضهم ما ينتفع به، وفي حط الآخر ما لا ينتفع به أجبروا كلها على القسمة.

والقول السادس: قال ابن الماجشون: القول قول من دعا إلى القسمة، إذا صار لكل واحد (منهم) ما ينتفع به وإن كان الانتفاع أقل من انتفاعه حال الشركة، والصحيح أن قسمة ما تؤدي قسمته إلى يطال منفعته إفساد للمال وهو منهي عنه.

قوله: "وأجرة القسام على الرؤوس": وهذا تنبيه على مذهب الشافعي القائل إنها على قدر الأنصباء، والصحيح ما ذهب إليه مالك، لأن زيادة السهام، واختلاف المقادير لا يوجب زيادة في فعل (القسام) بل التعب واحد، وفي العتيبة: كره مالك ما جعل للقسام قال ابن حبيب: إنما كرهه إذا كانوا يأخذونه من أموال اليتامي، فأما إن كانت أجرتهم في بيت

ص: 1200

المال كأرزاق القضاة ونحوهم فجائز واحتساب ذلك كله لوجه الله العظيم أفضل، ولو طلب القسم أحد الورثة، وأبي غيره فالأجرة على الطالب والآبي سواء، وقال اصبغ: أجرة القسام على قدر الأنصباء كقول الشافعي: وهل يكتفي بقاسم واحد إذا ولاه القاضي، ويجعل ذلك حكمًا أو لا بد من قاسمين قصاعدًا قولان، وأجراه الشيخ أبو إسحاق مجري الشهادة، فلا يكتفي فيه بأقل من قاسمين عدلين، وكان خارجة ومجاهد يقسمان بين الناس بغير أجر، فاستحسنه مالك ومن طلب القسم من أهل السهم الواحد قسم له، ويقسم على أقل السهام (لأن صاحب السهم القليل يحتاج إلى تمييز حقه، فلو لم يقسم على السهام) لم يصل إلى (فرضه) وبقيت مسائل تتعلق بالقسمة:

المسألة الأولى: اختلف أصحاب مالك إذا اختلفت الرباع (المتفقة)، تباعدت مواضعها هل تجمع في قسمة واحدة أم لا؟ قوان عندنا، والصحيح أنهما إذا تباعدت جدًا لم تجمع في القسم، وحد البعد ما جاوز ثلاثة أميال.

المسألة الثانية: الحوائط المثمرة، والأرض المزروعة إذا قسمت دون ثمارها وزرعها جازت قسمتها فإن أرادوا قسمة الثمرة أو الزرع مع الأصول، فإن بدا صلاحه، وكان ممر يخرص فهل يقسم بينهم بالخرص أم لا؟ قولان الجواز لأنه بيع بعد الطيب والمنع لأنه مزابنة.

المسألة الثالثة: يجمع في القسمة الصنف الواحد بعضه إلى بعض، وكذلك ما تقارب من الصنفين كالخز والحرير والقطن والكتان، ولا يجوز

ص: 1201

جمع الصنفين المتبانيين بكل حال في قسمة القرعة لما في ذلك من المخاطرة، وتجوز في قسمة التقويم لأنها بيع من البيوع.

المسألة الرابعة: الطوارئ على القسمة خمسة أنواع: الأول: الغلط ولا يقبل دعوي مدعي الغلط إلا ببينة إذا كان غلطًا فاحشًا لا (يسمح) بمثله غالبًا، والثاني: طرو وارث أو موصي له أو غريم طالب بدين، أما الوارث إذا طرأ بعد القسمة، ولا يخلو أن تكون التركة عينًا، أو مختلفة الأنواع، فإن كانت عينًا أخذ الوارث الطارئ من كل وارث ما ينوبه، ومضت القسمة، إذ لا فائدة لنقضها، فإن وجد أحدهم معسرًا تبع الطارئ الموسر بلا خلاف، وهل يتبعه بما ينوبه وما ينوب المعسر، ويرجع على المعسر متى أيسر يومًا ما (قولان عندنا) قال ابن القاسم: يتبعه بحظه مما في يده فقط، وخالفه أشهب وابن عبد الحكم وقالا يتبعه بجميع حظه، ويتبعان معًا المعسر وإن كانت التركة عقاراً، أو عروضًا مختلفة مما لا يمكن الوارث الطارئ أن يصل إلى ميراثه إلا بعد نقض القسمة، فله نقضها، فإن أمكن وصوله إلى حقه من غير نقض فهو الصواب، فإن طرأ دين على التركة بعد القسمة فهل تفسخ أم لا؟ أم إذا اتفق الورثة على أداء الدين، فإن القسمة لا تفسخ بلا خلاف فإن دعا بعضهم إلى فسخها، ودعا الآخرون إلى أداء الدين، فالقول قول من دعا إلى الفسخ على المشهور، وقال سحنون: لا تنفسخ القسمة بطرو الدين، وينظر إلى الدين من قيمة (التركة) يوم الحكم، ويرجع فيما بيد كل واحد من الورثة بنسبة ذلك على حكم التجزئة واختلف المذهب في طرو الموصي له (بالثلث) هل هو كطرو المديان أو كطرو الوارث، فقيل: هو كالغريم، لأن الله سبحانه قرن الوصية بالدين، وقال ابن القاسم: إن أوصى له بجزء

ص: 1202

شائع من ثلث، أو سدس أو نحوه فهو كالوارث، وإن أوصي له بدنانير، أو طعام مكيل فهو كالمديان، والثالث: ظهور عيب وهو إذا طلع أحد المتقاسمين على عيب، فإن كان المعيب الأكثر رده وبطلت القسمة، فإن رد قيمته أو مثله، وكان كالأصل فيقسم مع المعيب المردودن وإن كان المعيب الأقل رده، ورجع على شريكه بقيمة نصف العيب، واقتسما المعيب، ومضت القسمة، والرابع: الاستحقاق ولا يخلو أن يستحق بعض المال شائعًا أو معينًا، فإن استحق جزءًا شائعًا لم تنتقض القسمة، ويتتبع كل وارث بقدر ما صار إليه من حقه (وإن) استحق بعضًا معينًا، وكان تافهًا رجع بنصف قيمة ذلك دنانير أو دراهم، وإن كان كثيرًا رجع بقدر نصيبه فيما بيد صاحبه؟ والخامس: الغبن، ويرجع بالغبن، الفاحش في قسمة التقويم والتعديل سواء كانت بالمراضاة أو بالقرعة لأنها بيع من البيوع، ولا يرجع به في قسمة المراضاة بغير تقويم لأن مبناها على المكارمة.

مسألة: إذا اقتسموا الدار، ولم يذكروا مجاري المياه، ولا مخارج الأنصباء، وخرج الباب أو القناة في سهم أحدهم لم تنفسخ القسمة في قول ابن القاسم، وقضي على من حصل ذلك في سهمه لأصحابه بالدخول، أو الخروج، وصرف الماء إلى القناة القديمة لبقائها على أصل الاشتراك، وقال ابن حبيب: تنفسخ القسمة والأول أشهر تحكيمًا (للعادة)، ثم ذكر إسلام الصغير، والمعتمد عليه عندنا أنه تابع لأبيه في الدين، ولأمه في الحرية والرق، وقال ابن وهب: هو تابع لمن أسلم من أبويه، والدليل (لنا) أنه -صلي الله عليه وسلم- سئل عن أولاد المشركين فقال هم من آبائهم، والنفقة على اللقيط احتسابًا

ص: 1203

محض، وليس له أن ينفق عليه على شرط الرجوع سواء أذن له في ذلك الإمام أم لا؟ إذ ليس للإمام أن يلزم ذممهم الديون التي لا تلزمهم وهو حينئذ من فقهاء المسلمين، ونبه القاضي على الإمام تحرزًا من مذهب المخالف القائل أنه يرجع عليه إذا أذن له الإمام، والصحيح أن إذن الإمام لا يغير حكمًا، وميراث اللقيط لبيت المال، إذ لا وارث له، والله الموفق بفضله.

ص: 1204