المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهبات

وما يتصل بذلك

الحبس جائز صحيح لازم لا يفتقر لزومه إلى حكم حاكم، على هذا أكثر علماء الأمصار. وقال أبو حنيفة: لا يلزم إلا أن يحكم به حاكم، أو يكون مسجدًا أو سقاية، والدليل لنا أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحباس الصحابة بعده. قال مالك حين تناظر مع أبي يوسف في جواز الحبس: هذه أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقات الخلفاء بعده معروفة عندنا إلى الآن. روى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عمر بن الخطاب: (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصبت أرضًا بخيبر وهي من أنفس مال أصبته، وإني أريد أن أتصدق بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حبس الأصل وسبل التمر). وفي رواية: أن عمر تصدق به وكتب هذا ما تصدق به عمر بن الخطاب صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على الفقراء وذوي القربى، وفي سبيل الله وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف). ولما ثبت عند

ص: 1393

أبي يوسف ما احتج به مالك رحمه الله رجع عن قوله إلى قول مالك، واعتقد صحة ما رأى، واعتمد في ذلك على ما اعتمد عليه مالك رحمه الله. ونبه القاضي بقوله:"من غير حاجة إلى حكم" على مذهب أبي حنيفة، ويجوز في المحوز (وغير المحوز) أعني المشاع والمقسوم عندنا خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف حيث منعاه في المشاع كما منعا رهن المشاع فيجوز عندنا في الديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار، والقناطر والمقابل والطرق وغير ذلك، فأما المنقولات كالحيوان والعروض. فحكى القاضيان أبو الحسن وأبو محمد في جواز تحبيسها روايتين المشهور صحة ذلك، وهو مذهب المدونة، والشاذ منعه. قال القاضي أو محمد: ومن أصحابنا من يقول: إن تحبيس الخيل جائز بلا خلاف، لأنها تراد في سبيل الله، وإنما الخلاف في تحبيس غيرها، وفي كتاب محمد استثقل مالك تحبيس الحيوان، وقال في رجل حبس غلامًا على رجل وعقبه قال: أكرهه لأنه ضيق على الغلام، لأنه قد يرجى عتقه، ولعل هذه الكراهية في العبيد والإماء دون غيرهم، ولا يجوز توقيف الطعام، لأن منفعته في استهلاكه، وتوقيف الأشجار للانتفاع بثمرها، والبقر والغنم والإبل لألبانها ومنافعها.

قوله: "وعلى رواية الجواز يباع ما يخشى عليه التلف ويستبدل به ولا يباع الرباع بوجه": قلت: اختلف المذهب في الحبس إذا تعطلت منافعه، وذهب الانتفاع به هل يباع أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: جواز بيعه مطلقًا عقارًا كان أو غيره من سائر الممتلكات. والثاني: أنه يباع مطلقًا. والثالث: أنه يباع كل شيء ما عدا العقار، لأنه وإن خرب فيمكن إحياؤه

ص: 1394

بخلاف الحيوان الذي يخشى عليه الهلاك. وحكى القاضي أبو محمد وغيره: "أن بيع لحبس إذا خربت جائز، يحكى عن ربيعة قال: وأظن بعض أصحابنا يذهب إليه ولست أتحققه في هذا الوقت" والذي اختاره أئمة المذهب أن العقار لا يباع إذا خرب وتعطلت منفعته، إذ ليس في بقائه إتلاف لإمكان عود العمارة إليه، وإذا منع عبد الملك بن الماجشون وغيره في الحيوان إذا هرم فهو في الرباع أولى، لأن في بيعه إبطال شرط الحبس وقصد الموقف وحلاً لما عقده لأنه أبدًا التحبيس، فكان بيعه على خلاف قصده وقد قال الله العظيم:{فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} [البقرة: 181]. قال في الواضحة في البعير والفرس والتيس يحبسه للضراب، فينقطع ذلك منه للكبر لا أرى أن يباع إلا أن يكون المحبس شرط ذلك في أصل الحبس، وكذلك في المجموعة عن ابن الماجشون، قال: وإن شرط أنه إن هرم أو فسد بيع واشترى بثمنه غيره، فذلك جائز قال ابن القاسم: إذا وقف الفرس للجهاد عليه، والعبد للصنعة تراد منه فالنفقة في بيت المال، فإن لم يكن بيع، واشترى بثمنه ما لا يحتاج إلى نفقة كالسلاح والدروع ونحوها، قال غيره: لا يجوز بيع ذلك، وإذا انكسر الجذع لم يجز بيعه، ويستعمل في الوقت، وكذلك سائر الأنقاض.

قال الشيخ أبو الحسن، والشيخ أبو إسحاق: ولا يباع نقض الوقف، قال: من أصحابنا من يرى بيعه، (ولا) أقول به ولا (يباع الوقف) وإن خرب ما حواليه، قال محمد بن عبدوس: لا خلاف بين أهل العلم أن المساجد لا تباع إذا خربت ودثرت، وبقاء أحباس الصحابة داثرة دليل على

ص: 1395

منع بيعها وشرائها ولو أحاطت دور محبسة بمسجد، فاحتاج الإمام إلى توسيع المسجد الجامع لمصلحة المسلمين، فقد أجازوا بيع الدور المحبسة وإضافتها إلى الجامع ليوسع بها فيه، وطريق المسلمين كالمسجد الجامع إذا احتاج الناس إلى توسيع الطريق أيضًا لأن منفعة الجامع وطريق المسلمين أعم نفعًا من منفعة الدور المختصة (المحبسة) حول الجامع والطريق.

قال ابن الماجشون: وذلك في مثل جوامع الأمصار دون مساجد القبائل قاله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وابن الماجشون. قال مالك فيما هرم من الدواب إذا بيع ولم يكن في ثمنه ما يشترى به، قال: يعان به في فرس السبيل، وإن لم يكن في الثمن ما ينتفع به فرق في سبيل الله، قال: ولا تباع الدور والأرضون وإن خربت وصارت عرصة، وقد كان البيع أسهل. قال مالك في كتاب ابن حبيب في الدور المحبسة حول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حين زيد فيه، لم يكن له بد من أن تهدم تلك الدور، واختلف إذا كان الحبس على معين هل يسقط حقه فيما هلك أو يعود حقه في تلك القمة، ويشترى بها مثل الأول وهو الصواب إن شاء الله.

قال القاضي رحمه الله: "وألفاظ الحبس والوقف ضربان ضرب (مجرد) وضرب يقترن به ما يقتضي التأبيد" وهذا كما ذكره، ومثل ألفاظ المجرد أن يقول: حبست ووقفت وتصدقت، فإذا قال: وقفت هذه الدار فهو صريح في التأبيد، فإن زاد إلى ذلك وقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فذلك كتوكيد، والاقتصار على لفظ الوقف كاف، لأن مقتضاها عرف التأبيد فإن قال: في وجه كذا، أو حبس، ولم يقل: في وجه كذا، فإن ضم إلى ذلك ما يقتضى الأبيد) مثل أن يقول: حبس وقف أو مخرج مؤبد ولا يباع ولا يشترى، أو

ص: 1396

جعله على مجهولين أو موصوفين كالفقراء والعلماء أو بني تميم، أو فلان وعقبه فلا خلاف أن هذا كله محمول على التأبيد، لأن صرفه في المجهولين كزيادة لفظ يقتضي التأبيد. قوله: حبس مؤبد بلا خلاف، وإن لم يضم إلى لفظ الحبس (لفظ آخر يقتضي التأبيد، أو جعله في مجهولين، بل اقتصر على لفظ الحبس) على فلان، أو في وجه كذا، أو على قوم بأعيانهم، ولم يذكر عقبًا فهل يتأبد ذلك أم لا؟ فيه روايتان: إحداهما: أن محمله على التأبيد، ومراجعة مراجع الأحباس، والثانية: أنه لا يتأبد ويصرف في الوجه الذي جعل فيه، فإذا زال ذلك الوجه عاد ملكًا له إن كان حيًا أو لورثته إن كان ميتًا.

فرع: إن قلنا: إنه يتأبد فمرجعه مراجع الأحباس فيصرف أولاً في الوجه الذي جعل فيه، فإن انقرض ذلك الوجه رجع حبسًا على أقرب الناس بالمحبس إن كانوا فقراء، كان المحبس حيًا أو ميتًا، فإن كانوا أغنياء رجع إلى أقرب الناس إليهم من الفقراء، وإنما قلنا ذلك لأنه الصدقة على الأقارب أفضل من الصدقة على الأباعد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يقبل الله صدقة وذو رحم محتاج) وقال لأبي طلحة: (اجعلها في الأقربين)، وقال:(خير الصدقة ما كان على ظهر غنى وابدأ بمن تعول) هذا مرجع الحبس

ص: 1397

المؤبد بعد انقراض الوجه الذي جعل فيه. قال مالك في كتاب محمد: ويرجع الحبس إلى أقرب الناس بالمحبس رجالاً كانوا أو نساء، إذا كانوا فقراء، فإن كانوا أغنياء قال أقرب الناس بهؤلاء الأغنياء. قال الشيخ أبو الحسن: واختلف في دخول (الأغنياء) والنساء. ففي كتاب محمد الذكر والأنثى فيه سواء، قال: وإن اشترط في التحبيس للذكر مثل حظ الأنثيين، لأن المرجع ليس فيه شرط ولا هو الذي تصدق بها على من رجعت إليه وإنما هو رجوع اقتضته الأحكام. قال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى: القرابة الذين يرجع إليهم الحبس هم عصبة المحبس. وقال في كتاب محمد: يرجع إلى أقرب الناس من ولد عصبة، واختلف على القول برجوعه إلى العصبة هل للنساء مدخل فيه أم لا؟ ففي كتاب محمد دخولهن في ذلك، وفي العتبية: ليس للنساء فيه عصبة، وإنما يرجع إلى الرجال. قال ابن القاسم: إن كان للمحبس ابنة لم يكن لها شيء، وإنما هو للعصبة، وقال في كتاب محمد: ذلك لكل من لو كانت رجلاً كانت عصبة. قال ابن القاسم: يدخل الجدات والعمات، وبنات الأخ، والأخوات للأب والأم دون الإخوة للأم، وتدخل أمه. وقال مالك مرة: لا تدخل أمه، ولو كان أهل المرجع بنات وعصبة فهو بينهم إن كان فيه سعة وله خطر، وإلا فالبنات أولاً من العصبة. قال محمد: تدخل مع البنات الأم، والجد للأب، والجد للأم، ولا تدخل الزوجة، فإن انقرض جميع أصحاب المرجع كان حبسًا على الفقراء والمساكين، والمقصود أنه لا يورث عن المحبس مجال إن كان مؤبدًا، لأنه لو عاد إليه، أو ميراثًا عنه لم يكن غرضه من الصدقة حاصلاً، وإمامًا لا يتأبد

ص: 1398

فحكمه أن يرجع بعد انقراض الوجه الذي فيه ملكًا لمالكه المحبس له لم ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه. قال ابن القاسم: وكل ما يرجع ميراثًا فيراعى فيه من يرث المحبس يوم مات، وأما ما يرجع حبسًا (فلا ولا هم) به يوم يرجع، فاعتبر في غير المؤبد (القرب) يوم الموت، وفي المؤبد (القرب) يوم المرجع، وأما إذا رجع المؤبد إلى من ذكرنا رجع حبسًا لا ملكًا، وصرف الحبس إلى المجهولين كالتلفظ بالتأبيد والتحريم، فإن اقتصر على لفظ الصدقة فقال: صدقة على فلان احتمل أن يريد الحبس أو تمليك الرقبة في غير تحبيس كان ذلك على ما أراده، وإن أراد مضي الحبس جرى في التأبيد فيه ما جرى في الفظ الحبس فإن أطلق (لفظ الصدقة) ولم يضم إليه ما يقتضي التحبيس من ألفاظ التأبيد، أو من صفات المتصدق عليهم فهو على معنى الصدقة لا ينصرف إلى المحبس، فإن ذكر العقب كان ذلك (دليلاً) على التأبيد، فإن قال: صدقة على بني فلان وهو مجهولون لا يحاط بعددهم تأبد ذلك، وكان ذكر صفات المتصدق عليهم قرينة تدل على إرادة التأبيد، إذ لا يعلم انقراض المجهولين فهو كلفظ العقب، ولو قال: صدقة على فلان وعقبه كان تأبيدًا، وحكى ابن عبدوس عن بعض أصحابنا: أنه إذا قال صدقة وعليه) ما عاشوا، ولو يقل حبسًا أنها تكون ملكًا لآخر العقب من رجل أو امرأة يتصرف فيها كيف يشاء، والصحيح أنه حبس ومرجعه مرجع الأحباس، ولو قال: حبس صدقة أو صدقة حبس، فإن ضم إلى ذلك:"لا يباع ولا يوهب" فهو مؤبد بلا خوف، وإن لم يضم إلى ذلك "لا يباع ولا يوهب"، ولا ذكر مجهولين ولا عقبًا. ففي (التأبيد) ثلاث روايات التأبيد

ص: 1399

ونفيه والفرق بين أن يقدم لفظ الحبس فيكون محمولاً على التأبيد، أو لفظ الصدقة فلا يتأبد، وقد ذكرنا أنه إذا ذكر مجهولين أو عقبًا كان ذلك قرينة يقتضى التأبيد. قال ابن وهب في العتبية: فيمن حبس دارًا على رجل، وقال: لا تباع ولا توهب، ثم بدا له فقال: هي عليك صدقة، قال: هي له، يصنع بها ما شاء، ولم يره تأبيدًا، ولو قال: حبس على هؤلاء الفقراء، أو على هؤلاء العشرة، وضرب أجلاً أو قال: حياتهم رجع ملكًا إذا لم يذكر العقب، وإنما يذكر معينين، ولو أطلق ولم يسم أجلاً، ولا حياة، فقال مالك مرة: يرجع ملكًا، وقال مرة: يرجع مراجع الأحباس. حكى الشيخ أبو القاسم بن الجلاب أنه إذا قال: حبس على فلان وعقبه، فانقرض العقب أنه يعود ملكًا، ومذهب المدونة: أنه يرجع مراجع الأحباس، ولا يرجع ملكًا، قال محمد: إذا عقب الصدقة فهي حبس إلا أن يقول صدقة بتلا له ولعقبه فيكون لآخر العقب، ولو قال: صدقة على فلان وعقبه ما عاشوا، فهل يرجع بعد العقب مرجع الأحباس أو ملكًا. حكى الشيخ أبو الحسن فيه قولين. قال مالك: ومن حبس على ولده، ولا ولد له فله أن يبيع، وقال ابن القاسم: ليس له أن يبيع حتى يؤيس له من الولد، ومن حبس على ولده، ثم هو سبيل الله فلم يولد له (فله أن يبيع إلا أن يؤيس له في الولد، ومن حبس على ولده، ولا ولد له، فله أن يبيع، وقال ابن القاسم: ليس له أن يبيع). وقال عبد الملك: بل هو حبس، قال الشيخ ابن القاسم: ليس له أن يبيع). وقال عبد الملك: بل هو حبس، قال الشيخ أبو الحسن: القصد بالحبس ولده والمرجع في معنى الاحتياط إن انقرض الولد، فإذا لم يكن له ولد لم يلزمه حبس، ولو يتعرض القاضي لذكر المحبس عليهم وهو ثلاثة أقسام: معين،

ص: 1400

ومجهول يترقب انقراضه، ومجهول لا يترقب انقراضه، فالأول أن يقول: على فلان بعينه فهو له، فإن مات عاد ملكًا للحبس، وهو من باب الأعمار، وكذلك إذا قال: على ولد فلان، فهو له ما دام حيًا لأنه بمنزلة فلان، فإذا أراد بالولد الجنس لا واحد بعينه ففيه مسائل.

المسألة الأولى: لا خلاف أن ولد الصلب داخل تحت اللفظ إذا قال: حبس على ولدي أو أولادي، فإن كان حبسًا كان على العقب، وعلى مجهول من يأتي من الولد الذكور والإناث من ولد الصلب لدخول الكل تحت لفظ الولد إجماعًا، ولد الذكور من أولاد الصلب كآبائهم دون ولد الإناث، وهل يؤثر البطن الأعلى أو يستوي بين الجميع فيه قولان في المذهب.

المسألة الثانية: إذا قال: وقفت على ولدي وولد ولدي لم يدخل ولد البنات في ذلك لأنهم من قوم آخرين.

قال الشاعر:

بنونا بنو بناتنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

قال ابن العطار: وكانت الفتوى عندنا بقرطبة أن ولد البنات يدخلون في ذلك، وقضى به محمد بن إسحاق بن السليم، بفتيا أكثر أهل زمانه،

ص: 1401

ولو قال: وقفت على أولادي ذكورهم وإناثهم (ولم يسمهم، ثم قال وعلى أعقابهم دخل ولد البنات في ذلك، لأنهم في الأعقاب، وكذلك إذا سمى أولادهم ذكورهم وإناثهم) ثم قال: وعلى أولادهم، فولد البنات يدخلون فيه باتفاق المتقدمين والمتأخرين. قال الشيخ أبو الوليد: إلا ما روي عن ابن زرب وهو خطأ صراح لا وجه له، ولو قال: على بني فلان، فهل يحمل على بنيه لصلبه خاصة أو عليه وعلى بنيهم، وأعقابهم فيه قولان، وكذلك هل يدخل تحته لفظه الإناث أم لا؟ حكى الشيخ أبي الحسن فيه قولين، واحتج من رأى دخل الإناث بقوله تعالى:{يبني آدم} [الأعراف: 31] ولو قال: على ولد صلبي لم يدخل فيه ولد الولد ذكورهم وإناثهم.

قال الشيخ أبو الحسن: أما لفظة البنين فإنه يتناول عند مالك الولد وولد الولد وذكورهم وإناثهم، قال مالك: ومن تصدق على بنيه وبني بنيه، فإن بناته وبنات بناته يدخلون في ذلك، ولوى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس على بناته، فإن بنات بناته يدخلن مع بنات صلبه. قال القاضي أبو الوليد: والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد ابنته لا يدخلون في البنين (من ولد الصلب الولد من ذكر وأنثى) ولد ذكور الولد عقب آبائهم، وليس ولد البنات عقبًا ذكرًا كان أو انثى، والبنات دنيا وبنات البنين في العقب، وإن قال: حبس على (بني أبي كان لإخوته لأبيه، ويختلف في دخول بنيهم، ولا شيء لإخوته لأمه، ولو قال: حبس على) إخوتي دخل الإخوة للأم مع الإخوة الأشقاء، والإخوة للأب، وإن قال: حبس على آبائي دخل الآباء والأمهات والأجداد والجدات من حيث كانوا، واختلف في دخول العمومة، فقيل: يدخلون لقول الله عز وجل: {نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل

ص: 1402

وإسحق} [البقرة: 133] ولو قال: حبس على أهلي، قال مطرف في كتاب ابن حبيب: يدخل في ذلك جميع قرابته ورحمه من قبل أمه وأبيه، والأخوال والخالات وبنوهم الذكور والإناث وبنو البنات، وبنات البنات. وقال ابن القاسم: الأهل والآل العصبة والأخوات والعمات والخالات والأخوال، ولو قال: على الذرية دخل ولد البنات. قال الإمام أبو عبد الله: لا خلاف في ذلك لقول الله عز وجل: {ومن ذريته داود وسليمان} [الأنعام: 84 - 85] إلى قوله: {وعيسى} فجعل عيسى من ذرية إبراهيم، وإنما هو ولد بنته، ولو قال: حبس على القرابة دخل الأقرب فالأقرب بالاجتهاد. وفي العتبية: يدخل في ذلك ولد البنات، وولد الخالات، وقيل: يدخل كل ذي رحم محرم (أو غير محرم) من قبل الأب والأم أو أحدهما، وهل يفضل الأقرب أم لا؟ قولان: والمشهور أنه لا يفضل وأسعدهم أحوجهم، وقيل: يفضل الأقرب، وفي كتاب محمد: من حبس على ولده الذكور والإناث، وقال في أصل تحبيسه، ومن مات منهم فولده بمنزلته قال: لا أرى لولد البنات شيئًا، والصحيح أن نصه يقتضي دخول ولد البنات، ولو قال: داري حبس على قوم فلان لم يدخل فيه النساء لقوله سبحانه: {لا يسخر قومٌ من قومٍ

ولا نساءٌ من نساءٍ} [الحجرات: 11] ولو قال: حبس على الأرامل كان الرجل الأرمل كالمرأة لقول الحطيئة:

هذا الأرامل قد قضيت حاجتا

فمن بحاجة هذا الأرمل الذكر

ولو قال: حبس على أطفال هل يتناول من لم يبلغ الحلم والمحيض، ولو قال: على شبابهم أو أحدثهم كان ذلك لمن بلغ منهم إلى أن يكمل أربعين سنة، ولو قال: على كهولهم كان لمن جاوز الأربعين، ولو قال: على

ص: 1403

شيوخهم كان لمن جاوز الستين من الذكور والإناث، ولو قال: على موالي دخل فيه الذكور والإناث، ويدخل في ذلك موالي أبيه، وموالي ابنه، وموالي الموالي، وأبناء الموالي ويؤثر الأقرب إن كان فقيرًا، وإن كان غنيًا أوثر المحتاج الأبعد على الغني الأقرب، وأما المجهول الذي لا يترقب انقراضه فمثل أن يقول: حبس على الفقراء على العلماء ونحوه من القيد بالوصف، وإن لم يتعين بالاسم.

فرع: كره مالك إخراج البنات من الحبس إذا تزوجن. قال في العتبية، وفي كتاب محمد: وذلك من عمل الجاهلية، فإن وقع ذلك، قال ابن القاسم: فالشأن أن يبطل. قال الشيخ أبو إسحاق: ولو أخرجهن بطل وقفه، وروى أبو بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز مات وهو يريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء، وكذلك إذا شرط أن من تزوجت منهن بطل وقفها. قال ابن القاسم: فإن فات فأرى أن يمضي على نحو ما شرط. قال ابن القاسم: أكره ذلك، فإن كان المحبس حيًا فليفسخه، وإن مات لم يفسخ، وفي مختصر أبي بكر الوقار: وجائز أن يحبس على الذكور دون الإناث، وعلى الإناث دون الذكور، وأن يساوي بين البنات والذكور وأن يقطع البنات بالتزويج، وما شرط فيه من شرط مضى على شرطه، وهذا خلاف ما تقدم، وهو جار على الاختلاف في جواز تفضيل بعض البنين على بعض.

قال القاضي رحمه الله: "والوقف في الصحة من رأس المال، وفي المرض والوصية من الثلث" وهذا كما ذكره، لأن المريض محجور عليه في حين مرضه ففعله موقوف على الثلث بعد موته بخلاف الصحيح إذ لا حق على الصحيح ولا حجر في ماله (للوارث).

قوله: "ومن شرطه خروجه عن يد الواقف وترك الانتفاع به"، فإن أقام في يده حياته أو إلى مرضه الذي مات فيه، فإنه يبطل اعتمادًا على حديث أبي بكر الصديق (أنه نحل ابنته عائشة جداد عشرين وسقًا فلم تقبضه حتى مرض

ص: 1404

مرضه الذي مات (منه) فقال لها: لو كنت حزتيه لكان لك وإنما هو اليوم مال وارث) وكذلك إذا بقى الجسد بيد المحبس حتى فلس فهو باطل ويعود ميراثًا إلا أن يبقى ببده بعد الحبس، وهو يصرف منفعته في مصارفها، ولا ينتفع بشيء منها ففي صحة الحبس (أو بطلانه) روايتان: البطلان والصحة، وفيه رواية ثالثة بالتفرقة فإن أخرج الأصل كان الحبس صحيحًا مثل أن يكون فرسًا أو سلاحًا، وإن اقتضى الغلة، ثم صرفها كان باطلاً، وهو مذهب المدونة، ولو حبس ديارًا فسكن بعضها أو دارًا فسكن بيتًا منها بطل الجميع. وقال ابن القاسم: يجوز ما لم يسكنه، ويبطل ما سكنه، وقال غيره: إن سكن يسيرًا منها جاز الحبس كله، وإن سكن كثيرًا بطل كله، وسيجيئ الحبس على ولده الصغير. قال مالك: إذا حبس الكتب ليقرأ فيها أو الخيل ليغزى عليها، ولم يطلب الكتب منها للقراءة ولم يأت وقت إنفاذ (الخيل للجهاد، فبقي ذلك تحت يد المحبس، فالحبس باطل، وعن مالك أنه صحيح) وهذا من الحبس الذي يصح بقاؤه تحت يد محبسه، إذ ليس على معين من الحبس من لا يحتاج إلى حائز مخصوص كالآبار والمساجد، فإذا خلا بينها وبين الناس صح حبسه، ولو حبس دابة للغزو، وكان يركبها إذا عادت إليه ليروضها فمات وهو تحت يده لم يفسد حبسه، ولو كان يركبها كما يركبها المالك لا للرياضة بطل حبسه.

قال أبو الحسن بن القصار: وقراءة الكتب المحبسة إذا عادت إليه خفيفة وإن أنفذ بعض الحبس صح ما أنفذ، وإن قل ولو حبس الثمار والحوانيت

ص: 1405

وعبيد الخراج، وأخرج ذلك عن يده، وأقام حائزًا بحوزه، وإنفاذ غلاته صح حبسه، وإن بقي في يده ولم يدر هل أنفذ غلاته أم لا؟ بطل. واختلف إذا علم أنه كان ينفد غلته من الوجه الذي حبسه له. ففي المبسوط عن محمد بن مسلمة: الصدقة ماضية، وإن بقيت في يده إذا علم أنه كان يخرج الغلة حيث جعلها، وهذا هو الصحيح الذي اختاره الأشياخ لأنه حبس أنفد فيما حبس له وهو قول المغيرة وروايته عن مالك، وروى عن مالك وابن القاسم أنه حبس باطل، وقال في كتاب محمد: إذا سلم ذلك إلى من يحوزه عنه، والمحبس يقسم غلاته بين أهله جاز، ففرق في هذا القول بين أن يبقى تحت يده أو يسلمه إلى غيره. قال مالك: لا يفتقر الوقف إلى قبول المحبس عليه (إلا أن يكون المحبس عليه) معينًا، فإن كان معينًا فهل القبول شرط في أصل الوقفية أو في اختصاصه به خاصة قولان عندنا مستخرجان من الأصول.

قال مالك في كتاب محمد: لو قال: اعطوا فرسي رجلاً سماه، فلم يقبله، قال مالك: إذا كان على وجه الحبس أعطى لغيره حبسًا، وفي كتاب ابن حبيب عن مطرف فيمن أعطى دابة فلم يقبلها المحبس عليه لأجل نفقتها قال: ترجع ميراثًا، فمسألة الفرس تدل على أن القبول شرط في الاختصاص لا شرط في أصل الوقفية لأنه جعل الفرس حبسًا على غيره، ومسألة الواضح عن مطرف تدل على أنه شرط في أصل الوقفية ألا تراه جعلها ميراثًا. قال مالك: ولو تصدق بصدقة فلم يقبلها المصدق عليه حتى مات المتصدق لم يجز لهم قبضها، وكانت ميراثًا (قال) الشيخ أبو الحسن اللخمي: اختلف في موضعين إذا كان المرض بفوز الصدقة هل تخرج من رأس المال إذا فرط في القبض هل تسقط الصدقة أم يخرج جميعها من الثلث أم يكون له ثلثها، فقال مالك مرة: إن لم يفرط في القبض كانت (له) من رأس المال. وقال مرة: تسقط وإن فرط لم تخرج من رأس المال. قال ابن القاسم: ولا من

ص: 1406

الثلث. وقال أشهب: يقضي له من الثلث فإن صح قضى له ببقيتها، ولو لم يقم عليه تى مات بفور الصدقة. فعن مالك روايات أحدها: أنه يسقط جميعها، وقال في غير ما موضع تصح من رأس المال وإن فرط لم تصح من رأس المال، ولا من ثلث، وقيل: تخرج من الثلث. قال مالك: ويصح الحبس على الجنين وعلى من (سيولد)، ويجوز الحبس على ولده الصغير والكبير السفيه وقبضه لهم جائز، وحيازته ماضية إذا شهدت البينة على معاينة الحوز، ولا يكتفي الشهادة على الإقرار بالحوز.

قوله: "ومن وقف أو حبس ولم يجعل له مخرجًا صح وصرف في وجوه الخير" وهذا كما ذكره. قال مالك: من حبس رباعًا ولم يبين مصرفها قال: يسكنها الولد والقرابة والرحم لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي طلحة: (أرى أن يجعلها في الأقربين). قال مالك: فيمن قال: حبس في سبيل الله سبل الله كثيرة، وأرى أن يجعل في الغزو، وقال أشهب في المجموعة القياس أن يجعل في أي سبيل من سبل الخير وضع فيه جار، والاستحسان أن يجعل في الغزو.

وقال في كتاب النذور: ومن جعل شيئًا من ماله في سبيل الله فأرى أن يباع ويجعل ثمنه لمن يغزوا به، وقسمه الشيخ أبو الحسن ثلاثة أقسام فإما أن يقول: حبس في سبيل الله أو في سبيل الله، أو حبس لا يزيد على ذلك، وذلك كله واسع أن يجعل في الغزو وغيره من وجوه البر، وإن كانت مثله يباع بيع، وجعل ثمنه في الغزو، وهذا حاصل معنى نصوص الروايات، وإن اختلفت ألفاظها.

ص: 1407

قوله: "والعمرى جائزة": وهي تمليك المنفعة دون الرقبة عندنا. وقال الشافعي: هي تمليك الرقبة، وثمرة الخلاف إذا مات المعمر فعندنا أنها تعود إلى مالكها المعمر أو إلى ورثته. وعند الشافعي أن المعمر قد ملك بالاعتمار رقبتها فتعود إلى ورثته بعد موته، ولا تعود إلى المعمر ولا إلى ورثته بحال. والحجة له قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل أعمر عمرة فهي له ولعقبه ولا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، واعتمد مالك رحمه الله على أن مقتضى الإعمار تمليك لمنفعة مدة العمر فهو كالإسكان، وذلك لا يقتضي تمليك الرقبة، لأن تمليك الرقبة يقتضي التأبيد، والعمرة تقتضي اشتراط العمر، لأنه لو قال: ملكتك الرقبة حياتك لم تملك الرقبة بذلك، وكذلك الإسكان تمليك الانتفاع بالمسكن تمليكًا مخصوصًا فهو الذي يسميه فقهاء الأندلس إمتاعًا. ويفرقون بينه وبين العمري، فإن العمري الانتفاع في جمع العمر والانتفاع هو تمليك المنفعة مدة محصورة وتفتقر العمري إلى الحوز كالهبة، وتجوز للمعمر شراء عمراه قياسًا على العرية، ولا يجوز لغيره ذلك، وللمعمر كراؤها سنتين لا زيادة، وقيل: أربعة أعوام كالأحباس، ويجوز لورثه المعمر شراؤها من المعمر، كما كان ذلك لأبيهم، فإن كانت العمرى معقبة فهي كالحبس لا يجوز فيها ابتياع، وإذا أجزنا للمعمر ابتياع عمراه جاز ابتياع ذلك بالعين والعرض والطعام نقدًا أو أجل، ومنعه بعض فقهاء الأندلس بالنسيئة وكأنه رآه من باب الدين بالدين، ولعله مخرج

ص: 1408

على مسألة الخلاف بين ابن القاسم وأشهب فيما إذا أخذ خراج دار أو خراج عبد في دين له هل يجوز أم لا؟. ويجوز أن يشتري جزءًا من عمراه، ولو أعمرت امرأة زوجها في دارها مدة الزوجية فطلقها ثم راجعها عادت العمري ما بقيت من طلاق ذلك الشيء، كما التزم الزوج النفقة على ربيبته طوعًا مدة الزوجية، ثم طلق أمها، ثم راجعها، فإن الإنفاق لازم ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء، نص عليه القاضي أبو الوليد بن رشد.

قوله: "ونفقة المخدم على المالك، وقيل: على من أخدمه" هذا الخلاف مشهور، والصحيح أنها على المالك، لأن الرقبة (له أعني مالك الرقبة) والنفقة تابعة (للملك) ويتعلق بهذا ذكر النفقة على المحبس إذا كان مما يحتاج إلى النفقة وإصلاحه، إن افتقر إلى إصلاح، والأحباس في ذلك مختلفة فديار الغلة والحوانيت والفناديق، وما كان من ذلك يصلح أو يخرج فتكرى بما تصلح به، ثم يعود، والنفقة على البساتين من غلتها تقسم غلاتها على المحبس عليهم بعد إصلاحها من أثمان غلاتها (مما يحتاج إليه إن كان) وكذلك الغنم والبقر تقسم عليهم ألبانها وأصوافها بعد تعاهدها من غلاتها بما تحتاج إليه إن كان ذلك كله على غير معينين، فإن كان على معينين سلم إليهم، ونظروا في تعاهده كيف يختارون، وينفق على خيل السبيل من بيت المال، وإن لم يكن بيعت، واشترى أثمانها من الكراع والسلام من لا يحتاج إلى نفقة، وينفق على عبيد الغلة من غلتهم، فإن كانوا للصدقة في السبيل فهم كالخيل ينفق عليهم من بيت المال. واختف فيمن حبس دارًا، وشرط على المحبس عليه أن يرمها متى احتاجت إلى الإصلاح، فقال ابن القاسم: ذلك كراء وليس بحبس، ولو نزل ذلك مضى الحبس وبطل الشرط، وقال محمد: يرد الحبس ما لم يقبض. وفي مختصر ابن عبد الحكم: من أعطى رجلاً فرسًا ينفق عليه سنة، فإذا انقضت هو له، على غير ذلك من الشروط أفضل، فإن

ص: 1409

وقع جاز.

قوله: "ويلزم عقد الصدقة والهبة بالقول ويجبر الواهب على الإقباض" وهذا تنبيه على مذهب أبي حنيفة والشافعي حيث قالا: لا تنعقد إلا بالقبض، وما لم تقبض كان عقدًا جائزًا لا لازمًا. واتفق مالك وجميع أصحابه على أنها عقد لازم يلزم بالقول، وتصح باللفظ من غير قبض، فإذا قال: تصدقت عليك بهذا العبد أو وهبتك هذا الثوب، فقال الموهوب: قد قبلت ذلك فليس للواهب رجوع ويحكم عليه بالإقباض ويجبر المتصدق عليه إذا امتنع منه لقول الله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه) ولم يفرق بين الرجوع قبل الإقباض أو بعده وأدرج القاضي الصدقة والهبة تحت حكم واحد في اللزوم، والأمر كما ذكرناه، وإنما يفترقان لأن الصدقة يراد بها وجه الله، والهبة قد يراد بها الثواب (وقد يراد بها وجه الموهوب له) وكان صلى الله عليه وسلم:(يهب ويقبل الهبة، وهب لجابر بن عبد الله بعيرًا اشتراه منه، ووهب لعبد الله بن عمر ولأبيه عمر حلة سيراء). أو سواء كان الموهوب معلومًا أو مجهولاً، لأن هبة الغرر

ص: 1410

والمجهول والصدقة بذلك جائز، ويستحب أن لا يفعل ذلك إلا بعد المعرفة وصفته خوف الندم عليه إن كان لوجه الله قال فيمن تصدق بميراثه على رجل، ثم تبين له خلاف ذلك، له أن يرد عطيته، وقال محمد بن عبد الحكم: لا رجوع له. قال أشياخنا: إن كان الوارث يرى أن للمورث دارًا يعرفها في ملكه فأبدلها الميت في غيبته بأفضل منها، ولم يعلم المتصدق ذلك، فله أن يرد عطيته، لأن له أن يقول: كان قصدي تلك الدار، وكذلك إذا طرأ له مال لم يعلم المتصدق به حين الصدقة فتمضي الصدقة فيما علم خاصة لا فيما لم يعلم، وإن كان جميع ماله حاضرًا وكان يظن أن ذلك كذا فتبين له أكثر كان شريكًا بالزائد هذا المختار للشيخ أبي الحسن اللخمي.

قوله: "وتصح في المحوز والمشاع" هذا تنبيه على خلاف مذهب أبي حنيفة في المشاع الذي لا يمكن قسمته، إذ لا يتصور القبض فيه، وعندنا أنه يتصور حكمًا، وصفة الحوز في المشاع مختلفة فإن كان الجميع ملكًا للواهب أو المتصدق فوهب ذلك أو تصدق به صحة العطية مع بقاء يد الواهب مع الموهوب، ويتنزل الموهوب له منزلة الشريك الأجنبي على الأصح من المذهب وإن لم يكن الجميع ملكًا للواهب فلا إشكال في جواز ذلك، ويحل الموهوب مع الشركاء محل الواهب، واختلف فيها إذا تصدق على ولده الصغير بجزء مشاع من دار أو أرض، وأشهد عليه، وحاز جميعه لنفسه ولولده

ص: 1411

ففيها روايتان: إحداهما: إبطال الصدقة، والأخرى: جوازها، وكذلك الهبة. قال مالك في كتاب محمد: من تصدق على ولده الصغير أو على يتيم يلي عليه بمائة من غنمه، ولم (يفرقها) حتى مات فذلك جائز، ويكون شريكًا فله حظه فيها من النماء والنقصان. وقال مالك مرة: إن لم يفرقها أو يسمها لم يجز، قال: وأهل الإبل يسمون الإبل والغنم كما يسمى أهل الخيل الخيل، وأجاز في كتاب محمد: إذا تصدق بنصف داره أو عبده أن تبقى يده مع المتصدق عليه. وفي كتاب سحنون عن أبيه: أن الصدقة باطلة ولا تنم مع بقاء أيديهما عليها. قال ابن القاسم: إذا تصدق بشيء معلوم جاز، وإن كان غائبًا عن الشهود، إذا كان في حجره، ولو تصدق على ولده الصغير وأجنبي أو وهب أو حبس فلم يجز الأجنبي حتى مات المعطي فنصيب الأجنبي باطل (سواء كان صدقة أو وهبته أو حبسًا).

واختلف المذهب في نصيب الصغير على ثلاثة أقوال: أحدها: جوازه في الصدقة والهبة والحبس، لأنه لو قام الأجنبي يطلب الحوز كان يد الأب معه نائبًا عن ولده فقد حاز على الولد من هو جائز الحوز له، وقبض له من هو ماضي القبض، والثاني: أن نصيب الولد باطل في الصدقة والحبس والهبة بناء على أن صدقة المشاع لا يتصور (قبضها) إلا بارتفاع يد الواهب، فلو قام الأجنبي يطلب الحوز لرفعت يد الأب عن الجميع، وجعل ذلك على يد الأجنبي يحوز للصغير، والقول الثالث: وهو قول ابن نافع وعلي بن زياد عن مالك لأن ذلك جائز في الهبة والصدقة، وباطل في الحبس من قبل أن الصدقة تقسم، وقد قبض له من هو جائز القبض، والحبس يسلم إلى من يقبضه له أو للكبير لم تجز فيه قسمة. قال مالك في كتاب محمد: إن حاز الأب ذلك لابنه، وعلم أنه منع نفسه من منافعه جاز نصيب الابن، وهذا أسعد الأقوال عندي بالصواب، وأما نصيب الأجنبي فباطل على كل

ص: 1412

حال إذا لم يحز، وبقي في يد الواهب أو المتصدق حتى مات.

قوله: "إلا أن يهب لولده الصغير فيكون قبض الأب قبضًا له" وهذا كما ذكره. (وكذلك) يحوز الأب لولده الصغير والكبير السفيه، وكذلك لابنته البكر والثيب السفيهة في العقار والعروض والعبيد. واختلف فيما تصدق به عليهم من الدنانير والدراهم. قال مالك مرة: لا يجوز إلا أن يضعها على يد غيره، ولو أشهد على طابعه عليها، ومات وهي تحت يده لم يجز. وقال في كتاب ابن حبيب إذا أشهد عليها جاز ختم عليها أو لم يختم إلا أن تكون وصية. واختلف إذا وهبته غلامًا فكان يخدمه أو ثوبًا أو حليًا فكان يلبسه، فقال ابن القاسم: بجواز ذلك إذا كان العبد يخدم الصبي، وإن كان مع أمه، وقال أشهب: لا يجوز ذلك إلا أن تكون الأم وصية.

قوله: "وهبة الثواب جارية مجرى البيع": وهذه الهبة التي هي للثواب جائزة، والدليل على جوازها أن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له لقحة فطلب صاحبها الثواب فلم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك عليه لأنه بيع في المعنى، والموهوب له مخير بن الإثابة أو الرد لأنها معاوضة لا تلزم إلا باختيارهما، والثواب ما تراضيان به، فإذا لم يتراضيا لزمت في ذلك القيمة، وقد قيل: لا يجبر الواهب على قبول القيمة إلا من النظر أو الأمثال فأما هبة الفقير للغني أو الرجل للسلطان أو للعالم أو للصالح فلا يجبر فيها على قبول القيمة، إذ للواهب أن يقول: لو شئت القيمة لذهبت بها إلى السوق، وإنما يلزمه قبول ما زاد على القيمة مما يشهد العرف بأن مثله ثواب. واختلف إذا أثابه عرضًا يبلغ

ص: 1413

القيمة هل يلزم الواهب قبله أم لا؟ فيه قولان. والصحيح مراعاة العرف في مكافأة تلك الهبة، لأن العرف كالشاهد، وإذا بنينا على المشهور من لزوم القيمة من الطرفين، وأنه لا مقال فيها لواحد منهما حكم بها على من أباها، فإن امتنع الموهوب من قيمتها وأراد رد عينها فله ذلك ما لم تفت علينها، والفوت مثل الحمل والموت والعتق ونقص البدن، واختلف في زيادة الجسم والسوق هل هي فوت أم لا؟ وفيه قولان عندنا حكاهما القاضي أبو محمد وغيره، ولما ذكرناه من أنها جارية مجرى المعاوضات لم تفتقر إلى حيازة.

قوله: "وإذا اختلف المتواهبان وتداعيا الثواب حكم المدعي (الأشبه) " وهذا كما ذكره تحكيمًا للعادة وشهادة بمقتضى العرف كالفقير يهب للغني وللعالم وللصالح أو السلطان والنظر أو الأمثل إذا دل على ذلك دليل الحال، وعنه في هبة أحد الزوجين للآخر روايتان: إحداهما: أن مقتضاها الثواب، والثاني: أنها راجعة إلى مقتضى العرف وهو الصواب، وجعل القول قول الواهب مع يمينه عند الاحتمال، لأن الأصل ملكه فلا ينتقل عنه إلا بيقين.

قوله: "ويكره للرجل أن يبتاع صدقته" وهذا كما ذكره، والأصل فيه حديث عمر بن الخطاب (أنه حمل على فرس في سبيل الله (فابتاعه) الذي هو عنده فأراد عمر أن يشتريه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) وإنما ذلك لأنه أخرجه عن ملكه قربة لله وابتغاء وجهه فينبغي أن يدخره ليومه كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الصدقات ليومها) يريد يوم القيامة. قال الشيخ أبو الحسن اللخمي:

ص: 1414

واختلف في ذلك في خمسة مسائل: الأولى: هل النهي على التحريم أو على الكراهة، وفيه قولان. قال الداودي: ذلك حرام، فإذا نزل فسخ، والمشهور أنه مكروه فإن نزل مضى الثانية هل النهي على الشراء من المتصدق عليه خاصة، أو من صارت إليه مطلقًا فيه قولان عندنا.

المسألة الثالثة: هل الهبة في ذلك كالصدقة أم لا؟ فأجازه في كتاب محمد، وفي غيره الصدقة والهبة سواء.

المسألة الرابعة: هل تدخل في ذلك الصدقة الواجبة أم لا؟ فيه قولان. والمشهور أن الفريضة في النهي عن ذلك كالتطوع، وفي الناس من لا يرى بذلك بأسًا في الفريضة، وذلك عن عمر وابن عمر وجابر أنهم كرهوا ذلك في الفريضة، وهو قول مالك المشهور عنه.

المسألة الخامسة: هل المنافع في ذلك كالرقاب أم لا؟ فيه قولان عندنا، وذلك إذا أخدم عبدًا وأسكن دارًا، ولم يبتل الأصل، وأجازه ابن المواز ومنعه عبد الملك وغيره وهو اختيار الشيخ أبي الحسن إذ لا فرق في المعنى بين الرقاب والمنافع. واختلف فيمن جعل شيئًا من مال الله تعالى، وكان مما لا يتصدق بعينه، وإنما يتصدق بثمنه هل يجوز للمتصدق أن يشتريه أم لا؟ قال مالك في العتبية: من قال في دابة أو عبد: أنا أهديه، هو مخير في ثمنه أن يجعله في هدى. وقال مالك أيضًا في امرأة: جعلت خلخالها في سبيل الله إن شفاها الله فصحت، قال: تخرجهما ولا تحبسهما، وتخرج قيمتها كراهة أن يتملك شيئًا جعله لله أن يعود إلى كسبه اعتمادًا على فرس عمر بن الخطاب. قال مالك: ومن تصدق بجارية على ولده الصغير فتبعتها نفسه، فله أن يقومها على نفسه، وفي كتاب محمد: فيمن تصدق على ابنه بغنم، فلا بأس أن يأكل من لحمها ويشرب من لبنها، ويلبس من صوفها إذا أعطاه ولده ذلك. وقال ابن نافع في شرح ابن

ص: 1415

مزين: أكره أن ينتفع بصدقته على ولده كانت أو على أجنبي ولا أحب أن ينتفع بشيء منها لقوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في صدقته) ولم يفرق، لأن كل ذلك أراد به وجه الله تعالى، فلا ينتفع بشيء منه، ومنع ابن القاسم من تصدق بصدقة أن يأكل من ثمنها أو يركبها، وينتفع بشيء منها أخذًا بحديث عمر رضي الله عنه.

قوله: "ويستحب للمتصدق على ولده التسوية بينهم في الصدقة والهبة" فإن فضل أو خص (أحدهما) جاز ولم تبطل، والمساواة بين الأولاد في الهبة والصدقة مستحبة عندنا، وواجبة عند أحمد بن حنبل وغيره من أهل الظاهر، والمعتمد في الباب حديث النعمان بن بشير (أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا قال: أكل ولدك نحلته مثل هذا، قال: لا، قال: فارجعه). وفي رواية مسلم: (لا أشهد على جور). وفي لفظ آخر: (لا تشهدني على جور). وفي لفظ آخر: (لا تشهدني إلا على حق). وروى: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). وزاد أبو داود: (أن عليهم من الحق أن يبروك، وعليك أن تعدل بينهم). وقد اختلف الفقهاء في

ص: 1416

مقتضى هذا الحديث، فذهب (مالك) والشافعي وأبو حنيفة إلى جواز التفصيل. وقال أحمد بن حنبل: هو باطل يجب فسخه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده وسماه جوارًا، وحقق ذلك بقوله: أشهد (على ذلك) غيري، لأنه إذا كان أمرًا لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهد به فمن ذا الذي يرضاه أو يشهد عليه، والمشهور من مذهب مالك أن التفضيل مكروه، فإن نزل مضى ولم يفسخ. وخرج الشيخ أبو الحسن: أنه إذا تصدق على الذكور خاصة أو على بعض الذكور أنه يبطل إذا لم يشركهم فيه. قال ابن القاسم: يفسخ ما لم يحز، على قوله الآخر يفسخ، وإن حازه (الأب) ما لم يمت الأب (قال ابن القاسم: يفسخ). وفي كتاب محمد: لا بأس أن ينحل بعض ولده وإنما يكره أن ينحل جل ماله، قيل: فإن فعل أترى أن يرد فلم يقل شيئًا، واختلف في صفة العدل إذا كان ذكرًا أو أنثى. قال أبو الحسن بن القصار: العدل أن يعطي الأنثى ما يعطي الذكر، واستحسن ابن شعبان أن يكون على فرائض الله سبحانه.

قوله: "وللأبوين الرجوع فيما وهباه للولد ما لم يتعلق به حق لغيره" وهذا كما ذكره وهو في الأبوين مستثنى من الرجوع في الهبة المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: (الراجع في صدقته كالكلب يعود في قيئه) وإنما استثنى مالك وأصحابه الأبوين لما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن

ص: 1417

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الأب)، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير:(فارتجعه) فدل ذلك على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه، لأنه ماله بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(أنت ومالك لأبيك) فكن كالعبد مع سيده، والأم عندنا كالأب لمشاركتها الأب في سبب الولادة هذا أصل المذهب في الأم، وفيه خلاف. قال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن جاز الأب ما وهبت الأم لولدها لم يجز لها أن تعتصر لأنها لا تعتصر ما ولايته إلى غيرها، وكذلك إذا كان (يتيمًا) وإنما ذلك لها إذا لم تخرج العطية عن يدها، ولا يعتصر الجد والجدة عند مالك من رواية ابن القاسم. وروى عنه أشهب في كتاب محمد أن ذلك لهما، وإذا قلنا بجواز اعتصار الأم إذا كان للولد أب، وسواء كان الأب موسرًا أو معسرًا، فإن كان الأب والابن فقيرين فهل للأم أن تعتصر الهبة أم لا؟ قولان، ولو كان الولد صغيرًا فقيرًا لم تعتصر الأم، لأنها صدقة لا هبة (وإذا كان فقيرًا اعتصرت) وعلى قول سحنون: لا تعتصر، ولو كان الأب يوم العطية فلم تعتصر الأم حتى مات الأب كان لها أن تعتصر لأنها لم تكن على وجه الصدقة. وفي كتاب محمد: لا تعتصر بناء على مراعاة يوم الاعتصار لا يوم الهبة. قال الشيخ أبو الحسن: واختلف في اعتصار الأب إذا كان الولد كبيرًا فقيرًا فقيل له: أن يعتصر. ومنع ذلك سحنون إذا كان الأب أو الابنة محتاجين، وقال: وإنما يعتصر الأب إذا كان الولد في حجره أو نائبًا عنه، وله مال كثير ولا يقع الاعتصار إلا في الهبة، وأما في الصدقة لوجه الله فهل يقع فيها الاعتصار أم لا؟ قولان.

ص: 1418

المشهور أنه لا يجوز فيها الاعتصار، فإن مرض الأب امتنع الاعتصار في الهبة، وفي كتاب محمد عن أشهب: إذا مرض الأب فله أن يعتصر، والصواب أنه لا يعتصر في المرض لأنه حينئذ يعتصر لغيره، وإذا كان الابن هو المريض فلا أدري، واختلف إذا منع الاعتصار لمرض الأب أو الابن، ثم برئ، وقد كان اعتصر المريض هل يتم اعتصار المانع أم لا؟ قال محمد: ولو اعتصر في المريض ثم صح كان الاعتصار صحيحًا، والصحيح أن اعتصاره في المرض موقوف، فإن مات بطل الاعتصار وإن صح ثبت، وتعتصر الهبة، وإن تغير سوقها بزيادة أو نقصان، واختلف إذا حدث بها عيب هل يمنع الاعتصار أم لا؟ وإن كانت أمة فولدت فله أن يأخذ الأمة دون ولدها ولو غاب عليها الابن، وادعى أنه وطئ كان فوتًا.

وقال المخزومي في كتاب محمد: له أن يعتصر إن كان قد وطئ لأن الوطء ليس بزيادة ولا نقص، وإذا تعلق بالهبة حق الغير امتنع الاعتصار مثل: أن تتزوج البنت أو يستدين الابن، لأن الناس إنما داينوه على الهبة. وقال ابن دينار في كتاب ابن حبيب: له أن يعتصر في الابن بعد التزويج ولا يعتصر من الابنة، لأن للابن مخرجًا مما دخل فيه وليس للابنة لأن زوجها يقول لها: إن اعتصرت (منك الهبة) فارقتك، وظاهر كلام القاضي أن تزويج البنت ليس كتزويج الابن لأنه مثل في البنت بالتزويج وفي الابن (بالاستدان).

قال ابن القاسم: من وهب لابنه الصغير دنانير فصاغها حليًا فليس له أن يعتصرها، لأنه أحالها عن حالها، ولو كان أرضًا فغرسها أو بناها، كان ذلك فوتًا، وكذلك إذا كانت دارًا فانهدمت إلا أن يعتصر العرصة وحدها، فله ذلك ولو هبه زيتًا أو قمحًا ونحو ذلك مما لا يعرف بعينه، فاختلط كان ذلك فوتًا يمنع الاعتصار وقيل: ليس بفوت.

ص: 1419