الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك
((ويوجب العدة شيئان)): إلى قوله: ((وأما وضع الحمل)).
شرح: العدة والإستبراء مشروعان فالأصل العلم ببراءة الأرحام، وقد يكون حيث تحقق البراءة لمكان العبادة والمعنى. والإستبراء كالعدة في كثير من الأحكام، وإن خالفها في التحريم المتأبد في العدة بخلاف الإستبراء على أحد القولين، وذكر أن موجبات العدة ثلاثة: طلاق، وفسخ، وموت وهو كذلك إذ لا موجب للعدة إلا انفصال العصمة، ولا يتوجه الانفصال إلا بأحد هذه، والطلاق (البائن والرجعي) وهما في وجوب العدة سواء.
قوله: ((والعدة في غير الموت لا يكون إلا في المدخول بها)): (لأن المدخول بها) لا عدة طلاق عليها، وأما عدة الوفاة عليها بعموم الآية وهي من حكم الشريعة حماية للميت ودبا عنه. وحصر أنواع العدة في ثلاث: إقراء، ووضع حمل، وشهور.
قوله: ((ثم هي على ضربين: منها ما يشترك فيه الطلاق، والموت وهو وضع الحمل)): وهذا كما ذكره لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] وهذا عموم في كل حامل، وأما المطلقة فلا خلاف أنها تحل بوضع الحمل، وأما المتوفى عنها إذا كانت حاملًا فالجمهور أنها تحد بوضع الحمل اعتمادًا على قوله عليه السلام لسبيعة الأسلمية حين وضعت بعد وفاة
زوجها بليل، وفي رواية:(بعد أربعين ليلة، وقد حللت فانكحي من شئت) فتغاير الدليلان على مقصود واحد، وذهب ابن عباس إلى أنها (تنتظر) أقصى الأجلين وهي رواية في المذهب.
قوله: ((ومنها ما يشتركان في جنسه دون عينه)): وهو الأقراء والمشهور على ما سنبين تفصيله وهذا كما ذكره، لأن المطلقة تعتد بالأقراء إن كانت من ذوات الأقراء، أو بالمشهور إن لم تكن من ذوات الأقراء، أو كانت من أهل ذلك فعرض لها عارض من رضاع، أو مرض، أو استرابة، وكذلك المتوفى تعتد بالأشهر حرة كانت، أو أمة، وتدخل الحيضة في عدتها، فقد شاركت المطلقة في اعتبار.
قوله: ((والأقراء ثلاثة: وهي الأطهار)): قلت: اختلف العلماء في الأقراء المعتدة به فمذهب مالك والشافعي أن الأقراء هي الأطهار وقال أبو حنيفة هي الحيض، واستقرئ نحوه من المذهب. والحجة قول النبي صلى الله عليه وسلم لأمرأة سألت في الحيض فقال لها: دعي الصلاة أيام أقرائك. واحتج أصحابنا بإثبات التاء في العدد وذلك دليل على تذكير المعدود، فدل على أن الأقراء هي الأطهار لا الحيض، وفيه نظر.
قوله: (فإذا طلقت في آخر الطهر فحاضت عقب الطلاق بجزء من (الطهر) كان ذلك قرءاً كاملًا وتحل المطلقة بالدخول في دم الحيضة الثالثة)): وهذا هو المشهور كما ذكره أن المطلقة تحل بنفس دخولها عملًا على الأغلب وهو مذهب الكتاب، والقول الثاني: أنها لا تحل حتى تستتم الحيضة الثالثة، واستحسنه أشهب طلبًا لليقين.
قوله: ((وعدة الأمة قرءان)): يعني ذات الحيض، وذلك على الشطر من عدة الحرة، إذ هو الممكن في الشطر، والخلاف قائم هل تحل بنفس دخولها في الحيضة الثالثة، أو حتى تستتم كما قدمناه في الأولى، فإن عتقت قبل الطلاق فهي كالحرة، وإن عتقت في أثناء العدة فهي على حكم الامة.
قال القاضي: ((وأما وضع الحمل فيستوي فيه جميع المعتدات)): إلى قوله: ((وأما عدة الوفاة)).
شرح: وهذا كما ذكره، والمعنى أن كل حامل تحد بوضع حملها، وقد قدمنا الخلاف في المتوفى عنها. قوله:((في الأسباب الموجبة له)) ففي هذا الضمير الإشكال، والصحيح أنه يفسره المعنى، لأن قوله يستوي في الاعتدادية جميع المعتدات، فالضمير في ((له)) عائد على اعتدادية الذي يدل عليه الضمير الأول الذي فيه، والمعنى أن الوضع يستوي في الاعتدادية، وفي الأسباب الموجبة للاعتدادية جميع المعتدات فهو ضمير (يفسره) سياق الكلام، وله في كلام العرب نظائره. وقد كان الطلبة يسائلون عن هذا الموضع فكنت أقول لهم ما ذكرته ههنا والله أعلم بصحته.
قوله: ((من الطلاق، والفسخ، والشبهة، والموت)): أما الطلاق والفسخ والموت فالأمر فيها ظاهر، وأما الشبهة فلعله إشارة إلى مسألة الكتاب فيما
إذا تزوج أخوان أختين فأدخلت على كل واحد منهما غير امرأته، فهذا قسم زائد على الطلاق والفسخ والموت.
قوله: ((ولا تنقضي العدة إلا بوضع جميعه)): وهذا إشارة إلا انفصال بعض الولد، أو إلى ما إذا كان في البطن توأمان فأكثر، فوضعت إحداهما، فلا تحل حتى تضع الجميع اتفاقًا فلا يبرأ الرحم بعد وضع الأول.
قوله: ((من غير مراعاة لتمام الخلق)): وهذا كما ذكره أن العدة تنقضي بإسقاط العلقة والمضغة، وكل ما يقول النساء أنه ولد، قولهن في ذلك مرجوع إليه معول عليه.
قوله: ((وأما العدة بالشهور ففي الطلاق والفسخ ثلاثة أشهر)): وهذا حكم اليائسة والصغيرة لقوله تعالى: {واللائي يئسن} الآية فقوله: {إن ارتبتم} [الطلاق: 4] معناه إن ارتبتم في حكمهن، فقد تضمنت هذه الآية بيان عدة من لا تحيض لصغر، أو كبر وحذف من الطلاق لدلالة الأولى عليه، والمعنى: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر أيضًا، فحذفت الجملة بأسرها، وفي ذلك ما يبين بحذف أحدهما وهذه معتبرة بالأهلة، فإن ابتدأت عددًا كمل شهر العدد عددًا والباقي بالأهلة كما بينه القاضي. وإذا طلقت في بعض يوم هل تحسبه أو تلغيه فيه قولان حكاهما القاضي وغيره.
قوله: ((وهذا النوع من الاعتداد في المدخول بها المطيقة للوطء)): وهذا كما ذكره، لأنها إن كانت في سن من لا تطيق الوطء لصغر فلا عدة عليها، وإن وقع الدخول بها قال لأنه جرح وفساد وهذه الثلاثة أقل ما يتحرك فيه الحمل غالبًا، وذلك سواء في حق الحرة والأمة، والثاني أن عدتها شهر ونصف نظرًا إلى أن الأصل التشطير، وقيل عدتها شهران جعل لكل شهر بدلًا من قرء.
قوله: ((ويستوي فيها)): هذا الضمير عائد على الثلاثة أشهر، ويحتمل أن يعود على العدة وهذا الذي ذكر القاضي من التسوية هو المشهور وقد ذكرنا الخلاف فيه.
قال القاضي: ((وأما عدة الوفاة)): إلى قوله: ((وإذا مات)).
شرح: الأصل في عدة الوفاة: {والذين يتوفون منكم} الآية [البقرة: 234] وهذه الآية ناسخة للآية المتضمنة لتربص الحول، ومبطلة للأحكام الجاهلية في ذلك، وهذا ما لم تكن حاملًا وهو معنى قول القاضي: لغير الحامل فإن كانت حاملًا حلت بوضع الحمل على المشهور كما قدمناه اعتمادًا على حديث سبيعة الأسلمية القصر لعموم الآية المجمل وهل يشترط أن تحيض في هذه الأربعة الأشهر أم لا؟، فيه قولان، المشهور اشتراط الحيض نظرًا إلى [أن] الغالب في هذه المدة ظهور الحمل أن لو كان، فهي براءة في المعنى، وهذا في المدخول بها. وغير المدخول بها لا تحتاج إلى حيضة كما ذكر، فإن كانت هذه المتوفاة عنها مستحاضة، أو مرتابة بتأخير الحيض فهل يكفي بالأربعة الأشهر والعشرة الأيام أو تنتظر تسعة أشهر، إذ هي أمد الوضع، فيه قولان مبنيان على ما قدمناه. وإن كانت مريضة أو مرضعة فسيأتي حكمها إن شاء الله.
قوله: ((وعدة الأمة شهران وخمس ليال)): وهذا هو المشهور أنها في هذه العدة على الشطر من عدة الحرة. والقول الثاني أن عدة الأمة ثلاثة أشهر لأنه أقل (في) الحمل، والقول الثالث أنها إن كانت ممن يخشى الحل فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت ممن لا يخشى الحمل فشهران وخمس ليال على النصف من عدة الحرة، وهل تطلب الحيضة في عدة الأمة أيضًا فيه الخلاف المتقدم في الحرة.
واختلف المذهب في عدة الكتابية فقيل إنها كالمسلمة، وقيل استبراء رحمها بثلاث حيض، وقيل حيضة واحدة، فمن تمسك بعموم اللفظ جعلها كالمسلمة، ومن رأى الخطاب خاص بالمسلمين أوجب عليها ما يحصل عليها براءة الرحم.
قوله: ((والمرتابة هي التي ترتفع حيضتها لعارض، أو لغير عارض)): فإن ارتفع لغير عارض فعدتها سنة كاملة لا حيضة فيها البتة، والأقراء إن رأتها، فإن حاضت في أثناء السنة عملت على الحيض وكذلك إن حاضت قبل انقضاء السنة سباعة واحدة فإنها تعمل على الحيض، وإن مرت سنة كاملة ولم تحض فيها البتة برئت، (وبذلك) قضى عمر بن الخطاب فجعل لها تسعة أشهر استبراء، لأنه أمد الحمل المحتمل، وثلاثة أشهر عدة، لأنها بعد التسعة الأشهر سنة، فاعتدت بثلاثة لدخولها تحت قوله سبحانه:{واللائي يئسن} الآية. وإن ارتفع لعارض فهو كما ذكره القاضي ثلاثة أسباب: رضاع، أو مرض، أو استحاضة فكل واحد منها سبب يوقف الدم، وقد علم أن كل واحد منها جار على حكمه إذا استمرت العادة، أما المرضع فحكمها انتظار الأقراء إذا علم أن (الرضاع) هو الذي رفع حيضها فهي عي حكم ذوات الأقراء في (طلب) ذلك، فإن انقضى أمد الرضاع انتظرت بعد السنتين بثلاث حيض فلا يبرئها إلا الحيض فأما أن تحيض في أثناء مدة الرضاع ثلاث حيض فهي على كل حال من ذوات الأقراء لا يبرئها غير ذلك، فإن قضى أمد الرضاع ولم تحض وهي مرتابة تنتظر سنة من يوم انقطاع الرضاع، وهذا لا أعلم فيه خلافًا قال محمد بن المواز لم يختلف قول مالك وأصحابه أن المرضع تنتظر الحيض أبدًا حتى ينقطع الرضاع.
وههنا فرع حكاه أشياخنا وهو إن أراد الزوج انتزاع ولده الرضيع إلا أن
يكون فيه إضرار بالولد إذا لم يقبل غيرها. وأما المرضعة ففيها قولان: أحدهما: أنها كالمرضع عدتها الأقراء، وهي رواية أشهب عن مالك، فروى ابن القاسم تعتد سنة كاملة تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة اليائسة، وهي رواية ابن عبد الحكم، وأصبغ، وأما المستحاضة فقسمان: مميزة، وغير مميزة، فأما غير المميزة فعدتها سنة، وبذلك قضى الصحابة، وعليه الاعتماد، وأما المميزة، ففيها قولان: أحدهما: أنها كغير المميزة فتعتد بالسنة. والثاني: أنها تعمل بالتمييز، والمرتابة بحبس البطن، فحكمها أن تصبر إلى أقصى أمد الحمل.
واختلف المذهب في أقصاه فقيل أربعة أعوام، وقيل خمسة أعوام، وقيل سبعة أعوام، واستقرئ من المدونة، وقال أشهب: لا تحل أبدًا حتى تيأس.
قوله: ((وفي الوفاة روايتان)): يعني في عدة المستحاضة من وفاة زوجها. وجه القول بأنها كمغير المستحاضة عموم الآية، ووجه القول بأنها تنتظر تسعة أشهر لاحتمال أن تكون استحاضة مع اشتغال الرحم فتنتظر أمد الحمل غالبًا.
قوله: ((وعدة أم الولد من وفاة سيدها)): يعني إن كانت من ذوات الحيض، وإلا فثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض سميت الحيضة عدة مجازًا، وإنما هي استبراء.
قال القاضي أبو الوليد للعدة أربعة عشر: حيضة للأمة في الملك، وحيضتان للأمة في النكاح، إذ لا يمكن التشطير بأقل من ذلك.
القسم الثالث: ثلاث حيض للحرة. للرابع: شهران وخمس ليال للأمة في الوفاة. الخامس: ثلاثة أشهر لليائسة والصغيرة. السادس: أربعة أشهر وعشرة للحرة من الوفاة. السابع: أربعة أشهر وعشر مع حيضة لأم ولد سافر زوجها وسيدها وماتا ولم يعلم أولهما موتًا. الثامن: وضع الحمل للحامل، التاسع: المستحاضة وعدتها سنة. العاشر: المسترابة وعدتها سنة. الحادي عشر: المرضع. الثاني عشر: ذات حس البطن أقصى أمد الحمل على ما فيه من الخلاف. الثالث عشر: المريض. وقعت في الكتاب مسألة أم الولد إذا سافر زوجها وسيدها فماتا ولم يعلم أولهما موتًا، اضطرب المتأخرون فيها.
وتحصيل القول في ذلك على مذهب ابن القاسم أنه يحتمل أن يكون مات الزوج أو لا فيجب عليها لوفاته شهران، وخمس ليال، وإذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال، قد حلت للسيد بمضي عدتها من زوجها بناء على أن الإباحة تقوم مقام الفعل ثم يموت السيد عنها وجبت عليها حيضة. ويحتمل أن يكون السيد مات أو لا فتكون حرة، ثم مات زوجها فوجب عليها أربعة أشهر وعشرًا عدة الحرائر، فلما أشكل الأمر وجب عليه العدتان، فإن كان بين الموتين أقل من شهرين وخمس ليال (أو شهران وخمس ليال) فالزوج إن كان هو الميت أولًا فهي لم تحل للسيد، لأنها لم تخرج بعد من العدة فلم يجب عليها حيضة فيجب عليها أربعة أشهر وعشرًا، لاحتمال أن يكون السيد أولهما موتًا فيجب عليها عدة الحرائر، ومبنى هذه المسألة على الإباحة هل تقوم مقام الفعل أم لا فمن رأى أنها لا تقوم مقام الفعل فلا حيضة عليها بوجه، ومن رأى الإباحة تقوم مقام الفعل أوجب والله أعلم.
قال القاضي: ((وإذا مات على الرجعية انتقلت)): إلى آخر الفصل.
شرح: يتعلق بهذا الفصل انتقال العدد وتداخلها، وقد ثبت أن الطلاق
الرجعي لا يقطع بدليل التوارث وغيره من أحكام الزوجية فلذلك تنتقل الرجعة وتمضي البائن على عدتها، وأما المعتقة في العدة فتمضي على عدة الأمة عند مالك، ولا تنتقل إلى عدة الحرة إلا أن يموت عنها بعد أن تعتد من طلاق رجعي، فتنتقل على ما ذكرناه. وقال الشافعي تنتقل إلى عدة الحرة في البائن والرجعي. ومنشأ الخلاف في ذلك هل العدة من أحكام الزوجية أو من أحكام انفصالها، فمن قال من أحكام الزوجية، قال تنتقل ومن قال هي من أحكام انفصالها قال: لا تنتقل.
قوله: ((وكل رجعة تهدم العدة إلا رجعة المولي والمعسر بالنفقة)): وهذ مذهب مالك أنه راجع امرأته في العدة من الطلاق الرجعي، ثم فارقها قبل أن يلمسها، فإنها تستأنف العدة، وهو قول جمهور الفقهاء الأمصار، وقالت فرقة من العلماء تبني على عدتها الأولى بناء على أن الرجعة لا تهدم العدة وإنما استثنى مالك رحمه الله المولي، والمعسر بالنفقة، لأن صحة الرجعة في المحلين موقوف على الوطء والإنفاق، فإذا لم يحصلا لم تحصل الرجعة، فإن لم ينفق المعسر ولم يطأ المولي بقيت على عدتها الأولى، إذ الرجعة باطلة، وفي كتاب محمد فيمن خالع زوجته، ثم نكحها في العدة، ثم طلقها قبل أن يمسها أنها تبني على عدتها الأولى، ولو كان الطلاق رجعيًا فإنها تستأنف العدة كما ذكرناه قال ابن القصار إلا أن يريد برجعته التطويل عليها فإنها تبني على عدتها الأولى. ثم ذكر القاضي في تداخل العدد روايتين ويتصور تداخل العدد من شخص واحد، ومن شخصين فالتداخل من
شخص واحد إذا وطئها في العدة فتكفيها ثلاثة قروء، وكذلك حكم الأشهر ويتداخل من شخصين إذا تزوج المرأة في عدتها من غيره وفرقنا بينهما فيكفيها عنها عدة واحدة بالأشهر، أو بالأقراء على أحد القولين، والقول الثاني: أنها تتم عدتها من الأول، ثم تستأنف العدة من الآخر، وهو اختيار الشيخ أبي القاسم. ووجه القول بالتداخل هو أن الغرض المقصود من براءة الرحم حاصل بالأولى. ووجه قول أبي القاسم أن وطء الثاني له حرمة فوجب استيفاء عدته كالأولى، وهذا مع اتفاق العدد إما بالأقراء وإما بالشهور. فإن اختلفت العدد مثل أن يكون عدة أحدهما الحمل فيندرج فيها الآخر وتنقضي العدتان.
قوله: ((والإحداد)): يتعلق به حكم الإحداد وهو في الأصل من الحد، وهو المنع، لأنها تمنع من الزينة والطيب وهو واجب في عدة الوفاة على الزوجات الحرائر المسلمات بالإجماع، والدليل على ذلك ما أخرجه أهل الصحيح من حديث أم حبيبة ((حيث) دعت بالطيب فمست به عارضيها ثم قالت: ما لي به من حاجة غير أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة مؤمنة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا).
وأجمع جمهور المسلمين على وجوبه، واختلفوا هل هو عبادة، أو معقول المعنى. فقال مالك هو واجب على كل زوجة حرة، كانت أو أمة، صغيرة، أو كبيرة مسلمة، أو كتابية، وهذا يقتضي أنه مشروع لقطع تشويف
الرجال عن النساء عن إرادة التزويج، وقال أبو حنيفة لا إحداد على الصغيرة إلا من العلة فيها ولا الكتابية بناء على أنها عبادة، ولا تصح العبادة من الكافر لقوله عليه السلام في حديث أم حبيبة:(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) فقيد الإيمان، وذلك يقتضي أن لا إحداد على الكتابية، وهي رواية ابن نافع، وأشهب عن مالك، ونبه القاضي بقوله: ولا إحداد على مطلقة على مذهب أبي حنيفة ومن تابعه.
وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب فقال مالك: لا إحداد إلا في عدة الوفاة، وقال أبو حنيفة هو واجب في الوفاة والطلاق البائن، واستحسنه الشافعي للمطلقة ولم يوجبه عليها، (والمعتمد) لمالك دليل الخطاب من قوله:((أن تحد على ميت إلا على زوج)) ولاحظ أيضًا المعنى أن الميت لا يدب عن نفسه، ولا يدفع عن نسبه بخلاف الحي، ورأى أبو حنيفة أن المقصود منه قطع التشويف في العدة، وذلك مطلوب في حق الحي والميت حفظًا للأنساب.
قوله: ((والإحداد على كل زوجة مات زوجها عنها)): عموم دخلت الأمة بالتزويج، والكتابية وقد ذكرنا الخلاف في الكتابية، وخالف قوم في الزوجة إذا كانت أمة. وأسقطوا الإحداد عنها، والجمهور على خلافه لعموم اللفظ، وقد تقدم الخلاف في امرأة المفقود إذا طلق عليه هل تحد أم لا؟ فيه قولان ذكرهما فيما تقدم.
قوله: ((والإحداد هو الامتناع من الزينة)): هو كما ذكره قال (أبو القاسم) بن محرز: الإحداد هو ترك الزينة المعتادة في الخلوات للأزواج وهذا ضابط كلي.
واختلف المذهب هل تدخل الحمام من ضرورة أم لا؟، والمنصوص الامتناع من ذلك (وقد نهى عليه السلام المرأة التي اشتكت إليه أن ابنتها توفي زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها. قال: لا مرتين أو ثلاثًا) الحديث وهذا نص في الباب.
قوله: ((ولا إحداد على ملك اليمين)): هذا مذهب الجمهور لقوله عليه السلام: (إلا علة زوج).
قوله: ((ولا يجوز للمعتدة من وفاة، أو طلاق أن تنقل عن بيتها التي كانت فيه)): الأصل في منع المعتدة من الانتقال حديث العوفية بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري لما سألت عليه السلام فقالت إن زوجي خرج في طلب أعبد له فلما أدركهم قتلوه ولا منزل له يملكه ولا نفقة ينفق علي وأنا امرأة شاسعة الدار فإن رأيت أتحول إلى أهلي وجيراني فعلت قالت: فأذن لي فلما كنت في
الحجرة دعاني فقال لي أسكني حتى يبلغ الكتاب أجله) الحديث وهو مقتضى قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين} الآية [الطلاق: 1] على حسب اختلاف العلماء في تفسير الفاحشة المذكورة في الآية، فقيل الزنا (وتحرم حينئذ) الإقامة عليها، وقيل أذاء الجيران ولو انتقلت من مسكن النكاح، ثم طلقت بعد الانتقال اعتدت في المسكن المنتقل إليه إلا أن يقصد بالانتقال إخراجها من مسكنها حتى لا تعتد فيه، فإنها ترجع إلى المسكن الذي كانت فيه هذه نصوص الروايات، وتخرج المعتدة في حوائجها نهارًا، وفي طرف الليل إذا كان مثلها تقضي حوائجها، وتخرج من مسكنها لخوف سقوطها، أو عورة يخاف منه (لا) يتأتى المقدم (مع) وجوده. وحكم البدوية والقروية في ذلك سواء إلا أن يرحل أهلها ويلحقها الضرر بالمقام معه فترحل معهم وتنثوي حيث انثوى (أهلها) لا حيث أهل الزوج.
وههنا فروع:
الأول: إذا كان أذن لها في السفر وطلق قبل مفارقة عمران البلد رجعت إلى البلد وهذا نص الروايات. ولو خرج بها إلى الحج فمات رجعت إلى
منزلها من مثل اليومين، أو الثلاثة فإن بعدت وحرمت (بعدت لوجتها)، وترجع في غير سفر الحج بعدت أو قربت إن استطاعت ذلك إلا أن يتبين عرجها، وهذا في سفر الأوبة، وأما سفر الانتقال فحكمها إذا مات عنها، أو طلقها في أثناء سفر الانتقال، أن تعتد في أقرب الموضعين إليها إما المؤذي مع المنتقل إليه وإما المنتقل منه، وسيأتي حكم المتوفى عنها.
قال القاضي: ((وللرجعة السكنى حاملًا)): وسيأتي إلى آخر الفصل.
شرح: قد قدمنا أن أحكام الزوجية باقية مع الطلاق الرجعي فللمطلقة الرجعية السكنى، والنفقة حائلًا كانت أو حاملًا، والدليل على ذلك قوله سبحانه في الرجعية:{أسكنوهن} الآية [الطلاق: 6].
وأجمعوا على وجوب النفقة للمبتوتة إن كانت حاملًا لأجل الحمل، واختلفوا في المبتوتة غير الحامل على ثلاثة مذاهب، قال الكوفيون لها السكنى والنفقة، وقال أحمد، وداود، وإسحاق، وأبو ثور لا نفقة لها ولا سكنى فقال مالك والشافعي لها السكنى دون النفقة احتج الكوفيون بقوله تعالى:{أسكنوهن من حيث} الآية. وظاهر العموم. ومحظوره يوجب حفظ النسب، وتحقيق حرمة، ولا يزول ذلك بزوال الزوجية، وأتبعوا النفقة السكنى لملازمتها في الوجوب بعد عقد الزوجية؟ وقد روى ذلك عن عمر بن الخطاب أنه قال في حديث فاطمة بنت قيس المذكور ونصه:((قالت طلقني ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة) خرجه
مسلم، في بعض طرقه:(إنما السكنى والنفقة لمن تزوجها على الرجعة) وبهذا القول قال علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر بن عبد الله، واحتج مالك والشافعي بأن النفقة عوض عن الاستمتاع بدليل سقوطها للناشزة، فتسقط حيث تعذر الاستمتاع وتعذر ذلك في المبتوتة ظاهر.
وأما السكنى فوجب لها لحرمة النسب، ووجوب حفظه؟، ولا يزول ذلك بزوال الزوجية، وأسند من طريق النقل ما رواه في موطئه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس ليس عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم (كلثوم) وهذا لا يقتضي إسقاطه السكنى، وإنما أمرها بالاعتداد في بيت أم كلثوم، لأنه كان في أمانتها براء.
قال القاضي: ((إلا أن تكون حائلًا من الحر دون العبد)): لأن ولد العبد إن كان رقيقًا فنفقته على مالكه، وإن كان حرًا فهو فقير.
قوله: ((ولا نفقة للملاعنة حاملًا كانت أو حائلًا)): قلت لأن فراق الملاعنة بائن فلا نفقة لها، وولدها منتف باللعان فلا نفقة له.
قوله: ((ولا لمعتدة من وفاة)): هو كما ذكره، لأن المال بالموت منتقل إلى الورثة.
وقوله: ((ولها السكنى)): يريد المتوفى عنها زوجها، وهذه المسألة مختلف فيها بين أهل العلم. وصريح مذهب مالك أنها أولى من الورثة
والغرماء بمنافع مسكنها إذا كان السكنى له، أو بكراء نقده، فإن لم يكن المتوفى أدى كراء المسكن فالمشهور ألا سكنى لها في مال الميت وإن كان موسرًا، وفي كتاب محمد الكراء لازم للميت فخرج من ماله. وإذا بنينا على المشهور فللورثة إخراجها إلا أن تسكن في حصتها، فإن نقد بعض الكراء وبقي بعضه سكنت فيما نقد.
واختلف المذهب فيما لم ينقد هل يلزم في ماله أو لا؟ ونص في الكتاب على أنها إذا كانت في دار بكراء، ولم يكن نقد الكراء، أو رضي أهل الدار بالكراء منها فليس لها أن تخرج من الدار إلا أن يغلو من الكراء ويخرجه من كراء المثل، فلها أن تنتقل واختار القرويون والصقليون التسوية بين ما نقد كراءه، وما لم ينقد إذا كان الكراء (لمدة معينة)، وروى أنها أحق بالسكنى، وإن لم ينقد وهو اختيار أبي محمد عبد الحق، ونصوص الروايات التفريق بين أن ينقد الكراء أم لا؟
وههنا فروع:
الأول: إذا أراد الزوج، أو الورثة بيعها، واشترط سكنى زوجته فالمشهور الجواز، لأن عقدتها بالأشهر، أو وضع الحمل، والشاذ أن البيع فاسد، وهو قول محمد بن المواز وابن عبد الحكم قال لأنها قد ترتاب فتطول العدة.
وأما الزوج فلا يجوز بيع ذلك، واشترط سكنى مطلقته إلا أن تكون عدتها بالأشهر، لأن القرء والحمل مجهولان (فإن كانت) ذات الأشهر ممن (يترقب)
الحيض، فهل يجوز بيع الدار واشتراط قبضها عند البراءة فيه خلاف والظاهر المنع لأنه غرر.
الفرع: إذا وقع البيع في المسكن على اشتراط القبض عند اشتراط الريبة فالمشهور فساد البيع، وقال سحنون ولا حجة للمشتري إن تمادت الريبة، لأنه دخل على ذلك وفي كتاب محمد هي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة، وقيل إن للمشتري الخيار في فسخ البيع وإمضائه.
الفرع: نص شيوخنا على أن امرأة الأمير (لا يخرجها الأمير) القادم حتى تنقضي عدتها، وكذلك من حبست عليه ذلك، ثم على آخر (بعده) كإمام المسجد. ولو حبس المنزل على رجل حياته فلزوجته السكن في عدتها، وإن تأخرت |إلى أقصى الحمل، لأن العدة من أسباب الميت لحرمة نسبه، ولو كان الحبس سنين معلومة فانقضت قبل انقضاء العدة فإن رجع إليه الحبس إخراج زوجته بخلاف التحبيس عليه حياته.
قوله: ((وعلى المرأة رضاع ولدها ما دامت زوجة أبيه)): وهذا كما ذكره لأن حقوق الزوجة كوجوب الخدمة للعبادة عليها إذا كان ممن يليق بها ذلك، فإن لم يقبل غيرها تعين عليها الرضاع لأنه من باب إجبار النفوس، فإن طلبت العوض على ذلك في هذه الصورة فهل يقضي لها بذلك أم لا؟ فيه قولان، وسواء في ذلك الزوجة والمطلقة، وقد قال سبحانه:{فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن} [الطلاق: 6] وذلك في المطلقات فإن كان الأب عديمًا تعين عليها إرضاع بغير عوض، فإن لم يكن لها لبن، والأب عديم فهل يلزمها أن تستأجر من يرضعها أم لا؟ فيه قولان فالمشهور أن لا يلزمها ذلك لأنه من فقراء المسلمين واختار معه أنه فرض كفاية لا فرض عين، واختار محمد بن المواز (أن عليها) أن تستأجر له.
والمعتمد عليه في إيجاب الرضاع عليها قوله تعالى: {والولدات يرضعن أولادهن} [البقرة: 233] فهو خبر بمعنى الأمر، وما جرى به العرف في الشريعة كالمشترط، ولو طلبت الأم إرضاعه بأجرة، والأب عديم فوجد من يرضعه بغير أجر، أو بدون أجرة الأم. قال الشيخ أبو القاسم بن الكاتب إلا أن يجد من يرضعه غير أمه باطلًا أو بدون ما طلبته الأم فكذلك له. وإن كان الأب عديمًا، والولد موسرًا فللأم أخذ الأجرة على الرضاع من مال الولد لأنه غني لا يتعين عليها إخدامه.
قال القاضي: ((وعلى الرجل نفقة ولده الصغير إلى الحضانة)).
شرح: الأصل في وجوب النفقة للولد على الوالد الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 3] وأما السنة قوله عليه السلام: (تقول لك زوجتك أنفق علي أو طلقني، ويقول عبدك أنفق علي أو بعني، ويقول لك ولدك إلى من تكلني) فبين عليه السلام أن كل واحد من الثلاثة الأصناف يحتج بما ذكره على وجوب النفقة له، وقرن النظير بالنظير، فدل على وجوب الجميع، وهو مقتضى الإجماع. وقال عليه السلام (أكبر الكبائر أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، ثم أن تزني بحليلة جارك، ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك).
ويتعلق بهذا الفصل ذكر النفقة المستحقة بالقرابة وهي عندنا واجبة (لأول) طبقة من الأصول والفصول فقط دون أولاد الأولاد والجدات
والأجداد. وأوجب أبو حنيفة النفقة لكل ذي رحم، وشذ فأوجب نفقة ابن أخت الفقير على خاله الغني دون ابن عمه المستحق بميراثه حكاه عنه القاضي إسماعيل في أحكام القرآن وذلك كله مع كبير المستحق عليه النفقة وغير مستحقها من الآباء والأبناء، واشترط في الأبناء صغرهم وعجزهم عن التكسب، ولا يشترط وجوب نفقة الولد الكافر على والده المسلم وبالعكس فلا يشترط في وجوب النفقة التساوي في الدين، وأطلق القاضي بقوله:((وعلى الرجل نفقة ولده الموسر ولا يلزمه التكسب)): لأجل نفقة القريب بخلاف نفقة الزوجات، ولذلك كانت نفقة الزوجات أوجب، ولا يباع على الولد في نفقة والده وعلى الوالد نفقة ولده عبد ولا عقار إذا لم يكن في ذلك فضل عن حاجته، وإنما يقضى على الموسر بما يزيد على مقدار حاجته.
قوله: ((إلا أن يكون مجنونًا، أو زمنًا لا مال له فإن وجوب النفقة مستدام على الأب)): وهذا هو المشهور كما ذكره، والقول الشاذ عندنا أن النفقة تسقط عنهم ببلوغهم على أي حالة بلغوا.
واختلف المذهب أيضًا إذا بلغوا أصحاء، وسقطت النفقة ثم عجزوا فالمشهور أن النفقة لا تعود لأن الحكم (أسقطها)، وقال عبد الملك تعود مراعاة (العلة) الوجوب رعيًا للقرابة، وتسقط نفقة الثيب بدخولها عند زوجها، فإن طلقها بعد الدخول وعادت إليه لم تعد النفقة إلا أن تعود غير بالغة فتعود النفقة.
قوله: ((ولا نفقة على الأم)): هو مذهب مالك خلافًا للشافعي
قوله: ((وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبويه المعسرين)): وهو كما ذكره لأنه من البر الواجب وهل يقضي على الولد الموسر أن يزوج أباه، فيه قولان مبنيان على النكاح هل هو من باب الضرورات، فيلحق بالنفقة، أو من باب المكرمات، والمشهور أنه يقضي عليه لأبيه، وينفق على زوجته، فأما إذا كانت أمه فلا خلاف في وجوب النفقة عليه، وإن كانت غير أمه فالمشهور وجوب النفقة لها عليه، وذلك كله من باب الإرفاق، ولذلك وجبت عليه خدمته، فإن (اجتمع) أولاد، وجبت النفقة على الموسر منهم، فإن كانوا كلهم موسرين وجبت النفقة على جميعهم.
واختلف المذهب في كيفية التوزيع فقيل على حسب المواريث على الذكر مثلًا ما على الأنثى وهو رواية مطرف وغيره عن مالك وقال أصبغ بالتسوية، وقال محمد: على اليسار والجدة.
قوله: ((ولا نفقة للجد ولا للجدة)): خلافًا للشافعي أيضًا وقد تقدم الكسوة والسكنى وجميع المؤن لازمًا جريًا على العوائد، والواجب من ذلك مقدار الحاجة.
قال القاضي: ((وإذا طلق امرأته فالحضانة للأم)).
شرح: الحضانة هي الكفالة للولد ما دام محتاجًا للكفالة وهي لكل من كانت له الشفقة منها أقرب، وعلى الولد أغلب، ولا يتقدم الأم في ذلك أحد، فلذلك قدمها الشرع في قوله عليه السلام:(أنت أحق به ما لم تنكحي) واختلف قول مالك هل الحضانة حق للأم، أو حق للولد على
الأم حكى أبو الفضل بن عمرو البغدادي في تعليقه عن مالك روايتين، وحكى الإمام المازري وأبو الطاهر وغيرهما في ذلك رواية ثالثة أنها حق لهما فالأم أحق الناس بالحضانة على ولدها إذا كانت عاقلة أمينة في حرز ومنعة حرة كانت أو أمة، فإن كانت ذمية فهل لها (من) الحضانة ما للمسلمة أم لا؟. فيه قولان: المشهور أنها كالمسلمة، وتمنع أن تغذيهم بالخمر والخنزير وتنشئتهم على المحارم، فإن خيف ضمت إلى الناس من المسلمين.
ويشترط كون (الحاضنة) فارغة من الشواغل، فإن كانت متزوجة فلا حق لها في الحضانة، وهذا يدل على أن الحضانة حق للولد فإن كان الزوج ممن له نسب للطفل فهل يسقط حقها منها أم لا؟ فيه قولان: فالمشهور نظرًا سقوطها وهو اختيار ابن وهب وقيل لا (يسقط) وهو نص القاضي وهو المشهور نقلًا لا نظرًا فإذا بطلت حضانة الأم بالتزويج ثم طلقت فهل تعود الحضانة أم لا؟ المشهور أنها لا ترجع، والشاذ أنها ترجع، وكذلك يسقط حق الحاضن إذا خيف على الولد في دينه، أو بدنه، أو أخلاقه.
وأم الأم تلي الأم في استحقاق الحضانة، ويتعلق بذلك (حكم) اجتماع الحواضن فأول الإناث الأم، ثم الجدة؟ ثم الخالة، ثم الجدة للأب، ثم جدة الأب، ثم الأخت ثم العمة، ثم بنت الأخ.
واختلف في خالة الخالة هل هي كالخالة أم لا؟ على قولين.
وأول الذكور الأب، ثم الأخ، ثم الجد، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم. واختلف في المولى الأعلى للأسفل هل لهما حق في الحضانة أم لا؟ والصحيح الاستحقاق رعيًا للقرابة، فإن اجتمع الوصي والعصبة الذكور، فالمنصوص أن الوصي أولى وهو مقدم على جميع العصبة كالنكاح. أجرى فيه بعض الشيوخ الخلاف على الخلاف في الولاية في النكاح، فإن اجتمع الذكور والإناث فالأم مع أمها متقدمتان على جميع الرجال، فاختلف الرواية فيمن بعد الجدة والأم من يقوم مهما، فقيل جميع النساء مقدمات عليه، وقيل الثلاث وحدها مقدمات عليه، وقيل هو مقدم على الخالة. وهذه الروايات الأربع واقعة في المذهب، ومبناها على النظر في تحقيق المناط.
قوله: ((وحضانة الغلام)): يتعلق به ذكر منتهى الحضانة. أما الأنثى فإلى دخول زوجها بها. وأما الذكر، فيه روايتان: الأولى: أن منتهاها إلى البلوغ، وقيل الأثغار. وقال ابن الماجشون إذا قارب الاحتلام أو نبت واسودت عانته سقطت الحضانة.
قوله: ((وليس للأب أن بسافر بولده الصغير إلا أن يكون خروج انتقال)): وهذا كما ذكره، لأن سلطانه قائم على ولده وولايته بيده، فإذا أراد سفر الانتقال فله انتزاعه منها، ويسقط حقها من الحضانة إلا أن توافقه على السفر معه، وليس له (ذلك) في سفر الترجعة أو التجارة وهل يسافر بهم في البحر أم لا؟ فيه قولان في المذهب الصحيح الجواز مع علة الأمن اعتمادًا على قوله تعالى:{هو الذي يسيركم في البر والبحر} [يونس: 22] للأب أن (يشسع) بولده وليس ذلك للأم.
قال القاضي: ((ومن ملك أمة حاملًا)) إلى آخر الفصل.
شرح: الأصل في الاستبراء قوله عليه السلام: ((لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض) ولقوله عليه السلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماؤه زرع غيره) وهذا واجب في كل أمة غلب على الظن حملها أو شك في وجوده، وساقط في كل من أمن منها الحمل لصغر، أو كبر، وقدر الاستبراء قرء واحد إن كانت من ذوات الأقراء، فإن كانت من ذوات الأشهر فثلاثة أشهر، فإن كانت حاملًا فوضع حملها، وإن كانت مسترابة فزوال الريبة فيمن استرابت بجس البطن بانتظار أمد الوضع، إلا أن تذهب لريبة قبل ذلك وقد تقع الريبة بالمرض، والرضاع، والاستحاضة، وقد قدمنا ذلك.
وههنا فروع:
الأول: إذا بيعت في آخر أيام حيضتها فليس الباقي من حيضتها قروء، وإن بيعت في أول حيضتها فالمشهور أن ذلك استبراء، والشاذ: أنه لا يجزي، وتستأنف قرءًا. فإن كانت ممن تحيض من السنة أشهر إلى مثلها فهل يكفيها ثلاثة أشهر أم لا يكفيها إلا أن ترى الحيضة، ففيه قولان عندنا.
وأقل الحيضة في العدة والاستبراء خمسة أيام قاله عبد الملك وسحنون وقال ابن مسلمة أقله ثلاث، وسئل مالك عمن حاضت يومًا أو يومين فقال يسأل النساء.
قوله: ((وليس عليه استبراء فيمن لا يوطأ مثلها، ولا عمن يعلم براءة رحمها)): وهذا يقتضي ذكر الاستبراء الموجبة له ولا خلاف في مذهب مالك في سقوط الاستبراء فيمن لا يطيق الوطء جملة. واختلف المذهب في فروع:
الأول: إذا كانت ممن تطيق الوطء، ولا تحمل كبنت تسع سنين، أو عشر سنين، فهل يجب عليها الاستبراء أم لا؟، فيه قولان أوجب ابن القاسم اعتبارًا باحتمال الوطء، وسد الذريعة وأسقطه ابن عبد الحكم لامتناع الحمل في مثلها غالبًا.
الفرع الثاني: اليائسة التي قعدت عن المحيض هل يجب فيه الاستبراء فيه قولان: ابن القاسم أوجبه، وابن الحكم أسقطه.
الفرع الثالث: إذا انتقل الملك من امرأة أو صبي أو مجبوب ممن لا يمكن منهم الوطء هل يجب فيه الاستبراء أم لا؟، فيه قولان، فمن لاحظ المعنى أسقط، ومن غلب العبادة أوجب.
الفرع الرابع: إذا كانت الأمة المشتراة بكرًا هل يجب فيه الاستبراء أم لا، فيه قولان: المشهور وجوبه، لأن البكر قد تحمل. الثاني: استحبابه احتياطًا وهو اختيار بعض أشياخنا تغليب للغالب.
الفرع الخامس: إذا باعها بالخيار، ثم ردت عليه بعد أن غاب عليها المشتري الذي كان الخيار له، ففيها روايتان: المشهور: استحباب الاستبراء في هذه الصورة، لأن ملك البائع باق عليها بدليل الضمان، فالملك لم ينتقل حقيقة، والقول الثاني وجوب الاستبراء.
قال القاضي أبو الفرج هذا القياس، وصوبه اللخمي إذا غاب عليها، وكان الخيار له.
الفرع السادس: الاستبراء بسوء الظن كاستبراء الأمة خوفًا أن تكون زنت فيه قولان، إيجابه لابن القاسم، وإسقاطه لأشهب.
الفرع السابع: الأمة إذا باعها ذو محرم هل يجب استبراؤها أم لا؟ وكذلك المكاتبة إذا كانت تتصرف فخرجت وعادت إلى سيدها هل يجب الاستبراء في هذه الصورة أم لا؟
الفرع الثامن: المودعة تحيض عند المودع، ثم يشتريها بعد الحيض وهي لا تخرج ولا يدخل عليها أحد ويشتريها ممن ساكن معه، وقد حاضت الزوجة والولد الصغير قال ابن القاسم إن كانت لا تخرج (أجزأه) حيضتها الأولى، وقال أشهب: إذا كان هو الداب عنها، والناظر لها في أمرها كانت تخرج أم لا؟، وكذلك أحد الشريكين تكون الجارية تحت يده فيشتري (نصيب) شريكه بعد أن حاضت عنده، فالمشهور الاكتفاء بذلك، فأسباب (انتقال) الملك سواء كالبيع، والصدقة، والهبة، والوصية، والميراث، والفسخ، والإقالة.
قوله: ((ولا يجوز لمن وطئ أمة أن يبيعها قبل أن يستبرأها)): وهذا كما ذكره لاحتمال أن تكون حاملًا.
قوله: ((وإن اتفقا على استبراء واحد جاز)): وهذا كما ذكره لأن المقصود حصول البراءة وذلك يحصل بالاستبراء الواحد.
واختلف المذهب في فروع وهو استبراء الأمة على التصديق وأراد تزويجها فهل يجوز للزوج وطأها قبيل الاستبراء أم لا؟ قولان أحدهما الجواز اعتمادًا على تصديقها والثاني المنع احتياطًا.