المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القراض قال القاضي- رحمه الله: "باب القراض" إلى آخره. شرح: قلت: - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌ ‌باب القراض قال القاضي- رحمه الله: "باب القراض" إلى آخره. شرح: قلت:

‌باب القراض

قال القاضي- رحمه الله: "باب القراض" إلى آخره.

شرح: قلت: الكلام في جواز القراض وأحكامه وفروعه، قال الليث بن سعد كان القراض في الجاهلية معلومًا فأقره الإسلام، وصار سنة، وذكر علماء الآثار انعقاد الإجماع على جوازه، واختلفوا في أول قراض كان في الإسلام، فروى أن أول قراض كان في الإسلام أن عمر بن الخطاب أخرج من السوق من لا يعلم حكم البيوع، وكان فيه يعقوب مولى الحرقة جد العلاء بن عبد الرحمن فأعطاه عثمان مالًا قراضًا فأجلسه في السوق وكان يعلمه ويرعى أحواله، إذ لا يتقضي عثمان وورعه إلا ذلك، وقيل: أول قراض كان في الإسلام الذي أخذه عمر من أبنائه لما خرج عبد الله وعبيد الله ولداه في جيشٍ إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما، فقال لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ههنا مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح فقالا وددنا ذلك ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن ياخذ منهما المال فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر فقال أكل الجيش أسلفه مثل هذا قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال، أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر:

ص: 1047

يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا، والرجل عبد الرحمن بن عوف، فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال)، فإذا ثبت جوازه، فالربح فيه على قدر ما يتفقان (عليه) من الإجزاء من نصفٍ، أو ثلثٍ، أو سدسٍ، ونحوه، ولو كان الجزء معلومًا بالتقدير. لم يجز مثل أن يقول لك من الربح مائة، أو درهمًا فلا يجوز، لأنه لا يعلم هل يزيد الربح على ذلك أو لا يصل إليه فيقوى فيه الغرر، ولو قال له: اعمل في المال على أن لك فيه شركاء، وكانت لهم عادة حملًا على ما اعتادوه، فإن لم يكن في البلد عادة مخصوصة فقال ابن القاسم: للعامل قراض مثله، وقال غيره له النصف.

قال القاضي- رحمه الله: "وإن عقداه على أن جميع الربح لأحدهما جاز" قلت: وكذلك إن جعلاه المساكين، لأن الربح مال لهما فمن أسقط حقه لصاحبه، أو وهبه لغيره فهو جائز كالهبة المحضة وخالف في ذلك الشافعي، فقال إن العقد حينئذٍ فاسد إذا اشترطه أحدهما لصاحبه نفيًا للغرر، وقصر له على سنته من حيث إنه رخصة، وذلك أنه إن كانت (خسارة) فعلى رب المال، وإن كان ربحًا فليس له في شيء، فتأكد فيه الغرر مع اشتراط الربح لأحدهما، فلذلك منعه الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا (كان) جميع الربح للعامل كان قرضًا لا قراضًا.

قوله: "ولا (يجوز أن) يكون رأس المال فيه عرضًا ولا غيره سوى

ص: 1048

الدنانير والدراهم، وفي التبر والنقار وخلاف": يتعلق (به) الكلام في رأس مال القراض، واشتراط علمائنا فيه أربعة شروط:

الأول: أن يكون نقدًا، احترازًا من غيره كالعروض وغيرها، وقد اختلف الفقهاء في القراض بالعروض فمنعه الجمهور، وجوزه ابن أبي ليلى، واحتج الجمهور على منعه باختلاف الأسواق في العروض وتبيانها بالارتفاع، والانخفاض ويقوى فيها الغرر، فالواجب عند الجمهور أن يقر على سنته، إذ هو خارج عن الأصول، ووجدت (وثيقة) بخط الشيخ أبي محمد بن أبي زيد- رحمه الله مضمونها أنه دفع عروضًا لرجلٍ على أن يبيعهما، ويجعل ثمنها قراضًا بينه وبينه.

وأصل مذهب مالك أنه إذا أعطاه عرضًا يبيعه على أن يجعل رأس المال من العروض فهو ممنوع، ومنعه الشافعي أيضًا لأنه قراض ومنفعة، أو قراض وجعل، أو إجارة إن جعل له على البيع ثمنًا، ومع ذلك فثمن العرض مجهول

ص: 1049

فيؤول ذلك إلى الجهل برأس مال القراض، وأجازه أبو حنيفة. واختلف المذهب في مسائل:

المسألة الأولى: النقرة غير المسكوكة إذا وقع التعامل بها جاز أن يكون رأس مال القراض إجماعًا فإن لم يكن التعامل بها فهل يجوز القراض بها أم لا، فيه ثلاثة أقوال:

الجواز والمنع والكراهة، فالجواز لأنه ذهب يتعلق الحكم بعينه، والمنع لأنها ليست أثمانًا (في الحال)، وإن اعتبرنا القولين خرج من ذلك الكراهة توسطًا بينهما، والتبر عندنا كالنقار سواء.

المسألة الثانية: اخلتفوا في الفلوس هل هي كالعروض، أو كالعين، وعندنا فيها قولان لمالك وعلى ذلك يجري الخلاف فيها في هذا الباب وغيره.

المسألة الثالثة: لا يجوز القراض بالدراهم المغشوشة قاله القاضي أبو محمد، وقاله غيره: إن جرى التعامل بها في بلد، وصارت فيه أصول الأثمان فهي مثل غير المغشوش.

والشرط الثاني: أن يكون معلومًا، احترازًا من أن يكون صرة مجهولة.

والشرط الثالث: أن يكون معينًا ويدخل تحت هذا الشرط فروع:

الأول: أن يكون له دين في ذمته، فيقول له اجعله قراضًا، ولا خلاف فيه أنه محرم لما فيه من التهمة على أن يكون من باب: انظرني وأزيدك، وهو ربا الجاهلية.

ص: 1050

والثاني: أن تكون الدراهم رهنًا بيد العامل، أو بيد أمين، فلا يجوز أن يقارضه بها (حتى يقبض ربها) فإن كانت عنده وديعة فقارضه بها، فالمشهور الكراهة، فإن نزل مضى، والشاذ الجواز وهو الصحيح نظرًا، (لأنها) في المعنى تحت يد ربها، [وإن] كان دينًا في الذمةـ، فأحضره لربه جاز أن يبقيه عنده قراضًا بعد حضوره على الأصح لخروجه بإحضاره عن تهمة الإبقاء في الذمة، ولو أمر رجلًا أن يقبض (دينًا) له من رجلٍ (آخر، ويعمل به قراضًا لم يجز عند مالك وأصحابه، لأنه اشترط لنفسه منفعة)(زائدة) في القراض وهي تكليف (العامل للقبض)، وأجازه الشافعي لأنه وكالة.

والشرط الرابع: أن يكون مسلمًا (إلى يد العامل)، احترازًا من أن يشترط رب المال أن يبقى المال في يده، أو يد غير العامل، فلا يجوز لما فيه من التضييق المؤدي إلى الغرر، وكذلك لو اشترط أن يراجعه، أو وكيله في التصرف لم يجز للتضييق (المؤدي) للغرر (وكذلك شرط: المخرج له من باب الأمانة إلى (التهمة)، فإن شرط رب المال أن يعمل معه غلامه بحظٍ من الربح قولان: الجواز والمنع.

ص: 1051

فرع: إذا دفع له مالين قراضًا ففيه تفصيل إما أن يدفع له ذلك على شرط أن يخلطها أم لا؟ فإن كان على شرط الخلط جاز، اتفق الجزء فيهما أو اختلف، فإن كان على أن لا خلط لم يجوز مع اختلاف الجزء لما فيه من الغرر والمقامرة، فإن اتفق الجزء فيهما بشرط عدم الخلط، ففي المذهب في هذه الصورة قولان: الجواز، والمنع، فالجواز أنه مال واحد في المعنى لاتفاق الربح والمنع لأن ذلك إخراج له عن بابه إلى باب المقامرة.

قوله: "وهو مستثنى من أصولٍ ممنوعة": والأمر كما ذكره ولما كان كذلك وجب أن لا يخرج به عن سنته المشروعة فيه، ولذلك لا يجوز فيه الأجل للغرر المتأكد حينئذٍ خلافًا لأبي حنيفة تشبيهًا له بالإجارة، ثم ذكر أنه من العقود الجائزة لا اللازمة، لكل واحدٍ منهما (تركه قبل العمل) بخلاف المساقاة على الأصح.

قوله: "إلا أن يتعلق للآخر فيه حق" إشارةً إلى حكمه بعد وقوع العمل لتعلق حق كل واحد منهما بالعمل الذي هو مظنة الربح غالبًا، فإذا اشتغل العامل المال (بسلع فليس لأحدهما حله وعلى العامل بيعها، ونض المال، وكذلك إن طعن به فليس لرب المال) رد العامل بعد طعنه ولو اشترى (العامل) زاد السفر فلرب المال حل العقد، ولا يكون ذلك شغلًا إلا أن يطعن به ويجبر على (رد) المال من أباه إلا أن يكون تأخير (البيع: نظرًا مصلحًا فيحملان عليه حسب العرف، ومقتضى العادة.

قوله: "ولا يجوز أن يضم إليه عقد غيره": وهذا هو المشهور، لأنه

ص: 1052

رخصة أجيز للضرورة (فيقتصر) على ما ورد به الشرع، وحكى أشياخنا خلافًا في المذهب في العقود المختلفة الأحكام هل يجوز أن يضم بعضها إلى بعضٍ أم لا؟ قولان والصحيح المنع.

قوله: " (ولا أن يشترط) أحدهما زيادةً على صاحبه" تتصور الزيادة المشترطة في حق رب المال، (وفي حق العامل، أما حق رب المال) فمثل أن يشترط بعد اشتراط جزءٍ من الربح عدد مثل أن يقول في شرط الربح وزيادة مائة دينارٍ أو نحوه وكذلك في حق العامل، وكذلك لو اشترط رب المال الضمان على العامل، فالقراض فاسد، لأنه زيادة (غرر)، وكذلك لو شرط رب المال على العمل زكاة رأس المال فهذا لا يجوز بلا خلاف، فإن شرط أحدهما على صاحبه زكاة الربح ففيه في المذهب (نظر، تحصيله بعد).

قوله: "وله أنه يسار بالمال إلا أن يشترط عليه (ترك السفر) وليس له أن يبيع بالدين إلا أن يؤذن له": وهذا كما ذكره القاضي تحكيمًا للعادة، لأن السفر بمال القراض عادة معلومة، وعرف جار عند التجار، إذ لم توجد عنه مندوحة غالبًا.

قال ابن حبيب: السنة أن لا يخرج العامل بالمال إلا أن يأذن له ربه، ولعله راجع إلى العادة فإن (حجر عليه ربه الخروج) فخرج فهو

ص: 1053

متعد، (وكذلك البيع بالدين خارج عن العرف، فلذلك منعناه منه، فإذا سافر العامل) بالشرط أو بمقتضى العادة الجارية، فهل له النفقة والكسوة أم لا؟ فيه خلاف بين العلماء، وتحصيل القول فيه أنه إن كان به في الحضر فليس له نفقة ولا كسوة إلا بالشرط، فإن شغله البيع والشراء عن الانقلاب إلى منزله فنصوص المتقدمين أن نفقته في الحضر على نفسه، ولم يفرقوا، وحكى ابن القاسم في وثائقه أنه إذا منعه البيع والشراء في الحضر عن الانقلاب إلى (أهله) فله أن يتعدى (بالأفلس)، فإن سافر فلا يخلو أن يكون يسيرًا بحيث تستغرقه النفقة والكسوة أم لا فإن كان يسيرًا فلا شيء له بلا خلاف عندنا، وإن كان كثيرًا وسافر به إلى بلدٍ له فيه أهل (فلا نفقة في انصرافه إليهم، أو عنهم، وإن لم يكن له فيه أهل) فله النفقة ذاهبًا وراجعًا.

وفي المذهب في هذه الصورة قول آخر أن له النفقة في ذهابه دون غيابه حكاه ابن القاسم الموثق وحكى القاضي أبو محمد أن للعامل في السفر النفقة والكسوة (التي لولا الخروج) بالمال لم يحتج إليها، وهي الزيادة على نفقة الحضر، قال ابن القاسم وله أن يكتسى منه في بعيد السفر، ولا يكتسى في قريبه إلا أن يقيم إقامةً يحتاج فيها إلى الكسوة.

قال ابن حبيب (ومن قول مالك) أنه ينفق في قريب السفر في ركوبه وطعامه، ولا يكتسى إلا في البعيد، قال محمد: والخمسون دينارًا كثيرًا

ص: 1054

(وفي غير كتاب محمد الأربعين دينارًا كثيرًا)(وأشهر أقوال) الشافعي أنه لا نفقة له أصلًا إلا أن يأذن له رب المال، وروي عنه أن له النفقة (مطلقًا)، وروي عنه أيضًا أن له النفقة في الحضر) وقال الليث: يتغذى في الحضر ولا يتعاشى.

قال القاضي أبو محمد: "وينفق القريب على نفسه في إقامته في الحضر كالحاضر يسافر": والصحيح أنه ينفق منه بالمعروف إذا انتقل به في السفر والحضر، وكان انتقاله مانعًا من تصرفه لنفسه لأنه لم يدخل على التبرع. وإنما هو طالب للفضل، فلو أوجبنا عليه النفقة من ماله وهو مشتغل بتحريك مال القراض لأدى إلى تلف ماله، ثم ذكر أن يد العامل على المال يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتفريط، أو بالتعدي، وكذلك ليس عليه من الخسارة شيء فإن خسر في المال، ونض المال فرده إلى ربه، وبريء منه، ثم أخذه بعد ذلك فهو قراض مؤتنف، وليس عليه جبر الخسارة إلا أن يعمل فيه بعد الخسارة، وقبل أن يرده إلى ربه فيربح في العمل الثاني قبل الرد فعل العامل الخسارة، ويجبر على ذلك من أباه.

قوله: "ولا يفسخه العقد بموت أحد المتقارضين" وهذا كما ذكره، وتحصيل القول فيه أنه إن مات رب المال فلورثته من الحق ما لموروثهم، ولهم الفسخ، ورد المال ما لم يشرع العامل في العمل، فإن مات العامل فإما أن يموت قبل الشروع أو بعده، فإن مات العامل قبل الشروع فمن طلب منهما حل العقد فله ذلك، وإن مات بعد الشروع في العمل، فقد تعلق

ص: 1055

الحق بكل واحد من رب المال والعامل، فلورثة (في المال العمل) إن كانوا أمناء أو أتوا بأمين، وإلا رد المال على ربه، ثم ذكر حكم القراض الفاسد، وهل المستحق فيه أجرة المثل، أو قراض المثل. وفصّل بعضهم:

لكل قراض فاسد أجرة مثله

سوى أربعة قد حصلت بيان

قراض بعرض وقراض مؤجل

أو إبهام حظ وقراض ضمان

وفرق القاضي بين قراض المثل، وأجرة المثل بما ذكره. وقال ابن حبيب: أجرة المثل معلقة بالربح كقول الجمهور في قراض المثل، وحكى القاضي أبو محمد عن بعض الأصحاب أن قراض المثل متعلق بالذمة، (والفرق بين الذمة والرقبة حقيقة أن القبة: عبارة عن ذاته وهيكلته، فإذا قيل: في بعض الأحكام في رقبته، فالمراد أن يقتضي منه عينًا لا بدلًا، وأما الذمة فهي عبارة عن ظرف ودعاء أثبتها الشرع على أن تكون محلًا للإلزام والالتزام شرعًا لا وجودًا لما في الأعيان، وإنما وجودها في الأذهان كالإنسانية في الإنسان، والحيوانية في الحيوان، وذلك أن الآدمي لما فارق الحيوان بخطاب الشرع فارقه بذمة تكون محلًا للإلزام في العقود والحقوق والتمليكات، وسائر الأحكام، وهو نوع كرامة لما أكرموا بالخطاب الملزم للحقوق وأكرموا بالمحل لذلك، وأما الحكمي فهو أن كل دين التزمه برضا من له الدين كان في ذمته، فيسمى دين معاملة، وكل ما التزمه بغير رضى كان في رقبته، فيسمى جباية) كقول الجمهور في إجارة المثل، وتظهر فائدة الخلاف إذا كان أحدهما أقل من الآخر، وفيما إذا عدم الربح على الأشهر.

قوله: "وزكاة رأس المال على رب المال" إلى آخره، وهذا (لا خلاف) فيه أن زكاة رأس المال على رب المال لأنه ملكه، لا ملك فيه

ص: 1056

للعامل، وزكاة الربح تابعة لأصله، ويزكى العامل، ورب المال زكاة المالك الواحد على المشهور من المذهب، وتظهر فائدة هذا إذا كان أحدهما ممن لا تجب عليه الزكاة كالعبد والذمي. قال ابن القاسم: إذا كان العامل عبدًا، أو ذميًا، فلا زكاة عليه في حصته من الربح، إذ ليس من أهل الزكاة، وقال عبد الملك تلزمه الزكاة اعتبارًا بالملك، ولا يجوز أن يشترط رب المال على العامل زكاة رأس المال بلا خلاف، وهل يجوز اشتراط أحدهما على الآخر زكاة الربح ففي المذهب أربعة أقوال: الجواز مطلقًا والمنع مطلقًا، وجواز اشتراط رب المال على العامل دون عكسه، وقيل: عكسه والصحيح الجواز وكذلك ربع العشر مضاف إلى الجزء الذي وقع العقد عليه، والمنع اعتبارًا. بها يتطرق إلى التجزئة من الجهالة بالاشتراط، وهو بعيد، لأن ربع العشر الذي هو مقدار (الزكاة) مضاف بنسبته إلى الجزء فلا جهالة، وبقيت مسائل تتعلق (بالقراض نذكرها فرعًا فرعًا).

الأول: القراض شراء تجارة العامل، ويجب أن تكون غير مضيقة بالتعيين أو (بالتأقيت) وقيدنا بالتجارة لتخرج أعمال اليد كالطرز والصبغ والصناعة وسائر الحرف، فإن العقد عليها استئجار لا قراض، فإن عين له صنفًا من (أعيان) المتاجر فلا يخلو أن يكون كثير الوجود أو (نادر) الوجود، فإن كان (نادرًا) لم يجز لما في ذلك من التضييق على العامل (المحقق للغرر) وإن كان كثير الوجود جاز تعيينه، وإن عين له رجلًا

ص: 1057

للمعاملة لم يجز وكذلك إن عين له حانوتًا أو سوقًا محصورًا (تندر) فيه السلع.

فرع: قال أهل المذهب لا يبيع العامل بدين إلا بإذن، ولا يشتري بالدين، وإن أذن له، وانظر ما الفرق بينهما، وله الرد بالعيب إذا اطلع عليه، وإن كره رب المال ولا يشتري العامل من رب المال خوفًا من التهمة على القراض بالعروض، ولا يشتري بأكثر من رأس المال، فإن زاد فعل ذمته لا على ذمة رب المال، ولا يجوز للعامل أن يقارض غيره، ولا أن يشاركه، لأن رب المال إنما رضى بأمانته، فإن فعل فهو متعد.

فرع: إذا اشترى العامل أمة من مال القراض فوطئها فحملت فهي له أم ولد إن كان موسرًا وإن كان معسرًا وله حصة من الربح فالمشهور أن الجزء الذي يخصه منها بحسب ربحه له حكم أم الولد وقيل: جميعها أم ولد، ويتبعه بقيمتها دينًا في ذمته، وإذا أثبتا لها في حال اليسر حكم أم الولد، فعليه لرب المال الأكثر من ثمنها أو قيمتها. واختلف الأشياخ (في تعيين) القيمة، فقيل: يوم الوطء، وقيل: يوم الحمل، لأن به وقع الفوت، ومن ضمن قيمة أمة بالوطء من شريك، أو مقارض فلا شيء عليه من قيمة الولد، وروى عن مالك أنها تباع، وإن حملت، وهذا إذا لم يكن فيها فضل، لأنه متعد في ذلك، وإن وطئها العامل ولم تحمل فرب المال مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم الوطء، أو يطلبه بثمنها والله الموفق.

فرع: إذا اختلف المتقارضان فاختلافهما في فصول:

الأول: ضياع المال، أو خسارته، فالقول قول العامل مع يمينه، لأنه أمين، فإن اختلفا في رد المال وكان قبضه بغير بينة (صدق، لأنه أمين)،

ص: 1058

فإن قبضه ببينة فقولان: أحدهما: أنه لا يقبل دعواه في الرد إلا ببينة. الثاني: أنه يقبل بغير بينة (فلا يبرأ إلا ببينة)، فإن اختلفا في مقدار رأس المال فالقول قول العامل، لأنه أمين، فإن اختلفا في الجزء الذي وقع القراض عليه فإما قبل الشغل فللعامل الخيار بين أن يعمل بما ادعاه رب المال أو يترك، وإن كان بعد الشغل فالقول قول العامل بشرطين:

الأول: أن تكون دعوى مشبهة.

والثاني: أن يكون المال بيده، فإن أسلمه إلى رب المال فالعامل مدع، والقول قول رب المال وكذلك لو ادعى ما لا يشبه ولو ادعى العامل أنه قراض، وقال: ربه بل بضاعة بغير أجرة ففيه قولان: أحدهما: أنهما يخلفان جميعًا، ويعطى العامل أجرة مثله قاله محمد وقيل: القول قول صاحب المال مع يمينه إلا أن تكذبه العادة، ولو قال العامل: هو بضاعة بأجرة، وقال صاحب المال قراض كان القول قول العامل، ولو قال العامل: هو قراض وقال ربه هو قرض، فالقول قول (رب المال)، وإن اختلفا في الصحة والفساد فالمشهور أن القول قول مدعي الصحة والشاذ العكس إذا كان غالبًا، ولو ادعى العامل زيادة (نفقة) في السفر من ماله قبل المقاسمة فالقول قوله لأنه أمين، وكذلك القول قول العامل إذ ادعى عليه رب المال التعدي ليضمنه فإن قال صاحب المال: هو وديعة، وقال الآخر: قراض، والمال قام، فالقول قول رب المال فإن ضاع المال في هذه الصورة، فإما أن يكون ذلك قبل التحريك أو بعده، فإن كان قبل التحريك فلا ضمان على العامل لاتفاقهما على أنه أمانة ومصيبته حينئذٍ من ربه، وإن ضاع بعد التحريك فالقول قول رب المال لأنه لم يأذن له في التجارة، وهكذا نص عليه أهل المذهب، وفهي نظر (محال) على (تشبيه) الدعوى، وترجيح قول الغارم المدعى عليه، ولو

ص: 1059

قال: هو في يدي قراض، أو وديعة، وقال ربه سلف، فالقول قول ربه كما قدمناه، وحيث جعلنا القول قول العامل (أو رب المال) فلابد من اليمين لنفي التهمة في هذه (المحل) لاحتمال الكذب.

وإن قال رب المال: هو بضاعة بأجرة، وقال العامل: بل هو قراض، فإن اتفقت الأجرة (والجزء فلا فائدة للخلاف في هذه الصورة وإن اختلفا) فالقول قول العامل إذا أشبه قوله، فإن نكل أو لم يشبه قوله فالقول قول رب المال في الأجرة التي سمي مع يمينه. قال أبو الوليد: وأصل قول مالك أن العامل أمين فالقول قوله في جميع دعاويه إذا ادعى ما يشبه.

فرع: إذا اشترى العامل بمال القراض من يعتق عليه، أو على رب المال فيه تفصيل لنا: إذا اشترى من يعتق عى رب المال فلا يخلو أن يكون عالمًا بذلك أو غير عالم؟ فإن كان غير عالم بذلك عتق على رب المال وولاؤه له، ويرجع عليه العامل بما يخصه من ربح إن كان، وإن كان عالمًا فإنه يعتق على رب المال (فاشتراه) قاصدًا، فذلك لا يخلو أن يكون العامل موسرًا أو معسرًا، فإن كان العامل موسرًا أعتق على رب المال وولاؤه له، وعلى العامل غرم ثمنه له، لأنه أتلف عليه ماله في المعنى، وإن كان العامل معسرًا أعتق منه بقدر حصة العامل من الربح، وبيع منه بقدر رأس المال وحصة ربه من الربح، إذ لم يملكه في المعنى، قال سحنون: هذا أحسن ما جاء في ذلك من الاختلاف، فإن اشترى العامل من يعتق عليه فلا يخلو أن يكون في المال ربح أم لا؟ فإن لم يكن في المال ربح لم يعتق عليه مطلقًا إذ لم يملكه إلا بتقدير أن يملك حظًا من الربح، وذلك معدوم فإن كان في المال ربح، فإن وفى حظه من الربح بقيمة العبد (عتق عليه جميعه، وإن لم يف حظه من الربح بقيمة العبد) إما أن يكون موسرًا قادرًا على التكميل أم لا؟ فإن لم يكن له سوى

ص: 1060

حظه من الربح عتق عليه منه بحظه، وإن كان له ما يكمل به عليه عتق جميعه واختلف المذهب في حظ رب المال هل يلزمه قيمته أو الأكثر من ثمنه أو قيمته يوم الحكم فيه قولان عندنا، قال ابن القاسم: إن كان موسرًا وقد علم، رأيت أن يعتق عليه ويدفع إلى رب المال رأس ماله.

ص: 1061