المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الوديعة والعارية - روضة المستبين في شرح كتاب التلقين - جـ ٢

[ابن بزيزة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ الإيلاء

- ‌ الظهار

- ‌[اللعان]

- ‌باب في العدة والاستبراء وما يتعلق بذلك

- ‌باب الرضاع وما يتعلق به

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب القراض

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الشركة

- ‌باب الرهون

- ‌كتاب الحجر والتفليس وما يتصل به

- ‌باب الصلح والمرافق وإحياء الموات

- ‌باب الوديعة والعارية

- ‌(كتاب الغصب والتعدي وما يتصل بذلك من الاستحقاق)

- ‌باب في الحوالة والحمالة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب اللقطة والضوال والآباق

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌كتاب الجنايات (وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها)

- ‌فصل والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه

- ‌فصل: وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية

- ‌((فصل: والردة محبطة للعمل (بنفسها) من غير وقوف على موت المرتد))

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب القطع

- ‌كتاب العتق والولاء وما يتصل (به)

- ‌فصل"والولاء للمعتق إذا كان عنه

- ‌فصل"الكتابة جائزة ولا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد

- ‌فصل"والتدبير إيجاب وإلزام

- ‌كتاب الأقضية والشهادات

- ‌كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهباتوما يتصل بذلك

- ‌كتاب الوصايا والمواريث والفرائض

- ‌كتاب الجامع

الفصل: ‌باب الوديعة والعارية

‌باب الوديعة والعارية

قال القاضي رحمه الله "باب الوديعة والعارية".

الوديعة: استنابة في حفظ المال والأصل فيها الكتاب والسنة والعمل، أما الكتاب فقوله سبحانه:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] أما السنة فقوله -صلي الله عليه وسلم- (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) وجري العمل في الجاهلية عليها، فأقرها الإسلام، وهي أمانة محضة غير مضمونة عند الجمهور، وشد قوم فقالوا: إنها مضمونة (أمر

ص: 1139

بردها) اعتمادًا على قوله-صلي الله عليه وسلم- (على كل يد رد ما أخذت) وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، والدليل للجمهور أن الله سبحانه أمر بردها لربها، ولم يأمر بالإشهاد، فالواجب تصديق الأمين في دعوي التلف، والرد عليه، إلا أن يدفع إليه بينة، فاختلف الفقهاء حينئذ، فقال مالك: لا يقبل منه دعوي الرد إلا ببينة، لأن رب المال لم يرض بأمانته إلا على صفة (الشهادة)، فلا يتعدي ذلك، وإلا فكان الإشهاد عبثًا، وقال الشافعي وأبو حنيفة: القول قول المودع في دعوي الرد مع الإشهاد وغيره كالتلف تمحيضًا لحكم الأمانة، وهي رواية معروفة عن ابن القاسم، والمعتمد عليه في دعوي التلف أن القول قوله مع يمينه قبضها ببينة أم لا، لأن يده يد أمانة.

قال القاضي أبو محمد: "وسواء كان متهمًا، أو غير متهم" لأن ربها رضي بأمانته واختار المتأخرون من أهل المذهب التسوية في حكم الأمانة بين دعوي التلف، ودعوي الرد، فيقبل قوله فيهما مطلقًا.

قوله: "لا تضمن إلا بالتعدي" وهو كما ذكره مثل أن يسافر بها، وقد دفعت إليه في الحضر أو يودعها غيره، أو يجعلها في غير مأمون فهو ضامن إلا أن يودعها غيره ممن ترضي أمانته إذا أراد المودع سفرًا، فهذا مأذون فيه، ولا ضمان عليه في هذه الصورة.

ص: 1140

قوله: "والقول قول المودعي في تلفها على الإطلاق" يعني: كان الدفع إليه ببينة أو بغير بينة، متهم أو غير متهم كما بينه في غير هذا الموضع.

تكميل: لما كانت الوديعة استنابة المودع على حفظ المال اشترطنا في المودع ما يشترط في الوكيل، فلذلك يجوز له أن يودع الصبي والسفيه والعبد والمرأة إذا رضي بأمانتهم، ولا ضمان على الصبي والسفيه في ذلك إذا أتلف أو ضيع، لأن رب الوديعة رضي بذلك وسلط عليه وكذلك لا ضمان على العبد في رقبته إلا أن يتعدي فيضمن، ويتعلق (ذلك) بذمته، وفي المذهب قول آخر في العبد يودع، فيتعدي أو يستهلك الوديعة أنها جناية في رقبته كسائر جنايته، والأول (المشهور).:

قوله: "وليس له أن (يودعها) غيره إلا من ضرورة": قلت: (يجب الضمان في الوديعة بأسباب:

الأول: التضييع لها والتفريط في حفظها، ولا خلاف أنه ضامن في هذا المحل، وذلك مثل أن يلقيها في غير مأمون، أو يدل عليها سارقًا، والثاني: أن يودع غيره من غير عذر فهو ضامن، لأن ربها لم يرض إلا بأمانته، فإن فعل، ثم استرجعها لم يضمن بعد ذلك كردهًا إذا تسلف منها، فإن اضطره إلى إيداعها عزمه على السفر جاز له إيداعها لمكن الضرورة، فإن أعطي الوديعة زوجته أو جاريته على جري عادته في ذلك لم يضمن، لأن من عادة الناس والمودع في الحضر يريد السفر، فله أن يودع غيره كما ذكرناه بخلاف المسافر يودع في السفر فليس له أن يودع غيره، لأنه على أمانته قبله لا على أمانة غيره، وكذلك نقل الوديعة من بلد إلى بلد هو في ذلك ضامن لتعديه بالنقل، قال مالك في امرأة ماتت بالإسكندرية فكتب وصيها إلى ورثتها وهم ببلد آخر فلم يأت منهم خبر، فخرج بتركتها إليهم فهلكت في الطريق فهو ضامن، فلو أودع جرار زيت

ص: 1141

فنقلها من موضع في داره إلى موضع آخر فيها، فلا ضمان عليه إذا انكسرت، ولو سقط عليها شيء من يده فانكسرت، أو رمي في داره وهو يريد إصابة غيره فأصابها، فانكسرت، ضمنها لأنها جناية، والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وقال أشهب: ولو سقطت من يده فانكسرت فلا ضمان عليه.

الثالث: المخالفة في كيفية حفظها مثل: أن يودعه صندوقًا، واشترط عليه أن لا يقفله لما في ذلك من الشهرة بتقفيله، أو بالعكس فهو ضامن بالتعدي والمخالفة، ولو قال له: أقفله بقفل واحد فقفله بقفلين فلا ضمان عليه، وإذا أودعه دراهم فجعلها (في جيب قميصه)، فضاعت، فهل يضمن أم لا؟ قولان عندنا، قال ابن وهب: من أودع وديعة في المسجد فجعلها على نعله فذهبت فلا ضمان عليه ولو اشترط عليه أن يجعلها في جرة فخار فجعلها في جرة من نحاس ضمن، وعلله أصحابنا بوجهين:

الأول: أنه شهرها، والثاني: أنه خالف، وقصد إلى ما يقصد سرقته، ولو قال له: أجعلها في نحاس فجعلها في فخار لم يضمن.

الرابع: خلط الوديعة بما لا تتميز معه، وهو (ههنا) ضامن أيضًا لتعدية بالخلط، فإن (خلطها بجنسها) المماثل له فلا ضمان عليه لإمكان التمييز بالمكيلة.

ص: 1142

والخامس: الانتفاع بها كلبس الثوب، وركوب الدابة (فتهلك) فهو ضامن، واختلف في فروع:

الأول: هل يضمن الوديعة بالنسيان أم لا؟ فيه صورتان: الأولى: أن ينساها في موضع فهل يضمنها أم لا؟ قولان، والثانية: أن ينساها من دفعها إليه، ويدعيها رجلان ففيه قولان: أحدهما: أنه يضمن لكل واحد منهما وهو اختيار الشيخ أبي الحسن، والثاني: أنهما يحلفان، وتقسم بينهما.

الفرع الثاني: هل يجوز استسلاف الوديعة أم لا؟ قولان: الكراهة على المشهور، (والجواز) لأشهب إذا كان له مال فيه وفاء، واشهد بذلك.

الفرع الثالث: إذا تسلفها ثم ردها بعد الانتفاع بها فهل يضمن أم لا؟ قولان عندنا: أحدهما: لا يبرأ من ذلك، لأنها بالاستسلاف صارت دينًا في ذمته، والثاني: أنه يبرأ، لأنها رجعت إلى حكم الأمانة، وقال (أصبغ): إن ردها بالإشهاد بريء وإلا فلا، وقيل: لا ضمان عليه إلا أن يكون المردود المثل فإن رد العين فلا ضمان عليه.

الفرع الرابع: إذا أودع رجلاً وديعة فخانه، ثم أودعه الخائن، فهل يجوز له أن يجحده ويخون من خانه، فيه خمسة أقوال في المذهب: المنع، والكراهة، والإباحة والاستحباب لما فيه من تخليص ذمته عند الله سبحانه، والجواز إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لم يجز له أن يجحد إلا مقدار ما يقع في المحاصة.

قوله: "والعارية تمليك منافع العين بغير عوض" وهو فعل خير

ص: 1143

ومندوب إليه، والأصل فيها قوله سبحانه:{ويمنعون الماعون} [الماعون:7](وحثهم) على المنع، فدل على أن المنحة مرغب فيها، وقد استعار رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وقال:(كل معروف صدقة) وقال: (العارية مؤداه) وكل ذلك مبني على قوله تعالي: (وافعلوا الخير)[المؤمنون: 77]. وثبت جوازه عن السلف قولاً وفعلاً حكاه أئمة الآثار، وهي علي قسمين: ما يغاب عليه مما يخفي هلاكه، وما لا يغاب عليه، أما ما لا يغاب عليه فلا ضمان فيه على المستعير عندنا بلا خلاف اعتمادًا على قوله -صلي الله عليه وسلم-:(ليس على المستعير غير المتعدي ضمان)، وأما ما يغاب عليه فلا يخلو أن تقوم البينة على هلاكه أم لا؟ فإن لم تقم البينة على الهلاك وجب الضمان على المستعير لمكان التهمة اعتمادًا على قوله -صلي الله عليه وسلم-:(عارية مؤداه) مضمونة، وإن قامت البينة على الهلاك فهل يسقط الضمان في هذه الصورة أو يثبت، فيه قولان: المشهور سقط الضمان في هذه الصورة أو يثبت، فيه قولان: المشهور سقوط الضمان (مع قيام البينة اعتبارًا بالشهادة والشاذ الضمان) لأن أصله مأخوذ على الضمان، قال مالك (في

ص: 1144

كتاب محمد) وما علم اه هلك بغير سببه فلا ضمان عليه كالسوس في الثوب، وقرض الفأر.

واختلف المذهب إذا اشترط أحدهما نفي الضمان فيما فيه الضمان أو عكسه، هل يعتبر الشرط أم لا؟ قولان: المشهور اعتبار الشرط، والشاذ اعتبار الأصل وقد قال -صلي الله عليه وسلم- (من ألزم نفسه شيئًا لزمه) فعلي مقتضاه الاعتماد.

قوله: "وإن كانت إلى أجل لم يكن للمعير الرجوع فيها إلى انقضاء الأجل": قلت: العارية على قسمين: مؤجلة، ومبهمة، فالمؤجلة (تبقي) إلى انقضاء أجلها سواء كانت عقارًا، أو حيوانًا، أو عروضًا، فإن أعاره عارية مبهمة فهل تحمل إلى أجل المثل أم له الارتجاع في الحال قدمنا فيه قولين، ومن ذلك، أن يعيره أرضًا ليبني فيها، أو يغرسها، فأما قبل فراع المدة المشترطة أو المعتادة فليس له إخراجه، وأما بعد فراغ المدة المشترطة، فهل له إخراجه، وعليه أن يعطيه ما أنفق [وقيمة ما بني فيه قولان عندنا، والمشهور من المذهب أن المدة المعتادة كالمشترطة، وأما بعد فراغ كل واحد من المدتين فله الإخراج، وعليه قيمه البناء والغرس مقلوعًا، فإن أبي رب البناء أو الغرس إلا أن يأخذ عين لبنه وأحجاره وشجره، فله ذلك إلا أن تكون مما لا قيمة له بعد النقض فلا يكون للباني فيه قيمة البتة، واختلف المذهب إذا اختلفا في دعوي الرد، فقال المستعير: رددت، وقال المعير: لم ترد، فالقول قوله عند ابن القاسم في كل ما لا يصدق المستعير في ضياعه، وأما ما يصدق المستعير في ضياعه فالقول في الرد قوله مع يمينه.

ص: 1145