الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
(103)
فبعد أن أشار اللَّه تعالى إلى ما ينزل بالكافرين من نوازل الدنيا مثل الذين خلوا من قبلهم، ذكر أنه ينجو من ذلك الرسل ومن يؤمنون.
كلمة (ثُمَّ) للتراخي والبعد الزمني والمعنوي؛ لأن ما ينزل بهم يكون بعد إمهال يتمادون فيه ثم يكون الهلاك ثم تكون النجاة، والبعد الفارق بين أن ينزل البلاء وبين النجاة من عذاب يعم ولا يخص، وأضاف سبحانه الرسل إليه تشريفا لمكانتهم ولبيان أنهم ينطقون عن اللَّه تعالى ولا يأتون ببهتان يفترونه ثم كانت المفارقة بين الذين آمنوا والذين كفروا بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين.
وقوله تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا) فيه كلمة (ثُمَّ) عاطفة على محذوف دلت عليه الإشارة إلى أنهم ينتظرون إلى أن يهلكوا مثل الذين خلوا من قبلهم.
وقوله تعالى: (نُنَجِّي) بتشديد الجيم قرئت كذلك عند الأكثرين، وقرئت بالتخفيف، والتعدية بالهمزة والتضعيف، غير أنى أرى في التضعيف معنى تأكيد النجاة والسلامة، فقد قال شأنه:(كذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْج الْمُؤْمِنِينَ) تأكيد بعد تأكيد. وفي ذلك تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأن العاقبة للمتقين، وأن الظالمين مهما أرعدوا وأبرقوا فأمرهم إلى زوال، وأنه صلى الله عليه وسلم ناج من كيدهم وتدبيرهم وغالب هو ومن معه في هذا الميدان الدنيوي بين الخير والشر والإيمان والكفر.
وقوله تعالى: (حَقًّا عَلَيْنَا) جملة معترضة بين متلازمين وهما (كَذَلِكَ)(ننْج الْمُؤْمِنِينَ)، وأن قوله تعالى (حَقًّا عَلَيْنَا) معترضة لتأكيد وعد اللَّه تعالى للمؤمنين وأنه لن يختلف فسماه سبحانه حقا عليه وهو الذي لَا واجب عليه ولا يسأل عما يفعل، و (حَقًّا عَلَيْنَا) مصدر لفعل محذوف، واللَّه ذو الفضل والمنة على عباده.
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
قد بين سبحانه أن المشركين في قبضته ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل نفسه أسوة في الإيمان.
الخطاب لأهل مكة ومن يكون مثلهم كافة، ولذا نادى سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) والنداء للبعيد، لبعد نفوسهم عن نفسه صلى الله عليه وسلم ومجافاتهم للحق وهو يتبعه.
(إِن كنتمْ فِي شَكٍّ من دِينِي) إن كنتم في ريب مع ما قدمت لكم من براهين وأدلة قاطعة على الدين الذي أؤمن به وأعتقده لأنه الحق في ذاته والعقول تتلقى ما فيه بالقبول.
إن كنتم كذلك فلا تطمعوا أن أكون مثلكم أحيد عن الحق وأجافيه، وأعبد مثلكم الذين تعبدون من دون اللَّه وهي الأوثان، وعبر عنها بما يدل على العقل بكلمة (الَّذِينَ) مجاراة لتفكيرهم إذ يعدونها من العقلاء ويعبدها كبراؤهم من المشركين والضالين.
وفى مجاراة الضال من غير اعتناق لما ضل به أفضل تنبيه، وحمل له على التفكير.
(تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) في هذا دليل وبيان للسبب الذي دعاه صلى الله عليه وسلم لئلا يعبدها وهي أنها غير اللَّه الذي لَا يعبد إلا هو وحده لَا شريك له.
ولقد صرح صلى الله عليه وسلم بمن يعبده في قوله تعالى: (وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) والاستدراك؛ لنفي أن أوثانهم تحيي أو تميت، وهو يتضمن إثبات عبادة اللَّه وحده لا شريك له متجاوزا عبادتهم مبتعدا عنها، وفي الكلمة القرآنية (الَّذِي يَتَوَفَاكُمْ) إشارة إلى استحقاقه للعبادة لأنه الذي يتوفى الأنفس حين موتها فهو يحيي ويميمت وهم يرون ذلك ويشاهدونه.
وقد ذكر سبحانه الوفاة ولم يذكر الإحياء؛ لأن الوفاة لَا تكون إلا للحي فذكرها يتضمن ذكر للإحياء، وإشارة إلى أنهم ليسوا مخلدين وأنهم ضعفاء يموتون، وذكر الموت يذهب بغرورهم وفي ذهابه تقريب لهم إلى الإيمان، كما أن آلهتهم التي لَا تضر ولا تنفع، لَا تميت ولا تحيي.