الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول: (وَسُبْحَانَ اللَّهِ) أنزهه عن الشريك، وأسبِّح له خاضعا خاشعا، أرجو رحمته وأخاف عذابه، وكل من في الوجود يسبح له:(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. . .)، وقوله تعالى:(سُبْحَانَ اللَّهِ) تنزيه مطلق، وخضوع للَّه تعالى من الرسول، ومن الوجود كله، ثم أيأسهم من أن يكون مثلهم فأمره بأن يقول:
(وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) إن استمررتم على شرككم فأنا بريء منكم، وإن هذه السبيل هي سبيل النبيين أجمعين بعثوا بها في أقوامهم، ودعوهم إليها، وإن النصر من اللَّه لهم: لأنهم أصحاب دعوة الحق، ولذا قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(109)
هذه الآية بعد قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) تدل على أن التوحيد، وتنزيه اللَّه تعالى رسالة النبيين أجمعين، فهي تدل على ذلك، وتدل ثانيا، على أن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم لم يكن بدعا من الرسل، بل سبقه بهذه الدعوة أنبياء سابقون. وتدل ثالثا على أن رسالة اللَّه إلى خلقه تكون برجال يدعون بها، لا بملائكة، وذلك رد على قولهم:(. . . مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُل الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ. . .)، وعلى طلبهم أن ينزل عليهم ملك يخاطب برسالة اللَّه، وقد قال تعالى في الرد عليهم (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).
وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ. . .)، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكلُونَ الطَّعَامَ
وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ).
وهكذا كانت هذه الآيات الكريمات وغيرها تحمل الدلالات القاطعة التي ترد إنكارهم.
وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) ليس من أرسلناهم من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أي أنهم ليسوا ملائكة، ولكن اتصالهم باللَّه تعالى بطريق الوحي يوحي إليهم سبحانه وتعالى بأوامره ونواهيه، وبعبادته وحده لَا شريك له، وقوله تعالى:(مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى) أي أن هؤلاء الرسل من أهل القرى، والقرى هي المدن العظيمة، وفي هذا بيان أمرين أحدهما: أن الرسول يكون من أهل المدن العظيمة، وثانيهما أنه يكون من قومه، عرفوه من أوسطهم، وأكثرهم أمانة وصدقا، كما قال تعالى في شأن النبي محمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رحِيمٌ).
وكان رسل اللَّه من أهل المدن يبعثون فيها، ليكون الرسول على علم بأحوال الناس، وليكون معروفا بينهم مشهورا غير مغمور، يكون ذا مكانة من غير غطرسة فيهم، قبل النبوة، فتكون شهادة له بالصدق بعدها.
وقد بين اللَّه تعالى هذه الحقيقة، وهي أن الرسل من الناس، وليسوا ملائكة، وأنها معروفة بالعيان لمن سار في الأرض، وتعرف ديار الذين كفروا بالرسل، فقال تعالى:(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) هذا النص السامي فيه برهان أن الرسل كانوا رجالا، وفيه إنذار لمشركي العرب بالمآل الذي يئولون إليه إذا استمروا على غيهم، وإنه إنذار يحمل في نفسه دليله، وبرهانه من الآثار والرسوم للذين هلكوا بسبب إنكارهم وكفرهم، وانتحالهم التعلات للعناد والإنكار.
وقوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيروا)(الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقديم للاستفهام؛ لأن الاستفهام له الصدارة في البيان، والاستفهام