الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ
(42)
إن السمع لَا يعتبر وحده ولا يدرك وحده، بل لابد من السمع والإدراك، والبصر لَا يدرك ما يشاهد ومغزاه وعبره، بل لابد من أن يرى الرائي ويدرك العبر، وإن هؤلاء أهل جهنم الذين طمس على بصائرهم، كما قال تعالى:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179).
(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ): ومنهم أي من المشركين الذين يعرضون عن الحق، من يستمعون إليك بظاهر حسهم، وتحسبهم مستمعين للقول فيتبعون أحسنه ويفكرون متدبرين مميزين بين الحق والباطل، ولكنهم كالأصم من حيث الهداية؛ وذلك لأنهم يستمعون إلى الألفاظ تتردد ولا يفقهون معناها ولا يذوقون الحق ويدركونه، وهم كالصم في آذانهم وقر، قد ماتت عقولهم وصاروا في عدم إدراكهم معنى الكلام ومرماه وغاياته وجماله وكماله كمن لَا يسمع أصلا، لأنه لا ثمرة لسمعه؛ لأنه يسمع جرس الكلام ولا يفقهه ولا يذوق بيانه. ومن مواضع العجب أن يطلب ممن هذا شأنه - الإدراك والاعتبار بما يسمع من قصص وعظات، ولذا قال تعالى:(أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ).
الاستفهام للتعجب والنفي، (الفاء) لترتيب التعجب على حالهم، والمعنى أنه لَا فائدة في استماعهم ودعوتهم، والعجب من رجاء الاستجابة منهم، فهم قد اجتمعمتا فيهم صفتان تمنعان الاستجابة:
الأولى - الصمم النفسي، وهو يكون بإعراضهم واستنكافهم كان بهم وقرا.
الثانية - أنهم لَا يعقلون، فلا يستجيبون لدعوة الحق.
وإن نظرهم كسمعهم؛ ولذا قال تعالى:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
إنهم ينظرون إلى السماء وما فيها من أبراج وإلى الأرض وما تخرج من طيبات الرزق ولكنهم عمون عن عجائب الوجود، كما قال تعالى:(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11).
ينظرون في الكون ولكن لَا يدركون ما يهدي إليه النظر فكأنهم عمىٌ لا يدركون؛ لأن النظر من غير إدراك لما يدل عليه المنظور من آيات بينات، شأنه كعدم النظر سواء؛ إذ ثمرة النظر مفقودة في الحالين.
ولذلك قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ) ولكنهم غير ناظرين؛ لأنهم غير مدركين ما في الوجود من آيات بينات، وقال سبحانه:(إِلَيْكَ) وفي الآية السابقة (يسْتَمعُونَ إِلَيْكَ) إشارة إلى أنهم يكونون مع النبي بحسهم وليس بعقولهم، ثم قال تعالى:(أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) وشبههم بالعُمْي لعدم الثمرة في نظرهم، وهم معرضون عن آيات اللَّه تعالى، والاستفهام للتعجب.
ولقد قال الزمخشري في هذه الآية والتي قبلها: " ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لَا يعون ولا يقبلون، وناس ينظرون ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لَا يصدقون، أفتطمع أن تسمع الصم ولو انضم إلى صمهم عدم عقولهم؛ لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل، ولكن إذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فلا فائدة في استماعهم ودعوتهم، أتحسب أنك تقدر على هداية الأعمى ولو انضم إلى العمى، وهو فقد البصر فقد البصيرة، لأن الأعمى له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن، وأما العمى مع الحمق فجَهْد البلاء، وذلك يعني أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمي الذين لا بصائر لهم ولا عقول ".