الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ورد في معنى هذا النص السامي آيات كثيرة منها قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)، ومنها قوله تعالى:(. . . إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رحِيمٌ)، وقوله تعالى:(فَإِن كَذَّبُوكَ فَقل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلأ يُرَدُّ بَأسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، وهكذا النصوص القرآنية الدالة على أنه لَا يصح أن يطمع العاصي في عفو مطلق، ولا أن ييئس من رحمة اللَّه تعالى، ولقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى:" لولا عفو اللَّه وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل واحد "(1) واللَّه أعلم.
وإنهم مع قيام الدلائل على الوحدانية، وقيام المعجزة الكبرى، وهي القرآن يطلبون آيات أخرى وينكرون إعجاز القرآن مع قيام التحدي الشامخ. وعجزهم عن أن يأتوا بمثله؛ ولذا قال اللَّه تعالى لهم:
(1) أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
(7)
أظهر لنا، ولم يضمر، كما قال من قبل:(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) فعبر بالموصول بدل الضمير؛ وذلك لبيان أن الكفر ابتداء هو الذي دفعهم إلى طلب آية أخرى، فصلة الموصول، وهي الكفر، علة الطلب، فليست علة الطلب الحق ليهتدوا، فقد طمس على قلوبهم، وإنما اتخذوا ذلك تعلة لكفرهم، وتماديهم في غيهم، وإلا ففي التحدي والعجز دليل على الإعجاز.
و (لَوْلَا) في قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) معناها هلا أُنزل عليه آية من ربه، وإن ذلك يتضمن أنهم لَا يؤمنون لعدم وجود آية، ويتضمن بالتالي إنكار أن يكون القرآن آية مع التحدي المتوالي.
وقوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كفَرُوا) في التعبير بالمضارع ما يفيد بتكرار هذا الطلب عنادا وسترا لكفرهم، ولعجزهم عن التحدي فقد طلبوا أن ينزل عليهم
كتاب في قرطاس وأن يلمسوه بأيديهم، وأنكروا ان يبعث اللَّه بشرا رسولا، ورد اللَّه تعالى قولهم بقوله:(قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)، وطلبوا آت أخرى يسترون بها كفرهم:
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94).
وهكذا يكفرون بالمعجزة الكبرى وينتحلون لأنفسهم ما يحسبونه عذرا بإنكارهم القرآن، وقوله تعالى (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ من رَّبِّهِ) فيه تنكير (آيَةٌ) للمبالغة في الإنكار، كأنهم يطلبون أي آية، ولا يعدون القرآن الكريم آية، وهو أعظم الآيات وأبقاها.
رد اللَّه سبحانه وتعالى قولهم بقوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(إِنَّمَا) أداة من أدوات القصر، أي لست إلا منذرا ينذر بسوء العقبى، ومآل الإنكار، وقد أنذرت، وأقمت الحجة على أنك متكلم من عند اللَّه تعالى، وقوله تعالى:
(وَلِكُلِّ قَوْمِ هَادً) متضمن معنيين، وتشملهما؛ الأول: أن كل قوم لهم نبي يهديهم ويرشدهم، فإن اهتدوا كانت لهم الحسنى، وإلا كان لهم السوءى، وهذا كقوله تعالى:(. . . وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)، والثاني: أن كل قوم لهم معجزة تهديهم إلى الرسول تناسبهم، فكانت معجزة عيسى ما كان لأنه بعث في عصر لَا يؤمنون فيه بالسببية، ويعتقدون أنها لَا تتخلف، فجاءت معجزاته هدما لقانون السببية، وخرقا لنظامه، ومحمد صلى الله عليه وسلم جاء للخليقة كلها من بعده إلى يوم القيامة، فكانت معجزته من النوع الذي يبقى ولا يزول ولا يحول، وهو كلام اللَّه الذي يبقى ويتحدى بإعجازه الخليقة إلى يوم الدين (قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88).
وإن الذين أرسلت إليهم الآيات المادية منهم من كذب بها، وكانوا الأكثرين؛ ولذا قال تعالى:(وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ. . .).
وقوله تعالى على النحو الذي نهجناه وهو (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ) جملة مستقلة عن التالية، فيكون معناها ما ذكرنا من أنه عليه الصلاة والسلام مختص بالإنذار، (وَلِكُلِّ قَوْمِ هَاد) جملة أخرى دالة على ما ذكرنا من الأمر، وجاء في حاشية الشهاب علَى البيضاوي أن (هَادٍ) معطوف على (مُنذِرٌ) أي إنما أنت منذر وهاد، وتكون هاد مؤخرة عن تقديم، ويكون المعنى: إنما أنت منذر وهاد لكل قوم. وهو معنى محتمل ولكنه ليس الظاهر البيّن من السياق.
بعد أن أشار سبحانه إلى خلق السماوات وما فيها بيّن سبحانه آياته في خلق الإنسان.
قال اللَّه تعالى:
* * *
(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
* * *