الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يغترون بما أوتوا من قوة، وما مكنوا، فيعميهم ذلك عن حقيقة السلطان الإلهي، فلا يعلمون.
كان ذلك التعليم بإلهام من اللَّه وهو صغير لم يبلغ أشده، ولما بلغ أشده آتاه حكمة وعلما بالأمور وتدبيرها، عندما تمكن من حكم مصر، ولذا قال تعالى:
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
(22)
وكهذا التكريم والتعليم نجزي الذين اتصفوا بالإحسان في أعمالهم وقلوبهم حتى صاروا خالصين للَّه تعالى.
وهنا نسأل أتناولته الأيدي بالبيع والشراء حتى وصل إلى العزيز، فاشتراه، أم أن الذي اشتراه ابتداء هو العزيز؛ الظاهر من العبارات أن المشترِي الأول لم يكن العزيز، وإلا كان يذكر، واللَّه أعلم.
* * *
المحنة النفسية تنقل يوسف من محنة إلى محنة، لقد امتحنه اللَّه تعالى بإرادة إخوته له الضياع، ثم امتحنه بالرِّق، وهو الكريم ابن الكريم وقد احتمل، ثم امتحنه بعد ذلك بمحنة لَا يقوى عليها إلا أهل العزيمة، وهي فتنة النساء به، وخاف أن يصبو إليهن، ولذا قال تعالى:
* * *
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
* * *
راود مِن راد، فهو مفاعلة من راد، وأصلها تكرار الفعل مرة بعد أخرى، وهي الأخذ برفق ولطف وقوله:(عَن نَّفْسِه)، أي أنها راودته في نفسه، أو لتحوله عن نفسه وإرادته ليكون لإرادتها هي ورغبتها فيه، وإن هذه المراودة القولية، واللين والتلطف معه، لتحوله عن إرادة نفسه إلى إرادتها تبعتها حركة عملية، (وَغَلَّقَت الأَبْوَابَ)، ولم يعد منفذ يمكن غيرهما من الاطلاع على ما تريد، (وَقَالَتْ هَيَتَ لَكَ) أي أَقْبِل، وقوله:(لَكَ) أي النداء له، ولعله تغافل عنها أو لم يستجب ابتداء لكلامها، أو لم يفهم، فقالت: النداء لك، فلما علم ما تريد صراحة من غير مداورة ولا مواربة، صرح هو الآخر بردِّها، وقال إنه لَا يليق به فقال:(مَعَاذَ اللَّهِ) أي الله معاذي وملجئي، أعوذ به من أن أفعل مثل هذا؛ لأنه فوق فحشه، ليس وفاء لرب البيت الذي أكرمني، (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، هذه الحماية تعليل لامتناعه عن هذه الفحشاء، أي لأن زوجها هو ربه الذي أحسن إليه في مثواه أي في إقامته في بيته، فلا يخونه وإنه حينئذ، يكون خائنا وظالما، (إِنَّهُ لَا يفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، لَا يفوزون بخير قط.