المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفى الكلام السامي إظهار في موضع الإضمار؛ لأنه سبحانه وتعالى - زهرة التفاسير - جـ ٧

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(82)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(112)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(120)

- ‌(123)

- ‌(124)

- ‌(125)

- ‌(127)

- ‌(129)

- ‌(سُورَةُ يُونُسَ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(92)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(سُورَةُ هُودٍ)

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(92)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(112)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(119)

- ‌(121)

- ‌(122)

- ‌(123)

- ‌(سُورَةُ يُوسُفَ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(42)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(64)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(78)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(92)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(100)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

- ‌(سُورَةُ الرَّعْدِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(15)

الفصل: وفى الكلام السامي إظهار في موضع الإضمار؛ لأنه سبحانه وتعالى

وفى الكلام السامي إظهار في موضع الإضمار؛ لأنه سبحانه وتعالى قال عز من قائل: (وَسَتُرَدونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) ولم يقل - ولكلامه المثل الأعلى - (وستردون إليه) وذلك للإشارة إلى أن الأمر سيرجع إلى من لَا تخفى عليه خافية في السماء والأرض، والغيب ما غاب عن الحس، أو ما أخفته الصدور، وما أسروه في نفوسهم، فهو يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، والشهادة هي الأمر المعلن الذي تشاهده الجوارح مبصرة أو سامعة، أو باطنة، يعلم سبحانه كل شيء ما يسر وما يعلن، وما يظهر وما يختفى، سبحانه علام الغيوب.

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى الجزاء الواقع لَا محالة فقال تعالت كلماته:

(فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كنتُمْ تَعْمَلُونَ)(الفاء) للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كنتم ستردون إليه سبحانه فإنه ينبئكم أي يخبركم إخبار فعل وجزاء بما كنتم تعملون، فترون أعمالكم عيانا، تنطق بها جوارحكم، وكتابا منشورا قد سجل كل ما عملتم، لَا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فتجزى كل نفس بما كسبت. وإن هذا فيه تبشير للمؤمن، وإنذار للمشرك والمنافق، وأعمالهم كلها في كتاب.

وقد فتح الله سبحانه وتعالى باب التوبة لمن تخلف، وعصا، بعد ذلك ذكر أناس ممن تخلفوا لم يكتب عليهم الشقوة بل لَا يزال الباب مفتوحا للتوبة، فإما يتوبون، وإما يعذبهم الله على نفاقهم وتخلفهم، فقال تعالى:

ص: 3439

(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‌

(106)

ذكرنا أن الذين دعوا إلى الخروج إلى الغزوة التي كانت فتحا للطريق إلى بلاد الشام وما وراءها من الأرض التي كان الروم يسيطرون عليها، وأشرنا إلى أنه كان فيهم السباقون إلى المكرُمات المهاجرون والأنصار، وكان فيهم المنافقون

ص: 3439

المعوِّقون الذين يعتذرون المعاذير الكاذبة، ويحلفون الأيمان الفاجرة، ومنهم من كانوا مخلصين، واعترفوا بذنوبهم في التأخر، وقد ذكر في هذه الآية فريقا، قد أُرجئ أمرهم ترجى منهم توبة.

يقول تعالى: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ) أي ما قدر في علمه المكنون بالنسبة لهم، ومرجون أي مؤجلون لأمر الله تعالى فيهم، وما قرره سبحانه وتعالى بالنسبه لهم وهو مطوي في علمه المكنون لهم، وخفي عنكم وعنهم، ومرجون أصلها مرجئون، قلبت الهمزة ياء وحذفت لوجود واو الجمع، وبعض المفسرين يقول إنهم من المنافقين، ويحتمل توبتهم فيتوب الله تعالى عليهم، ويحتمل أن يبقوا مصرين على نفاقهم ليعذبهم سبحانه، وبعض المفسرين ذكر أنهم من الفريق الذين اعترفوا بذنوبهم، وبعضهم ربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى بين سبحانه وتعالى قبول توبتهم ففك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وثاقهم، وآخرون لم يفعلوا ذلك، وهؤلاء الثلاثة المخلفون الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وسنذكرهم من بعد عند تفسير الآية التي تصرح بأمرهم، وإني أميل إلى الأول، فإن الثلاثة خُصُّوا بآية تذكر حالهم.

وقوله تعالى: (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وِإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِِ)(إفَا) هنا تدل على أن نهايتهم مترددة بين حالين، إما أن يستمروا على نفاقهم فيعذبهم الله تعالى، ومأواهم جهنم وبئس المصير، وإما أن يتوبوا فيتوب الله عليهم، ويفيض عليهم سابغ رحمته.

والتردد ليس بالنسبة لله تعالى فإنه يعلم مآلهم، إذ هو يعلم ما كان وما يكون، فيعلم ما سيئول إليه أمرهم من غير إخبارهم، إنما علمه إحاطة، وأعمالهم وإرادتهم.

وإنما التردد بالنسبة للمخاطبين والمتحدث عنهم، فإنهم لَا يعلمون إلا ما يقع بالفعل، ويعاينونه، ولا يعلمون ما سيقع، وقدره الله سبحانه، ولذا ختم سبحانه

ص: 3440

وتعالى الآية بقوله عز من قائل: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بكل ما يقع في المستقبل مما غيب عليكم، حكيم يقدر الأمور في نطاق حكمته، وهو العزيز الحكيم.

* * *

مسجد الضرار

قال تعالى:

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

* * *

إن المنافقين لَا يكتفون بأن تكفر قلوبهم، وتسلم ألسنتهم، وأن يخذِّلوا المؤمنين، ويثبطوهم، ويلمزوا في الصدقات، ويستهزئوا بالمتطوعين بها من المؤمنين، وأن يكثروا من التهكم على الرسول ومن معه، لَا يكتفون بذلك، ولكن يتطاولون فيريدون أن ينشئوا بنيانا يكون مربطا لهم، يلجأون إليه، ويترقبون أخبار المؤمنين منه، ويُعلمون بها الرومان ومن لفَّ لفَّهم من المنافقين أمثالهم، وأنشأوا

ص: 3441

ذلك البنيان على مشارف الصحراء ليتمكنوا من الاتصال بالرومإن من غير علم أحد، وسموا ذلك مسجدا، وسماه التاريخ الإسلامي مسجد الضرار؛ لأنه أنشئ للضرار، فأخذ اسمه من مقصده.

قال تعالى:

ص: 3442

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) في قراءة أهل مكة يثبتون الواو عطفا على أخبار المنافقين، ومن غير واو في مصحف المدينة والشام (1)، ويكون عطف بيان للمنافقين أيضا، وقوله تعالى:(اتَّخَذُوا مَسْجِدًا)، أي أنشئوه، واتخذوا مسجدا، أي أن انتحلوه مسجدا باتخاذهم لَا أنه مسجد في حقيقته وذاته، بل باتخاذهم، وانتحالهم، وقد ذكر الله تعالى أن غرضهم من إنشائه الذي بعثهم هواهم عليه أمور أربعة - هي ما بني لأجله: أولها - أنه ضرار وهو مصدر ضارَّ، فهم يبنونه مضارة للمؤمنين، ومكايدة للذين بنوا مسجد قباء لله وللصلاة فيه، وقد صلى فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فبنوه قريبا منه ليضار أولئك الذين بنوا الأول، وليكايدوهم، وقوله تعالى:(وَكفْرًا) أي دفعهم إلى بنائه الكفر لا الإيمان، فهم لَا يصلون، ولكن ينافقون، وهم كانوا كفارًا، ومن أعظم البواعث هو تفريق المؤمنين، ولذا قال تعالى في الباعث:(وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) وإن ذلك التفريق هو إبعاد فريق من المؤمنين عن الجماعة التي يؤمها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، يغرونهم بالتأثير فيهم رجاء أن يقتطعوا من المؤمنين من يضمونهم إليهم، إذ بعدوا عن النور الكاشف لخداعهم، وإفسادهم، فيخلو لهم الجو ليخادعوهم، وينجح خدعهم، (وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يقال رصد، وأرصد: راقب، ورصد تكون للخير والشر، وأرصد لَا تكون إلا للشر، وقد اتخذ هذا المسجد ليكون موضع ترقب للمنافقين يتصلون منه بأعداء الله تعالى،

(1)(الذين اتخذوا) بغير واو، قراءة: نافع وأبو جعفر، وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، وهذا الحرف في مصاحف المدينة بلا واو، وقرأ الباقون بإثبات الواو، وكذلك هي في بقية المصاحف. المقنع 104، والسبعة 318، والنشر 2/ 281. غاية الاختصار (970).

ص: 3442

وقالوا إن ذلك يشير إلى أبي عامر الراهب، وهو رجل خزرجي من الخزرج، كان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ ما عند أهل الكتاب من بقايا كتبهم، وكانت له عبادة في الجاهلية، وكبير في الخزرج، فلما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة وكوَّن فيها قوة الإسلام الأولى، وأظهر الله المؤمنين في غزوة بدر الكبرى شَرِق أبو عامر هذا بذلك النصر المبين الذي كان فاتحة السيطرة على بلاد العرب، فأرسل إلى قريش يمالئهم ويحرضهم على غزو المدينة والأخذ بثأرهم، فقدموا في السنة الثالثة، وكانت واقعة أحد، فخبَّ أبو عامر هذا فيها ووضع، وتقدم إلى المبارزة ليحرض الأنصار، وخاصة قومه الخزرج ودعاهم إلى نصرته، فردوه ردا منكرًا، فعاد مذءومًا مدحورًا.

ولقد ابتدأ بما يظهر منه ميله للإسلام، ولكنه لم يعم، فدعا عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يموت بعيدا طريدا، فكان كذلك ومات طريدا وذلك أنه لما فرغ الناس من أمر أحد، وقد رأى أمر الرسول في علو، وكانت عاقبة أحد للمؤمنين، وإن كان قد أصابهم قرح في أثنائها، وصار الأمر من بعدها في ارتفاع للمؤمنين وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يحرضه على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقام عنده وكتب إلى جماعة من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه قادم بجيش يقاتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه رسله بكتبه، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم، فشرعوا في بناء مسجد قريب من مسجد قباء، وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى تبوك، وجاءوا إليه صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، لتكون صلاته حجة لهم في تقريره، وليتموا خداعهم للمؤمنين، وليخفوا مقصدهم من إنشائه، وهو أن يكون إرصادًا لمن حارب الله ورسوله، فقال لهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:" إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله تعالى "، فلما قفل راجعا من تبوك إلى المدينة، ولم يبق بينه

ص: 3443

وبينها إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه جبريل يخبر الرسول بمسجد الضرار، وما قصده بانوه، من الضرار والإمعان في الكفر، والإرصاد لمن حارب الله ورسوله والمؤمنين، فأرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من هدمه قبل مقدمه المدينة، لقد أعدوا في المسجد سلاحا، وعتادا ليعاونوا الرومان المقبلين.

ومع وضوح أمرهم عادوا إلى كذبهم وتوثيق الكذب بالأيمان المغلظة أنهم ما أرادوا إلا الخصلة الحسنى، فقد كانوا عند بنائه مخفين مقصدهم الخبيث، ومكرهم السيئ، فقد قالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عندا ابتدائهم فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة، والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه.

لقد قالوا ما قالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخفون مكرهم السيئ، ولكنهم نسوا أن الله تعالى كاشف أمرهم فيبين الله تعالى خفي أمرهم، وما أسرّوه، ولم يعلنوه.

جاء في الكشاف ما نصه: " لما قفل رسول الله تعالى من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد فنزلت هذه الآية عليه. فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشيا قاتل حمزة، فقال لهم: " انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه، واحرقوه " (1)، ففعلوا، وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف، والقمامة، ومات أبو عامر بقنسرين ".

لقد حلفوا موثقين يمينهم، وقال تعالى في حلفهم:(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى) وقد أكدوا حلفهم باللام الموطئة للقسم، وبنون التوكيد الثقيلة، والمقسم عليه (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْخسْنَى) و (إن) هنا نافية، أي ما أردنا إلا الخصلة الحسنى، أو الفعلة الحسنى، وحصروا إرادتهم في إرادة ما هو حسن في ذاته، وغايته، وقد

(1) تاريخ الطبري: ج 1، ص، 1239

ص: 3444