الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عذابه ثالثا، وإن المشركين الكافرين كانوا يعادونهم ويستكبرون عليهم فبين اللَّه تعالى أنهم إذا كانوا فقدوا ولاء الكافرين فقد استبدلوه بأن اللَّه مولاهم، وأولياء اللَّه يتحابون فيما بينهم ولا يوادون من يحادد اللَّه ورسوله، كما جاء في قوله تعالى:(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ. . .).
(لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لَا خوف عليهم من عذاب يترقبونه ولا هم يحزنون لخير فاتهم، وأكد نفي الحزن عنهم؛ لأن قلوبهم عامرة باللَّه سبحانه
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
(63)
آمنوا باللَّه حق الإيمان يعبدونه كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يرونه يحسون في عبادتهم كأنهم في حضرته العلية سبحانه، وهذا هو الإحسان، كما قال صلى الله عليه وسلم:" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "(1).
(وَكَانُوا يَتَّقُونَ) أي يخافون غضب اللَّه تعالى ويتقون عذابه.
وإنهم إذ يؤمنون ذلك الإيمان ويحسنون ويتقون اللَّه حق تقاته، تكون قلوبهم عامرة بذكر اللَّه تعالى فلا يخافون من مستقبلهم، وقد فوضوا أمورهم للَّه تعالى وتوكلوا عليه سبحانه حق توكله بعد أَخْذِهم بالأسباب، وتركوا للَّه تعالى مؤمنين أن يوفق ويربط الأسباب بمسبباتها.
وهنا عبارتان لهما مغزاهما:
العبارة الأولى - قوله تعالى: (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي أنهم يرجون ما يرجوه المؤمن من ربه فاللَّه تعالى يُلقي في قلوبهم الاطمئنان إلى المستقبل، وفي قوله تعالى:(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) تأكيد لعدم الحزن: أولا: بتكرار كلمة (لا) النافية، فإنها مؤكدة للنفي المذكور في (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ).
(1) متفق عليه، وقد سبق تخريجه.
ثانيا: بذكر الضمير (هُمْ) فذلك مؤكد من مؤكدات الحكم.
ثالثا: في التعبير بالمضارع الذي يصور - الاستمرار فإنهم لَا يداخلهم الحزن؛ لأن قلوبهم عامرة دائما بذكر الله فامتلأت طمأنينة، والاطمئنان يطرد الحزن كقوله تعالى:(. . . أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
العبارة الثانية - قوله تعالى: (وَكانُوا يَتَّقُونَ) وفيه جمع بين الماضي والمضارع، الماضي في (كَانُوا) والمضارع في (يَتَّقون)، وهذا يفيد استمرار التقوى، قلوبهم ممتلئة دائما بخشية الله تعالى، وهم بذلك يستصغرون أعمالهم بجوار حق الله ويشعرون أنهم لم يؤدوا حق الله فيرجون رحمته ويخافون عذابه، وذلك مقام الصديقين القريبين من الله دائما.
عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لِلَّهِ عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قيل: يا رسول الله أخبرنا من هم، وما أعمالهم؟ قال: هم قوم تحابوا في الله من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلَى منابر من نور لَا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس (1)، ثم قرأ الآية:(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)
(1) أخرجه أحمد: باقي مسند الأنصار - مسند أبي مالك الأشعري رضي الله عنه (22399).
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
وقبل أن نترك الكلام في معنى الولاية وقد عرَّفها سبحانه بأنها الإيمان الخالص والإحسان الكامل وامتلاء النفس بالتقوى، لابد أن نتكلم حول خوارق للعادات، يقولون أنها تجري على أيدي من يسمونهم أولياء، وبعض علماء الكلام يقولون: إنها تسمى كرامة، وذلك خلاف لما جاء على يد الرسل وسميت معجزات.
ويذهب البعض إلى وجوب الإيمان بكرامة الأولياء، ونحن نقول: لَا نزيد على الدين ركنا من أركان الإيمان، فمن رأى خوارق جرت على يد رجل ليست سحرا فليُسَر بما رأى، ومن لم يرَ شيئا من ذلك فليس عليه أن يؤمن بما لم يكلفه اللَّه تعالى الإيمان به.
وقد ذكر سبحانه ما ينال أولياء اللَّه تعالى من خير بقوله:
(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
(لَهُمُ) الضمير يعود على أولياء الله، البشرى هي التبشير بما يلقي السرور في أنفسهم، وقد حكم الله تعالى لهم بالبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وذلك وعد حق، ولذا قال سبحانه:(لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) وهي ما قرره سبحانه من عذاب ونعيم وبعث ونشور فهي لَا خلاف فيها ولا تبديل لكلمات اللَّه الأزلية الباقية ومن ذا الذي يبدل أو يغير في كلمات اللَّه التي كتبها لعباده المتقين.
والبشرى في الحياة الدنيا تكون بما ذكره اللَّه لعباده المتقين في كتابه الكريم وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31).
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن البشرى هي الرؤيا الصادقة تبشره بالخير "(1)، وروى أن البشرى تكون الثناء على عمله والرضا بما يفعل. روي عن
(1) رواه البخاري بنحو عن أبي هريرة رضي الله عنه: التعبير - المبشرات (6990). كما رواه مسلم: الصلاة
- النهي عن قراءة القرآن في الركوع (479)، والنسائي: التطبيق (1045)، وأبو داود: الصلاة (876)، وابن ماجه: تعبير الرؤيا (3899)، وأحمد: مسند بني هاشم (3ْ 19)، والدارمي: الصلاة (1325).