الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد هذه العبارات القوية في معناها ومرماها، الرقيقة في مبناها قالوا متحدين شعيبا
(قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ) أي ما ندرك كثيرا من قولك إدراك فهم، وما ذكروا ذلك ليزدادوا فهما، بل ذكروه مستنكرين لما يريد مستهينين به، وهو يتضمن رفضا لقوله، وإنكارًا لدعوته إلى التوحيد، وحسن المعاملة، والقيام بالعدل فيها وإعطاء كل ذي حق حقه، وكأن المعاملة بالبخس حق لهم، ولذا قالوا متحدين أيضا مهددين:(وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ) أكدوا أنهم يرونه ضعيفا لَا يمتنع عليهم إذا أرادوه بسوء، ولولا جماعتك، أو عصبتك الذين يوالوننا، ولا نريد أن نغاضبهم لرجمناك، أي لقتلناك شر قتلة، وهي القتل رميا بالحجارة حتى تموت:(وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) أي بمتنع علينا، إن أردناك بسوء، أو أردنا رجمك، ونفوا أنه عزيز عليهم أشد النفي، فأكدوه، بالخطاب وتكراره، وبالباء، وبتقديم (عَلَيْنَا)، وذلك اغترار بقوتهم، وسطوتهم، وتأكيد بأنه في قبضة أيديهم.
ويرد الحليم الرشيد شعيب غير عابئ بتهديدهم معتمدا على ربه، معتزا بعزته:
(أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
(92)
الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، وفيه تهكم بهم وبغرورهم، والمعنى ليس رهطي أعز عليكم من اللَّه، وإن زعمتم ذلك فأنتم في غرور، وانخداع بأنفسكم، وقوله تعالى:(وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أي نسيتم اللَّه ذا العزة والجلال، وحسبتم أن رهطي أعز عليكم من اللَّه، وجعلتم رب العزة والجلالة وراءكم ظهريا وهذا تعبير لمن يطرح الأمر الجدير بالاعتبار وراء تفكيره، فشبه فعله بفعل من يرمي الأمر وراء ظهره، بحيث لَا يراه، وقد هددهم بأن الله مانعه بقوله:(إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي عالم علم إحاطة وشمول لَا يخفى عليه شيء من أفعالكم، وما تريدون برسوله إليكم، وإنه لمحيط بكم، وعبر بـ ربي للإشارة بأنه حاميه منهم، لأنه هو الذي أنشأه وربَّه ويحميه ويحرسه.