الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس مداراته، وصبره على ما يكره صلى الله عليه وسلم
روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جاء مخرّق بن نوفل يستأذن، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته قال:«بئس أخو العشيرة الحديث» .
وروى الشيخان، والإمامان مالك وأحمد، والتّرمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول وتطلّق في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قلت: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت: كذا وكذا، فلما دخل ألنت له القول، وتطلّقت في وجهه، وانبسطت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم:«متى عهدتني فاحشا إن شر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه» وفي رواية اتقاء شرّه [ (1) ] .
وروى ابن الأعرابي عن صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الغنم، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل [ (2) ] .
وروى ابن عدي، والحكيم والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بالفرائض [ (3) ] » .
وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عياش- بالتحتية والشين المعجمة- رحمه الله تعالى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أقذار الناس [ (4) ] .
وروى النّسائي، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كنا قعودا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا قام قمنا، فقام يوما، وقمنا معه، حتى بلغ وسط المسجد فأدركنا رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه خشنا، فحمّر رقبته فقال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين الحديث [ (5) ] .
تنبيهات
الأول: هذا الرجل المبهم- قال ابن بطال والقاضي، والقرطبي، والنووي رحمهم الله
[ (1) ] أخرجه البخاري (6054)(6131) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] ابن عدي 2/ 447 والذهبي في الميزان (1205) وابن حجر في اللسان 2/ 93 وانظر الدر المنثور 2/ 90.
[ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 99 وانظر الكنز (17818) .
[ (5) ] تقدم.
تعالى هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق المطاع.
الثاني: قال الخطابي: جمع هذا الحديث علما، وأدبا، وليس قوله صلى الله عليه وسلم لأمته في الأمور التي ينصحهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض، بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك، ويفصح به، ويعرف الناس أمرهم، فإن ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمة، ولكنه لما جبل عليه من الكرم، وأعطيه من حسن الخلق، أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه ليفتدي به أمته في اتقاء شرّ من هذا سبيله، وفي مداراته، ليسلموا من شره وغائلته.
الثالث: قال القرطبي: في هذا الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق، أو بالفحش، ونحو ذلك مع جواز مداراته اتقاء شره، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى، ثم قال تبعا للقاضي الحسين: الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه.
حسن عشرته، والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه حق، وفعله معه حسن معاشرته، فيزول بهذا التقدير الإشكال.
وقال القاضي رحمه الله تعالى: لم يكن عيينة والله أعلم حينئذ أسلم، فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم، ولم يكن إسلامه ناصحا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده، أمور تدل على ضعف إيمانه، فيكون ما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات النبوة، وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألف له قال الحافظ: وقد ارتد عيينة في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه وحارب، ثم رجع، وأسلم، وحضر بعض الفتوح في عهد عمر رضي الله تعالى عنه.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
المداراة: بميم مضمومة، فدال مهملة، فألف فراء، فألف، فتاء تأنيث غير مهموز، وقد يهمز: ملاينة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمالهم، لئلا ينفروا عنك.
الصبر: حبس النفس عند الجزع من المصيبة، بأن يتصور ما خلق لأجله ورجوعه إلى ربه عز وجل، وتذكره للمنّة عليه، فيرى أن ما أبقى له أضعاف ما استرده منه، فيهون بذلك على نفسه.
تطلّق: بمثناة فوقية، فطاء مهملة، فلام مشددة فقاف مفتوحات: تسهّل، وانبسط وجهه، واستبشر.
الفحش: بفاء مضمومة، فحاء مهملة ساكنة، فشين معجمة،: التعدي في القول والجواب، والكثرة والزيادة من الكلام.
الأقذار: جمع قذر، بذال معجمة: الأوساخ، والأدناس حسية ومعنوية.