الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرج لم تر عيني مثله، يرف رفيفا، يقطر ماؤه، وفيه من أنواع الكلأ، فكأني بالرعلة الأولى حين أشنفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك، ثم قدم عظم الناس، فلما أشفوا على المرج كبروا، وقالوا: هذا خير المنزل، وكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل آدم مسبّل أقنى، إذا هو يتكلم يفرع الرجال طولا وإذا عن يسارك رجل ربعة نار أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما عمّم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له، وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها، كلكم تؤمونه تريدونه، وإذا أمامه ناقة عجفاء شارف، فإذا بك أنت يا رسول الله، كأنك تبعثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب فذاك ما حملتكم عليه من الهدي الذي أنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشتها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ولم تتعلق منا ولم نردها ولم تردنا، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا، وهم أكثر أضعافا، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا على المرج يمينا وشمالا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة، فلم تزل عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة، فالدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفا، وأما الرجل الذي رأيت عن يميني الآدم المسبّل فذاك موسى بن عمران عليه السلام، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله تعالى إياه، والرجل الذي رأيت عن يساري التار والرّبعة الكثير خيلان الوجه فذاك عيسى ابن مريم عليهما السلام، نكرمه لإكرام الله تعالى إياها، وإن الشيخ الذي رأيته أشبه الناس بي خلقا ووجها، فذاك أبي إبراهيم عليه السلام، كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة التي رأيتها ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم، لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
رحب: براء مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة: الواسع.
السّهل: بسين مهملة مفتوحة فهاء ساكنة فلام هنا: ضد الحزن.
اللاحب: بلام فألف ساكنة فمهملة فموحدة: الواضح.
الجادّة: بجيم فألف، فدال مهملة مفتوحة مشددة، فتاء تأنيث: السّواء والوسط.
المرج: بميم مفتوحة فراء ساكنة فجيم: الموضع ترعى فيه الدواب.
يرف: بتحتية مفتوحة، فراء مكسورة، ففاء: كثر ماؤه.
الكلأ: بكاف، فلام مفتوحتين، فهمزة مضمومة: العشب، والنبات رطبه ويابسه.
الرّعلة: براء مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فلام، فتاء تأنيث: القطعة من الفرسان، ويقال لجماعة الخيل رعيل.
أشفوا: بهمزة مفتوحة، فشين معجمة ساكنة، ففاء، فواو: أي أشرفوا.
المرتع: بميم مضمومة، فراء ساكنة، ففوقية مكسورة، فعين مهملة: الذي يخلي ركابه ترتع.
الضّغث: بضاد معجمة مكسورة، فغين معجمة ساكنة، فمثلثة: قبضة من حشيش مختلط، والضّغث الخلط، وأضغاث أحلام: أي أخلاط.
الآدم والمسبّل والأقنى والربعة والتار والخيلان: تقدم تفسيرها في أبواب المعراج.
العجفاء: بعين مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، ففاء، فهمزة، بالمد: المهزولة من الغنم وغيرها.
الشّارف: بشين معجمة، فألف، فراء ففاء: الناقة المسنّة.
الغضارة: بغين، فصاد معجمتين، فألف، فراء، فتاء تأنيث: الطّيّب واللذة والخصب والخير انتهى.