الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى البلاذري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنّع رأسه حتى ينظر إلى حاشية ثوبه.
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأردية ألبسة العرب، والالتفاع لبسة الإيمان» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلفّع.
وروى ابن عدي عن عون بن سلّام عن معلّى بن هلال [ (1) ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قال: التلفّع والتّقنّع من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتقنّع والأحاديث في هذه كثيرة.
تنبيهات
الأول: قال الحافظ رحمه الله تعالى: قول عائشة متقنّعا أي مطيلسا رأسه، وهو أصل في لبس الطّيلسان، وقال أيضاً في موضع آخر من الفتح: التّقنّع تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره.
وقال التّوربشتي في قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما تقنّع: أي لبس قناعا على رأسه، وهو شبه الطّيلسان.
الثاني: قول ابن القيم رحمه الله تعالى: لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسه أي الطّيلسان، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت
في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدّجال، فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود إصبهان عليهم الطيالسة،
ورأى أنس رضي الله تعالى عنه جماعة عليهم الطّيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر، ومن هنا كرهه جماعة من السلف، والخلف، لما
روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»
وفي التّرمذي: «ليس منّا من تشبّه بغيرنا»
وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه متقنّعا بالهاجرة فإنما فعله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك للحاجة، ولم تكن عادته التقنع، وقد ذكر أنس رضي الله تعالى عنه أن كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع، وهذا إنما كان يفعله للحاجة من حر ونحوه- انتهى كلامه، وهو مردود من وجوه:
التنبيه الأول: قوله لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم لبسه يرده ما رواه الترمذي في الشّمائل، وابن سعد والبيهقي عن يزيد بن أبان والخطيب عن الحسن بن دينار عن قتادة كلاهما عن أنس رضي الله تعالى عنهم، والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر التّقنّع، ولفظ التّرمذي وسهل: القناع، ولفظ الخطيب: ما رأيت أدوم قناعا من
[ (1) ] معلّى بن هلال بن سويد، أبو عبد الله الطحّان الكوفي، اتفق النقاد على تكذيبه. التقريب 2/ 266.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد أنس حتى كأنّ ثوبه ثوب زيّات أو دهّان.
ولفظ الخطيب كأن ملحفته ملحفة زيّات، وهذا الحديث باعتبار طرقه، وما له من الشواهد السابقة حسن، كما قاله الشيخ رحمه الله تعالى،
وقال ابن سعد أخبرنا الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب قال: حدثني موسى الحارثي في زمن بني أمية قال: وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطّيلسان فقال: «هذا ثوب لا يؤدّى شكره- هذا مرسل» .
التنبيه الثاني: قوله: ولا أحد من أصحابه، يردّه أنه ورد فعله عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بحضرته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، منهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه،
وروى أبو يعلى وابن عساكر من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن أبي المعلّى قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: «إن رجلي على ترعة من ترع الحوض» ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت المنبر متوافرون، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه مقنّع في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن عبدا من عبيد الله تعالى خيّره ربّه أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها، وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه» ، فلم يفطن أحد من القوم لما قال صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر رضي الله تعالى عنه فانتحب باكيا، وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: يا معشر المسلمين: استحيوا من الله تعالى، فو الذي نفسي بيده إني لأظلّ حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنّعا بثوبي استحياء من الله عز وجل، ولفظ ابن أبي شيبة مغطيا رأسه وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
روى ابن عساكر عن زرّ بن حبيش رحمه الله تعالى قال: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو يمشي متلثما ببرد قطريّ، وعثمان رضي الله تعالى عنه.
وروى ابن أبي شيبة في مسنده والتّرمذي، والحاكم، وصححه والبيهقي عن مرة بن كعب أو كعب بن مرة رضي الله تعالى عنه وابن عساكر عن عبد الله بن حوالة، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنهم، واللفظ لابن حوالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «يا عبد الله كيف إذا ظهرت فتنة في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟» قلت: ما خار الله تعالى ورسوله، قال:«فكيف بك يا عبد الله إذا ظهرت فتنة أخرى كأنها انتفاجة أرنب؟» قلت: ما خار الله تعالى ورسوله، ولفظ الباقين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، قالوا كلهم: ومرّ رجل مقنّع بثوب، - وفي لفظ بردائه- فقال: هذا يومئذ على الهدى، قال ابن حوالة رحمه الله تعالى: فتبعته فأخذت بثوبه فأقبلت بوجهه على النبي صلى الله عليه وسلم فكشف قناعه قلت: هذا قال: هذا، فإذا هو عثمان رضي الله تعالى عنه، فقال ابن عجرة: فانطلقت حتى
أخذت بضبعيه فحولت وجهه إليه، وكشفت عن رأسه فإذا هو عثمان رضي الله تعالى عنه.
وروى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم، وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن التّيمي قال: قلت: لأغلبنّ الليلة على المقام، فقمت فإذا رجل يزحمني متقنّعا فنظرت فإذا هو عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه، والآثار في تقنّع عثمان كثيرة، والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما.
روى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد في الطبقات عن العلاء قال: رأيت الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما يصلّي، وهو مقنّع رأسه.
وروى ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطّيالسة.
وروى أيضا عن عمارة بن زادان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيّا، والآثار في ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كثيرة.
وأما عن التابعين فكثير منهم طاوس، قد قال هانئ بن أيوب الجعفي كان طاوس يتقنّع، رواه ابن سعد من طرق عنه، وعمر بن عبد العزيز رواه ابن سعد وابن عساكر، والحسن البصريّ، رواه ابن سعد من طرق، ومحمد بن واسع رواه ابن عساكر، وإبراهيم النّخعي رواه ابن أبي شيبة وميمون بن مهران رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، ومسروق رواه ابن أبي شيبة، وسعيد بن المسيّب رواه ابن أبي شيبة.
وروى البيهقي في الشّعب عن خالد بن خداش قال: جئت إلى مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه فرأيت عليه طيلسانا فقلت: يا أبا عبد الله، هذا شيء أحدثته أم رأيت الناس عليه؟ قال: لا بل رأيت الناس عليه، والآثار عن السلف في ذلك كثيرة لا تنحصر وقد ذكر الشيخ منها جملة في كتابه الأحاديث الحسان، في فضل الطّيلسان، فمن أراد الزيادة على ما هنا فليراجعه.
الثالث: قال الحافظ رحمه الله تعالى: ما ذكره من قصة اليهود إنّما يصلح الاستدلال به في الوقت الذي تكون الطّيالسة من شعارهم، وقد ارتفع في هذه الأزمنة فصار داخلا في عموم المباح.
وقيل: إنما أنكر أنس رضي الله تعالى عنه ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، وقال الحافظ- بعد أن أورد حديث أنس-: لا يلزم من ذلك كراهة لبس الطيلسان.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهو واضح لأن الكراهة تحتاج إلى نهي خاص ولا وجود لها، وإذا لبس الكفار ملبوس المسلمين لا يكره للمسلمين لبسه.
قال الحافظ: وقيل المراد بالطّيالسة الأكسية، غير أن المراد في حديث أنس، وحديث سهل بن سعد الطّيلسان المقوّر.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهذا أصحّ القول في الحديثين، ويؤيد أن هذا هو المراد في الثاني
ما أخرجه أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدّجّال فقال: «يكون معه سبعون ألفا من اليهود مع كل رجل منهم ساج وسيف» .
وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى في النهاية: الساج الطيلسان الأخضر، وقيل هو الطيلسان المقوّر، ينسج كذلك.
وقال القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي رحمه الله تعالى: لا يمنع أهل الذّمّة من الطّيلسان، وهو المقوّر الطرفين، المكفوف الجانبين، الملفوف بعضها إلى بعض، ما كانت العرب تعرفه، وهو لباس اليهود قديما، والعجم أيضا، والعرب تسميه ساجا، ويقال إن أول من لبسه من العرب جبير من مطعم، وكان ابن سيرين رحمه الله تعالى يكرهه.
وقال الزركشي رحمه الله تعالى في الخادم: ذكر جماعات من أهل اللغة أن الطّيلسان نوع من الثياب، وهو المراد من لبس اليهود في حديث الدّجّال، وليس هو معروف الآن.
الرابع: قوله لم يكن يفعل التّقنّع عادة بل للحاجة تعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بأن في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر التّقنّع، أخرجه الترمذي في الشمائل وتقدم وذلك.
التنبيه الثالث: قال القاضي رحمه الله تعالى في شرح مسلم في حديث تحويل الرداء في الاستسقاء، فيه دليل أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم للرداء كان على نحو لباس أهل بغداد ومصر والأندلس من كونه على رأسه ومنكبيه غير مشتمل به، ولا متعطف ثم قال: وقد جاء ما يصحح هذا، فقد
ذكر أبو سعد عبد الملك صاحب شرف المصطفى أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ألا أخبركم بلبسة أهل الإيمان» ، فلبس رداءه، وألقاه على رأسه، وتقنّع به، ورفع بيده اليمنى على منكبه الأيسر انتهى.
التنبيه الرابع: قال الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى عقب إيراد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: الأردية ألبسة أهل الإيمان إلخ- الالتفاع والالتحاف بمعنى واحد، وهو استتار، وإنما قيل ألبسة أهل الإيمان لأنه يقدر مع ذلك على التّقنّع، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التّقنّع، وذلك أن الذي يعلوه الحياء من ربه يلجأ إلى ذلك لأن الحياء في العين والفم، وهما من الرأس والحياء من عمل الروح، وسلطان الروح في الرأس.
وروي في الخبر أن أخلاق النبيين التّقنّع، فهذا من الحياء، وكذلك أهل اليقين من بعدهم، وهم الأولياء رضي الله تعالى عنهم، وهذا دأبهم وشأنهم.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: إني لأدخل الخلاء فأقنّع رأسي حياءً من الله تعالى، فهذا لأهل اليقين، لأنهم أبصروا بقلوبهم أن الله تعالى يراهم،
فقال صلى الله عليه وسلم: «الالتفاع أي الالتحاف بالثوب متقنّعا لبسة اهل الإيمان، وذلك أن الحياء من الإيمان، وما ازداد عبد بالله تعالى علما إلا ازداد منه حياء، فمن تقنّع فمن الحياء منه تقنع، لعلمه بأن الله تعالى يراه علم يقين لا علم تعليم» .
الخامس: قال الشيخ رحمه الله تعالى: حيث أطلق العلماء الطّيلسان وقالوا: إنه بدعة أو شعار اليهود فالطّرحة المراد لا الالتفاع، وتارة يقولون: المقوّر، وتارة يقولون: السّاج، والكل بمعنى، والطّرحة كانت غطاء القضاة في أوائل الدولة العباسية، وهلمّ جرّا فاحتاج العلماء يبينون أنها بدعة لا أصل لها في السنة، وقال في موضع آخر: قد كان الخلفاء أحدثوا ألبسة الطّرح السوداء على العمامة للخطباء، واستمر ذلك إلى زماننا فرأيناهم كثيرا يلبسونها في الأعياد فهذا هو الذي تكلم عليه ابن عطّار، حيث قال في شرح العمدة بعد أن نقل عن الأصحاب أن الإمام في الجمعة يزيد في التزين بالرداء ونحوه: وليس من زينته الطّيلسان، فإنه ليس شعار الإسلام، بل من شعار اليهود، وإلا فقد نص على استحباب الطيلسان أي التّقنّع من أصحابنا القاضي الحسين في تعليقه.
السادس: قال الثعالبي في فقه اللغة: أصغر ما يغطى به الرأس يقال له البخنق وهو خرقة تغطي ما أقبل من الرأس وما أدبر ثم الغفارة فوقها دون الخمار، ثم الخمار أكبر منها ثم المقنعة، ثم النّصيف، وهو كالنّصيف من الرّداء أو أكبر من المقنعة، ثم المعجر. وهو أكبر من المقنعة، وأصغر من الرداء، ثم القناع والرداء.
السابع: في بيان غريب ما سبق:
قال الحافظ في كتاب البيان معنى قوله: كأن ثوبه ثوب زيّات: معناه أنه كان يدهن شعر رأسه، ويتقنّع، وكأن الموضع الذي يصيب رأسه من ثوبه ثوب دهان.
نحو الظهيرة.
الممطر: بميمين الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، فطاء مهملة، فراء: ثوب صوف يتوقّى به من المطر.
معافري: بميم مفتوحة، ولا يضم فعين فألف ففاء مكسورة، فراء: نسبة إلى معافر حيّ من همدان.
مثلبة: بميم مفتوحة، فمثلثة، فلام مفتوحة، وتضم، فموحدة: اللوم والعيب.